شنتها امبراطورية “لوكاس” الإخراجية “حرب النجوم” ثورة سينمائية على هوليوود ترجمة: د. محمد زهير |
منذ زمن طويل، وفي مجرة بعيدة جدا تدعى هوليوود، بزغ نجم المخرج السينمائي جورج لوكاس، الذي أسهم مع مجموعة من زملائه أمثال كوبولا، سبيلبيرغ، سكورسيزي، دي بالما وفيدكينج في إحداث ثورة في صناعة السينما الامريكية خلال سبعينات القرن الماضي. وكان لهم أبلغ الأثر في ميلاد هوليوود جديدة وراحت قاعات السينما تمتلئ مرة أخرى بمتفرجين اجتذبتهم أفلام مفعمة بالغرابة مثل “قارئ التعاويذ” و”العرّاب” و”أسنان البحر” بلغت أرباحها أرقاما فلكية. وحينما عُرض فيلم “حرب النجوم” لأول مرة على شاشات السينما في عام ،1977 سرعان ما اعتبره الجميع ظاهرة لم يسبق لها مثيل، حيث اصطفت آنذاك طوابير لا نهاية لها من المعجبين أمام صالات السينما، وكان المشاهدون يخرجون بعد العرض وقد أخذت الدهشة منهم مأخذاً، وقدرت إيرادات الفيلم بمئات الملايين من الدولارات في حين لم تتجاوز تكلفته 11 مليونا، لدرجة ان استوديو “توينث سنتري فوكس” الذي أنتجه لم يكن ليتصور الامكانات التجارية التي تكمن وراء أفلام الخيال العلمي، وهو نمط سينمائي كان مهملا تماما حتى ذلك الوقت. ونظرا لاقتناعهم بالفشل الكبير الذي سيمنى به الفيلم، منح المسؤولون عن الاستوديو حقوق المتاجرة بالمنتجات الناشئة عنه لُعَبا، وألعاب فيديو، وملابس للمخرج لوكاس، وتلك الحقوق غدت مصدر إيراداته الاساسية فيما بعد. وتحول الفيلم الى انتصار كبير أنقذ استوديو فوكس من الافلاس وأصبح الجزء الاول من ثلاثية غيرت وجه السينما الحديثة من خلال عناصر تجديدها التكنولوجية والتجارية. نقطة انطلاق وبفضل الاموال التي جناها لوكاس بصورة رئيسية من المتاجرة بالسلع الناشئة عن الفيلم، استطاع تجسيد حلم الانفصال عن استوديوهات هوليوود التي كان يمقتها وأن يُنشئ في مزرعته خلال الثمانينات من القرن الماضي مؤسسة “سكاي وولكر رانش” بمساحة خمسة هكتارات وتقع شمال سان فرانسيسكو وتضم جميع العناصر المستخدمة في انتاج افلامه. مشروع لوكاس هذا كان يبدو في ذلك الوقت حلما صعب المنال، لذا قرر الإقامة والعيش فيه وأشرف على مراحل إنشائه خطوة بخطوة. ومع نهاية السبعينات، شكل لوكاس القاعدة الأساسية لأهم صرعات التحديث في صناعة السينما، فهو الذي ابتكر مفهوم “السحر والاضاءة الصناعية” الذي أصبح مرجعا في المصطلحات المتعلقة بالمؤثرات الخاصة بالإضافة الى تأسيسه استوديو خاصا به أسماه “لوكاس فيلم” أتاح له إنتاج أفلامه وأفلام أصدقائه مثل فيلم “لوكر” للمخرج (كوبولا) و”ميشيما” (بول شاردر) وثلاثية “إنديانا جونز” (ستيفن سبيلبيرغ الذي كان منتجا وكاتب سيناريو ومُعِد مناظر). كما يعود إليه الفضل في اعتماد علامة النوعية “تي.جي.إكس”، التي تُعتبر حاليا مرجعاً لا غنى عنه في هذه المهنة، بالإضافة عدد كبير من الابتكارات سواء على صعيد التصوير الرقمي أو على صعيد تحديث الافلام القديمة. في بادئ الأمر، وضع لوكاس معالم ملحمته التي تتناول مغامرات الفارس “أناكين سكاي وولكر”، تحدث فيها وعلى نحو متدرج عن طفولته، ثم اكتشافه “القوة” الكبرى التي يساعده مرشده “أوبيوان كينوبي” على التحكم بها، وبعد ذلك لقاؤه بالملكة “أميدالا” وخضوعه الى الجانب الشرير للقوة حينما قرر تقديم العون لانقلاب السيناتور الشرير “بالباتين” الذي كان يهدف الى إحداث تغيير في جمهورية المجرات المشتركة واستبدالها بإمبراطورية استبدادية. وحينما تحول “أناكين” الى الجنرال “دارك فادور” الشرير، استطاع السيطرة على المجرة، لذا قرر “أوبيوان” والمعلم الحكيم “يودا” اخفاء التوأمين “لوك” و”ليا” اللذين أنجبهما “أناكين” من “أميدالا” في كوكبين مختلفين، لكنهما مع ذلك التقيا ليقع كل منهما في حب الآخر. ولم يلبث لوك الذي كان يرشده “يودا” البالغ من العمر 600 عام أن يشعر بالقوة الكامنة داخله فيستخدمها للوقوف الى جانب المتمردين حيث ينجح هؤلاء أخيرا في قلب النظام الإمبراطوري. وفي هذه الفترة، يدرك “لوك” بأن “ليا” ليست سوى شقيقته وأن “دارك فادور” والده. وقبل ان ينتصر التمرد، يجابه “لوك” للمرة الاخيرة خصمه “دارك فادور” ويقتله. لم يكن ممكنا بالطبع تمثيل هذه القصة الطويلة في فيلم واحد، ولهذا السبب قرر لوكاس تقسيمها الى ثلاثيتين، الأولى (ضمت الأجزاء: الرابع والخامس والسادس) وتحكي عن نشأة “لوك” والثانية (ضمت الأجزاء: الاول والثاني والثالث) وترجع الى الماضي لتروي صعود ثم سقوط “أناكين”. وكانت خطة لوكاس مجازفة حقيقية لأنه لم يكن يعلم في ذلك الوقت إن كان سيحظى أم لا بفرصة إنجاز الأجزاء التالية من مغامرات عائلة “سكاي وولكر”. بيد أن النجاح منقطع النظير لكل جزء من هذه الاجزاء كان يتيح له تجسيد رؤيته عن القصة بصورة كاملة، تلك الرؤية التي تبنتها أعداد كبيرة من المولعين بها وحوّلت “الأوبرا الفضائية” إلى ظاهرة اجتماعية، فنشأت في جهات العالم الاربع نواد وأقيمت مؤتمرات ومواقع أنترنيت تتبادل المعلومات والافكار حول هذه الملحمة وضمت إليها الملايين من الأتباع. اسطورة من الماضي قد يكون أمرا مبالغا به وصف الإعجاب بقصة “حرب النجوم” نوعا من الهوس، لكن المؤكد أن جورج لوكاس نجح في رسم معالم إحدى الاساطير الحديثة المتنقلة عبر الأجيال، ويكمن سر هذا النجاح بلا شك في قدرته على إعادة صياغة أساطير موغلة في القدم مستفيدا من العناصر الكبرى للخرافات العالمية ومن حكايات أسطورية قديمة ذات مناشئ شرقية وغربية. كما تعكس قصة حرب النجوم مزيجا رائعا من المراجع التي غذّاها ولع المؤلف بالسينما، ابتداء من أفلام الغرب الامريكي للمخرج “جون فورد” وهاوارد هاوك الى أفلام “أكيرو كوروساوا” الملحمية. والتزم لوكاس بتقاليد تأليف وإخراج قديمة من خلال احترامه لوصايا معلمه الفكري عالم الاساطير الشهير “جوزيف كامبل” الذي تنبأ بالطبيعة الكونية وغير الزائلة للأبطال الأسطوريين في الحكايات المؤسسة للمجتمعات الانسانية منذ سالف العصور. وإذا كان ذلك هو الجانب الإيجابي في مسيرة لوكاس، فهناك بالمقابل جانب سلبي في تلك المسيرة بدأ يفرض نفسه في الاعوام الاخيرة على وجه الخصوص. ومع تقدم مراحل إنجازه لملحمة حرب النجوم، كان لوكاس ينفصل شيئا فشيئا عن عدد كبير من مساعديه الأساسيين، مثل معِدّة المناظر “ماريكا لوكاس” زوجته السابقة، ومدير المؤثرات الخاصة العبقري “جون ديكسترا” المجدد الكبير الذي اشتهر على وجه الخصوص في فيلم “الرجل العنكبوت”، بالإضافة الى المنتج “جاري كروز” الذي كان في ذلك الوقت مستشاره السري. وتتمثل مشكلة لوكاس الحقيقية في أنه لم يكن يحب إخراج أفلامه أبدا، لذا أوكل الى “إيرفين كيرشنر” و”ريتشارد ماركند” إخراج فلمي “إمبراطورية الهجوم المضاد” و”عودة جيدي”. بيد ان لوكاس فضّل أن يخرج شخصياً الثلاثية الجديدة، لكن هذا العمل ترك النقاد والمعجبين بفنه في حيرة كبيرة وذلك لإغفاله كل ما تم إنجازه في الثلاثية الاولى، فقد كان عملا ينقصه التماسك الروائي كما كانت توليفته الأسطورية مثيرة للإحباط. فبعد أن أُعلن عن أنه سيكون أكثر سوداوية بكثير من الثلاثية الاولى، جاء الجزءان الاول والثاني ليحكيا قصة ظريفة تتناول حياة فتى ثم سلسلة أحداث متكلفة يقوم بها زوج من المراهقين. وسطّح لوكاس في ثلاثيته هذه شخصيات الاجزاء السابقة مما أثار امتعاض المولعين بها، لدرجة أن “يودا” يتحول الى كرة عدوانية ومحبة للانتقام، بينما كان أمضى الثلاثية الاولى في منع لوك من اللجوء الى العنف. اليوم، وبينما تجرى الاستعدادات لتنفيذ العرض الاول من الجزء الثالث، والأخير من هذه الملحمة، على شاشات السينما بعد عرضه العالمي التمهيدي في مهرجان “كان”، يبدو أن لوكاس أصيب بنوع من الفصام، رغم تأكيده أن السينما ليست سوى هواية بالنسبة له مقارنة مع ولعه الأساسي بالهندسة المعمارية. وفي حين كان استقبل خيبة الامل التي نشأت عن الجزءين الاول والثاني بتراجعه عما صرح به من أن “حرب النجوم” ليس سوى واحد من الأفلام الموجهة للاطفال، ها هو يؤكد أن الجزء الثالث سيكون سوداويا وعنيفا جدا لذا فلن يكون مخصصا للأطفال. ويبدو أن الصور الاولى من “انتقام السنتيين” تمنح لوكاس الحق فيما ذهب اليه، لكن ربما يكون قرر معالجة العنصر الجوهري في قصته، وهو التدمير الذاتي المعنوي والروحي للكائن البشري، ذلك العنصر الذي ينوه كان له منذ بداية الثلاثية. فهل ينجح “لوكاس” في دمج المشاهد المعقدة التي سبق أن نفذها لهذا الفيلم حتى لو بلغت مدته ساعتين ونصف؟ وهل سيبزغ عطاء فني جديد أم سيكون هذا العرض تأكيدا على هزيمة ذلك السينمائي الذي أسس عالما مدهشا ثم قرر تدميره بيديه؟ ثم ألا يمكن تشبيه سقوط أناكين بسقوط جورج لوكاس ذاته؟ الخليج الإماراتية في 4 يوليو 2005 |
اطلاق المشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام عمان - الرأي - اطلقت في عمان الأسبوع الماضي أعمال المرحلة الأولى من البرنامج التدريبي في فن السينما للمشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع، والتي ستمتد لمدة خمسة أسابيع، حتى 30 من تموز الجاري. كما يمتد البرنامج على مدار ثلاث سنوات بموازنة إجمالية تبلغ 640 ألف يورو بتمويل مشترك ما بين مؤسسة عبد المحسن القطان والاتحاد الأوروبي. وتعقد الدورة الأولى من البرنامج تحت إشراف المخرجين ميشيل خليفي وعمر قطان، وطاقم من المهنيين الأوربيين والعرب. وفق برنامج مكثف لمهن قطاع المرئي والمسموع، يتيح للمشاركين معرفة نظرية وعملية كافية لكي يصل المتدرب إلى كتابة وإنتاج وإنجاز أفلام أو برامج قصيرة سواء من النوع الوثائقي أو الروائي. وتقام الدورة في عمان، بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، حيث حالت الظروف الأمنية في مناطق السلطة الفلسطينية دون انعقادها هناك، ما استدعى استقدام المشاركين الشباب من مختلف أنحاء فلسطين إلى الأردن للمشاركة في فعاليات هذه الدورة، وقد قامت أمانة عمان الكبرى بتهيئة المرافق والخدمات اللازمة لإنجاح هذا المشروع الفني البناء. وأكد المخرج عمر القطان إن الدورة، التي ستولي عناية خاصة بالجوانب المتعلقة بتقنيات التصوير والصوت وكتابة النص والمونتاج، لن تتوقف عند ذلك «بل نريد أن نرسّخ منهجية عمل ونفتح مساحة للتأمل في فن السينما، وذلك لنطلق الفكر الإبداعي الذي هو أساس أي عمل سينمائي». وأضاف القطان أنه كثيراً ما يوضع اللوم على شح التمويل كسبب لفقر الإنتاج السينمائي العربي. مشيراً إلى أنه يجب التحول إلى الإنتاج بما هو متوفر من إمكانيات، «لان قوة الفيلم تأتي أولا من فكره مهنيته وليس من إمكانياته المالية». وأوضحت نادين طوقان، من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، «ان الهيئة تعمل على تهيئة المناخ الإبداعي وتوفير ملتقى الطرق للفكر الحر ليس فقط للأردنيين، بل لجميع الأشقاء في العالم العربي»، مشيرة إلى أهمية «بناء الجسور ليس فقط مع الغرب والحضارات والثقافات الأجنبية، وإنما كذلك إرساء أسس للتواصل وفتح قنوات الاتصال ما بين المبدعين والفنانين داخل العالم العربي أيضًا، بما يكفل وضع الفن والثقافة العربية على خارطة العالم». كما أشارت طوقان إلى أن اشتراك الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ودعمها لفكرة البرنامج عمل على توسيع قاعدة المشاركين وأفسح المجال لخمسة شباب أردنيين للانضمام إلى الدورة من أصل 28 مشتركا. يُذكر أن المشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع يهدف إلى العمل على تنمية القدرات من خلال التدريب التقني، وتطوير الثقافة السينمائية في المؤسسة التربوية المدرسية، ونشر الإنتاج المرئي والمسموع الذي يتناول موضوعات فلسطينية وتوزيعها. كما يذكر أن مؤسسة عبد المحسن القطان مؤسسة تنموية مستقلة وممولة ذاتياً مسجلة في بريطانيا ومقرها الرئيس رام الله، تعمل في مجالي التربية والثقافة في فلسطين والعالم العربي منذ تأسيسها عام 1994. فيما تأسست الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في تموز 2003، وتهدف إلى المساهمة في تنمية وتطوير قطاع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني على مختلف أنواعه، وهي مؤسسة حكومية ذات استقلال مالي وإداري، يديرها مجلس مفوضين برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير علي بن الحسين. وتشجع الهيئة وتدعم الإبداع وحرية التعبير من خلال توفير فرص تأهيل وتدريب للفنانين الشباب الموهوبين، كما تسعى لتشجيع التبادل والتفاهم الثقافي من خلال ترويج المملكة كمركز جذب استثماري لمشاريع الإنتاج الأجنبي في الأردن وتطوير البيئة المناسبة لتلك المشاريع، هذا وقد اكتسبت الهيئة العضوية الكاملة بالجمعية العالمية للهيئات السينمائية (AFCI)، وهي أول عضو شرق أوسطي فيها. الرأي الأردنية في 4 يوليو 2005 |