وسواس الثقافة والمعرفة في عقل السندريلا |
يقينا وجدت الصبية الجميلة سعاد حسني أن عقلها لا يستطيع أن يجاري هذا الذي يحدث حولها فكما سبق وقلت كانت وجها سينمائيا جديدا واعدا.. يحتفي به الوسط السينمائي المصري، وكانت بعد فيلم صلاح أبوسيف من «البنات والصيف» وفيلم حلمي حليم «3 نساء» بؤرة كل حديث بين كثير من السينمائيين، بل نشأ بينها وبين المطرب الرومانسي الذي يخرج صوته من القلب ليدخل القلب، علي حد تعبير حلمي حليم، ثمة تعاطف كبير بعد أن جمع بينهما صلاح أبوسيف في «البنات والصيف» ولأول مرة تجد الوجه الجديد الطالع بقوة الشائعات تحيط باسمها علي الساحة السينمائية، فخلال العمل في «البنات والصيف» كانت سعاد حسني لاتزال تقيم في بيت الأم وزوجها في شبرا بين عدد من الشقيقات والأشقاء يزيد عددهم علي 17 أخا وأختا.. وكان هذا بالفعل يعوق نشاطها في البلاتوهات.. ووفق عبدالحليم حافظ في أن يجد لها شقة صغيرة من حجرة واحدة في الدور الأخير من العمارة رقم 17 بشارع يحيي إبراهيم بالزمالك.. شقة علي السطوح لابد أن يعبر المرء سلما فرعيا شبه معلق لكي يصل إليه.. وانتقلت سعاد حسني من شبرا إلي الزمالك لكنها لم تكن لتعيش بمفردها في الشقة الصغيرة.. فضمت إليها أختها الأقرب إليها والتالية لها في قائمة الإخوة والأخوات صباح. كان عبدالحليم حافظ وفي شهامة الشراقوة... يبسط رعايته علي أجمل وجه جديد بزغ علي الساحة السينمائية، محاولا أن يخرجها من حالة الإملاق والحاجة التي كانت تحيط بها عندما أدخلها بركات البلاتوه لتمثل «حسن ونعيمة» وفي تلك الفترة لم أكن أستطيع أن أجزم بأنهما حليم وسعاد أصبحا طرفي قصة حب، إلا أنني ومن خلال علاقتي بحليم منذ البدايات أستطيع أن أؤكد أنه علي فرض وجود هذا الحب، فلن يتجاوز حالة رومانسية يعيشها حليم. * بريق نجمة تولد أعود إلي ما أسميته «اليسار السينمائي المصري» وشلة الجمال.. كانوا متماسكين مترابطين بنفس القوة التي كانوا بها في منتصف الثلاثينيات.. عندما تجمعوا لأول مرة في استوديو مصر. وكان من الصعب علي وقد كنت آخر المنضمين إلي شلتهم.. أن أصنفهم.. أقربهم إلي كان المخرج الكبير الراحل حلمي حليم وكان بطبعه شديد الولع بالثقافة السينمائية بشكل خاص، والعامة بشكل أكثر خصوصية، وكان لا يقرأ نبأ عن كتاب سينمائي في أي من فروع السينما في أي من العواصم إلا ويذهب مباشرة إلي مكتبة الأنجلو أو مكتبة شادي ليستورد عددا من النسخ يوزعها علينا.. حلمي تخرج في قسم الأدب الإنجليزي من آداب القاهرة وربما كان هذا سببا من أسباب ولعه بالدراما وإحساسه المفرط بها،وكان صمام الأمان لكل من زملائه المخرجين،كان قارئا لسيناريوهات أفلامهم قبل أن يشرعوا في تنفيذها، وكان رأيه في أي تعديل أو تصحيح علي حق دائما... ويذكر لحلمي حليم أنه عندما بدأ عمله كمخرج، وفي سلسلة أفلامه القليلة التي بدأت بفيلم «أيامنا الحلوة» لم يقدم نموذجا شريرا واحدا.. وكان يعتنق فكرة أن كل الناس أخيار.. حتي محمود المليجي رمز الشر علي الشاشة عندما قدمه في فيلم «حكاية حب» جعله طبيب قلب ينفرط قلبه وهو يري شابا طموحا موهوبا عاشقا لابنة أخيه يهدده الموت بمرض القلب فيصطحبه في رحلة علاج في الخارج لكي يعود سليما معافي. خلاصة القول إن هؤلاء الرواد خلقوا التيار الاجتماعي الواقعي في السينما المصرية.. ولم يكن فطين عبدالوهاب مجرد مخرج يجيد زغزغة المتفرج ليضحك بل كان له فلسفته في الكوميديا ودورها في حياة الناس، وكانت ثقافته السينمائية واسعة ومتعددة الأفرع، بحكم تواجده بجوار شقيقه حسن عبدالوهاب صاحب أكبر وأكمل مكتبة سينمائية عرفها الوسط السينمائي.. ولا أحد يختلف في تصنيف صلاح أبوسيف ولا دوره في تاريخ السينما المصرية والثقافة السينمائية فهو ورغم وجود معهد السينما صاحب فكرة معهد السيناريو، الذي ضم إليه كل أديب وكل كاتب واعد علي الساحة وهو يدير إحدي شركات القطاع السينمائي العام، وهو صاحب أبرز دورين في تاريخ السندريلا.. دورها في «الزوجة الثانية» ودورها في «القاهرة 30» ولم يكن كمال الشيخ مجرد أحسن مونتير في السينما المصرية، ولا مجرد مخرج أفلام إثارة وتشويق علي طريقة هيتشكوك بل كانت له رؤياه الناضجة فكريا واجتماعيا وسياسيا، فهو وإن لم يقترب من سعاد حسني في غير فيلمين هما «بئر الحرمان» و«علي من نطلق الرصاص» إلا أنه في النهاية صاحب «اللص والكلاب» و«ميرامار». * طلبة رضوان والسفيرة عزيزة طلبة رضوان اسم علي خريطة المخرجين في تاريخ السينما المصرية، لكن عندما لاحت له فرصة التفرد بالعمل كمخرج كان له اتجاه متميز يسير في خط أصحاب الفكر السينمائي، كان طلبة رضوان، قبل التحول إلي مخرج قد عمل مساعداً أول للإخراج طيلة عشرين عاما،كان المساعد الأول لحلمي حليم وصلاح أبوسيف وفطين عبدالوهاب وكمال الشيخ ونيازي مصطفي، حتي دفعه حلمي حليم دفعا إلي التحول إلي مخرج فأخرج أول أفلامه لشركة إنتاج حلمي حليم، ولم تنقطع الصلة بينهما عندما أتيحت لطلبة فرصة إخراج فيلم للقطاع العام، بل إن حلمي حليم، امتد تأثيره الفكري ورؤياه في الحارة المصرية وأنماطها إلي الفيلم وهو «السفيرة عزيزة»، بل وساهم إلي حد كبير في أن تكون بطلته سعاد حسني أمام شكري سرحان وعدلي كاسب جزار الحارة الذي يتعامل بالساطور والكزلك، وأكل ميراث أخته «عزيزة» التي أحبت مدرسا سكن في بيته ورفضت أن تقبله زوجا إلا بعد معركة ضارية مع الجزار لكي يعيد إليها ميراثها.. كانت أفكار حلمي حليم في السيناريو بارزة، وواضح أنه صاحب ترشيح سعاد حسني بطلة الفيلم. وكانت سعاد في هذه الفترة تعاني الكثير من الوسوسة فيما يدور حولها.. لم يكن سرا أنها قد حرمت من نعمة الثقافة، ولم يكن سرا أيضا أن أفكار سينمائيين كبار مثل حلمي حليم وصلاح أبوسيف وفطين عبدالوهاب وكمال الشيخ وآراءهم وتعاملهم معا، تسلمها إلي حالة مضنية بل ومرهقة من التفكير كانت أرضا خصبة للأفكار والآراء، لكنها كانت تعجز في هذه المرحلة عبر استيعاب كل فكر يصب في رأسها كانت تعاني ما يمكن أن نسميه «الوسواس الثقافي» خاصة بعد أن حقق لها فيلم فطين عبدالوهاب «إشاعة حب» وفيلم «طلبة رضوان» «السفيرة عزيزة» قدرا كبيرا من النجومية كان الخوف من الاتهام بالجهل وعدم المعرفة، في هذه المرحلة يعذب السندريلا وربما بحثت عن نطاق آخر أكثر سهولة وأكثر يسرا من عقدة الثقافة، فرغم قناعة طلبة رضوان المطلقة بموهبتها بعد فيلم «السفيرة عزيزة» فقد تحولت فيما يشبه الهروب عن فيلمه الثالث والأخير «قصة ممنوعة» الذي مثلته ماجدة مع شكري سرحان ومحمود المليجي...وودع طلبة رضوان الحياة بعده وانتهي تاريخه كمخرج.. ولم تجسر علي العودة إلي فطين عبدالوهاب صاحب نجوميتها في «إشاعة حب» إلا في فيلم واحد هو «عائلة زيزي» مع أحمد رمزي وفؤاد المهندس، والملحن محمد سلطان في الدور الوحيد الذي ظهر فيه علي الشاشة. لم تعد سعاد حسني في بداية الستينيات مجرد وجه جديد يعد بالتألق علي الشاشة، بل أصبحت ممثلة أولي توضع في الحسبان عند التفكير في مشروع سينمائي جديد.. وعرفت طريق البطولات والنجومية في عدد من الأفلام كفيلم «غصن الزيتون»، المأخوذ عن قصة محمد عبدالحليم عبدالله «شجرة اللبلاب» أمام النجم الفارس أحمد مظهر.. والغريب أنها ابتعدت فجأة عن مجموعة مخرجي اليسار السينمائي كصلاح وفطين وكمال الشيخ وحلمي حليم، ووجدت لنفسها مستشارا سينمائيا، ومخططا في شخص المنتج الصديق الراحل تاكفور أنطونيان.. كان تاكفور حتي أواخر الستينيات، مدير إنتاج ومشرف عام علي الدعاية في شركة أفلام ماجدة.. وكان مديرا لفرقة رضا للفنون الشعبية، وعندما تكون ما يسمي «اتحاد السينمائيين الفنية» الذي أداره بكفاءة المصور السينمائي الكبير عبدالعزيز فهمي كان تاكفور أنطونيان هو مدير إنتاجه الذي قدم أكبر وأعظم أفلامه وهو فيلم «إجازة نصف السنة» الذي قامت ماجدة ببطولته مع كل أبطال فرقة رضا من محمود رضا وفريدة فهمي ومحمد العزبي وأخرجه علي رضا.. وكانت سعاد في تلك الفترة قد كونت ثنائيا مع حسن يوسف أخف الممثلين دما علي الشاشة ومثلت معه فيلم «فتاة الاستعراض» المأخوذ عن فيلم «دعها تحب» لمارلين مونرو وإيف مونتان، وفي هذه المرحلة كان تاكفور أنطونيان يكون شركته الخاصة للإنتاج التي أطلق عليها اسم أفلام مصر.. وتركزت مشروعاته الإنتاجية في أن يتبني نجمة طالعة مثل سعاد حسني، وبدأت السندريلا تستمع لأفكاره ومشاريعه وتنصاع لتوجيهاته إلي حد كبير، لكن القمة كانت بعد عدة أعوام في إنتاجه لفيلم «خاللي بالك من زوزو» وكان تاكفور كصديق، يخطط لاقتراب سعاد حسني مني ومن كل أصدقائه علي الساحة الإعلامية أكثر. وفي هذه الفترة التقيت كثيرا بسعاد في شقة الزمالك، وعرفت أختها صباح.. وكانت أطول قامة، وأكثر سمرة لكنها كانت تتمتع أيضا بطعامة الملامح.. وتحيط بها موجة من الانكسار من إحساسها بأنها تعيش علي هامش حياة نجمة بدأت تتألق..وأسفت عندما لم يمتد بها العمر فقد حدث وخطبها شاب من قطر عربي، وتعرضا معا لحادث سيارة علي الطريق إلي الإسكندرية عند إيتاي البارود وانتهت حياتهما.. كانت سعاد حسني بطلة لفيلم نيازي مصطفي «صغيرة علي الحب» أمام رشدي أباظة، واستطاع نيازي أن يخرج منها طائفة من المواهب الأخري كالغناء والاستعراض بشكل لم يفعله مخرج قبله، وكان هذا أنجح انطلاقاتها التي مهرة إلي أن تتحول إلي سندريلا للشاشة المصرية. الأسبوع القادم تقرأ: مترجم العواطف بين السندريلا وديفيد هدسون جريدة القاهرة في 19 يوليو 2005 |
فيلم سيد العاطفي «فجر القضية».. لماذا تنحاز السينما المصرية للأهلي علي حساب الزمالك؟ مخرجو السينما اعتادوا اختيار نجوم الأهلي لبطولة أفلامهم هشام زكريا أثارت الإعلانات الخاصة بفيلم «سيد العاطفي» للنجمة عبلة كامل والمطرب تامر حسني العديد من ردود الفعل الغاضبة من جانب جماهير ومجلس إدارة نادي الزمالك حيث كانت اللقطة التي يركز عليها الإعلان الخاص بالفيلم تشير إلي عبلة كامل وهي تجلس في مدرجات النادي الأهلي بين مجموعة من الجماهير ارتدوا جميعا الزي الأحمر وراحو يهتفون علي طريقة عبلة كامل بقولهم «خدو 6 رايح خدو 4 جاي» في إشارة صريحة إلي نتائج المباريات التي جمعت بين الأهلي والزمالك خلال المواسم الماضية .. ولم يكن غريبا أن ينفعل مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك ويعلن علي الملأ.. «أنه سيقوم برفع دعوي قضائية ضد صناع الفيلم في حالة عدم قيامهم بحذف هذا المشهد الذي يسيء لنادي الزمالك ومن وجهة نظره» وبنظرة سريعة علي بعض الأفلام التي عرضت في السينما المصرية طوال تاريخها والتي ركزت علي أحد الناديين ضمن سياقها الدرامي، نجد أنها بالفعل كانت تنحاز للنادي الأهلي ليس في مضمون ما تقدمه فحسب ولكن في استعانة مخرجيها بنجوم الأهلي لبطولة العديد من الأفلام في الوقت الذي تجاهلت فيه نجوم الزمالك. فمن ناحية الأفلام نجد أن هناك أفلاماً مثل «غريب في بيتي» الذي قام ببطولته نور الشريف أمام السندريللا الراحلة سعاد حسني تقوم فكرته حول «شحاتة أبوكف» ذلك الشاب القادم من الأرياف ليحقق حلم عمره باللعب لنادي الزمالك، ورغم أن الفيلم يشير صراحة إلي نادي الزمالك إلا أنه أشار إلي جانب سلبي فيه وهو الخاص بالمؤامرات التي يدبرها اللاعبون ضد بعضهم، وهو بالطبع يثير أكثر من علامة استفهام خصوصا أن بطل الفيلم «نور الشريف» الذي كان ذات يوم ضمن اشبال نادي الزمالك، وحتي إذا صدقت الأقاويل التي انتشرت عند عرض الفيلم بأنه يحكي قصة حقيقية لنجم الزمالك السابق علي خليل فإن الفيلم دون شك يسيء لنادي الزمالك .. والغريب أنه لم تثر حوله ضجة مثل تلك التي أثيرت حول فيلم «سيد العاطفي». وعلي النقيض من فيلم «غريب في بيتي» جاء فيلم «خللي بالك من عقلك» الذي قام ببطولته فريد شوقي وعادل إمام وإكرامي حارس مرمي النادي الأهلي والذي يجسد فيه عادل إمام شخصية «زيكو» لاعب النادي الأهلي، وجسد إكرامي شخصيته الحقيقية كحارس مرمي في دور «كيمو» والذي لم يسئ للنادي الأهلي من خلال بطلي الفيلم حتي ولو كانت هناك محاولات من مخرج الفيلم في عدم إحداث أي غضب لجمهور الزمالك حيث أشار إلي فوز الزمالك علي الأهلي في إحدي المباريات، إلا أنه مع نهاية الفيلم انحاز للأهلي بشكل صريح وللاعبه «زيكو» الذي حصل علي الطلاق من زوجته أثناء سير المباراة ولحق بها في الشوط الثاني بعد هتافه الشهير «الأهلي حديد.. أنا ركبي حديد» ونجح في تحويل هزيمة الأهلي إلي فوز علي الزمالك. وبعيدا عن الأفلام التي انحازت للأهلي علي حساب الزمالك، وجماهيره فإن تاريخ السينما المصرية يشهد بانحياز كبار مخرجيها للاستعانة بنجوم الأهلي لبطولة العديد من الأفلام دون لاعبي الزمالك، ومن أبرزهم المايسترو الراحل «صالح سليم» الذي قام ببطولة فيلمي «اليوم الجديد» و«الشموع السوداء» والثاني يعد من أبرز علامات السينما المصرية، إضافة إلي النجوم عادل هيكل حارس مرمي الأهلي السابق وطاهر الشيخ الذي قام ببطولة فيلم أمام نجلاء فتحي وكان آخرهم إكرامي. أما الزمالك فلم يقم بالتمثيل من نجومه سوي جمال عبدالحميد والذي كان ينتمي أيضا إلي النادي الأهلي وخالد الغندور الذي ظهر في أحد المشاهد من فيلم «سكوت هانصور» للمخرج الكبير يوسف شاهين. وكل هذه المؤشرات تؤكد بالفعل أن جمهور الزمالك ولاعبيه ظُلموا كثيرا في السينما المصرية. هشام زكريا. جريدة القاهرة في 19 يوليو 2005 |