بقلم :توفيق العيسى |
ليس من باب التجني على الفنان (محمد بكري) لكن اذا ما تتبعنا بعضا من افلامه, خصوصا آخرها سنجد ان الاستشراق جزء مهم من السياق الدرامي للفيلم وهو ايضا بات جزءا مهما في تكوين الشخصية الدرامية للفنان ذاته . فمن فيلم (حنا ك) للمخرج (كوستا غفراس) الى فيلم الجثة للمخرج (جوناث كارد) المنتج عام 2001, تلعب شخصية محمد بكري على ترسيخ المفهوم الغربي والاسرائيلي للوجود العربي الفلسطيني و اشكالية هذا الوجود !!! شخصية محمد بكري تتعاطى مع القضية الفلسطينية و الوجود العربي في السينما العالمية و الاسرائيلية ضمن ما بات يعرف (المقاومة على طريقة غاندي) متناسيا ان غاندي لم يكن سلبيا و لم يستكن للاحتلال, ففي فيلم (برايفت) و كما جاء في مقال الاستاذ (تيسير مشارقة) في جريدة الحياة 21/6/2005 " ارضى جميع الاطراف في ادائه، الفلسطيني والاسرائيلي و الاوروبي, فلسطينيا عرض المعاناة الفلسطينية, اوروبيا بدعوته لعدم المقاومة العنيفة, اسرائيليا استكان للاحتلال العسكري كأنه تعايش مع الاحتلال " وقد ينسحب هذا على عدة افلام اخرى للفنان محمد بكري . في فيلم "الجثة" و هو فيلم مشترك اسرائيلي فلسطيني و جنسية اجنبية لا اذكرها , يلعب محمد بكري شخصية فلسطيني ارهابي من (الجبهة الشعبية) يحاول سرقة عظام من مقبرة يهودية, يعتقد انها عظام السيد المسيح, لابتزاز الكنيسة الكاثوليكية . في هذا الفيلم يخرج محمد البكري و زميله ( مكرم خوري ) عن اسلوب غاندي في المقاومة – هذا اذا اعتبرنا ان الاسلوب الاول المتبع كان نضالا غانديا!!!- ليتقمص صورة العربي في افلام ( جيمس بوند ) فقد لعب الاثنان دوران متباينان ظاهريا فالاول كان قاسيا غليظ القلب لا يتوانى عن ارتكاب اي جريمة في سبيل تحقيق هدفه, والثاني طيب القلب لكنه جبان متردد واقع بين عنف المستوطنين في القدس و بين الارهابي الفلسطيني , ففي المشاهد الاخيرة للفيلم يعمل الفنان مكرم خوري على خطف سيدة و اطفالا يهود لصالح محمد بكري الذي يستخدمهم بدوره لابتزاز الراهب الكاثوليكي مقابل جثة المسيح , الا ان ضمير مكرم خوري يستيقظ امام تهديد محمد البكري بقتل الاطفال و يمتلك شجاعة كانت غائبة طوال احداث الفيلم متحديا محمد بكري فينال جزائه في النهاية بأن يقتل على يد مسلحين فلسطينيين . هذا المشهد بات مكررا بل ونمطيا ايضا في السينما العالمية, ورغم التباين بين الشخصيتين العربيتين الا ان انهما و في النهاية سلبيتين , و على غرار افلام جيمس بوند فانهما يلاقيان حتفهما , العربي الطيب و الجبان يموت على يد عربي ارهابي والارهابي يموت على يد جنسية اخرى تسعى لتحقيق السلام العالمي , وبهذا فان رسالة السينما العالمية للعالم هي ان العربي يجب ان يموت و هي نسخة مكررة لمقولة ( جولدا مائير) " العربي الجيد هو العربي الميت " . لكن مخرج فيلم الجثة ( جوناث كارد) لم يكتف بتصوير الشخصية العربية بما هو سائد في السينما العالمية بل ذهب الى ابعد من ذلك بتصويره المجتمع الفلسطيني كصفحة من كتاب ( الف ليلة و ليلة ) – المرجع الاوروبي و الامريكي في دراسة المجتمع العربي و الاسلامي - , فالفلسطيني في مدينة القدس يعيش في في خيام البدو و يرتدي الزي التقليدي و المرأة العربية هي ( شهرزاد ) و طبعا لم ينس المخرج الديكور التقليدي للمجتمع العربي ( الجمل و الملثم بالسلاح الروسي) , ما يذكرنا بالحملة الاعلامية الامريكية على افغانستان قبيل الغزو الامريكي , فقد تعمد الاعلام الامريكي الى اظهار الافغان في شكل الانسان البدائي بزيه و امكاناته المادية من مسكن وسلاح و طعام و و سائل المواصلات و ما تعكسه هذه الصور على نفسية وذهنية المواطن الامريكي و الاوروبي اما المرأة كالعادة ( شهرزاد ) او رهينة المحبسين البيت و الخمار . و في محاولة لدس السم في العسل, فان احداث المعركة في نهاية الفيلم تدور في البلدة القديمة من القدس موحيا للمشاهد ان المدينة هي ( مصنع للارهاب ) و ان السلطة الاسرائيلية لا تصل اليها الا لمطاردة الارهابيين سكان الخيام و اذا كان هذا المشهد هو محاولة اخرى للتأكيد على النظرة الاستشراقية فانها من جانب آخر تترك انطباعا لدى المشاهد بأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي متوازن من حيث الجغرافيا على الاقل , و يبدو ان الفيلم رغم جرأة الفكرة التي تحدثت عن الدور السياسي للكنيسة الكاثوليكية و في اذا كانت صادقة في ايمانها بقيامة المسيح ام لا وعن مناقشة الايمان الديني و حاجة الانسان الى الدين و الايمان كأحد اساسيات الحياة و حول التأويل الديني و اشكاليته و هذه كلها افكار رائعة و يدلل على ذلك عدة مشاهد من ضمنها نقاش الراهب الكاثوليكي مع الحاخام اليهودي و سط اعتراض اليهود من حاخامات و سكان المدينة على فتح القبر اليهودي المقدس رغم الحاجة العلمية و الانسانية لذلك فجاء على لسانه " ان كلام التوراة ليس نصا جامدا فهو بحاجة دائما الى من يؤوله " و في هذا تشابه بين كلمات الراهب و خطاب ( الامام علي بن ابي طالب )امام الخوارج في حرب صفين حيث قال " ان القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق و لكن يتكلم به الرجال " اشارة الى ضرورة التجديد وهذه كانت من ضمن الرسائل الانسانية و الدعاوى الفكرية التي عرضها الفيلم في تمييز بين الدين و الفكر الديني . و على الرغم من ذلك فانه وكما يبدو من سياق الفيلم كان موجها بشكل يخدم السياسة الغربية فالبطل السلبي اي الفلسطيني كان يتلقى دعما و توجيها من جهة خارجية ( سوريا ) و كانت له الملجأ و المنفذ و قد تكون هذه الرسالة واضحة و ليست بحاجة الى كثير من التعليق خاصة مع تزايد الضغوط الاوروبية و الامريكية على الجمهورية السورية فقد جاءت فكرة الارهاب الفلسطيني المستمد من سوريا لتوضح ضرورة التحالف الامريكي الاسرائيلي ضدها وما يؤكد على هذه الفكرة هي التحالف الذي يظهره المخرج في نهاية الفيلم بين الكاثوليكية و اليهودية في مقاومة الارهاب العربي فالمشهد ما قبل الاخير من الفيلم يصور لنا مواجهة بين الراهب الكاثوليكي ومحمد البكري على حافة مبنى قديم وهما يتصارعان على الحقيبة التي تحتوي عظام المسيح و خلفهما طائرات الاباتشي الاسرائيلية التي تطارد الارهابي الفلسطيني و عصابته ليتمكن الراهب من القاء قنبلة يدوية داخل الحقيبة و يتركها تسقط و محمد البكري . و ليس من باب المصادفة ان يموت العربي في السينما العالمية و تكون هذه نهايته بغض النظر ان كان العربي ارهابيا او مسالما جبان فالامر سيان , فهذ النهاية ترسم صورة العربي كما هي في الذهنية الاوروبية و الامريكية و الاسرائيلية ( الصورة النمطية ) و من جهة اخرى فانها ترسخ مصير العربي في ذات الذهنية , و اذا كنت اتفق مع الاستاذ ( تيسير مشارقة ) بأن الفنان محمد البكري قد ارضى في افلامه جميع الاطراف فأني اضيف على قوله انه ارضى الجميع و لم يقنع احدا!!!!!!!!!!! موقع "جماعة السينما الفلسطينية" في 22 يونيو 2005 |
«حالة» .. إصرار على الحياة بكل تفاصيلها فيلم فلسطيني يروي حكاية حب «صنعها» الحصار انتهى المخرج الفلسطيني يوسف الديك، قبل أيام، من تصوير فيلمه الجديد «حالة»، عن نص لرياض سيف، وبطولة كامل الباشا، وربا صلاح تم تصويره في رام الله، يروي حكاية الفتاة «ذكرى»، والتي تتعرض منطقة سكنها لقصف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، فتهجر حيّها إلى حي آخر، وتلجأ إلى أول منزل تراه مناسباً. وهو المنزل الذي يقطن فيه الشاب «سعيد» بمفرده، وهنا تبدأ الحكاية، حيث يعيش سعيد وذكرى، واللذين لم يسبق لأي واحد منهما التعرف على الآخر، خمسة أيام تحت سقف واحد. ويقول يوسف الديك، مخرج العمل: «أعتقد أن في الفيلم ما هو جديد في التجربة السينمائية الفلسطينية عموماً، فلأول مرة يتم الاقتصار على ممثلين اثنين لبطولة فيلم، ولأول مرة يتم اختزال الأحداث في مساحة لا تتجاوز 80 متراً مربعاً، وهنا كان التحدي المتمثل في العمل على تحفيز الجمهور باتجاه متابعة أحداث تجري في مساحة محصورة. ولممثلين اثنين فقط، كنا همنا الأساسي ألا يشعر المتفرج بالملل .. هذا ما سعينا إليه، فالمهم في الفيلم هو الانتصار للتكوينات والانفعالات الداخلية والخارجية».ويضيف الديك، عن أول فيلم سينمائي روائي طويل له: «حاولنا من خلال الفيلم أن ننقل صورة جديدة للفلسطيني، من خلال أبطال (عاديين)، بعيداً عن صورتي (السوبر مان)، أو (القتيل). وهذا الفيلم فيه تحد للموت، فسعيد وذكرى يعيشان إنسانيتهما بكل تفاصيلها، في الوقت الذي تقوم فيه دبابات الاحتلال، والتي يتجاوز وزنها 150 ألف طن، بنشر الرعب، والموت، في كل اتجاه. رياض سيف، مؤلف العمل، يرى أن «حالة» يشكل فرصة للابتعاد عن صورة الفلسطيني الممتزجة بالعنف، والأقنعة، والبنادق ويقول: «حاولنا إيصال رسالة مفادها أن الفلسطيني، كغيره من البشر، عاشق للحياة، وذلك عبر بناء حالة حب صنع تفاصيلها، الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رام الله وغيرها من المدن الفلسطينية، في العام 2002. أو ما عرف بعملية «السور الواقي»، دون إظهار أي جندي إسرائيلي، أو أية آلة حربية إسرائيلية .. واكتفينا بالرمز، فالزجاج المشروخ بنجمة سداسية، أظهرت خلفها زهرة سقطت مع فروعها على الأرض، كان كافياً، حسب اعتقادي، بالحديث عن قبح الاحتلال، وسياساته التي تقتل كل شيء جميل. ويؤكد سيف أن الفيلم موجه بالدرجة الأولى للجمهور الغربي، رغم أنه يمس وبشكل كبير الفلسطيني والعربي أيضاً، لكن الحديث عن الفلسطيني الذي يسعى لممارسة حياته البسيطة والعادية، من خلال حالة حب تنشأ في أحد منازل رام الله المثقلة بالدبابات والقصف، قد لا يستقبل محلياً بذات الطريقة التي يمكن أن يستقبله الغرب فيها، ويجب أن نكف عن مخاطبة أنفسنا .. بات علينا أن نعرف كيف نخاطب الآخرين». ويشير سيف إلى أن فكرة العمل جاءت قبل ثلاثة أعوام، أي بعيد الاجتياح، وهي فكرة مشتركة بينه وبين مخرج الفيلم، يوسف الديك، وصديقهما المخرج محمد سوالمة، والذي كان من المفترض أن يقوم بإخراج الفيلم، وحالت هجرته إلى كندا، دون ذلك .. «شعرنا أن الفيلم قد يتعثر، فقررت ويوسف الديك إنتاجه على نفقتنا الخاصة، كي نقدم حالة درامية فلسطينية راقية، وإن بتكاليف قليلة». ويصف سيف الفيلم ب«التطوعي»، فالممثلون تطوعا بأجريهما، وكذلك صاحب المنزل الذي تم التصوير فيه، والمصورون، وطاقم العمل بأكمله، وهو الأمر الذي ينطبق على استعارة المعدات اللازمة للتصوير، لعشرة ايام، ما يدل على أن الفنان الفلسطيني يسعى بالدرجة الأولى لتقديم رسائل عدة بلغة سينمائية راقية، ولو «دفع من جيبه». من جهته يرى الممثل المسرحي كامل الباشا، في الوقوف أمام الكاميرا «تجربة مثيرة»، ويقول: كانت التجربة متعبة جداً، وممتعة جداً، واستطعت من خلالها التعرف على نفسي أكثر، من خلال هذه العلاقة التي نسجت بيني وبين الكاميرا .. الفيلم كان يتطلب دراسة عميقة للنص، ولا أنكر دور المخرج، وعادل عفانة، مصور العمل، في تسهيل هذه المهمة. ويقدم الباشا في الفيلم دور «سعيد»، الشاب الذي يعيش واحداً في منزل مستقل، وتقتحم فتاة هاربة من القصف الإسرائيلي حياته، فيبدآن باستكشاف بعضهما البعض، وما يحدث داخل المنزل ليس أكثر من عملية رفض لما يحدث خارجه .. الفيلم باختصار إصرار على الحياة، وممارستها بكل طقوسها». أما الفنانة ربا صلاح، والتي تقدم «دور ذكرى»، فهي تخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى، بعد أن عملت لسنوات، مذيعة في محطات تلفزة محلية في نابلس .. وتقول عن الفيلم: الفيلم جديد من نوعه، وهادف، وأعتقد أنه سيلامس الكثيرين ممن يعيشون الحصار بكافة أشكاله وانطلاقتي في عالم السينما، الذي أتمنى أن أقدم فيها المزيد من الأعمال التي تلقى استحساناً من الجمهور، وأتمنى أن يستقبله الجمهور بمحبة، وبالتالي يكون النجاح نصيبه. البيان الإماراتية في 21 يونيو 2005 |