سينما السجون في المغرب صلاح هاشم |
وصلتني رسالة حديثا من الصحافي سعيد ابو معلا من موقع " اسلام أون لاين " يقول فيها:" الاستاذ الناقد السينمائي..، أود أن اطرح علي حضرتك سؤالا،عن موضوع اعكف علي اعداده، وارجو التكرم والاجابة عليه والسؤال هو: بعد خمس سنوات من ظاهرة " سينما السجون في المغرب العربي، لماذا لم تنتقل العدوي الي بقية الدول العربية، رغم ان التاريخ واحد، رغم وجود فوارق نسبيا، ومن يتحمل المسئولية، في عدم قيام المخرجين بانتاج افلام تحاكي الظاهرة، وتعكس وتعالج قضايا جوهرية ومهمة، مثل قضايا الاعتقال السياسي؟. * قلت لسعيد ان السينما الحقيقية هي الاحتفال بالحياة، ونحن نعيش في مأتم. السينما الحقيقية هي الحرية، وشعوبنا تعيش في سجن كبير، وكتبت له : ردا علي سؤالك، لا اعرف ماهو المقصود بظاهرة سينما السجون في المغرب. فكلمة ظاهرة، تبدو لي واسعة وفضفاضة علي ثلاثة افلام مغربية تناولت بأساليب مختلفة ذات الموضوع، ولم اشاهد منها الافيلما، هو فيلم " الذاكرة المعتقلة " للمغربي جيلالي فرحاتي، الذي اعجبني، رغم بعض التحفظات الفنية عليه، وأظن ان مستواه الفني، اضعف من بعض افلام فرحاتي السابقة، مثل رائعته " شاطيء الاطفال الضائعين "، وواضح ان " الذاكرة المعتقلة " لم يطبخ علي نار هادئة، وثمة خلخلة ما في ايقاعه العام، نتيجة عوامل نفسانية ومادية، وقد عرفت من جيلالي عندما التقيته في مهرجان الفيلم العربي بروتردام- هولندا، انه لم يزل يدفع بالتقسيط أجور الممثلين الذين شاركوا في الفيلم، والبعض منهم لم يحصل علي أجره بعد، واضطر فرحاتي أن يستدين من زوجته ومصروف عياله، وكانت كل الجوائز المالية التي حصل عليها بفيلمه، ذهبت لسداد ديون صنع الفيلم، وعرضه علي الناس، وهذا هو وضع السينما المؤسف في بلادنا.. * وضع من يحاول ان يصنع فيلما ليقول به شيئا في تلك البلاد، التي اعتبرها من دون استثناء السجن الحقيقي الكبير، بغربتنا داخل أوطاننا، وقصفنا اليومي المتعمد بالهراء التلفزيوني العام، وغياب الديمقراطية وحرية التعبير، والعمل بقوانين الطواريء المجحفة، وهيمنة الموظفين الرسميين علي مجمل النشاطات الفنية والثقافية والابداعية، وتداعي وانحطاط المؤسسات السينمائية الرسمية، وكبت الحريات، وتأميم المبادرات الثقافية، وشل حركة الجمعيات الاهلية، وعرقلة حركتها بشتي القوانين والاساليب، لاخراس الالسنة.. * ولااعتقد أن هناك امكانية في بلادنا لصنع سينما حقيقية، حيث أن اغلي الانتاجات السينمائية التي نشاهدها لاعلاقة لها أصلا بالسينما، وهي مجرد بضاعة تجارية استهلاكية، لارضاء ودغدغة المشاعر، وتغييب العقول، والتصفيق للتهريج العام، والنهب والفساد، مع الانفاق علي المهرجانات السينمائية الحكومية بسخاء وهبل، وقيادة شعوبنا الي هوة الجهل، وتقديم للجمهور مايعرف انه يريده، وبخاصة في اطار الظروف الواقعية الراهنة التي لاشك تعلم بأمرها ولسنا بحاجة الي توصيفها كفاية، من جنس السخافات القبيحة، بعد انحطاط الذوق الفني العام بدرجات مذهلة، وعلينا أن نبدأ في كل مرة من عند نقطة الصفر. لايوجد سينما في مصر، ولاثقافة، ولا صحة، ولاتعليم، كما قال الروائي المصري صنع الله ابراهيم، وقد مضي وقت علي ماقال، وصارت الامور الآن أنكي وأسوأ، ولايمكن في اطار، وتحت مظلة الحكومات والديكتاتوريات والانظمة العربية الحاكمة في الوقت الحاضر، ان تقوم وتنهض صناعة سينما حقيقية الآن ولعشرات السنين المقبلة، لأن السينما الحقيقية هي الحرية ونحن نعيش داخل بلادنا في السجون، ولأن السينما الحقيقية هي الاحتفال بالحياة، ونحن من نعيش في مأتم، ونمشي في جنازة، ونتحرك بسبب همنا وحزننا وغربتنا داخل سجن كبير، في كل خطوة نخطوها داخل الوطن.. * صحيح هناك افلام عربية معدودة، متواضعة فنيا وذهنيا وانسانيا، تجاهد وتحارب كي تصنع وتقول شيئا في مناخات الظلم والذل والقمع والقمع الساقط بلا هوادة علي رؤؤس المحكومين المسجونين، مثل فيلم " بحب السيما " للمصري اسامة فوزي، و" يادنيا ياغرامي " و" اسرار البنات " لمجدي احمد علي وفيلم هالة خليل الجميل " احلي الاوقات" و" كليفتي " المتوهج سينمائيا للمخرج الكبير محمد خان، و" الف شهر " للمغربي فوزي بن سعيدي، وفيلمه القصير الرائع " الحافة "، و" باب لبحر " و" ووداعا ياسويرتي " لداود اولاد سيد من المغرب، اما انتاجات السينما العربية في مجملها، وبخاصة أغلب الافلام المصرية، فاني اعتبرها اهانة للسينما وشعوبنا وحضارتنا وثقافتنا.. * أين هي الظروف التي تصلح لصنع أفلام عن السجون اذن،وظروفنا المعيشية والحياتية في الحضيض، والكلمة الحرة، في مناخات بوليسية مخابراتية قمعية لاتعرف الحوار والجدل، ومريضة بالتعصب والتحزب والعنصرية، الكلمة الحرة مقموعة ومرفوضة ومعتقلة..؟ * ان افلام السجون في رأيي لايجب بالضرورة عن السجون، بل عن السجن الكبير الذي نعيش فيه، في أي مكان في العالم العربيو والسجن هنا لايعني فقط ان تقاد الي الحبس، فالشعور بالظلم سجن، والشعور بالغربة سجن، وعدم القدرة علي التحرك والكلام ايضا سجن، ويكفي ان تتحدث افلام السجون عن هذا الواقع، اقع الفقر المزري الذي تعيشه شعوبنا. انها مثل الفيلم السياسي الذي لايجب بالضرورة ان يحكي عن اغتيال زعيم، بل يجب ان يحدث عن التناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا، حتي يصبح فيلما سياسيا، بعد ان تربينا علي الضرب والقمع والاهانة داخل اسرنا وصرنا غرباء حتي داخل جلودنا. افلام السجون يجب ان تحدث وتحكي عن متناقضات مجتمعاتنا، من خلال التلميح وليس التصريح، ومن خلال الهمس وليس الوعظ والارشاد، ومن خلال تحليل الظواهر، مثل ظاهرة افلام السجون، من دون الاكتفاء فقط بتوصيفها.. * ولذلك لايجب ان تحكي افلام السجون بالضرورة عن السجون، او تظهرها في افلامها. يكفيها ان تحكي عن تلك الغربة التي نعيشها داخل مدارسنا، ومستشفياتنا ومكاتبنا، وفي عرض الشارع والطريق العام . الطريق الذي تسير فيه مشبوها، حيث يمكن ان يعتقل المرء من دون جرم، وهو يسير علي الرصيف، ويقاد الي الحبس من دون ذنب، وصار كل انسان يمشي في الشارع، وهو يتلفت يمنة ويسرة ويخشي علي حياته، ولايضمن ان يعود الي بيته وعياله. خبرني، ماهذا الوطن الذي ينصب لنا المصايد والشراك في كل مكان.. * يكفي افلام السجون ان تصور وتحلل واقع الظلم الذي نعيشه في بلادنا داخل الجيتوهات والعشوائيات وعلب الاسمنت و صناديق الصفيح، ونحن نقف مثل العبيد في طوابير طويلة لشراء الخبز، او الحصول علي استخراج شهادة ميلاد أو بطاقة شخصية بطلوع الروح. ولأن حكوماتنا مازوكية فانها علي مايبدو تتلذذ بتعذيبنا وقهرنا واخراس السنتنا.. * اما عن الوضع في المغرب، فانا لااعرف حقيقته، ولا اظن ان ظاهرة افلام السجون كما تطلق عليها، ستدفع الي تغييره الي الافضل، بل القرار السياسي الذي يضمن للانسان المغربي حقوقه، وتصنعه نضالاته ضد الفقر والقهر والظلم، ومن دون وصم تلك النضالات، من قبل النظام، كما فعل الرئيس انور السادات رحمه الله، بانها انتفاضة حرامية.كمااعتبر ان مهرجانا مثل مهرجان مراكش السينمائي، من صنع وتنظيم الاجانب وبعض الموظفين الحكوميين في المغرب، ويصرف عليه ببذخ فاحش، بينما يكاد جيلالي فرحاتي يتضور جوعا كما ذكرت، ولايجد من يعينه علي دفع اجور الممثلين المغاربة المحتاجين، لايخدم السينما المغربية وظاهرة افلام السجون كما تحب ان تطلق عليها في أي شييء، لأن وظيفة سينما المغرب ان تكون عارفة باحتياجات سينما المغرب الحقيقيةو وتعمل علي اشباعها، وتصرف علي المخرجين المغاربة قبل ان تدفع اجور الاجانب، مع تشجيع كل المحاولات السينمائية في المغرب، مثل مشروع المخرج محمد عسلي الرائد بتأسيس معهد سينمائي في وارزازات لتأهيل كوادر سينمائية مغربية، لصنع صور تشبهنا. صور يفتخر بها المغرب في المحافل السينمائية الدولية، مثل فيلمه الرائع الجميل " في الدار البيضاء الملائكة لاتحلق، الذي تم استبعاده في مهرجان " كان " السينمائي 58 حديثا، في التظاهرة التي كانت مخصصة لسينما المغرب، وعرض في مكانه فيلما كتب له السيناريو نور الدين صايل، مدير المركز الوطني للسينما في المغرب، ونائب رئيس مهرجان مراكش السينمائي الدولي، والمسئول الحكومي عن كل ماله علاقة بالسينما في البلاد!، اما كل ماعدا ذلك، فهو يدخل في رأيي، في باب الهراء العام. واتمني ان اكون اجبتك علي سؤالك.. موقع "إيلاف" في 4 يوليو 2005 |
ضوء ... رواية " دونكيشوت" في السينما عدنان مدانات يجري الاحتفال هذا العام وفي العديد من دول العالم بذكرى مرور 400 سنة على صدور رواية “دون كيشوت.. رجل من لا مانشا” للكاتب الروائي والمؤلف المسرحي الإسباني الشهير ميغيل دي سيرفانتس. وتعد هذه الرواية معلما أساسيا في تراث الأدب العالمي، ويعتبرها كثيرون واحدة من أفضل الروايات في تاريخ الإبداع الروائي العالمي، وهي دون شك أعظم وأشهر كتاب باللغة الأسبانية، مثلها في ذلك مثل الكتابين اليونانيين الرائعين “الإلياذة” و”الأوديسة” للكاتب الملحمي الأول في التاريخ الأدبي هوميروس، والكتاب الإيطالي الشهير “الجحيم” لدانتي، ورائعة العبقري الإنجليزي شكسبير “هاملت”، وأخيرا وليس آخرا درة السرد الروائي بالعربية “ألف ليلة وليلة”. تتمتع رواية “دون كيشوت” التي تصلح لجميع الأجيال القادرة على القراءة بشعبية عالمية واسعة منذ صدورها وحتى يومنا هذا. ولكن وعلى الرغم من هذه الشعبية العالمية الكبيرة للرواية التي أصبح اسم بطلها دون كيشوت مضرب الأمثال في كل الدنيا، فإن هذه الرواية هي الأقل حظا من حيث علاقتها بالسينما من بين ما صدر في العالم من روايات بهذا القدر من الأهمية أو حتى الروايات الأقل أهمية بكثير، هذا على الرغم من أن رواية “دون كيشوت” تتميز عن غيرها من الروايات العالمية باحتوائها على كل العناصر التي تحلم بها السينما لتحقق فيلما ممتازا، بل حتى مجموعة أفلام مختلفة يقتبس كل منها جزءا أو جانبا من جوانب هذه الرواية الشديدة الغنى والتنوع، فهي رواية مغامرات ورواية سرد شائق ممتلىء بالأحداث، ورواية شخصيات، ورواية أخلاقية ورواية تحليل نفسي ورواية فكر فيه الكثير من الحكمة، وفي الوقت نفسه تحتوي الرواية على عناصر الخيال والتغريب والكوميديا الذكية. يعود تاريخ أول فيلم تم إنتاجه عن هذه الرواية لعام 1903 عبر فيلم قصير صامت. أما التجربة التالية لتحويل هذه الرواية إلى السينما فكانت في العام ،1934 أي بعد ثلاثين عاما من الفيلم الأول، وكان فيلما من إنتاج فرنسي بريطاني مشترك حمل توقيع المخرج جورج بابست وقام بتجسيد شخصية دون كيشوت فيه المغني الروسي الشهير في ذلك الوقت فيودور شليابين. وتشير بعض المصادر إلى فيلم رسوم متحرك عن هذه الرواية تم إنتاجه في العام 1934 أما الفيلم الأهم عن رواية دون كيشوت فحمل توقيع المخرج السوفييتي الكبير غريغوري كوزنتسيف صاحب الفيلمين العظيمين “هاملت” و”الملك لير”، وكان ذلك في العام 1957. ومن الجدير بالذكر أن من قام ببطولة هذا الفيلم الممثل السوفييتي تشيركاسوف، الذي عبر في العديد من الأفلام التي مثلها عن موهبة استثنائية في مجال التمثيل السينمائي وخاصة بعد دوره الشهير في فيلم “إيفان الرهيب” للمخرج سيرغي أيزنشتاين. وفي العام 1972 تسبب النجاح المدوي للمسرحية الموسيقية “رجل من لا مانشا” المقتبسة عن دون كيشوت في تحويلها إلى فيلم سينمائي قام ببطولته الممثل بيتر أوتول وشاركته البطولة الممثلة الإيطالية صوفيا لورين. إلى جانب هذه الأفلام القليلة العدد أنتج التلفزيون الأسباني قبل بضع سنوات مسلسلا تلفزيونيا عن رواية “دون كيشوت”. أما آخر ما أنتج من أفلام عن رواية دون كيشوت فكان الفيلم التلفزيوني “دون كيشوت” الذي انضم إلى العدد القليل من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية التي عالجت هذه الرواية عبر المائة سنة الماضية، ابتداء كما ذكرنا، بفيلم قصير صامت تم إنتاجه في العام 1903. وفيلم “دون كيشوت” من إخراج المخرج البريطاني بيتر ييتس الذي تشمل أعماله السينمائية المتميزة أفلاما مثل “بوليت” (1968) و”الأعماق” (1977) و”الابتعاد” (1979) و”اللبيس” (1983). وتدور رواية “دون كيشوت” حول نبيل إسباني يدعى ألونزو كويكسانا (الممثل الأمريكي جون ليثجاو) يعيش في القرون الوسطى ويمضي معظم وقته في قراءة الكتب، ويقرر ذات يوم، بعد أن يتشبع بالعاطفة تجاه عصر الفروسية المنصرم بما اشتمل عليه ذلك العصر من نبل أخلاقي، أن يترك حياته المريحة في عزبته ويترك كل شيء وراءه وأن ينتحل شخصية فارس متجول اسمه دون كيشوت دي لامانشا.ويرى معظم النقاد أن فيلم “دون كيشوت” ينضم إلى سلسلة المحاولات السينمائية والتلفزيونية القليلة السابقة التي عجزت عن تحويل هذه الرواية الطويلة والمعقدة إلى فيلم سينمائي قادر على نقل مضمونها وروحها في عمل فني متميز حتى الآن. ويرى بعض النقاد أن هذا الفيلم يحوّل السخرية اللاذعة في الرواية إلى مواقف هزلية فكاهية، كما يحوّل الجانب الرومانسي للرواية إلى مواقف انفعالية سطحية. إلا أن معظم النقاد يتفقون على أن قوة فيلم “دون كيشوت” تكمن في أداء بطليه الرئيسيين الممثلين المخضرمين القديرين جون ليثجاو وبوب هوسكنز، بمساعدة فريق من الممثلين الذين يضمون فينيسا وليامز وإيزابيلا روسوليني ولامبيرت ولسون. وقد أنفقت شبكة تي إن تي التلفزيونية الأمريكية بسخاء على إنتاج فيلم “دون كيشوت”. ورشح هذا الفيلم لثلاث من جوائز جرامي التلفزيونية لأفضل موسيقا تصويرية وأفضل تصميم أزياء وأفضل ماكياج، ولكنه لم يفز بأي منها. كما رشح الممثل جون ليثجاو لجائزة أفضل ممثل من رابطة ممثلي السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة. الخليج الإماراتية في 4 يوليو 2005 |