جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

الممارسة الفلمية كنوع جديد من الإتصال السمعي – البصري

بقلم: الباحثة البولندية ماريلا هوبفنغر*

ترجمة : عدنان المبارك

 

في عام 1895 بدا تأريخ السينما والفلم، وبذلك نشأ حقل جديد للممارسة الإجتماعية كما كان البداية لعمليات كان عليها أن تغيّر وجه الإتصال الإجتماعي وتؤثر على تحولات ثقافة القرن العشرين. إن نشوء وتطور وتحولات الممارسة الفلمية قد أسهمت كلها في خلق ثقافة قرننا. وعدد من من صفاتها الجديدة تماما قد ظهرت فيما بعد في الحقول الأخرى من الثقافة. في الوقت ذاته تطورت السينما في زمن محدد وإنتهلت من التقاليد وإعتبرت نفسها مسهمة في خلق هذه الثقافة ومن ثم تجذرت فيها متمثلة ً إنجازاتها. وربط تطور السينما صفات جديدة بالنماذج القائمة مما كان شهادة ً لنوع من التوفيقية الثقافية. و تكيّف السينما لشروط الثقافة مما سمح بتوفير مادة إمبيرية ومنطلقات مفهومية للتعرف على آليات عمل الثقافة عامة هذا الى جانب نشوء التاملات المكرسة للتقاليد واحوال الجدّة، و افستمرارية الثقافية و التبدلوفي الخير دينامية الثقافة وتحولاتها في القرن العشرين.

-1-

لم تملك السينما تجاربها الخاصة. وكان على منفذي الفلم و مشاهديه أن يتعلموا ، من الأساس ، مباديء الطروحات الفلمية و اصول الإتصال الفلمي. ص80 وكان الأوائل من محبي السينما وما بعهم سهودا لخلق تقاليد و شعريات و تغيرها و وطوي الزمن لها.كما كانوا يسهمون في تحولات الموقف إزاء السينما و خالقيها و متلقيها و وسطائها. و قد تشكل الوعي افتصالي الفلمي مع تطور السينما.

في منعطف القرنين و النصف الأول من القرن العشرين كان طراز الثقافة يملك بالدرجة الرئيسية طابعا شفويا. وفي الإتصال الإجتماعي و الممارسة سادت الأنظمة السيميائية و المواد الثقافية والممارسات المعتمدة على الكلمة. وكان ت الثقافة الأدبية تحتل المكان الرئيسي ، وكان الأدب سيّد البارناس و أدى في الوقت نفسه وظائفا مهمة في عيون المجتمع. وكان الإعتراف و التقدير و التقاليد الحية في الوقت ذاته قدجاءت قبل كل شيء من منطقة الثقافة الأدبية . وكل ذلك خلق السياق الفعلي لتطور السينما.

لقد دخلت السينما حلبة التصادمات بين النزعات الجديدة و أعراض التحولات الثقافية وبين ما رسخته التقاليد وإعتبرته ثابتا لايمكن المساس به. و جرت صياغة قواعد الإتصال الفلمي تحت ضغط أحوال الإرغام الثقافيه من مجهة وتحت تأثير فاعلية تقاليد الثقافة الأدبية. وهذا النظام المزدوج و مصادر الدينامية والتي هي متباينة جذريا وكما أعتقد هي لصيقة بكل ممارسة إجتماعية جديدة ، قد تكشف بالصورة الأكثر وضوحا في السينما.

لقد دخل الفلم الثقافة مستفيدا من نماذج مستديمة فيها. و بالتأكيد يدين الفلم في تلك الفترة بالفضل الكبير للتصوير والموسيقى. إلا أنني أعتبر أن الثقافة الأدبية كانت للفلم السند الأساسي والأكيد. فالأدب كالفن الأول للكلمة كان مصدر النماذج و الأنظمة لأنشط المساهمين في الممارسة الفلمية وبغض النظر عن مواقفهم المؤيدة للأدب أو المناؤءة له في السينما. في هذا التقليد نهضت نماذج عموم فنية أو أدبية صرفة تخص التعبير عن عالم الفن و(ريبرتوار ) السلوك و سلم القيم وكل ذلك ألقى بتأثير قوي على اسلوب التفكير و سبل العمل المرتبطة بافتصال الفلمي.

وفي الوقت نفسه فإن الدينامية نفسها للإتصال ( الخطاب ) الفلمي كانت ظاهرة جديدة في الثقافة التي كانت معتادة على إستمرارية البقاء و التحولات البطيئة. فالسينما شاعت بسرعة في البلدان الأوربية والولايات المتحدة. و أصبح الفلم يجذب الآلاف من المتلقين ، و حول قيمة الصور المطروحة هناك وفرص التطور إختلفت آراء ممثلي حقول الفكر و الفن و اصبح الفلم ، بصورة مبكرة ، في نظرهم ، فنا رخيصا لأزمانننا. ص 82 و الإنتاج الفلمي ذاته تطور بصورة متكافئة في بضعة مراكز إلا أنه في كل مكان ذلل مختلف الصعوبات : التقنية و التكنولوجية و التنظيمية و الإقتصادية وكلها نبعت من العادات المزمنة و أعدام التجارب الخاصة على السواء. لكن في العشرينات ودعت فترة الولادة الصعبة ومعها كبرى المنجزات لفن الفلم الصامت. فأعمال غريفيث وتشابلن و آيزنشتاين أو بودوفكين قد سجلت في تأريخ الثقافة وصمدت بوجه الآليات التي تخرب عادة الذاكرة افجتماعية. و إدخال الصوت على الفلم قد خلق صدمة في جميع مناطق الممارسة الفلمية و سبّب الصعوبات التقنية و المالية كمتا أخل بالممارسة و النظرية الخاصتين بالفلم الصامت. وهذه الأزمة ، كما يعتبر المؤرخون ، تم التغلب عليها لدرجة ملحوظة في النصف الثاني من الثلاثينات. وكان غزو السينما واقعا. و نطاقها الإجتماعي كان بمثل هذا الإتساع والقوة كما كان فعليا وكما تبين ، لم تجد لها أيّ منافس. و في الحقيقة لم تصعد مكانة الفلم بصورة تضاهي نطاقه. وقد جرى التطور التالي للسينما في الحقيقة بصوررة عاصفة و لكنها ثبتت في النتيجة موقعها الإجتماعي.وإستمر هذا الوضع لغاية ظهور التلفزيون . فحينها تبدلت مكانة الفلم على الخارطة الثقافية. و الحق ان الوضع الجديد قد سهل نضوج الإتصال الفلمي ومكن من صعود النوعية الفلمية. إلا ا، الوضع نفسه دفع الى مراجعة المباديء و المنجزات في هذا السياق الإتصالي الجديد ومن ثم الوصول الى إستنتاجات أملتها أخطار المنافسة التي خلقها ظهور التلفزيون و بقية وسائط الإيصال الجماعي.

-2-

إن الممارسة الفلمية التي تشكلت تحت تـاثيرات ٍ بينها الجبريات الثقافية الجديدة قد كشفت عن خصائص نعثر عليها بدرجات ووتائر متباينة في مناطق أخرى من الإتصال الإجتماعي للقرن العشرين. و جديدها إعتمد وليس على مسألة أيّ شيء خلقته فقط. فقد كانت هناك اساليب جديدة في تنفيذ الإعمال السينمائية وكذلك ما يخص وضع المؤلف و سبل تقديم صور معدة و طراز المتلقي السينمائي.

وحفلت عملية تنفيذ المؤلفات الفلمية نفسها بنوعيات جديدة. وعاد إليها قبل كل شيء المنحدر التقني للفلم و الطابع الإقتصادي للإنتاج و إسهام الكثيرين من مجموعة االتنفيذ في نشوء العمل وكذلك التقدم الكبير في العملية المؤسساتية intitutionization للعمل الفلمي.

إن اساس السينما هو المخترع التقني . و إستخدامه لتنفيذ الأفلام قد تطلب معرفة تقنية تامة و كسب قابلية افستخدام الأداتي. و تبين أن القاعدة التقنية هي الشرط اللازم، ولو أنه تمهيدي، لنشوء النتاج الفلمي. ونوعية الصور الفلمية و صلاحها التقني إعتمد بالطبع على المعرفة بأسرار فن التصويربالكاميرا، كما انه إعتمد على حساسية الشريط السيليلويدي ، وعلىمسالة اخرى : كمية الاشرطة التي كانت تحت التصرف اثناء العمل. ولم يقل في الأهمية المستوى التقنيى لنسخة والمواصفات التقنية لشروط العرض. إن تدخل الماكنة في عمل الفلم إمتلك طبيعة ثابتة و ضرورية وأساسية : خلق التدخل الواقع الشاشتيسواء اثناء التسجيل أو في مرحلة عرض الصورة الجاهزة. وشكل كل مقطع فلمي و الأعمال كاملة أرسي على قاعدة التكنيك.

و الإسهام المباشر للتكنيك في نشوء الفلم لم تترتب عليه اممارسات عملية مرتبطة بالإنتاج فقط بل كانت في ذات أحوال القلق النابعة من هذا الإعتماد المتبادل بين النظام التقني والاخر الأستيتيكي.. إن إسهام عمليات تقنية معقدة كشرط لابد منه لنشوء الخطاب نفسه قد تحقق اولا في حالة الفوتوغرافيا و بعدها بامد قصير في الفلم. و تدخل التكنيك في عالم الفن أو الإتصال قد حرّك للمرة الولى غشكالية عملية و نظرية تخص العلائق التقنية – الفنية. و هذه الظاهرة توسعت بسرعة بفضل ظهور الراديو ثم التفلزثون كما أنها شملت قطاعات أخرى مثل الموسيقى أللكترونية أو الفن الحركي kinetic وبعدها حسمت الألكترونيكا وجه الإتصال في زمننا. و لايرجع الأمر فقط الى شبكة التوزيع بل الى مادة و طابع الوسيطة media . ص84

في حقبة سينما الأسواق اصبح الفلم نتاجا صناعيا. و لإعتبارات تقنية و تنظيمية و مالية أدى صنع الأفللام الى نشوء فرع مستقل للصناعة : الصناعة الفلمية. للمرة الولى تدخلت الصناعة بالصورة المباشرةة في ميدان الخلق, في الحقيقة كان الإتصال الإجتماعي قد دان بالفضل لتطور الصناعة وخاصة في فروع الطباعة إلا أن ذلك خصّ فقط ميدان توزيع تعميم الكتب و المجلات و صور الأعمال الفنية و الإسطوانات. لغايتها كانت الصناعة تساهم في توفير نتاجات جاهزة للجمهور اي مضاعفة النسخ والأعمال الصلية وكانت الحال هكذا في مجال النشريات وخاصة الصحيفة التي لاوجود لها بدون الصناعة.

ولقد تبين أن حالة الفلم مختلفة جوهرا. فبدون إلتزام القدرة الإنتاجية لا يمكن أن تنشأ الصورة – الأصل prototype . وكمايبدو فإن مصطلح ( مصنع الأحلام ) ينطبق تماما على الشركات المنظمة لإنتاج الأفلام في البلدان المصنعة. و تنفيذ الأفلام قد إشتبك مع مباديء عمل كل فرع من فروع الصناعة الساعية الى الإنتاج النمطي للسلع المخصصة للسوق و التي تراعي قوانينه.

إن دور المنتج في تنفيذ الفلم قد غعتمد على تمويل العمل كله.وهذا لم يذكر براعي الفن والذي عرف لغايتها. كان المنتج رجل اعمال مارس مهنة هي إنتاج الأفلام وما كان يعنيه القيمة التجارية للصورة الجاهزة. المنتج وظف الراسمال ممن أجل ان يبيع المنتوج النهائي و تحقيق الربح و ليس من اجل خلق عمل كبيرفنيا و لكنه بدون ريع مالي. فالمنتج لم يكترث للمعايير الفنية ولم يسند الفن، ولكن بدون مؤسسة المنتج لما كان ممكنا تنفيذ الفلم. ومن هناد درجة إعتماد مجموعة المنفذين على المنتج ، و التي ظهرت في مرحلة خلق العمل مما كان يعني إعتمادا هو أكبر بكثيرمن غعتتماد المؤلف على الناشر، وهذا الشيء خاق وضعا يهدد بتصادم القيم بالمصالح. ومحاولة التوفيق بين هذين الطرفين تمثلت بوجود شركات خاصة للتعاون من أجل إنتاج أفلام معينة. وجاءت هذه المحاولات من اجل تفادي الماكنة الصناعية مما تبين أنه أمر ممكن لكن في حالة واحدة فقط وهي تخص الطلائع الفلمية التي تخلق طريقا مستقلا لكنه ذو نطاق غير واسع للإتصال الفلمي.

إن القران المتازم بين الفن و الصناعة قد اثار سخط معاصريه. و الطابع المزدوج للعمل الفلمي : الصناعيي و الفني قد تعرض لمعايير التقييم ونماذج السلوك المقررة. إلا ان نزعة تبسيط الإجراءات والممارسات في حقل الإتصال كانت في توسع مستمر وشملت مختلف قطاعات الثقافة وعملت على نشوء حقل جديد واسع للصناعة هو الصناعة الثقافية أو صناعة الثقافة ( عن ذلك يتكلم بصورة موسعة أدغار مورين E.Morin في كتابه " روح الزمن" ). كما الى ذلك بتأثير ه على تحولات الثقافة الدبية التقليدية. فتطور تقنيات الطباعة الجديدة و العدد الكبير من نسخ المجلات و الكتب و التعاون بين رجال القلم والإذاعة و الفلم و بعدها مع التلفزيون قد أصبح عنصرا مهما لشروط الإسهام الجديدة في الثقافة، كما خلقت وضعا مختلفا عن القائم لغايتها بالنسبة لتشكيل الخطاب و شيوعه ، و لمؤلفيه ايضا.

إن إنتاج الأفلام ، بدءا ً بالأساليب الحِرَفية و إنتهاءا بتصنيعه ، قد تطلب إحترافية و تخصصا لمختلف الوظائف الضرورية لإنتاج الصورة. وكانت كوادر الأخصائيين السينمائيين في مرحلة الولادة ىنذاك. وكان رواد الفلم مرغمين عن طريق التجربة والخطأ غنم التجارب أي من الأساس. أما الجيل التالي من السينمائيين والذي تربى في عصر السينما كانت نقطة إنطلاقه أسهل. و العرض السينمائي نهض نتيجة التعاون بين مجموعة أناس من مختلف المهارات. كانوا مؤلفي السيناريوهات و الحوارات ، ومنفذي الصور و المخرج و الممثلين و مصممي السينوغرافيا و الملابس و الكومبارس والفنيينن وواضعي المويقى و الأغاني وشتى اصناف المعاونين. و العمل في المجموعة صار الصفة المميزة للإنتاج الفلمي. ص 85

وقد أنجزت عملية تحويل الأدوار المرتبطة بالتنفيذ الفلمي ، في العشرينات والثلاثينات. في البدء جاءت مهنة المصور السينمائي. و بعدها كاتب السيناريو و المخرج كما نشأت مهن أخرى خاصة بالفلم. و أسرار رجل الفلم المحترف غنمها كل متطوعمنخرط في الأعمال المتعلقة بتنفيذ الفلم. ومر بعض الوقت قبل أن تنشيء الثقافة الفلمية مؤسساتها التعليمية . و شتى حقب تطور السينما تقدمت مهن أخرى على غيرها. وكانت مهن المصورين و كتاب السيناريو و الممثلين و في الأخير المخرجين الذين نالوا الموقع الرئيسي في تنفيذ الفلم و بالإعتماد على الموديل الراهن للسينما. ولكن مواقف أعضاء المجموعة المنفذة من الفلم كانت مختلفة. بضهم وجد في تنفيذ العروض الفلمية عملالا يختلف عن العمال الأخرى لكسب الرزق . و آخر وجدالعمل من الوظائف الفنية و الإجتماعية و إعتبروه نوعا من أنواع الخلق.

وعمليات مهنية الفلملم تخص السينما وحدها بل شملت كامل ثقافة القرن العشرين وصارت مع مرور الوقت من الصفات المميزة .إلا أن فكرة العمل في الجماعة لم تكن أمرا جديدا . فنحن نلقاها في المسرح، و بالعتماد على الموديل الراهن للمسرح كانت هناك في المقدمة بضعة مهن. و العمل الفني الجماعي كان الأساس أيضا في عمل الأوركسسترات السمفونية . لكن طبيعة هذا الشكل الجماعي في الفلم كانت أخرى تختلف عن المسرح أو الأوركسترا. و ما حسم الأمر بالدرجة الرئيسية إختلاف الصفات الإتصالية للعروض الفلمية. ففي المسرح أو الصالة الموسيقية ثمة وصل زمكاني بين المتلقين و مكان ( اي خشبة )الأداء الفني . في حضور و غسهام المشاهدين في كل عرض تكون المجموعة كلها خالقته. أما في السينما فإن وساطة شريط السيليلويد تمكن من التصرف الحر بالمادة المسجلة ، و الطابع غير المباشر لهذا الإتصال يخلق لجميع اعضاء مجموعة التنفيذ وضعا مغايرا لمنفذي شتى أجزاء النتاج الفني. فالسينما اشاعت و أبقت على نموذج دور( المنفذ الجزئي) الذي يملك تأثير محدودا للغاية على كامل النتاج و على الهيئة النهائية و معنى جزئه المحقق الذي لا يملك تاثيرا كبيرا.

أن توزيع الأدوار في العمل الفلمي و غسهام جماعة الأدباء كمؤلفي للسيناريوهات الأصلية أو التكييف أو الحوارات قد عمل على تثبيت دور جديد للكاتب. وهذا الدور قاد ، رغم الموقع العالي لكاتب السيناريو في عملية الإنتاج السينمائي ، الى تنفيذ الطلبيات التي هي في الواقع جزء معين من الكل ولا يقرره مما يترتب على ذلك أن هذا الجزء لا يتحمل المسؤولية كاملة . و حتى هذا الجزء قد يتعرض الى التغيير في هذا الكل و ليس بحكم الضرورة ، ضرورة تحويل الكلمات الى صور فلمية صوتية وإكتسابها معان جديدة او غضافية نتيجة لعملية ركن هذا الجزء في المكان الفلمي ذي البعاد المتعددة. فالتغيرات كانت بمكنتها تنتج بسبب نشاط اعضاء مجموعة التنفيذ الباقين أو المنتج أو الرقيبو الى آخره. وهذا مهد الطريق لنشوء مواقف لدي الكتاب تميل الى تقديم الخدمات التي قد تتعارض مع أفكار ومعتقدات و ميول الكاتب من جهة و من أخرى بدون الحاجة الى التعبير عنها أو الرغبة في ذلك. إن هذا النموذج ل( المنفذ الجزئي ) بشتى اصنافه قد شاع في كامل الإتصال الإجتماعي للقرن العشرين.

لكن ليس جماعية العمل الفلمي وحدها قد حدت من إمكانية التعبير الحر في الخلق الفردي بل جاء عنصر بالغ الأهمية يتمثل بتحول التحكم بالخلق الى مؤسسة .

إن مناطق افتصال افجتماعي خضعت دائما الى السيطرة افجتماعية. وهذه شملت مختلف أبعاد عملية الإتصال و بضمن ذلك مساسها بمرحلة الخلق ذاته. ولكن هذه السيطرة عملت ، عامة ، عن طريق شتى أنظمة القواعد و التوقعات و المواقف السائدة في هذا الزمكان وذاك. ص 87 . وهذه الوساطة غالبما تجسدت في هيئة ضغوط ومطالبات و نتائج تخص المؤلف بالصورة الأكثر مباشرة. وتبين أن السينما والصحافة قد أظهرتا كل ذلك باسلوب بيّن و ثابت وخاضع بدون اي إستثناء ، للسيطرة المباشرة ذات الطبيعة المؤسساتية ، وذلك في مرحلة الخلق نفسه. و في الحقيقة شملت العمليات المؤسساتية كامل افتصال الإجتماعي في النصف الأول من القرن العشرين. إلا أالمؤسساتية في حقل الخلق ذاته بالشكل الكثر وضوحا في ميدان الفلم. فجميع عناصر ومراحل الإتصال الفلمي خاضعة لضغوط السوق و الدعاية وتأثيرات مصالح الجماعات و الدولة. و كثرة درجات العمليت المؤسساتية قد زادت من قوة تأثير العوامل خارج الفنية ، و عملت على دعم أعمال المناورة و التلاعب بشتى أصنافها. وأصبحت الفروق واضحة بين مؤسسة الحامي patron التقليدي و أصول عمل المؤسسات الجديدة المبرمجة و الممولة و المسيطرة على النشاط و ليس الإعلامي فقط أو الداعئي الصريح بل الثقافي.

إن جميع هذه النزعات الجديدة تؤكد بقوة ن حضورها في الممارسة الفلمية ، وكانت هي جزئيا الشهادة على التغيرات في وضع الخالق – المؤلف ، كما جاءت غشارة الى حدوث التغيرات في الحقول الأخرى من الثقافة. لقد كشفت أيضا عن إرتباط الفنان بقضايا المشغل التقني و الصناعي وأحوال إعتماده الإقتصادي و السوقي و في الأخير النظام المؤسساتي. ص 88 و التبدلات الفعلية في وضع الخالق نتجت عن التحولات الإجتماعية التي طرأت على صورة الفنان التي الى جانب غموضية الإلهام ظهرت عوامل أخرى كالمهنية الماهرة و التقنية و المهارة إضافة الى اسرار الخلق وغير ذلك. لقد صيغ دور الفنان في حرفة، ومهنة الفنان الى جانب الأبعاد الأستيتيكية هليها أن تراعي المسائل الإنتاجية. و اسطورة الخلق الحر الذي لايقيده اي ّ شيء أخذت تحل محلها المساعي الواعية صوب توسيع حقل الإختيار و و غستقلالية موقف المؤلف وضد المناورات سواء أكانت الهادفة الى مضاعفة رأسالمال أم السلطة على الأرواح.

- 3 -

إن آليات وجود الفلم في الفضاء افجتماعي كانت تحدد صفات جديدة و بضمنها : النطاق الجماهيري للسينما ونؤسساتية الواسطة و تلقي الفلام ، هذا إضافة الى الطراز الجديد للمتلقي والتلقي أيضا.

لقد كسب الفلم بسرعة البرق المناصرين ،ووصل بسرعة الى الجمهور الواسع. وكان هذا جمهورا غير تقليديا و من الناحية العددية فاق عدد متلقيي الفن لغايتها. إن هذا النطاق الجماعي للفلم كان ممكنا بفضل الوصول السهل نسبيا ، الى السينما. وشبكة دور السينما الاخذة بالتوسع وخاصة في المدن وطذلك التبدل الدائم لبرنامج العرض و الأجور غير المرتفعة للمشاهدة و الطابع الإعتيادي لتلقي هذا الفن الجديد قد خلقت كلها ظروفا سهلة للسهام في الممارسة الفلمية. والحقت بهذه عوامل أخرى مثل جاذبية الصور المعروضة ومضامينها المفهومة ، وفي الأخير : سحر الشاشة نفسها. . والسينما المتمتعة بجماهيرية ضخمة قد لبت ، كما يبدو ، حاجات جمهورها. و هذاه الجماهيرية المحققة قد شجعت على الحفاظ على الموقع و الزمت به في الوقت نفسه ، وذلك عملت كثيرا على نشوء الصو رة الأسطورية ل( المتلقي العادي ) و نمطية الإنتاج نفسه.

إن جماعية السينما سوية مع الإنتشار الواسع للصحافة قد عملت على نشوء تغيرات اساسية في شروط افسهام في كامل الإتصال الإجتماعي في القرن العشرين.ص89

إن للممارسة الفلمية طابعا غير مباشر . فبين الطارح، و ايّ كان تعريفنا له ، والمتلقي ليس ثمة إتصال مباشر لا في الزمن ولا في المكان ، و بالنتيجة ينظم المنطقة بين الطرفين الوسطاء والمؤسسات الوسيطة. و النتاج الجاهز هو عرض للجمهور الذي قد يقبله او يرفضه. و وهذه الخصائص هي مشتركة بين الإتصال الفلمي و الممارسات الإتصالية الأخرى. و بضمن ذلك الأدب أيضا. و الخصائص تسبب عواقبا معينة خاصة أنها تضفي طابعا صناعيا وآخر يخص السوق ، على التوزيع والتعميم كما تنشا من جراء ذلك ظاهرة المؤسساتية. إن هذه الظواهر نفسها في في المجرى الإجتماعي لنتاجات الثقافة ليس بالامر الجديد. فالكتب والمجلات لم تصل بشكل آخر الى قرائها، وفيمابعد على سبيل المثال ، السطوانات و الكاسيتات الى محبي الموسيقى و ( الكلمة الحيّة ). إن التجارة المتطورة لمواد الإتصال الثقافي قد رسخت بعد غختراع تقنيات ناجعة للإستنساخ وحين اصبحت النسخ بأعداد مضاعفة سلعة.

كان الجديد هو الطابع الجماعي و التنميط للسوق الفلمية عبر مؤسساتية الوسيط و التلقي أيضا.

إن صناعة التوزيع قد إنساقت للتصورات السائدة آنذاك حول موضوع جمهور السينما و افعتماد الكلي على على ما يسمى بالمتلقي العادي والجماعي. وينبغي الإعتراف في الوقت نفسه بأنه منذ البداية ولو أنه ذلك كان على نطاق ضيق ، كانت بعض مراكز السينما قد طرحت برنامجا أكثر طموحا وعروضا خاصة وفعاليات مرافقة لها. و توزيع الفلم كان رغم ذلك عملا تجاريا – ماليا صرفا. بهذه الصورة تعاملت مع التوزيع مكاتب التأجير و اصحاب دور السينما و بقية حلقات هذا الفرع. و علاقة مشابهة إمتلكتها الدولة عموما. فالدولة حين فرضت ضرائبا عالية قد غسهمت في هذه ( المصلحة إنتيريس ) بنسبة ليست بالصغيرة.

ومضمون عروض الشاشة كان في موضع إهتمام شتى المؤسسات الإجتماعية و الثقافية والسياسية والأخرى للدلوة. . فمع مرور الوقت بدأ تثمين فرص إستغلال هذه الأداة في منطقة الإتصال الإجتماعي . فالنتاجات الفلمية االمنفذة وفق النماذج التقليدية و التصورات حول اي شيء سيعجب الناس ، كان عليها كي تصل الى الجمهور أن تلبي شروطا معينة – مضمونية و شكلية و تخص التقاليد والعادات و أخرى سياسية. وشتى المؤسسات المبرمجة و المسيطرة على المجرى الإجتماعي للأعلام قد طرحت مطاليبها على المنتجين القطريين و أخضعت برامج دور السينما للرقابة . ص 90

والمؤسساتية شملت أيضا التلقي نفسه. فالطابع الجمهوري و الجماعية لتقي العروض الفلمية يقود الى المقارنة مع الإتصال المسرحي. فالعروض المسرحية يمكن مشاهدتها فقط في القاعة المسرحية اي في مكان وزمانين محددين ، غير أن مضمون العمل المسرحي يمكن للجمهور ولو أنه اقل عددا لكن أعلى مستو يمكن ألتعرف على ذلك العمل اي مضمونه المطبوع. وفي حالة الممارسة الفلمية يكون ممكنا إسهام المتلقين في ظرف واحد فقط وهو وجود المؤسسات : دور البسينما. بالطبع ثمة غمكانية على السيناريوهات إلا النسبة هنا واطئة جدا..وبهذه الصورة كانت الشاشة التلفزيونية قناة مهمة و مكتنزة بالإمكانيات رغم أنها ليست بالموائمة تماما لإشاعة أفلام دور العرض. وقبلها تقترح دور السينما برنامجا معينا فقط في زمكان محدد. ومن هنا فإمكانيات الإختيار أمام مرتاد السينما لا يمكن مقارنتها بوضع قاريء الأدي مثلا . فهذا يتصرف بإمكانيات لا تقتصر على الدخول الى أقرب متجر للكتب.

ص 90 إن تنميط السوق الفلمي و الناتج عن نشوء جمهور جديد من المتلقين العاديين و توجّه الإنتاج الى المتلقي الجماعي قد تبين بأنها ظاهرة وقتية. ومع تطور الفلم نفسه و ججمهوره ستخضع هذه السوق الى التنوع. و النزعة الى تعددية التداول circulation الإجتماعي للإتصال تشير الى إتجاه التحولات الراهن ليومنا هذا رغم أنه قد تتبدل اسس تلك التقسيمات.

لكن الدرجة العالية من مؤسساتية التداول و بمعزل عن غنى برامجه سواء في حقل التوزيع أو التلقي كان عليه أن يكون صفة دائمة و ليس للسينما فقط بل بكامل الإتصال المعاصر.

كانت السينما ظاهرة جديدة و أنشأت جمهورها الخاص . ولزمن طويل كان جزؤها الكبر هو المسهمين الجدد في الثقافة. لم يكن هؤلاء أناسا متعلمين ولم يعرفوا التقاليد الفنية الرفيعة. وليسوا هم ممن إعتادوا على نماذج الثقافة التقليدية بل كانوا خارج نطاق تأثيرها لاغير. و بنية تجاربهم وحاجاتهم و ذائقتهم و تفضيلاتهم قد إبتعدت عن النماذج المعترف بها. لقدا كانوا يملكون ( ريبرتوارهم ) الخاص بهم و نطاق قيمهم وسلمها. و بغمتلاكهم لقدر معين من وقت الفراغكانوا يحبذون الجلوس أما الشاشة. وفي الإحساس الإجتماعي كانت السينما قد اصبحت شائعة كمؤسسة ثابتة في المدينة حيث الناس البسطاء بحثوا عن مهرب من اليومي الرمادي الى مملكة الوهم والتسلية و اصبحت صالة السينما إحدى المؤسسات الثقافية الأكثر ديمقراطية.

و جمهور متلقيي الفلم خلق بكتلته طرازا جديدا من المسهم في الثقافة أصبح في الوقت نفسه مشكلة للثقافة الأدبية أرغمت الأدب و الأدباء على قبول واجبات جديدة و خدمات مما سبب تحولات في الثقافة نفسها وكذلك تبدلات في ادوار الكاتب. وكان ضغط هذا الطراز قد إمتلك قوة إرغام ثقافي. و أهتم بالسينما أيضا ممثلو تلك الأوساط الإجتماعية المتجذرة عميقا في الثقافة. فقد أعلنوا عن نفورهم من السينما كغذاء للفقراء روحيا. وفي زمن ما كان الأوربي يذهب الى السينما رغم أنه كان يخجل من ذلك. وجاءت الثلاثينات بتبدلات فيما يخص موقف الجمهور من السينما و الذي أخذ يبحث الى جانب التسلية عن قيم أخرى فيها. كما إغتني ريبرتوار الوظائف الإجتماعية للأفلام. و إستطاعت السينما أن تنوع إتجاهات كي لا تقتصر على تيار الثقافة التسلوية وحده .

في القرن التاسع عشر كانت مواقف التلقي إزاء مواد الثقافة الإتصالية مستقطبة بصورة واضحة : فنوع معين منها كانت له إحالته الى الطروحات الإعلامية العادية ، و آخر الى الطروحات الفنية . وبالنسبة للمساهم المتعلم في الثقافة من ذلك الزمن كانت منطقتا الفن و اللافن منفصلتين ومتصلتين مع قوانين مختلفة لسلوكيات التلقي. وهذه القوانين قد صيغت خلال عملية طويلة من الممارسات الإتصالية. مثلا يفترض الخطاب الشفوي ( تفسير مجازٍ مرسل ٍmetonymy ) أي أنه متلقى كرواية عن أشخاص وأحداث من عالمنا مرتبطة بعناصر أخرى من هذا العالم ، في حين أن الطرح المسمى بالفني يفترض ( تفسيرا إستعاريا metaphoric ) أي رواية عن اشخاص وأحداث نحيلها عند التلقي الى الى عالمنا من خلال التناظر analogy فقط. إن هذا الوضع الإتصالي للأعمال الفنية يعتمد على اسلول في تفسير الخطابات بعيد عن القواعد السارية أي التفسير الإستعاري لوحده.

التقاليد إحتفظت لنفسها بالتفسير الأول للخطابات من منطقة خارج الفن في حين أن التفسير الثاني كان يخص الأعمال الفنية. إلا أن الفلم لم يكن بمقدوره في البدء ايذ تقاليد. فمبادءه تعلمها الكل ، والكل كان مبتدئا : الطارحون و المتلقون ، وبمعزل عن عن مسألة أيذ تجارب كانت لهذا وذاك في حقل الثقافة.وعندما كان على الطرفين أي المتلقين و المنفذين الفلميين الوصول الى قواعد السلوك فيما يخص التلقي إقتصر الخيار على موقفين : التفسير المجازي و الآخر الإستعاري .

و الفلم تعرض للتقسيمات المعترف بها. إذ ساعدت طبيعة المادة الفلمية ، وقبل كل شيء ، على الراهنية في تلقي التجارب الحياتية الشائعة. فإشارات الفلم التي هي معروفة أكثر من غيرها لغاية ذلك الحين ، قد إرتبطت في الذهن ، بواقع العالم الفعلي و باسلوب يوحي بحضورها وبذلك تعيد خلق أو تكرر صورة الإنسان ووضعه في عالم واقعي. و لذلك كان من السهل نسبيا ، إثارة التجارب الشائعة لدى المتفرج. كان المقصود ليس التفسير الذهني لوضع الإنسان. فلهذا تفرغت حقول للثقافة ناضجة و جادة ومعتبَرة مثل الفلسفة و العلم و الفن. في السينما كان المقصود تقديم قصة ما وبمعزل عن مضمونها ، و إعادة تقديم ، على هذه الخلفية ، للعالم البشري في بعد مادي يتحقق بفضل الخصائص الملازمة immanent لمادة البناءالفلمية. ورافق ذلك ميل المتلقين الى ( تطبيع ) الصور التي يشاهدونها ، و التطابق السهل مع أبطالها. و هيئة غشارات الفلم قد ساعدت على نشوء التفسيرات المجازية في الخطابات الفلمية وبمعزل عن مسألة تنظيم الخطابات ولكن الى درجة معينة. إن الميل الى هذا التفسير لم يستثن مضمون الأعمال الفلمية مما أدى مثل هذا التفسير الى ان تنشأ في أغلب الأحايين ، مفارقة معينة : حكايات عاطفية وبانية كان عليها أن تبتعد كثيرا عن الوضع الفعلي والتجارب الشخصية في العلم الفعلي للمتفرجين السينمائيين. إن القوة الإيهامية لمادة البناء الفلمية قد تغلبت على العقبات مثل الساليب الفلمية المبتعدة بصورة واضحة عن ( الأسس الواقعية ). ولنأخذ التعبيرية الأمانية مثالا على ذلك.

في الوقت نفسه كانت المادة الفلمية قد إعتبرت مقاوِمة ً إزاء عمليات خلق الإشارات التي تحمل القليل دلاليتا لكنها بالغة الحرفية من ناحية و من اخرى كثيرة الدقة. و المعركة من أجل التقدم الدلالتي للفلم كانت الأصعب و الأطول أمدا بين معارك الفلم. بالتاكيد نشات هناك أفلام ذات اهمية في شتى فترات تطور السينما ، في بداياته أيضا لكن هذه الظاهرة ستتسع مع إختمار التجارب و إغتناء اصول الإتصال الفلمي. إن المادة الفلمية نفسه تصعب تطور الوعي الإتصالي. فلقد كان منبع وخطوطا خلفية لمواقف التلقي الناتجة عن التفسير المجازي .

غلا أن هذا لا يعني نهاية البحث في قضايا تلقي الفلم. فقد ظهرت هناك شروط معينة لـ(لتعرية الوهم) مما جاء لمصلحة التفسير الإستعاري. والحالة النفعية للتلقي المرتبطة بدخول قاعة العرض و طقوس القاعة و إطار بداية و نهاية الفلم المعروض قد فصلت بصورة مضاعفة عالم الوهم الفلمي عن العالم الفعلي. و التطور السريع للخطاب و نشوء المسكات و العقد التقليدية و الشعريات وتبدلها قد صارت كلها سدا أقل أو أكثر مناعة أمام التفسيرات المجازية . و في الأخير فالتقاليد عملت لمصلحة الموقف الذي يعامل كفن ، ولو أنه ضعيف ، وليس كحالة فعلية او بديلها. و في النتيجة فإن تلقي الفلم حينها وفي بدايات السينما وكذلك اليوم ، يتذبذب بين الميل الى الى التفسير المجازي والآخر الإستعاري. وفي الحقيقة فإن التفسير الثاني يلائم بصورة واضحة الثقافة السمعية – البصرية ولكن لمصلحة التفسير الأول تعمل قوى الوهم من خلال الفعل الهادف حضورية واقع العالم الفعلي. أن الوضع الإتصالي للأفلام يعتمد التحرك المليء بالتوتر بين اثنين من التفسيرات اللذين لم يلتقيا لغاية الآن ، وبينهما ثمة فعل يخلق الأساس لصياغة دلالات الإتصال الفلمي.

- 4 -

إن الصفات الجديدة للممارسة الإتصالية الجديدة قد تعايشت مع التأثير القوي للتقليد الأدبي على الفلم. و برأيي بأن نماذج الثقافة الأدبية هي التي خلقت للسينما برنامج التقدم الفني والثقافي. و هذا البرنامج المرتبط في اوقاتنا الحالية بالطريق الى البارناس قد القى بتاثيره على مسألة النظر الى الظاهرة الجديدة من خلال موشور التجارب المعهودة ، وفق مراتب الفن . ص 94 زنلقى في هذا البرنامج آراء مرتبطة بمنطقة الطرح – الخلق و كذلك الطارح – المؤلف وكمثال أذكر مسألة السيناريو ودور كاتبه في قيام الفلم أو موقف منفذيه والذي يحمل الصفة الاتاليفية ، كما أن هناك نموذج افختيار الفردي أمام جمهور السينما ، وصياغة النتاج الفلمي وفق الشبه بالنموذج الأدبيز

طوال كامل فترة ما بين الحربين كان التفرغ بالدرجة الرئيسية ، وخاصة في بولندا ، لتلك العناصر من السينما ، في البدء السينما الصامتة وفيما بعد الناطقة ، والتي غرتبطت بفن الكلمة. وكانت القضية الأولى قضية السيناريو سصواء حين جرى بحث عملية الخلق الفلمي أو عند ما كان يجري النقاش حول مستقبل الفلم. وكإعتراف للسيناريو بمثل هذا الدور المهم كانت هناك إعتبارات إنتاجية ومتطلبات مؤسساتية و مصلحة المنتج . و =عندما يوافق المنتج على تنفيذ السيناريو يكون قد آمن بأنه يعرف كيف ستكون النتيجة النهائية. و الميل الى القيام بالتطابق بين المشروع المكتوب للفلممع صيغة المخصصة للشاشة كان شائعا الى حد كاف وخاصة في ستينات القرن وسبعيناته. والثقة المتجذرة في التقاليد بالكلمة وعبادة الحكاية fable والعقدة intrigue قد أكسبت مرحلة كتابة السيناريو أهمية خاصة عند إعداد الفلم ، كما أن هذا السيناريو إنفصل بوضوح عن عملية نشوء الفلم و اصبح مؤسسة مستقلة. و إعتبركاتب السيناريو المبتكر الرئيسي للصورة القادمة، في حين ان مهمة المنفذ الفلمي التفرغ لعمليات نقل السيناريو و الحسم ذي الطبيعة التقنية وكامل الخدمات المتعلقة بالتنفيذ.

أجد أن قبول مسألة التطابق بين الهيئتين المكتوبة و الثانية أي المضاءة على الشاشة ، وعلى الأقل بالنسبة للفلام الروائية ، قد حسمها قبل كل شيء ،ما يسمى بالمضمون أو القصة ، أو كل ما يمكن تلخيصه وروايته. و أهمية اقل علقت على حقيقة أن إشارات الفلم لاتطرح أو تنقل القصة بل تخلقها قبل كل شيء ومن خلال السرد المبني عن وعي ، عن طريق التنظيم الفني الذي يخدم طرح المفهوم الفكري والإنفعالي للمؤلف . وفي حالة السيناريو ، عدا ما إعتاد العصر عليه ، كان ساريا نموذج مبموس نقل من ريبرتوار الإتصال المسرحي. و في ذلك المسرح كان نص المؤلف الدرامي قد لعب الدور الأول وإعتبر عمللا كاملا مستقلا عن الخشبة و متداول إجتماعيا كنص مخصص للقراءة بمعزل عن كونه مخصصا للعرض المسرحي. أكيد أن السيناريو الفلمي لم تتوفر فيه الشروط الضرورية لإعلانه صنفا أدبيا جديداـ، وفي كل الأحوال لم ينل مرتبة الفنون المسرحية. وكان وضع السينما ومكانتها الواطئة في الثقافة آنذاك عقبة كافيبة. ومكانة السيناريو في حقل الفلم بالمعنى العملي و النظري على السواء متأتية من تقاليد الثقافة الأدبية. و الثقافة حين ( تروّض ) الظاهرة الجديدة يصعب عليها الخروج من أفقها.

وكتابة السيناريو لم تصبح مهنة في كل مكان. لكن عمليات صيرورتها مهنة شملت النشاط الفلمي. وكما سبق أن ذكرت فيالبدء الى جانب كاتب السيناريو كرس الإهتمام قبل كل شيء للممثلين و المصور . ولكن في العشرينات إرتفعت الصوات ن وفي الواقع لم تكن كثيرة ، التي تدافع عن دور المخرج في خلق الفلم.ومما لاشك ان الدافع هنا كان زحزحة كاتب السيناريو عن المرتبة الأولى. وفهم وظيفة المخرج كخالق نضج في البدء في التأملات المرافقة للسينما. و بهذه الوظيفة ربطت فرص تنسيق نتائج عمل كامل المجموعة المنتفذة للفلم ، و إمكانية منح الفلم طابعا فرديا وجعله خطابا لمؤلف واحد. و نموذج التاليف المنحدر من التقاليد الأدبية قد تسرب الى الفلم وغرتبط بصورة دائمة بشخص المؤلف. وهذا النموذج اللصيق بكامل التقاليد الفنية قد رفع المخرج الى مكانة الفنان. لكن في الممارسة السينمائية بدا هذا النموذج يعمل بصورة متأخرة.

والمر المميز أنه بمعزل عن الظروف المغايرة للخلق فأن تقاليد الثقافة الأدبية قد زودت الفلم بنماذج الحلول لإشكالية الطارح – المؤلف. ص 96 ومرة حين بين الكثير من الأدوار ورماحل العمل الفلمي تمّ إعطاء الدور الأهم لوظيفة كاتب السيناريو الذي منح الأهمية الرئيسية في خلق العرض للشاشة. للمرة الثانية أي مع إزدياد دور المخرج الفلمي في خلق كامل العمل بدأ ربط نموذج المؤلف المأخوذ من التقاليد الأدبية بالموقف الخلقي المستقل فكريا و بالمرجعية الأخلاقيةز ومع كرور الوقت أفلحت التقاليد في تكييف المسهمين الجدد في الثقافة اي جمهور الفلم غير المعتاد على النماذج المعترف بها. مثلا يمكن الإفتراض بأن متلقيي الثقافة الجدد ومحبي السينما تعلموا بالصورة غير المباشرة سبل معينة من الحكي منقولة من الأدب و ثيمات و حلول كان الفلم قد اقترضها و هضمها. عدا هذا التداول الواسع ذي الطابع التجاري بدءا بالعشرينات ظهرت دوائر الخالقين الطلائعيين والمتفرجين ذوي المطامح إلا أن نطاقهم افجتماعي لم يكن بالكبير. رغم ذلك فأن النشاط في حقلي التنفيذ و النظرية وكذلك الإشاعة لدى الطلائع الفلمية لم يبق بدون تأثير على السينما التجارية والمتلقين العاديين على حد سواء. و الحماس الصريح للسينما لدى الكثيرين من ممثلي النخب الفكرية وطذلك الطلائع الفنية قد لعب دورا مهما في عمليات تكييفه الثقافي. فهولاء الذين اثارت الظاهرة الجديدة دهشتهم و فضولهم قد أبدوا افهتمام بحاضرها ومستقبلها معلنين أفكارهم فيما يخص وسائط التعبير و الإمكانيات الفنية و الوظائف الإجتماعية للفلم. وهم من أدخل على السينما اسلوب التفكير ومعايير القيم والتي كانت قد تشكلت في الثقافة الأدبية . و في الأخير هم من حمل الى السينما نموذج الإختيار الفردي و ثبّته رغم قوة المؤسساتية فيما يخص تلقي افتصال الفلمي. إن نموذج الإختيار الفردي ، وهو المميز للتقاليد الفنية ، قد سمح في التعبير عن شتى الحاجات الثقافية و الإجتماعية والميول و أحوال التفضيل ، كما شطر وحدة الجمهور الفلمي وساعد على نشوء التنوع فيها ، و صار شرطا ، الى جانب تنوع افنتاج الفلمي نفسه ، في تشكل مناطق تداول مختلفة في هذا الإتصال. وإزدادت أهمية السينما بفضل جمهورها الواسع و كذلك بفضل إهتمام خالقي الثقافة و المساهمين الطلائعيين فيها .

إن السينما الباحثة عن قواعد للتعبير لجات غالبما الى نماذج المسرح وخاصة في في الفترة الأولى ، والى الأدب ايضا وخاصة أدب القرن التاسع عشر. إن الآلية السيميائية الداخلية للفلم قد فضلت السرد narration ، وأساليب القص زودتها الحصيلة الأدبية بها. و الأدب كان المنطقة الأهم لشكال السرد غير أن مجرى الإستفادة من تجارب الأدب لم يقتصر على النماذج الروائية العامة. فقد نقلت مباديء التكوين الروائي و أخذ بسبل بناء المشاهد كما إستعيرت تقنيات توجيد شخصيات الأبطال وطرائق حل النزاعات.

و في إطار هذه المساعي و الإستعارات كانت هناك محاولات تكييف الأعمال الأدبية للسينما. و مكانة العمل الدبي كان عليها أن تكون نوعا من بطاقة دخول الى الثقافة معترف بها و مقدَّرة ورفيعة.

إن التعامل مع الفلم وفق معايير منمذجة من الأدب كفن قد خلق نموذجا متميزا من نماذج التفكير المكرس للفلمز إنه نموذج يملك تبريره الثقافي القوي وبقي لأمد طويل ذا حيوية. و بفضل نماذج التقليد الأدبي بدأت النصوص الفلمية تؤدي شتى الوظائف الإجتماعية . الى جانب الوظائف القديمة كانت هناك أخرى جديدة : سياسية ودعائية و مناورة و ذاتية الغرض autotellic . إن العروض السينمائية اصبحت أداة مهمة في اللعبة ذات شتى الأغراض و القيم المتباينة. و جرت عملية طويلة و مجهدة لمنح السينما معنى رفيعا. من الإتصال الفلمي رغم كل المحاذير ، كان يتوقع أن يصبح إتصالا فنيا ذا خصائص حددت للفن ىنذاك. وبمعزل عن مسالة هل حصل ذلك بالفعل و الى أيّ درجة ، فغن إغناء ريبرتوار الفلم بالوظائف الإجتماعية كان له أهمية اساسية بالنسبة لتجذر السينما الثقافي.

و ينبغي إكمال فرضية أن نماذج التقليد الدبي قد خلقت للسينما برنامج التقدم الثقافي والفني ، بحقيقة أن أن هذا التقليد نفسه حين طرح حلوله الخاصة إنما مسح خصوصية السينما واعاق ،لأكثر من مرة ، البحث عن الأستقلالية الأ ستيتيكية ، كما أنه لم يقدر الجديد الذي جاءت به السينما حقا. إن نماذج الثقافة الفلمية قد أدت في تطور السينما دورا مضاعفا - كابحا و مانحا للدينماية في الوقت نفسه. ومن هنا تمرد السينما على الدب . و كان هذا التمرد قد خص بالدرجة الرئيسية النماذج النصّية أو داخل النصّية. إلا انه لم يتم التشكيك بنموذج التاليف اي ان للنص مؤلفه. كما لم يجر التشكيك بنموذج الإختيار الفردي . ويمكن القول ، برأيي ، أن نماذجا معينة للثقافة الأدبية قد عملت على تقدم السينما و أخرى منحدرة من التقليد نفسه قد صعّبت عملية تطورها. إن غستمرارية الثقافة و التي تحافظ على حيوية نماذج paradigms التفكير قد قوّت توسع الإتصال الفلمي و لكنها في الوقت نفسه قد أبدت المقاومة . وكلتى النزعتين تصادمت في ميدان السينما و كل واحدة منها كبحت سميرة الأخرى. وكلتاهما إمتلكت ذات القوة ذاتها ولكن ليس الإتجاه ذاته ، قد أدت كلتاهما في الممارسة الفلمية الى نوع من التفاهم والحل الوسط – بين التطور الناتج عن الشروط العينية ( الأرغامات الثقافية الجديدة ) و بين التطور الناتج عن الاراء القديمة ( نماذج الثقافة الأدبية ).

- 5 -

إن وضع الممارسة الفلمية في النصف الثاني من القرن العشرين يبدو مغايرا. فالسينما المتأرجحة بين التجديد و التقاليد ، قددخلت بصورة نهائية الثقافة . والجبريات الثقافية الجديدة عن عتبة القرن و التي اسهمت في تقرير تطور و إستقلالية السينما قد شملت بتأثيرها حقولا أخرى من الإتصال الإجتماعي . وعلى الفلم اليوم ان ياخذ بعين الإعتبار حالات التجديد التالية وإما رفضها أو تقبلها ولكن في كل الأحوال عليه ان يستخلص الإستنتاجات لنفسه من حضورها.

إن إشكالية نماذج الثقافة الأدبية في الإتصال الفلمي والضرورية لإعادة تشييد عمل الفلم في النصف الأول من القرن العشرين ، و تحديد سبل إلتحاق السينما بالتقاليد وطرق تقدمها الثقافي تبدل الآن طابعها. وتنشا قضية هل أنه في زمن التحولات و في زمن وسائط الإيصال الجماعي هل هناك معنى للسؤال عن نماذج الثقافة الأدبية في سينما النصف الثاني من القرن العشرين؟

ص 99 كما أعتقد يجدر السؤال أول : هل أن البرنامج المصاغ يوما ما عن التقدم ، ككل او في نقاط معينة ، قد هضمته السينما وحققت له الإستقرار ، وهل ميلك غستمرارياته أم أنه صار منبوذا ؟ هل هو موضع التنفيذ حاليا وكيف ؟ هل يؤدي اليوم الوظائف نفسها في تطور الممارسة الفلمية ؟ وهل يملك هو لهذه الممارسة الأهمية نفسها؟ ثانيا : من المناسب السؤال هل أن الثقافة الأدبية تزود اليوم السينما بنماذج جديدة أم بقيت ذلك الحقل للثقافة والذي يسهم الى حد ملموس في برمجة تطور السينما ؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب إثباتات واسعة لكن علي أن أقتصر على بضع فرضيات فقط.

انا اجد أولا أن برنامج التقدم و الذي ضمن الدينامية لتطور الإتصال الفلمي من جهة ، ومن جهة أخرى كبح تطور الفلم حين إقترح محاكاة الأدب . وكانت السينما قد تواءمتمعه و إعتبرته برنامجا خاصا بها ، هو راهن على الدوام . وهناك شواهد كثيرة على ذلك و وأنا المس بينها النقاشات التي ما زالت حيّة حول إشكاليات المؤلِف الفلمي اي ما يسمى بفلم المؤلِف authors film ، و تجربة السينما المستقلة عن البنى الرسمية مثلا سينما ماتحت الأرض الأميركية ، وفي الأخير ما يتعلق بالفرص التي توفرها اشرطة الفيديو أمام المسهمين في هذا النوع من الإتصال.

ثانيا : أثناء تنفيذ برنامج التقدم كانت عناصره قد عُدّلت وخاصة نماذج بناء النصوص. ويمكن القول أن إستخدامها في حقل النماذج الأدبية و فيما بعد تكييفها ، وغذا لم يكن التغلب عليها ، لحاجات ريبرتوار الأمكانيات اللغوية و التنفيذ الفلمي للنصوص ، قد ادى الى تحقيق نوع من الشراكة و التعاون بين كلتى الممارستين . وهذا التحول قد إستثنى الوظيفة الكابحة للتطور المستقل للفلم.

و تصور هذه الفرضية جيدا الإستنتاجات النابعة من البحوث المكرسة لإشكالية نقل أعمال الأدب الى السينما adaptation في بولندا مثلا . ويكون للأدب دور إغنائي في تكوّن الفلم كنصوص سيميائية من طراز خاص ، حين يمتلك الفلم تماما ريبرتوار وسائط التعبير ، وحين ينضج كفن حقق غستقلاله ووصل درجة معينة من ( الوعي الذاتي ). حينهايكون التقليد الأدبي منطقة مهمة للإحالة والإلهام يمكن للففلم أن يستقي منها نماذجا لكن ليس على اساس المحاكاة التابعة بل عن طريق الإختيار.

ثالثا : إن هضم الممارسة الفلمية لبرنامج التقدم قد حيّد عامله الدينامي . فحين إمتلكت السينما تعليمها الثقافي الخاص بها كانت قد تعرضت لعملية التشبّه assimilation من قبل هذه الثقافة. و الشيء نفسه حصل للتقاليد. والآن بعد حققت افستقرار أخذت تبدي المقاومة إزاء الظواهر الجديدة. والبرنامج القديم للتقدم أصبح اليوم برنامج الحفاظ على المواقع التي غنمت. و وظيفته المانحة الدينامية لتطور افتصال الفلمي قد تحولت الى وظيفة تسعى الى تحقيق الإستقرار لموقع السينما، وتثبيت موقعها إزاء التقاليد ، ومكانها في الثقافة أيضا.

رابعا : و في الوضغ المغاير الآن ، أي وضع السينما والثقافة كلها ، يتجد البرنامج القديم. ففي الظروف الثقافية المتبدلة ورغم التقدم الذي حققته الممارسة الفلمية ، هناك الكثير من نقاط البرنامج القديم و التي يصعب تحقيقها . في النصف الثاني من القرن العشرين يدخل تنفيذهذا البرنامج ، عامة ، في نزاع مفتوح مع مثل هذه النزعات التطورية للثقافة مثل افشاعة الجماعية و غزو وسائط الإيصال الألكترونية والنزوع المؤسساتي بمختلف درجاته. و لهذا اصبح هذا البرنامج قضية مشتركة للثقفة الأدبية و الإتصال الفلمي.

خامسا : لا تزود الثقافة الدبية اليوم الممارسة الفلمية بالنماذج التي قد تملك أهمية حاسمة لتطور هذه الممارسة. غن الشراكة و التعاون التي ربطت هذين الميانين من الثقافة تفترضان بالطبع الإستفادة المتبادلة من التجارب ، و تحقيق الأفكار المبتكرة والمقترحات لكن في نطاق تلك الشراكة والتعاون حسب. و النماذج النابعة من ذلك قد تغني برنامج التقدم ذاك وتحسذن شتى ابعاد الإتصال الفلمي.

إن نماذج الثقافة الأدبية التي جاءت للسينما بإقتراح يخص برنامجا خاضعا ، مع تطور الفلم، لشتى أحوال التعديل ، نجده قد تحقق . وةاليوم تحول برنامج التقدم الى برنامج دفاع ٍ اصبح هدفه الحفاظ على الموقع الذي حققته السينما. ومن المنظور الراهن نلمس تحول الوظائف التي قامت بها نماذج التقاليد الأدبية في حقل الممارسة الفلمية : من وظيفة كابحة لإستقلالية الفلم الى شراكة وتعاون ، ومن وظيفة محفزة لتوسعية expansion السينما الى وظيفة تحقيق افستقرار للمكان الذي تشغله السينما في الثقافة. إن إتجاه التحولات التي تخص دور نماذج الثقافة الأدبية في الإتصال الفلمي هو ناتج عن الكثير من الظواهر التي تكون من بين أهمها التحول الذي طرأ على نموذج الثقافة ، والوضع الجديد للفن ، و التبدلات في موقع الأدب و الثقافة الدبية ، و تطور الممارسة الفلمية و مكانها في الثقافة بعد شيوع التلفزيون .  

____________________________________

* البروفسور ماريلا هوبفنغر M. Hopfinger باحثة معروفة في قضايا الإتصال الإجتماعي القائم في أطر الثقافة السمعية – البصرية. وهذا المقال المترجم هو فصل من كتابها ( الثقافة المعاصرة سمعية – بصرية ) الصادر في عام 1985. ومن كتبها المترجمة الى عديد من اللغات نخص بالذكر كتابها ( التكيّفات الفلمية للمؤلفات الأدبية . إشكاليات النظرية والتأويل) الصادر في عام 1974 .

موقع "القصة العراقية" في 11 يوليو 2005

شعرية الخطاب في الفيلم السينمائي

طاهر عبد مسلم

I

للوهلة الاولي تبدو الكتابة المتلازمة بين (روح الشعر) وفلسفة لغة السينما ابحارا في كم غير محدود من التجريد والخوض في ما هو نظري.. لكن المسألة لا تختصر اطلاقا بهذا التأطير والابتسار، فانهماك السينما بـ(لغتها) الخاصة وتبلور مفردات تلك اللغة وبنائها الشكلاني فضلا علي اتقان متونها الحكائية، كل هذه كانت اسبابا لرسوخ حقيقة تلك المتلازمة العميقة.

واذا افترضنا ان هناك مخرجين مميزين، متمترسين وراء حاجز اللغة، منغمرين في التجريد اللغوي كما هي تجارب الانطباعيين والتجريديين والدادائيين وتجارب الـ(اندركراوند) ثم بروز اسماء معاصرة مثل مايا ديرن وبازوليني وكوكتو وتاركوفسكي وسكوليموفسكي وشادي عبد السلام، وسواهم، هؤلاء مجتمعين لا يمكن ان يؤرخوا تلك العلاقة الملتبسة والاشكالية بقدر ما هم شاهدون علي منجز خالص تتداخل فيه اللغة بالصور.. ومن هنا وجدنا ان التجارب المنهمكة بأستاطيقا اللغة السينمائية ورمزيتها وروح الشعر فيها تتسع باتساع حقيقة كون الفيلم وسيطا اتصاليا.
واحسب ان هذا هو المفصل الحيوي في قراءتنا لفن الفيلم اليوم، فمهما امتد هامش التجريب والتجريد باتساع التجارب السينمائية فأن ادراج الفيلم في قائمة الوسائط الاتصالية سيخفف كثيرا من وطأة الفكرة التجريدية وسيجعل من الثوابت ايجاد صلة ما مع المتفرج.

II

إن قراءة الفيلم التجريدية وسط هذه المساحة العريضة من امكانات التكنولوجيا الرقمية تحيلنا مرة اخري واخري الي المرونة الهائلة للصورة، وكونها ارضية واسعة لمزيد من الترميز والتجريد وصنع الصور الشعرية.

ان هذه النقطة تجعل الفيلم امام مفترق حقيقي في اطاره التجريبي، ففي وقت تتضخم سوق الفيلم وتجارته، فأن هنالك اسئلة اكثر الحاحا عن الشعرية وخصوبتها في فن الفيلم.

وستتسع القصة باستقصاء قراءات رولان بارت وكرستيان متيز وجي سولومون وغيرهم ممن قرأوا البناء الرمزي والعالمي للفيلم.

ان نظام العلامات التي يمثلها الفيلم تقدم خيارات متعددة في استقصاء البناء الشعري، وما مدي قدرة المخرج علي بث مزيد من العلامات الخصبة؟

ان كون الفيلم نظاما علاميا يحيل الي رمزية كثيفة انما يؤكد الحقيقة الشعرية لفن الفيلم، ذلك ان ثمة مخادعة مريرة يصنعها الفيلم عندما يميل الي حكايات مبتذلة وسطحية من الواقع .. السينما العربية والمصرية خاصة بسبب سعة انتاجها كانت من التجارب الاقرب التي انزلقت الي فجاجة متناهية في بعض نماذج افلام الحارة المصرية الاقرب للمباشرة والسطحية وسنجد ان الرواية المصرية في حقب الستينات والسبعينات خاصة قد اوجدت موازنة موضوعية في تقديم متن حكائي معقول.

III

لعل هذا التناول لفن الفيلم من زاوية (انتاج الصورة) انما يقود الي توظيف الاستعارة والمجاز والرمز وما الي ذلك كلها في متناول المبدع في فن الفيلم وسيقود تاليا الي (نماذج متباينة) في مستواها ، ومحتواها وغزارتها في التعبير والتجسيد، وهي اشكالية ليست بعيدة عن تلك (المغامرة) القاسية التي سترتقي بالمبدع .. او تطيح به في اطار ما اتفق عليه ابداعيا بـ(الفن السهل الممتنع).

ان هذه الخصوبة والغزارة التي تنطوي عليها الصورة في تدفقها وتوظيفها خيارات لا تنتهي في اللون والشكل والحجم والكتلة والسطح والخط والمستوي والتوازن والميزانسين وسواها كلها تحتشد بين يدي المبدع صانع القرار الفيلمي، وعندها ربما كانت الحلول الواقعية هي ابسط الحلول واقصر الطرق الي المشاهد وشباك التذاكر.

لكن.. هنالك اليوم إدماج عجيب تلجأ اليه بعض التجارب العالمية لمخرجين احكموا الصلة ما بين البناء الشعري والمتن الحكائي من جهة وبين حقيقة الوسيط الاتصالي الذي ينطوي عليه الفيلم في صلته بجمهوره وسوقه في ما بعد..

بين هذا وذاك ..سنشعر بشغف المتابعة ونحن في اقل الحالات نقرأ سطورا متدفقة بالصور تلك التي تنطقها الشخصية فما بالك لو عاشتها وعبرت عنها بالصورة واللون والحركة؟

احد مباحث كتابي الجديد " الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة" الذي صدر حديثا

الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة

المؤلف : طاهر عبد مسلم

الناشر : دار الشؤون الثقافية – بغداد

سنة النشر : 2005

عدد الصفحات : 250 صفحة

مما لا شك فيه ان أي مشروع نقدي يتسع باتساع المعرفة التي تستجد فيه. وفي حقل الإنسانيات على وجه الخصوص هنالك أفق غير محدود في الخوض في معطيات هذا الفكر الذي يتجدد بتجدد الحياة نفسها. على هذا يجيء هذا الكتاب ليبحث في ميدان تتداخل فيه المفاهيم والقواعد المتعلقة بنظريات النقد الحديث وبالفلسفة ونظرية الأدب وعلم الجمال وأسس اللغة السينمائية.

الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة ، هو الجزء الثاني من مشروعي النقدي الذي حرصت فيه على الاجتهاد في مجال (حفريات) الخطاب السمعي البصري في شموليته، والخطاب السينمائي في خصوصيته بعد كتابي عبقرية الصورة والمكان. وخلال خمس سنوات هي مساحة البحث لإنجاز مادة الكتاب. وجدت ان من المهم الانفتاح على مستحدثات القراءات المعمقة لفن الفيلم، تلك القراءات التي لا تنطلق من مسلمات تقليدية ومكررة، بل تحاول إدماج نظرية الفيلم والنظرية النقدية بالمدارس والإتجاهات الحديثة. وسنجد ان طروحات وكشوفات مفكرين كبار، مثل: فوكو، وايفانكوس، وبروب، وبارت، وفان ديك، وجاكوبسن وغيرهم تحضر بقوة في سياق المناقشات التي طرحتها فيما يخص الخطاب السينمائي والمنطقة الوسط التي يمثلها السيناريو بين السرد في الرواية والقصة والسرد المقترن بالشاشة.

وفي فصول هذا الكتاب عمدت الى منهجية تستقصي مفاهيم السرد (narration concepts) من جهة صلة السرد السمعبصري بالسرد في أي حقل أدبي آخر. والمنطلق في هذا هو شمولية السرد السمعبصري والتداخل بين الخطاب السينمائي ووسائط الخطاب الأخرى من منطلق مقولة جاك ديريدا الشهيرة: "ان كل شيء يمكن أن ينتج خطاباً"، فمن نافل القول وجود التجاور بين أنساق الخطاب: السينمائي والتلفزي والفوتوغرافي والروائي والمسرحي والشعري…. وعالجت في باب السرد شعرية الخطاب، بوصفها نظاماً زمانياً ومكانياً وحكائياً وعلامياً. وعرضت لشعرية السرد، كما هي في تجارب برجمان وايزنشتاين وما يسميه بارت بالمعنى الثالث في قراءته للفيلم. وهو ما اشتمل عليه الفصل الأول.

أما الفصل الثاني ، فقد اتجهت الى البحث في ثنائية السيناريو والسرد، ومن خلالهما قراءة الشكل الأدبي في مقابل النسق السمعبصري وابتدأت بقراءة بنية السرد عبر بنية النص من خلال طروحات موير، وفان ديك ، وهايمس، وايفانكوس، ولنتفلت، وجاكوبسن، وكرستيان ميتـز. وهم الذين وجدت منجزهم في قراءة أنساق الخطاب أقرب الى ما أنا مقبل عليه في التأسيس لمشروعي النقدي الخاص.

أما الفصل الثالث ، فقد كان تعميقاً لما سبقه من فصول ومباحث نقدية، انطلقت فيه من دراسة (النوع الفيلمي)، وهل ثم متسع للخوض في دراسة أنواع سينمائية على خلفية وجود أنواع أدبية، وهي الفرضية التي أكدها الناقد والمفكر (س. سولومون) في كتابه أنواع الفيلم الأمريكي. وانطلقت في هذه القراءة من الخلفيات النظرية للواقعية والإنطباعية في السينما، إبتداءً من كراكاور، وبازان، وآرنهايم. هؤلاء الذين تتلمذنا على منجزهم النقدي منذ قراءتنا الأولى لفن الفيلم. وكمثال موازٍ عرجت على السينما الفرنسية في تجربتها وتاريخها وهي تكرس تلك الأنواع. كما عرضت لنماذج بارزة في تاريخ السينما، كما هي تجربة فرانسوا تروفو وأورسون ويلز.

في الفصل الرابع ، وبعد وضوح ملامح العلاقة بين الكلمة والصورة نقدياً وتنظيرياً، وجدت في الإعداد السينمائي للأدب (adapation) مدخلاً لفهم العلاقة وآلية النقل من لغة الى لغة، أي من لغة الكلمة والجملة والخيال الى لغة الصورة والصوت والحركة، وخلال ذلك درست الصلة بين الرواية والفيلم، وهو مجال كنت قد نشرت أول قراءاتي حوله عام 1988 في مجلة الأقلام العراقية، وكنت يومها أحضّر للماجستير. وعرضت خلال ذلك نماذج من أهم الروايات العالمية التي نُقلت الى الشاشة. كما توقفت عند رؤية نخبة من كتّاب السيناريو وهم يتولون عملية إعداد النصوص تلك معززاً ذلك بالتوقف عند مفهوم وبنية الحكاية، من حيث هي نواة في بنية السرد الفيلمي والروائي على السواء. وأما على صعيد السينما العربية، فقد عرضت لفاعلية الإعداد والاقتباس من خلال تجربة نقل أعمال الروائي الكبير نجيب محفوظ على الشاشة.

واختتمت الكتاب بفصل خاص تضمن وقفات لقراءة مجموعة من الكتب النقدية المهمة في مجال الخطاب السينمائي التي وجدت ان من المهم اطلاع القارئ عليها.

وبعد…. فإن هذا الكتاب موجه للباحثين المختصين بالخطاب السينمائي والسمعبصري، من الذين يتوفرون على قاعدة معرفية كافية في هذا المجال، فضلاً عن دارسي الفن السينمائي والتلفزيوني وكتّاب ودارسي السيناريو.. آملاً أن يسهم في تقديم حصيلة معرفية مفيدة للطلبة والدارسين والباحثين المعنيين بمباحثه وفصوله.

موقع "القصة العراقية" في 11 يوليو 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى