أفلام الصيف.. وسطوة المنتجين سعيد أبو معلا** |
منذ بداية موسم أفلام الصيف شهدت الساحة السينمائية مذبحة كبيرة للأفلام التي تسابقت دور العرض على طرحها وسط حالة من عدم التنظيم؛ لتشتعل حمى المنافسة صراعا شرسا على اكتساب عواطف المشاهدين وما في جيوبهم عبر جرعات كثيرة من الضحك وتوابعه من غناء ورقص، وقليل من الرومانسية و"الأكشن". فشعار التسلية والترفيه الذي رفعته السينما المصرية منذ ما يقرب من 8 سنوات قد تجلى بقوة في هذا الموسم، ويبرر المنتجون ذلك بأن "الجمهور عايز كده". ورغم ما تحمله هذه الأفلام من موضوعات مختلفة ظاهريا؛ حيث هناك الأكشن والإثارة كفيلمي "ملاكي إسكندرية" و"حرب إيطاليا"، والرومانسية المطعمة بطابع كوميدي خفيف مثل أفلام: "غاوي حب" و"أحلام عمرنا" و"الحاسة السابعة"، نجد أن للأفلام الكوميدية بانوراما كبيرة تضعنا أمام المشهد بمعطياته الذي صيغ وفق تصورات المنتجين. تقليدية "الخالة نوسة" يظهر محمد هنيدي هذا الموسم من خلال فيلم "يا أنا يا خالتي" إخراج سعيد حامد، وفيه يقدم هنيدي دورين؛ الأول تيمور الطالب في المعهد العالي للموسيقى، و"خالة نوسة" المشعوذة والساحرة. هذا الفيلم مليء بالضحك المجاني والمواقف والأفيهات المشتركة مع حسن حسني، وتدور قصته التقليدية حول تيمور الذي يحب نوال زميلته في المعهد، وغداة تقدمه لخطبتها تقف أم نوال المؤمنة بالسحر والشعوذة في طريقهما. يضطر تيمور للعب دور الخالة الساحرة "نوسة" ليتعامل معها بنفس الأسلوب، ومن هنا يتجه الفيلم في مسار جديد يتخلله المواقف والمفارقات المضحكة. والفيلم كغيره من الأفلام يعتمد على حكاية البطل الواحد ويتعداها إلى قيامه بأكثر من دور، كما أنه يلجأ لتمثيل دور امرأة لجذب المشاهدين وصنع المفارقات المضحكة. ورغم نجاحه بتقديم جرعات كبيرة من الضحك عبر مواقف كوميدية فإنها فجة، حملها سيناريو مفكك، وسط أفيهات في أغلبها مكررة حفظها الجمهور عن ظهر قلب. لعب على مقاس أحمد رزق يعتمد فيلم "حمادة يلعب" اعتمادا كليا على الكوميديا من خلال بطله أحمد رزق "حمادة"؛ حيث تستثمر شخصيته السمينة كباعث على السخرية في سبيل خلق مواقف مضحكة وخفيفة. يعمل حمادة طباخا ويريد تحقيق الثروة، فلا يجد أمامه أسهل من مسابقات التليفزيون، ويدمنها بشكل كبير. تضطره إحدى المسابقات للبحث عن أي فتاة تشاركه البرنامج بأي ثمن للفوز بمليون دولار، وتستمر المواقف الكوميدية حتى يقتنع حمادة أن تحقيق النجاح بالجهد وليس بالمسابقات. وبالرغم من أهمية هذه الفكرة التي تصلح لتقديم فيلم كوميدي ينتمي لواقعنا الذي يشهد زخما كبيرا في المسابقات التلفزيونية، فإنها أُهْدِرت عبر خطأ قاتل تمثل في خلل معيب في نص السيناريو؛ حيث طرحت الفكرة لكنها لم تتطور لتخرج بشكل مميز يضعنا في نهاية موفقة. فبعد البداية الموفقة لجأ الفيلم إلى الأفيهات والمواقف المتكررة المعروفة لخلق مواقف كوميدية، وغداة الوصول إلى ذروة الفيلم جاء الفشل العقيم، فلم يقدم لنا أهداف هذه المسابقات ولا الشركات التجارية العملاقة التي تقف وراءها لسرقة أموال الجماهير وعقولهم... إلخ. ويظهر للمشاهد بوضوح أن الفيلم وكأنه فُصِّل تماما على مقاس أحمد رزق؛ فالبطولة فردية له، لا تلعب الشخصيات المحيطة أدوارا كبيرة، وهي بذلك لم تخلق كيانات بشرية حقيقية حول البطل الفردي. غناء وأفكار مبتورة غزا الغناء أفلام السينما في هذا الموسم، منها فيلم "سيد العاطفي" الذي أثار مشاكل لدى هيئة الرقابة على المصنفات الفنية قبل عرضه على خلفية مشهد احتجاج أمام السفارة الإسرائيلية، إضافة إلى مشاكل لدى جماهير الزمالك لتعرُّضه لمشجعي الأهلي. الفيلم من بطولة عبلة كامل، والمطرب تامر حسني، وينتمي لقائمة أفلام الكوميديا الممزوجة برومانسية ساذجة. تدور أحداثه حول "أم سيد" عبلة كامل بنت البلد، وسائقة التاكسي، ومشجعة الأهلي، وأرملة شهيد، وابنها سيد الطالب في كلية القانون الذي يطرد بسبب مواقفه ومطالبته بكرامة الطلبة. تلجأ الأسرة الفقيرة للعمِّ الذي استولى على أموال أخيه في سبيل توظيفه، لكنه يطرد ليعمل بعد فشل حبه الأول خبيرا لحل المشاكل العاطفية. ويعود مرة ثانية لطرق باب عمه، وعلى خلفية قيامه بمسيرة أمام السفارة الإسرائيلية احتجاجا على سياسة "شارون" يطرد مرة ثانية ليتأجج الصراع بينه وبين عمه. لم يوفق الفيلم في عرض قصة متكاملة، بل مجموعة أفكار مبتورة بلا معالجات منطقية، فنجد أنه تكلم عن الحريات في الجامعات المصرية، والزواج العرفي، والظلم العائلي، وبطالة الشباب. والأهم من ذلك أنه لم يضع المشاهد في عمق النظرة لامرأة تعمل سائقة تاكسي في مجتمع شرقي، كما كان من الممكن استغلال هذه الفكرة لتقديم نموذج لفيلم قوي، وفي كل هذه المشاكل كان التسطيح واضحا، فيما الحلول فقدت قدرتها الإقناعية. استثمر الفيلم صوت تامر حسني وجماهيريته كمطرب؛ حيث قدم فيه 3 أغنيات، وهذا حال فيلم "علي سبايسي" بطولة المطرب الشعبي حكيم، الذي لا يوصف بأنه فيلم بل حفل غنائي؛ فهو عبارة عن 5 كليبات يؤديها حكيم وسمية الخشاب. وكذلك حال "يا أنا يا خالتي" الذي اعتمد أيضا على صوت دنيا سمير غانم وهنيدي، وهي بالمناسبة أصوات لا تصلح للغناء، لكنها جزء من حالة عامة مرضية تشهدها الساحة الفنية. "البهلوان" و"فن" شقلبة الكلمات لجأ فيلم "بوحه" لشخصية محمد سعد ولغنائه البهلواني، وفيه استنسخ شخصيته من أفلامه القديمة "اللمبي". تنشأ المواقف الكوميدية من خلال شخصية ابن البلد الريفي "المعتوه" الذي يأتي إلى القاهرة مطالبا بحقه من أحد الجزارين ليخوض صراعا "عبيطا" ضد الشر والظلم. ينتمي الفيلم لمجموعة الأفلام التي تقدم البطل المطلق؛ حيث على عاتقه تقع عملية الإضحاك في جو "كوميدي خشن" يعج بالانفعال والحركة المصطنعة، يأتي هذا وسط عدم منطقية المواقف للحصول على توليفة من الأفيهات التي تعتمد على الأداء العجيب والغريب، فجسد "بوحه" يبدو مادة زئبقية تتحرك في كل الاتجاهات، إضافة "لشقلبة" جمل السيناريو في شكل سيئ كمحاولة تحفيزية على الضحك. اعتمد الفيلم على هذا الشكل الغريب من الشخصيات المتناقضة في سبيل خلق ضحكة لا تعتمد على الموقف بل تصنعه بسذاجة تامة وعنيفة أحيانا. أكشن بأفكار مسروقة يعد فيلم "ملاكي إسكندرية" من أفضل أفلام هذا الصيف، وهو من إخراج ساندرا نشأت، وعن قصة وائل عبد الله، وسيناريو محمد حفظي، وبطولة أحمد عز وغادة عادل. يحكي الفيلم قصة فتاة فقيرة تتزوج من رجل أعمال ثري، تتهم بقتل زوجها في ظروف غامضة جدا، فتلجأ للمحامي الشاب "أحمد عز" الذي يقوم بدور "المباحث" لكشف تفاصيل الجريمة، وبالتالي إنقاذ موكلته التي تصبح محبوبته. يخوض المحامي مغامرات عدة لفك لغز الجريمة، يتخللها أكشن جميل عبر تصوير وعمل اشتركت فيه عناصر الإضاءة والحركة والصوت في لعب أدوار مؤثرة. تأتي الأحداث بعكس ما يتوقع المشاهد بعد أن يكشف تفاصيل الجريمة؛ حيث تبدأ قصة صادمة وصغيرة، فيكتشف بطريقة عفوية أن زوجته (موكلته سابقا) هي التي قتلت زوجها؛ وأمام إيمانه بالعدالة يقرر أن يخسر حبه وزوجته. الفيلم الذي فتح شهية النقاد للقول "إنه قد يكون مقدمة لازدهار الأفلام البوليسية"، تخلله إيقاع شد وجذب، وإثارة استمدت من سرعة الحركة، وتركيب مشاهد استرجاعية بطريقة جميلة للغاية. وما يعيبه هو افتقاد بعض أحداثه للمنطق في بناء وتطور علاقاته الدرامية؛ فبعضها لم يكن مقنعا للمشاهدين، إضافة إلى أنه نسخة من فيلم غربي بتفاصيله جميعها، حتى في تقديمه صورة المحامي الذي يتحول إلى شرطي مغامر. وجه الناقد "طارق الشناوي" اتهاما للفيلم بأن فكرته مقتبسة من فيلم أمريكي بمجمل التفاصيل، يحمل اسم "فاينل أناليسس" (التحليل الأخير)، وكذلك الحال مع فكرة الفيلم البوليسي "حرب إيطاليا" بطولة أحمد السقا، حيث وجهت له الاتهامات باقتباسه من فيلم "أوشن إليفن" Ocean’s Eleven الذي قدمه "فرانك سيناترا" عام 1960. كما أعاد "جورج كلوني" تقديمه بنفس الاسم عام 2001. سطوة المنتجين يبدو للجميع أن الجزء الأول من أفلام هذا الموسم قد اقتصرت في معظمها على إضحاك الجمهور بعيدا عن الفكرة والمضمون، حتى الأفلام الرومانسية والاجتماعية تمتعت بمعالجات سريعة لأفكار تقليدية، ومن أهم ما يؤخذ عليها: - جعلت الأفلام جميعها شباك التذاكر غولا أمام المنتجين؛ وهو ما دفع المنتجين والأبطال إلى القيام بحملات دعائية وإعلامية ضخمة لتثبيت أسمائهم كأبطال شاشة. - شهدت الساحة مذبحة من الأفلام سببها حالة من عدم التنظيم، قادت إلى حرق نجوم وأبطال وأفلام، وبالتالي ابتعدت السينما عن إطار التنظيم، وسيطر عليها الموزعون وبعض دور العرض. - ويمكننا القول: إن هذه الأفلام كرست البطل المطلق، كما أنها استخدمت حيلا عدة في سبيل دفع الجمهور لطَرْق بابها؛ كتمثيل البطل لدور امرأة، وهي القضية التي أثيرت في أكثر من محفل فني، ومغازلة جماهير رياضية بعينها، والعزف على وتر المطربين الذين اجتذبتهم السينما ورجالها. - لوحظ أن هناك إفلاسا فكريا في بعض الأفلام؛ فقد تبين أن فكرتي فيلمي الأكشن مقتبستان من فيلمين أجنبيين، كما تبادلت الاتهامات بخصوص سرقة قصة فيلم آخر. كما أن مجمل الأفلام لا يبشر بصناعة سينما حقيقية موضوعا وتصويرا وإخراجا وأداء ممثلين، واستفادة من تقنيات سينمائية حديثة. سؤال السينما يبدو بوضوح أن الكوميديا والمعالجات الاستهلاكية السريعة أصبحت مسيطرة على الساحة السينمائية، ولست أدري لِمَ كل هذا الاستسهال في تناولها وهي تعتبر بحق من أصعب المعالجات تناولا فيما لو نفذت بحرفية، أم أن نجاح السينما جماهيريا أضحى مرتبطا بالضحك فقط؟. لسنا ضد الكوميديا على أي حال، لكننا ضد البضاعة التجارية التي تعمل على إرضاء المشاعر ودغدغتها، وتغيب العقول، وتدعو للتصفيق والتهريج العام. وكحال أفلام حقبة التسعينيات يأتي حال هذا الموسم تجاري، بموضوعات سطحية تعزز رغبات تافهة، لا تقترب كثيرا من المشكلات الاجتماعية المهمة، وهذا سيفقدها تأثيرها وأهميتها لدى الجمهور المتلقي على المدى الطويل؛ طالما خرج من صالة العرض بلا دهشة أو فكرة أو سؤال مهم، وهذا هو العبث بعينه. _________________ ** ناقد سينمائي. موقع "إسلام أنلاين" في 24 يوليو 2005 |