نبيهة لطفي تكتب عن «غير خدوني» الفيلم التسجيلي الفائز بفضية مهرجان روتردام:
|
* الفيلم يروي تجربة خمسة مناضلين اختطفوا في ربيع عام 76 واستضافتهم المعتقلات دون محاكمة.. ولم يسمع أحد أقوالهم * الفيلم تم تصويره بموافقة السلطات المغربية في سابقة نتمني ألا تكون الأخيرة * نال المخرج الشاب تامر سعيد جائزة الصقر الفضي عن فيلمه التسجيلي «غير خدوني» في مهرجان روتردام للسينما العربية. قيل لي إن معناه: «لابد أن تأخذوني» أو كما تقول «إلا تأخذوني» وبهذا التفسير أو ذاك، وهما تفسيران متقاربان في المعني، قد يكون المقصود بهاتين الكلمتين السخرية من الواقع المرير بمعني التنبؤ «بأنكم ستأخذونني علي أية حال». وكلمات الأغنية: قلبي كان بين ايدين حداد/ حداد ما يحن وما يشفق عليه/ تنزل الضربة علي الضربة/ وإذا النار تحن/ يزيد النار عليه/ غير خذوني لله/ غير خذوني. من هذه الكلمات والأغنية التي جاءت في آخر الفيلم، والتي أصبحت أغنية المختطفين في المغرب، يأتي مجمل معني الفيلم والتجارب التي مرت بداخله تؤكد هذا المعني الذي فهمناه، والجملة التي تتصدر عناوين الفيلم الأولي: «إنه محاولة لقراءة صفحة من تاريخنا.. نأمل في طيها» تؤكد معني المأساة التي في الأغنية. وتقول عناوين الفيلم أيضا: «يحكي أن».. وكأن ما يحكي أسطورة. «غير خذوني» المغرب 2003. وإذ الفيلم يحكي في عام 2003، بعد وفاة الملك الحسن الثاني بمدة، وان هذه هي الحكاية.. تروي وكأنها عن عهد ذهب ولن يعود. قصة خمسة مناضلين مغاربة اختطفوا في ربيع عام 1976، ثم أفرج عنهم في نهاية عام 1984. لم توجه لهم أية تهم، ولم يحاكموا، ولم يروا قاضياً، ولم يسمع أحد أقوالهم. بدأ الفيلم مباشرة بالدخول من خلال صور متعددة من البشر، في تكوين إحساس بالبؤس الذي ينضح من الوجوه، وعلامات الزمن القاسي التي تطبع سمات العجز، ودبيب التراخي في إيقاع الحياة اليومية المتعثرة، ليقبل علينا من خلال هذه الجموع الشخصية الأولي في الفيلم، نتعرف عليه من خلال كلمات نسمعها في خلفية الصورة: «إن كنا ندمنا علي شيء اننا لم نقم بأي شيء يستحق هذا العذاب»، ويتقاطع هذا الكلام مع منظر ضرب لسراديب سجن أصبحت في حالة هدد. ثم من البحر والسماء المفتوحة، نري الشخصية الثانية ليتجه نحونا، في الحاضر، تمشي بانطلاق، والبحر والأمواج تتلاعب خلفه، لكن الصوت في الخلفية يقول: «اقتادوني إلي السيارة معصوب العينين، مقيد اليدين، واتجهت السيارة إلي مكان مجهول». تخترق صورة السراديب والزنازين الخربة هذا الكلام وكأنها تشكل مع الصوت حاجزا رهيبا يشدنا وراءه بعيدا عن الحاضر المنطلق والبحر المتهيج الموج ويرمينا في غياهب المجهول. لكننا نعود لطريق مفتوح علي خلفيته البحر، ويعبر نحونا من أرصفة هذا الطريق الشخصية الثالثة حيث يكسر جمال الحركة «الصوت في الخلفية» «ما آمل ان كان بوسعي أن أذهب للمرحاض متي شئت دون حسيب أو رقيب» أيضا.. تخترق الكلام هنا لمحة من السراديب والزنازين. ثم نعود إلي الطبيعة والأماكن الجميلة الخضراء، ونجد شخصيتنا الرابعة تمشي في أحضان هذا الجمال الطبيعي، لتعود في الصورة، السراديب، يغذيها صوت في الخلفية «الحمد لله، كنا نقاوم». وأخيرا من بين المجموعات البشرية تطل الشخصية الخامسة، وتأتي بعدها صورة السراديب وصوت الخلفية يقول «المغرب بلد جميل». لقد سردت المقدمة بتفاصيلها لأستطيع أن أصف الأسلوب الذي سار عليه الفيلم فيما بعد. فيلم عن موضوع الاختفاء، بالمغرب، ابتدأ بمقدمة عن خمسة مناضلين تم خطفهم واختفاؤهم من عام 1976 ـ 1984، وقد اطلق سراحهم دون أية محاكمة أو تحقيقات «أنا لا يمكن أن ارتاح لأعرف السبب لماذا تم اختطافي، ما السبب؟ أريد أن أعرف». وقد ضعت مقدمة الفيلم منذ البداية النقاط علي الحروف، بحيث إننا عندما دخل الراوي ليحكي الحكاية كنا قد بدأنا ندرك عن أي موضوع يتكلم. وتابعنا موضوع المناضلين الخمسة، بتفاصيل صغيرة ودقيقة وحارقة. بعد ذلك تأتي تفاصيل أحسسنا بتجمد أطرافنا عند روايتها. وتتابعت الروايات الصغيرة التي تكون في مجموعها مجلدا ضخما من الفظائع، ولم يكن في أية رواية منها أي نغمة من نغمات الميلودراما. أهم ما يميز أسلوب الفيلم انه كان أسلوبا رصينا، اتبع إيقاعا هادئا لكنه مليء بالانفعالات التي تنصب في قلب المتفرج، وتترك بعد انتهائه جرحا غائرا في داخل أحاسيسه ولا أنسي رواية المشهد الذي تكلم فيه عبدالناصر «أحد المعتقلين» عن لقائه بأهله. إذ عندما ابتدأت أكتب عن الفيلم كان هذا المشهد هو الذي أردت أن أبدأ به. يطرق عبدالناصر باب منزله في الثالثة صباحا عندما أفرج عنه، وتفتح له والدته، لم يعرفها وأمه نفسها لم تعرفه، ولا عائلته. وقالت إنه ليس لديها ولد بهذا الاسم «في تلك اللحظة خامرني شك في أنها تمثيلية حتي لا يقولوا لي نحن نرفضك، وشعرت كأن سكينا انغرست في داخلي». كان مشهدا، لم نره، لكننا رأينا تعبير هذا المشهد علي وجه عبدالناصر، كان شيئا شديد القسوة، وله تفسيرات عديدة، هم لم يعرفوا ابنهم، هو لم يعرف أمه الكل قد تغير، والكل يشك في الكل. جو من القتامة والرعب يسود الجميع، يوازيه في القتامة مشهد الكفن الذي وضعوا قماشه في المعتقل ليقولوا للجميع «هذا هو مصيركم»، ونري الكفن المنشور علي جبل ينتقص شيئا فشيئا، وكل نقصان هو مغادرة الحياة لواحد منهم وشعور الآخرين بأن يومهم قد اقترب. «كان الصراع بيننا وبين الموت، يجب أن نعيش لنقول إن هناك أماكن حيث يدفن المغاربة لا لشيء يذكر». يقول عبدالناصر. وانغرست في الفيلم مشاهد تثير الاستفزاز، مشهد فرع ابنة الملك الحسن الثاني، الأب الرؤوم، والاحتفالات الشعبية التي رافقته. ثم مشهد الحوار الذي تم بينه وبين صحفية «أعتقد أنها فرنسية» عندما سألته: «طرح سؤال في سنة 1990 عن أين موقع معتقل تدنمر، ومعتقل منجونة «قلعة منجونة»؟» فأجابها وكأنه أخذ بالسؤال «منجونة هي مركز سياحي، انها عاصمة الورد. تدنمر كانت موجودة فعلا، لكنها انتهت، أمرها انتهي الآن». وتصر المذيعة «حسب تقارير الأمم المتحدة كان في قلعة منجونة مركز للاعتقال السري». ويجيب بصبر نافد محاولا الابتسام «يا إلهي، منجونة هي عاصمة الورد، انهم لا يعرفون جغرافية المغرب» وتصر الصحفية «ألا يوجد أماكن اعتقال أيضا؟» فيجيب: «لا.. لا.. هذا مستحيل». ويبتسم ابتسامة لا أعرف توصيفها وتتوقف الصورة، ثم يغلق باب زنزانته ويسود الظلام. والمشهد الذي يرفع الرياضي المغربي علم المغرب لأول مرة في الأوليمبياد، والذي يحبه البسطاء ويفخرون به، كان هؤلاء مغيبين عنه، وكان المجد للنظام وللملك. استطاع المؤلف أسعد طه والمخرج تامر السعيد أن يدخلا صميم الموضوع الشائك، موضوع يشرف علي أرض البكائيات والنواح، لكنهما لم يسقطا في هذه الأرض، بل جعلا منها قصيدة كأنها كابوس،جارحة، حارقة، لكنها في نهايتها تحمل التفاؤل. فرغم كل الروايات الرهيبة التي وصلتنا بالصوت والصورة، ينتهي الفيلم، بنغمة تفاؤل وحب للحياة وإصرار علي الاستمرار. في قلب الرباط نري الألوف تسير وتهتف «فلسطين عربية» و«العراق عربية» ونري مناضلينا من هؤلاء الذين يهتفون «الأنظمة العربية.. زيرو». لم تهزمهم سنوات الاعتقال هزيمة نهائية، لاشك أنها تركت مرارات كثيرة، لكن الشعلة ظلت باقية. تبدأ الصورة بالاختفاء، ويظهر اللون الأسود الذي يحمل العناوين قد تطالعنا كلمات: المجد للجماهير/ ولكل من لم يعودوا/ وتتوالي صور الغائبين وأسماؤهم.. ثم من ليس لأسمائهم من يعرفها يقول العنوان: وآخرون. وفي نهاية الفيلم يظهر هذا العنوان الذي يدعو للكثير من التفاؤل «تم تصوير هذا الشريط بموافقة السلطات المغربية، في سابقة هي الأولي من نوعها في الوطن العربي». ونرجو ألا تكون الأخيرة. جريدة القاهرة في 21 يونيو 2005 |
طارق الشناوي يكتب عن «أحلام عمرنا» ناقد.. ما فهمش حاجة..!! كيف تصنع نجماً؟! لا يستطيع مخرج ولا شركة إنتاج ولا مؤسسة إعلامية ضخمة صناعة نجم، ولكنهم فقط يملكون بعض الأوراق المؤثرة في سوق النجومية وليس لديهم كل الأوراق.. النجومية إشعاع خاص ووميض له سحر يولد به عدد قليل من الناس وفي كل المجالات وليس فقط دنيا الفن.. إلا أنه في مجال التمثيل يصبح نجم الشباك أحد العوامل المؤثرة والمهمة في صناعة السينما، لأن النجم يتحول إلي سلاح اقتصادي يضمن تدفق الجمهور إلي دار العرض ومن ثم تحقيق دخل في شباك التذاكر.. وبقدر ما تنتعش شركة الإنتاج يزداد الطلب علي النجم وتستمر العلاقة بين الجمهور والنجم وبينهما شركات الإنتاج.. حتي يفتر حماس الجمهور وتبدأ شركات الإنتاج في تلك اللحظة في البحث عن نجم قادم جديد..! وفي سينما هذا الصيف وحتي الآن نجد أن المحاولات علي قدم وساق لتقديم نجوم جدد.. ونجحت ساندرا نشأت في أن تمنح أحمد عز الفرصة لكي يتوهج باعتباره «جان» قادم في السينما المصرية في «ملاكي إسكندرية» ولي ملاحظات عديدة علي السيناريو.. وعلي الاقتباس بدون الإشارة للمصدر الأجنبي، ولكن هنا أتحدث عن هدف محدد وهو تقديم نجم.. كانت الشخصية علي المستوي الدرامي تحمل مقومات التعاطف مع الـ «جان» الجديد مثل الجرأة و«الشهامة» وخفة الظل.. بينما يملك أحمد عز الوسامة والجاذبية والقدرة علي الإمساك بتفاصيل الشخصية الدرامية وبالقطع تقف مخرجة تجيد فن قيادة الممثل، ولهذا تم تعميد «عز» في هذا الفيلم نجما جديداً و«جان» من حقه أن يلحق بكل من أحمد السقا وكريم عبدالعزيز للذين سبقاه إلي تلك المكانة.. لم يكن «ملاكي إسكندرية» هو البطولة الأولي له.. فلقد عرف البطولة في «مذكرات مراهقة» قبلها، إلا أن النجومية انطلقت مع «ملاكي»... المحاولة الثانية لصناعة نجم جاءت مع أحمد رزق في فيلم «حمادة يلعب» إخراج سعيد حامد وهذه المرة كان الرهان علي كوميديان ينضم إلي قائمة نجوم الشباك وأحمد رزق يقف علي خط النجومية منذ عدة سنوات ينتظر الفرصة ليتم تعميده، ولكن حالة التماس بين النجم والجمهور لم تكتمل.. كانت مجرد إرهاصات فقط تتيح له تجربة ثانية فهو لم يحقق المجموع اللازم في دور العرض ليلتحق بنجوم الكوميديا ولديه في الصيف القادم 2006 دور ثان!! .. ثالث نجم دخل الامتحان هو مصطفي شعبان في فيلم «أحلام عمرنا» أول إخراج لـ «عثمان أبو لبن».. والفيلم يدخل في إطار ما يعرف حاليا بأفلام الشباب، حيث يلتقي مجموعة من الشباب في مكان ساحلي «مرسي علم» وصراعات وأحلام بعض شباب طيبين وبعض شباب أشرار و«جان» يؤدي دوره مصطفي شعبان و«فيديت» مني زكي ومساعد «جان» رامز جلال.. ومساعدة «فيديت» منة شلبي وشرير أدي دوره شاب لا أتذكر اسمه ومحاولات مستمية من الكاتب أحمد البيه وهو القائد السري لانقلاب 1997 «إسماعيلية رايح جاي».. وإن كانت أفلامه التالية لم تحقق نفس القدر من النجاح وحتي ربع القدر.. إلا أن هذا لا ينفي عنه أشعل فتيل تلك الثورة التي غيرت وجه السينما المصرية قبل 8 سنوات.. أما فيلمه «أحلام عمرنا» فلقد أسفر عن فكرة مجهضة لأنك تشعر بمسافة ما تفصلك عما تراه علي الشاشة، حيث كل شيء معد سلفا أقصد أفلام سابقة فهذا شرير يريد الارتباط بمني زكي ويقدم الشر بأسلوب رفع حاجب وخفض آخر وجز علي الأسنان والثاني غارق لشوشته في حب مني زكي وهو مصطفي شعبان، وهناك منة شلبي التي لا أدري علي وجه الدقة ما هو دور «هاشم» رامز جلال صديق مصطفي شعبان ودوره الأساسي هو تخفيف الحالة بقدر المستطاع أي أن المنوط به زرع الابتسامة علي الأحداث ومني زكي تؤدي دور فنانة تشكيلية يربطها الحب مع مصطفي شعبان.. وهناك بالقطع شيء ما من الشر والخداع حتي تفسد علاقة مني بـ «مصطفي».. وفي كل مرة يحاول «رامز» أن يخفف.. وتنتهي الأحداث نهاية سعيدة من وجهة نظر المخرج طبعا!! لا أستطيع علي وجه الدقة أن أتذكر شيئا خاصا في هذا الفيلم أو منهج ما أو حتي أعرف ما هي المشكلة التي من أجلها أمتد زمن الفيلم قرابة ساعتين ثم ما هو دور المخرج في توجيه ممثليه لم أشعر سوي أن كل من شارك في هذا الفيلم بدون استثناء لم يتقدم خطوة أبعد.. بل حدث نوع من التراجع فلا هذه مني ولا تلك منة ولا هذا رامز.. بل إن مصطفي شعبان والذي قدم قبل ثلاث سنوات أفضل أدواره سينمائيا في «مافيا» إخراج شريف عرفة وبطولة السقا، أما في «أحلام عمرنا»، لأنه لا يوجد مخرج يوجه ممثلاً ولا يستند الموقف الدرامي إلي سيناريو فيلم تنجح الخطة للدفع به مجددا إلي قائمة نجوم الشباك.. والحقيقة أن مصطفي قدمت له أكثر من فرصة لكي يقفز اسمه كبطل بين النجوم بدأت مع فيلم «الشرف» لـ «محمد أشرف» قبل 6 سنوات، ثم فيلمي «النعامة والطاووس» و«خلي الدماغ صاحي» للمخرج محمد أبو سيف ولم تتحقق نجومية مصطفي شعبان.. وجاءت الفرصة الرابعة له في «أحلام عمرنا» ومعه كوكبة من الفنانين، بالإضافة إلي مني زكي كنجمة شباك له أكثر من بطولة سابقة، ولكن لم يسفر الأمر عن شيء فلا يزال مصطفي «محلك سر» مني لم تكن في حالة إبداعية، ومصطفي تخونه مخارج الألفاظ كثيرا، ثم إن عليه أن يقتصد في التعبير أمام الكاميرا وهي بالطبع مسئولية المخرج الذي لم يستطع أن يقود ممثليه، ورغم ذلك فإن شروط النجومية ليست فقط هي موهبة في فن الأداء، ولكن فقط هذه هي أحد الشروط الرئيسية ويبقي علي نفس القدر من الأهمية اختيار السيناريو والمخرج القادر علي أن يمتلك ترمومتراً ليضبط إيقاع الفيلم وإيقاع أداء ممثليه.. إلا أن وهج النجومية بحاجة إلي شيء آخر متجاوزا كل ذلك الإشعاع الداخلي.. الوميض الخاص.. وحتي فيلم «أحلام عمرنا».. البطولة الرابعة لـ «مصطفي شعبان» لم أستشعر هذا الوهج فهل ننتظر البطولة الخامسة..!! > > > شاهدت «أحلام عمرنا» وعدت إلي مكتبي في محاولة لأن أستجمع شيئاً أو أتذكر شيئاً أو أربط شيئاً بشيء فلم أستطع أن أجمع شيئاً هل كان العيب في إدراكي أم في الشيء؟! جريدة القاهرة في 21 يونيو 2005 |