محمد الأحمد: مئات الأفلام وصالات جديدة لمهرجان دمشق المقبل دمشق - فجر يعقوب |
بدأت الاستعدادات الفعلية من أجل دورة مهرجان دمشق السينمائي الدولي، فالحركة الدائرة في المؤسسة العامة للسينما تدلل على ذلك إذ لا يتعدى الأمر محاولة الحصول على آلة (نفخ) الأفلام الرقمية وتحويلها إلى 35 ملم. المدير العام للمؤسسة محمد الأحمد يقول إن ثمة «نفخاً» أيضاً من نوع آخر يتجلى في محاولة إنتاج مجموعة كبيرة من الأفلام لشباب من خارج المؤسسة، وهذا ما حدث هذا العام. ولا يبدو أن الناقد محمد الأحمد ينقلب على شيوخ السينما السورية، فهو يرحب بتجربة محمد ملص في (باب المقام) في الوقت الذي يشدد فيه على أن كلامه عن الكائنات السينمائية الجديدة لا ينطوي على رغبات ناسفة لما سبق وتأسس على أيدي الرواد. هنا حوار مع الأحمد، يلخص هذه الاستعدادات والعقلية الإنتاجية التي ستتحكم بالمؤسسة ابتداء من العام المقبل. · عندما يجرى الحديث عن 500 فيلم كلها جاهزة للعرض في الدورة القادمة لمهرجان دمشق السينمائي، يتبادر إلى الذهن مباشرة موضوع صالات العرض وأحوالها. - رسمياً نحن تمكنا هذا العام من حلِّ مشكلة الصالات التي واجهتنا في الدورتين الماضيتين، وكان من المؤسف أن تعرض مجموعة متميزة من الأفلام في آن، بشروط صوت وصورة نعرفها جميعاً في صالاتنا. · ألا تخشى من حدوث تشويش لدى ضيوف ومتابعي المهرجان نتيجة هذا العدد الكبير من الأفلام المرافق لأفلام المسابقة الرسمية؟ - لطالما كنت أصر على أن متابع المهرجان مهما كانت هويته، سواء أكان عاشقاً أو تواقاً لحضور الجديد وما يشتهيه، لا يمكن أن يحضر أكثر من 3 الى 4 عروض في اليوم، أي ما قوامه 30 فيلماً خلال فترة المهرجان، ولكن ثمة حقيقة مفادها أنني أريد من موقعي كرئيس للمهرجان أن أقدم لعشاق السينما وجبة دسمة يختارون منها ما يشاؤون. هناك فئة تحب السينما الأوروبية، وهناك من يريد التعرف إلى أنماط سينمائية جديدة، وهناك أيضاً من يرغب باكتشاف السينما العربية. وثمة من يريد التظاهرات الاستعادية لمخرجين كبار تركوا بصماتهم الأكيدة في عالم الفن السابع. بالتأكيد لكل مشاهد ذائقة، ونحن نقوم في اختياراتنا على احترام هذه الذائقة من خلال تقصي بعض المسائل على ألا نذهب بعيداً. ونحن نعلم بالطبع أن الكم الكبير من الأفلام لن يكون متاحاً للجميع، كما ان هذا الحشد إن صحت التسمية ربما يسبب إرباكاً ما لدى المشاهد، ولكن ما أؤكده هو أننا نجد أنفسنا مضطرين لتلبية هذا الشرط الذي أعتقد أنه مكَّن مهرجان دمشق السينمائي في الدورتين الماضيتين من تحقيق نقلة نوعية. · هذا يتحقق في الشرط الداخلي... ولكن ماذا عن الشرط الخارجي وسورية تتعرض حالياً لضغوط دولية كبيرة في مواقع شتى؟... - نعم، ففي الدورتين الماضيتين جرت بعض الحوادث الدولية التي أثّرت نوعاً ما على المهرجان. في الدورة الأولى التي توليتها عام 2001 أتى المهرجان بعد أحداث أيلول (سبتمبر) مباشرة، وفي العام 2003 جاءت أوضاع العراق ثم سلسلة التصريحات الخارجية المعادية لسورية، ومع ذلك، وبفعل متابعتنا التي بدأت في وقت مبكر تمكنا من تجاوز هذه المصاعب بنجاح، ربما لم تصل إليه مهرجانات أخرى كانت تعتذر عن إقامة دوراتها نتيجة للأحداث السياسية المصاحبة لها. وفي الواقع أنا لست متخوفاً من هذا الأمر، وربما تأتي بعض الاعتذارات من نجوم أو من سينمائيين، ولكن عملية الحصول على الأفلام مسألة اعتيادية بالنسبة إلينا. خاص وعام · غالباً ما يجرى الحديث عن محاولات إشراك القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي السوري... ولكن ما تحقق على الأرض حتى الآن إن هو إلا محاولة خجولة (فيلم «قمران وزيتونة» لعبداللطيف عبدالحميد) لم تتكرر، ما هي أسباب إحجام هذا القطاع عن المشاركة؟ - القطاع الخاص في سورية تروق له مسألة الإنتاج التلفزيوني، ففيه تكون دورة رأس المال أسرع من الدورة الاعتيادية للفيلم السينمائي. المسلسل يعرض مرة واحدة، ويذهب إلى خزائن النسيان، أما الفيلم فعمره أطول، وبالتالي فإن العائدات المرجوة لا تتحقق خلال عام أو عامين. المسلسل أشبه بجريدة تقرأها، تفرغ منها ولا تحتفظ بها، بينما الفيلم شديد الشبه بالكتاب الذي تحبه وتحتفظ به في مكتبتك وتنصح الآخرين دوماً بالاحتفاظ به. نحن نعمل على تشجيع القطاع الخاص بكل ما أوتينا من قوة. نعرض عليه إنتاجاً مشتركاً، وندعمه بتأجير المعدات المتطورة التي أصبحت بحوزتنا في المدينة السينمائية ونعمل على تقديم كل التسهيلات الممكنة. وأعتقد بأن المشكلة تحتاج إلى المزيد من الوقت، فالحل مرتبط أيضاً بتحسين الصالات، وربما بإيجاد منافذ لتوزيع هذا الإنتاج، وهذه مسألة اقتصادية بحتة ليست من صلاحيات المؤسسة العامة للسينما، بل هي ناتجة عن مناخ عام لا بد من أن يُسوّى. هذا العام تحققت تجربة في القطاع الخاص للمخرج حاتم علي، فكنا سعداء بها، وسوف نشركها إلى جانب الفيلمين السوريين في المسابقة الرسمية وذلك بهدف تأكيد اللحمة بين القطاعين. وهناك أيضاً تجربة المخرج محمد ملص في «باب المقام»، فإذا كان ملص مستعداً لإشراكها، فنحن نرحب بها، فمهرجان دمشق هو لكل السينما السورية وليس حكراً على أحد. وأنا أعتقد من خلال ما يردني من طلبات بوجود تفكير جدي من بعض الجهات في القطاع الخاص لتنفيذ أفلام سينمائية. وكخاتمة لما سألت عنه، فانا أرى أنه لا يمكن للسينما السورية أن تبلغ شأناً أكبر إلا بإنتاج المزيد من الأفلام عبر تمويلها بغية ترسيخ آلية الإنتاج السينمائي. · قلت في معرض حديث سابق أنه اعتباراً من عام 2006 سوف تتغير العقلية الإنتاجية في المؤسسة... ماذا تقصد بهذا التغير؟ - أتمنى أن أقول هذا الكلام من موقع الناقد، وأعتقد أن السينما السورية مطالبة في الفترة القادمة بالتغيير في منهجية الأداء. لا يمكن أن تبقى الأفلام السورية حقول تجريب فقط، أو هي قائمة على تجارب شديدة الخصوصية، والانتماء لثـقافات معينة. السينما فن مفتوح على أمداء كثيرة، وهي اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى لتكون أكثر التصاقاً بالمشاعر وقرباً من العقل. لقد درجت العادة في المؤسسة العامة للسينما أن تكون الأفلام نخبوية وهذا لا يضر، وأنا إلى اليوم أؤكد أن الفكر النخبوي في السينما أو في المسرح، أو في اللوحة التشكيلية مطلوب وله متلقٍ يفتتن به، ولكنني أرفض أن تكون جميع الأعمال نخبوية. خذ على سبيل المثال سياسة الاستوديوات العالمية، فهي تحقق بضعة أفلام للمهرجانات وهي تعرف سلفاً أنها لن تأتي بالعائد المالي المطلوب، ولكنها في المقابل تنتج إلى جانبها مجموعة من الأفلام التجارية المتقنة التي تخاطب الناس وتمس مشاعرهم كي ترفع من العائد المالي غير المحسوب أساساً للأفلام التي ذكرت. وأعتقد لزاماً بأنه كفى سير ذاتية ومواويل خاصة، وكفى التذرع بأن السينما مشروع ثقافي ومشروع خاسر ليس من المفترض به جني المال. هذا ليس صحيحاً، السينما يجب أن تأتي بالمال، وإلا لكانت جميع الشركات التي نسمع بها قد غطت في أدراج النسيان. عندنا مخرجون جيدون حققوا سمعة للسينما السورية، ووضعوها على خارطة أهم السينمات العربية، ولكن لا بد من أجيال جديدة وعقلية جديدة لتغيير النمط السائد، ولكي لا أفهم بصورة سلبية، فلا بد هناك من مرادف لما يتم إنتاجه عبر شباب جدد وكائنات سينمائية جديدة. وأرجو ألا يفهم من كلامي بأنه ينطوي على رغبات ناسفة، فمؤدى ما أقول هو أن هذه السينما يجب أن تدخل في دائرة التحديث والتطوير والإتيان بنَفَسٍ مختلف وغير هذا لا تكون النتيجة سوى المزيد من الانغلاق على الذات، وكمنحى استراتيجي القضاء على ما بقي من روح داخل الجسد. خسارة وربح · هل هذا يعني أن قوام إنتاج المؤسسة العامة للسينما كان خاسراً تماماً؟ - لا... الصورة ليست كذلك إطلاقاً. بعض أفلام المؤسسة حقق أرباحاً طيبة، والبعض الآخر لم يفشل جماهيرياً كون قوام الفيلم هو حتمي باتجاه الفشل. واقع الصالات لعب دوراً أساسياً في هذا... والتوزيع، فأن تنتج مادة لا بد من وجود منافذ لتوزيعها، ولكن للأسف مع وجود مرسوم حصر الاستيراد الذي استمر لسنوات طويلة لم ينتج خلالها تحديث أو إحداث صالات جديدة، وهذا انعكس بالتالي على مسألة نجاح الفيلم السوري، وربما لو وجدت هذه الصالات لكان وقع المسألة أقل إيلاماً. ما يقودني إلى المطالبة بتغيير المنهجية ليست المسألة الربحية، فالمسألة الفنية هي في المقام الأول، ولكن يجب أن نفكر كيف نوصلها إلى قلوب الناس، فحين تقدم فكراً يمس المشاعر لا بد من أن يقدم الناس عليه. الأفلام التي تحصل على الأوسكارات يجب في المقام الأول بالنسبة لأكاديمية العلوم والفنون في هووليود أن تكون رابحة. المسألتان متلاحمتان: لا يمكن أن تقدم فكراً شديد النخبوية ويصل إلى الناس، كما لا يمكن أن تقدم فكراً هابطاً كي تجلب الناس. · ما هو سر إقبالكم هذا العام على إنتاج عشرة أفلام قصيرة؟ - لطالما اعتقدت على الدوام أن الفن هو رسالة تسلم من يد إلى يد، لا يبدأ الفن ولا ينتهي ضمن يد واحدة. المسألة ترتبط بالتالي بالتراكم والزمن الذي يمر. أنا لم أكن مع الذين قالوا ذات يوم إن السينما السورية بدأت مع محمد ملص. كان هناك أساتذة قبله، وكانت هناك تجارب سينمائية رائدة قدمها نبيل المالح وخالد حمادة وقيس الزبيدي وآخرون. ومع محبتي الشديدة لسمير ذكرى وعبداللطيف عبدالحميد وأسامة محمد ومع إيماني الشديد بما قدموه سينمائياً لا بد من أن تكون هناك أسماء أخرى تكمل وتطور وتحدِّث. من هنا عملت منذ تسلمي موقعي في المؤسسة على التسريع بتحقيق فيلم واحة الراهب وأُعطي نضال الدبس فرصته الأولى كمخرج لفيلم روائي طويل، كما احتضنت مجموعة من الشباب الذين أتموا دراساتهم السينمائية في الخارج ومن دون أن تربطنا بهم، كمؤسسة، أي علاقة بغية تحقيق فيلم سينمائي طويل قوامه مجموعة من الحكايات القصيرة. ولا أنسى هنا الرغبة الشديدة في اكتشاف أسماء أخرى عبر تحقيق مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة التي تتيح لنا المجال لمعرفة الطاقات السينمائية الكامنة التي لا بد للمؤسسة من احتضانها كونها الحاضنة الوحيدة في سورية. الحياة اللبنانية في 8 يوليو 2005 |
إذا لم يذهب اللبنانيون الى «كان»... فليأتِ إليهم فيكي حبيب الدورة الاخيرة لمهرجان «كان» في بيروت، بعد أسابيع قليلة من انقضاء الدورة. ليس كل المهرجان بالطبع. وليس، حتى، التظاهرة أو التظاهرتين الرئيستين. ومع هذا تشهد بيروت جزءاً من المهرجان، بدءاً من أول أمس الأربعاء، وحتى مساء الاثنين المقبل. التظاهرة هي «أسبوع النقاد العالمي»، هذا «الأسبوع» الذي من دون ان يكون استعراضياً، ومن دون ان يفرض حضوره على وسائل الإعلام التي تلاحق النجوم والانتاجات الضخمة، عرف منذ سنوات عدة كيف يصبح خزاناً لأسماء جديدة، تصبح بعد حضورها فيه، للمرة الأولى أو الثانية، من دعائم السينما الجديدة في العالم. ومن هنا يتابع عروض هذه التظاهرة خلال «كان» جمهور من النخبة، إضافة الى كبار النقاد المولعين بالاكتشاف. والجمهور اللبناني، الذي ينتمي بعض منه الى هذا الجمهور، يقصد هذه الأيام الصالة البيروتية التي تقدم، على مدى خمسة أيام مختارات تضم بعض أبرز ما عرض في الاسبوع الأخير للنقاد في باريس. ومن بين هذا الذي عرض، فيلم «أنا وأنت وكل واحد تعرفه» للاميركية ميراندا جوري التي فازت عنه بجائزة النقاد الخاصة، وبالكاميرا الذهبية مناصفة (وهي الجائزة النقدية الوحيدة في المهرجان). وإذا كان هذا الفيلم سيشكل عرضه حدث اختتام المهرجان، فإن الافتتاح كان من نصيب الفيلم الفرنسي «اللامرئيون» الذي حققه رئيس التحرير السابق لمجلة «كراسات السينما» تييري جوس. وهو فيلم نخبوي يتحدث عن مبدع يمضي وقته في تأليف موسيقى الكترونية مع صديق له، كما يواصل البحث حول قضايا الموسيقى، حتى اليوم الذي يتعرف فيه، من خلال صوتها في مكالمة هاتفية، إلى فتاة يهيم بها غراماً. ثم بعد لقاءات مختصرة تختفي من حياته فجأة كما ظهرت فجأة. مع فيلم تييري جوس هذا عرض فيلم قصير من تايوان، ضمن إطار برنامج حرص على ان يعرض مع كل فيلم طويل شريطاً قصيراً، منتخباً من عروض الأفلام القصيرة للتظاهرة نفسها. وإذا كان يوم امس الخميس شهد عرض الفيلم الصيني/ الكوري «مانغ جونغ» لجانغ لو، مع فيلم قصير من بلغاريا، فإن بقية البرنامج ما زالت تضم على التتالي: - فيلم «اورلاندو فارغاس» وهو إنتاج مشترك بين الاورغواي وفرنسا لخوان بيتالاغو الذي يحضر العرض بنفسه ليقدم فيلماً قد يذكر الجمهور اللبناني بأحداث سياسية راهنة (مطاردة سمير قصير وقتله في بيروت لأسباب سياسية) ويُقدم مع هذا الفيلم شريط بلجيكي قصير. - «نشوة روبرت كارمايكل الكبرى» للانكليزي توماس كلاي، عن ثلاثة شبان يجدون نفسهم في قرية ساحلية إنكليزية، وسط دوامة من العنف، ما يقودهم الى نسيان الفوارق بين الخير والشر. أما الشريط القصير في هذا البرنامج فهو أسترالي. - «غريب من غربائي» للياباني كنجي اوشيدا ويتألف من ثلاث حكايات تروى لنا من خلال خمس شخصيات تعيشها... وتفسر لنا بالتدريج العلاقة بين الحكايات التي تبدو غامضة اول الأمر. الشريط القصير مع هذا الفيلم الياباني، يأتي من هولندا. - ومن إيطاليا يأتي فيلم اليوم قبل الأخير وعنوانه «أفق الأحداث»، وفيه يروي لنا المخرج حكاية عالم شاب ينتمي الى مختبر فيزيائي، لكنه يطرد منه إثر خلافات مع رفاقه حول مشروع يعده. وبعد طرده يلتقي بفلاح ألباني يدفعه الى التفكير في حياته وما يفعل. ويعرض هذا الفيلم مع الشريط القصير مرايا ميكانيكية من النمسا. - اما فيلم الختام الذي اشرنا إليه، فكان واحداً من افضل الأفلام التي عرضت في تظاهرات «كان» الثانوية، ويدور حول فنان يعيش على مزاجه ويعمل ليعيش سائقاً في خدمة المسنين، ما يجعله يمزج في فنه بين رصده للحياة الواقعية، ومعايشته لخيالاته. ويقابل هذا الفنان، بائعاً يتعاطى بواقعية مع الحياة اليومية بعد طلاقه، حتى اليوم الذي يتعرف فيه الى الفاتنة كريستين، فيبدأ القلق بتملكه... سينما من بلدان عدة. أغلبها افلام مؤلفين شبه مجهولين... لكنهم خلال السنوات المقبلة ستصبح اسماؤهم شيئاً في عالم الفن السابع... وعندها قد يكتشف الجمهور اللبناني، غير القادر على الذهاب الى «كان» للاكتشاف، أنه كان، بفضل مجيء «كان» – ولو بشكل متواضع - الى بيروت، شارك في الاكتشاف. الحياة اللبنانية في 8 يوليو 2005 |