تشويه صورة المرأة في الدراما التلفزيونية العربية بقلم : نزيه أبو نضال |
لا بد من الاعتراف أن تحسناً نسبياً قد طرأ على صورة المرأة في الدراما التلفزيونية العربية، خلال السنوات الأخيرة، وقد أشرنا في مقالات سابقة أن سبب ذلك يعود لعاملين: الأول: انخراط عدد كبير من المبدعات المثقفات في العملية الدرامية تأليفاً واخراجاً وتمثيلاً، وبالتالي باتت المبدعة نفسها هي التي ترسم صورتها، وتطرح قضاياها، وتدافع عنها.. الثاني: أن عددا كبيرأ من المبدعين التقدميين في حقل الدراما تولوا طرح قضايا المرأة والدفاع عنها، وأحياناً بصورة تتفوق على المرأة المبدعة نفسها. ورغم ذلك فلا زالت عملية تشويه صورة المرأة في الدراما التلفزيونية العربية جارية، سواء في الأعمال الفنية أو الاعلانات التجارية، ويكفي أن نشير هنا الى دراسة إحصائية بينت أن البلاد العربية قد استخدمت صورة المرأة وصوتها في (300) إعلان من أصل (356)، أي ما نسبته 84%،ـ مما يوجّه أصابع الاتهام إلى المسؤولين عن هذه الظاهرة بأنهم يتعاملون مع المرأة مثل أية سلعة يبيعونها، وأنهم يركزون على عوامل الإثارة والجنس، ومثل هذا التسليع للمرأة يتجلى بوضوح فاضح من خلال أغاني الفيديو كليب سواء عبر أداء المغنية نفسها أم عبر حشد النساء الراقصات حول المغني الذكر. أما على المستوى الفني فقد كشفت دراسة أكاديمية أعدها قسم الاعلام بكلية الاداب جامعة عين شمس أن هذه الدراما لم تتعرض للقضايا والمشكلات الحقيقية للمرأة وبشكل خاص المرأة العاملة. ـوبأن هذه الدراما شوهت ـ ـصورة المرأة بشكل كبير وأظهرتها بصورة سلبية وغير حقيقية.. مغيّبة العناصر ـالتي تعلي من قيمة المرأة وأهميتها. ـ وأشارت الدراسة إلى أن المرأة مازالت محاصرة في هذه الدراما في أدوار الزوجة السلبية أو تاجرة مخدرات أو فتاة ليل أو مدمنة أو خائنة. ولم يسلم من ذلك دراما قدمتها مخرجات شهيرات أي أن المرأة ساهمت في ظلم المرأة. ويلحظ المتلقي للمسلسلات العربية ظاهرة مركبة ومربكة في آن واحد.. فمن جهة يسعى صناع الدراما وبمعزل عن منطلقاتهم الفكرية الى منح المرأة مساحة واسعة في أعمالهم الفنية حتى في المسلسلات التاريخية، وأحياناً على حساب الموقع الفعلي للمرأة في ذلك التاريخ، أما عن دور المرأة في الأعمال الدرامية المستوحاة من التراث فيكاد دور المرأة يصبح هو الأساس، سواء بالسلب أو الايجاب، اذكروا مثلا الزير سالم وسيرة بني هلال.. فما بالكم بشهرزاد أو زرقاء اليمامة. أما في الراهن فنلحظ كثيراً كيف أن المرأة تصبح سيدة أعمال من طراز رفيع وقادر على الحاق الهزيمة برجال الأعمال، انظروا مثلا دور ليلى طاهر (صديقة سميرة أحمد) في مسلسل يا ورد مين يشتريك، أو الزوجة ميرفت أمين في الرجل الآخر (نور الشريف) أو الزوجة دلال عبد العزيز زوجة جابر، (يحي الفخراني) في للعدالة وجوه كثيرة، أو صانعة المعجزات نبيلة عبيد في العمة نور، وكيف يمكن أن يتجلى جبروت المرأة وقسوتها الفائضة كما في دور فيفي عبده في الحقيقة والسراب، أو انكار نهال عنبر القاسي لزوجها ووالد ابنائها عباس الأبيض ولا يجد صانعو هذه المسلسلات صعوبة تذكر في تحويل مروضة الذئاب المتوحشة، (الهام شاهين) وبلهجتها شديدة الابتذال إلى سيدة ارستقراطية تتحدث الفرنسية بطلاقة أبناء القصور، وفي مسلسل »امرأة من نار« تجسد الهام شاهين أيضاً شخصية سيدة فقيرة لكنها شديدة الشر ولا تتردد فى أن تضحي بكل من حولها فى سبيل مصلحتها. ولكنها لا تلبث بعد أن قتلت ابنها دون علمها لا تلبث أن تتحول إلى أم هندية ثكلى. وبكلمة واحدة سواء كانت المرأة في مواقع القوة أو يجري تهميشها، في مناطق ضعفها وتبعيتها، فإنها لا تعبر في جميع هذه الأحوال عن الصورة الحقيقية للمرأة العربية مع مطالع الألفية الثالثة. مثل هذه الحقائق الدرامية تطرح على الفور مسألة وظيفة الدراما التلفزيونية، ومن أية زاوية تجري معالجة قضايا المرأة فيها؟ هل وظيفة الدراما أن تعكس واقع المرأة في الحياة على مختلف أوجهها سلباً وإيجاباً؟ أم ثمة دور للمبدع باختيار زاوية للرؤيا تتيح له إيصال خطابه للمتلقي بهدف تغيير نظرته وموقعه الفكري تجاه موضوع المرأة وحقوقها؟ هنا يمكن القول ونحن بصدد الحديث عن وظيفة الفن أن تغيير الوعي العام، وكما دلت التجربة بات يحتاج الى ما هو اكثر واعمق تاثيرا واقناعا من التعليم الاكاديمي الجاف أو من توجيه المواعظ أو اقامة الندوات البحثية، لقد باتت عملية التغيير تحتاج الى اساليب ووسائل جديدة كالتعلم من خلال اللعب، والى ان نستخدم في العملية التعليمية المسرح وانواع الفنون الاخرى، واهمها واخطرها، هذه الايام، الدراما التلفزيونية. ويكاد مسلسل «ثورة الحريم»، يشكل الترجمة الدرامية لهذه الفلسفة التربوية الجديدة، وذلك من خلال عمل فني متميز شديد الابهار والتشويق، وبعيدا عن لغة الارشاد والتعليم المباشر، ومن هنا بالضبط يستمد اهميته ودوره، ولهذا جاءت، كما يبدو، مطالبة المجلس القومي للمرأة المصرية، بعرض هذا المسلسل خلال شهر رمضان قبل الماضي، خصوصا بعد عرض مسلسل «عائلة الحاج متولي»، قبل ثلاثة أعوام، وحيث الزوج (نور الشريف) يتحكم بمصائر أربعة من النساء..سعيدات بتعددهن!! مما اثار موجة اعتراضات واسعة. ولقد كان هذا المسلسل من بين العوامل الاساسية التي دفعت مؤسسات نسوية عربية الى توخي مقاربة جديدة لصورة المرأة فى المضامين الدرامية التلفزيونية، وذلك باتجاه التأثير في وسائل الاعلام وحثها على تحسين صورة المرأة ..فكان أن أنشئت لجان ومراصد لمتابعة صورة المرأة في وسائل الاعلام ساهم عملها في تحقيق نقلة نوعية على صعيد نضال المرأة العربية فى سبيل تثبيت مكاسبها وأثرائها . كما أن الموتمرات الدولية الخاصة بالمرأة قد نبهت منذ منتصف السبعينات الى الخلل في تعامل وسائل الاعلام مع قضايا المرأة. ويذكر هنا أن تقرير ماكبرايد الصادر عن اليونسكو حول قضايا الاتصال /عالم واحد افاق متعددة/ قد تضمن اشارة واضحة الى تقصير معظم وسائل الاعلام في العالم في تناول القضايا النسائية واعتبر أن الصورة التى تعكسها هذه الوسائل عن المرأة صورة دونية وغير لائقة بها خاصة فى الاعلانات . وجاء موتمر بيكين حول المرأة المنعقد عام 1995 ليمثل منعطفا حاسما على صعيد تناول المسالة إذ أكد في منهاج عمله إلى ضرورة التخلص من الصور السلبية المهينة للمرأة فى وسائل الاعلام داعيا الى خلق صورة متوازنة عن تنوع حياة المرأة ومساهمتها في المجتمع في عالم متغير. إن مسالة تقدم المجتمعات وتطورها لمواكبة استحقاقات العصر لا تقتصر على حقول العلوم والسياسة بل لعلها تبدأ أساساً بتحرير المرأة، وبالدقة بتحرير عقل الرجل من نظرته المتخلفة لموقع المرأة ولحقوقها ولدورها.. ومن هنا نبدأ. ملاحظة: قد يستغرب الكثيرون حين يعلمون أن هذه الدعوة ليست مني أنا ، وإنما أطلقها ابن رشد في الأندلس حين قال إن سبب ضعفنا الاقتصادي والاجتماعي ناتج عن وجود المرأة في البيت.. بعيداً عن مواقع العمل والانتاج. الرأي الأردنية في 27 يونيو 2005 |