جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

 

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

 

 

مولادي فيلم عن ختان الفتيات..

يرسم جمالية خاصة للقرية الأفريقية.. ومشاعر التغيير المقبل!

ابراهيم درويش

عصماني صنبين حكيم السينما الافريقية يتحدث عن الشباب في سن الثمانين

افريقيا عاهرة، ولكني احبها، نساء رؤساء الدول الافريقية سيدات السوق الحرة، المبادرة البريطانية لافريقيا ستنتهي في جيوب رؤساء الدول الافريقية الفاسدين. افريقيا الفاسدة المليئة بالمرض والفقر والتخلف، لا بطاقات معايدة سعيدة منها ولكن هناك قصص جميلة ومثيرة عن البطل الفردي والبطولات التي يقوم بها البسطاء والمسحوقون في نجوع وقري افريقيا.

هذا واكثر منه هو ما قاله المخرج والروائي السنغالي عصماني (عثمان) صنبين اثناء لقاء الـ غارديان الذي عقد في قاعة معهد الفيلم البريطاني بداية الشهر الحالي واحتفاء بعرض فيلم، لأول مرة، في لندن مولادي حماية ، عصماني الرجل الثمانيني (ولد عام 1923) ما زال يحتفظ بشبابه ويخطط لأفلام جديدة من ثلاثيته عن افريقيا وبطولاتها الفردية، وهذا الرجل المؤسس للسينما الافريقية يحلم بأفريقيا جميلة يحل مشاكلها ابناؤها الأفارقة، وهو الان يتحدث بمرجعية وبحكمة مثل بقية حكماء افريقيا، ولكنه لم يتخل عن حلمه الاشتراكي واليساري فهو كما يقول اشتراكي ماركسي حتي النفس الاخير ، وهو ذاكرة وشهادة لزمن سابق حيث التقي في اثناء نضاله في السنغال ومالي وفرنسا بعدد من رموز حركات التحرر الافارقة او السود مثل ايمي سيزار والجامايكي كلود ماكي. كما قاتل من اجل تحرر الجزائر وتظاهر ضد الحرب في الهند الصينية، وفي افلامه ورواياته فضح وتعرية للنخبة الافريقية الحاكمة التي نشأت بعد الاستعمار وعالج في افلامه ايضا، مشاكل الفساد في المجتمع السنغالي ولكنه كان قادرا علي التعبير عن ثقافته الاسلامية وثقافته الافريقية باعتبارهما محلا للهوية، وايا كانت التفسيرات التي يقدمها المثقفون الافارقة لاعمال صنبين، بكونها تنزع للدفاع عن الهوية الافريقية ضد زحف الاسلام والغرب، حيث يقرن المثقف الافريقي المعاصر بين الاسلام الذي دخل السودان الغربي منذ قرون طويلة وزحف الاستعمار، الا ان صنبين علي اشتراكيته يعبر عن محمول ثقافته، وهو الذي يؤكد اكثر من مرة ان افريقيا تمثل جمهوره، وجمهوره ليس موجودا في التجمعات الحضرية والمدنية ولكن في القري. وفي فيلمه الاخير مولادي يقدم صوت القرية، وصوت افريقيا المتعددة، فاذا كان السياسيون لا يتفقون علي رأي فطاقم الفيلم المكون من فنيين وممثلين من معظم دول غرب افريقيا هو رؤية الفنان لما يجمع الافارقة ولا يفرقهم، ومهما قيل ويقال عن ختان البنات في افريقيا الا ان صنبين يرفض ربط العادة بالاسلام بل يحيل المشاهد والمستمع الي كتب وتحليلات تاريخية تعيد العادة لقرون طويلة وسابقة عن الاسلام. وفي هذا السياق فالفيلم ليس عن الختان كما ينظر الاوروبي اليه، ولكن عن تراكم العادات والتقاليد وعلاقتها بالحاضر الافريقي. وليس غريبا ان يكون ميرسينر المرتزق التاجر المتحرر الذي يقيم علاقات مع نساء القرية في الفيلم، هو صوت المخرج نفسه. فهو يمثل القرف من التجربة الاستعمارية، وبنفس الاطار يمثل الرفض لعادات القرية التي تجبره علي التدخل لانقاذ كولي فاطمة كولالي التي رفضت الاستجابة لطلب زوجها تحت التهديد للتخلي عن عادة حماية الفتيات الهاربات من موس نساء الختان. ميرسنير يقتله رعاع القرية، ولكن وقفة كولي تجعل التغيير امرا محتوما تماما مثل الموجة الهادئة التي تحمل في داخلها الاعصار القادم. ومولادي، اذا، هو عن الختان الفرعوني ومشاكله، وهو في اطاره العام موضوع يعرض موضوعا محببا للمشاهد الاوروبي ولكنه هنا يقدم منظورا مختلفا، اذ يعرض المشكلة عبر اطارها النسوي، فالمرأة التي هي تدافع عنها والمرأة هي التي تحاول التخلص من العادة التي تؤثر علي حياة البنات الصغيرات. مولادي فيلم مليء بالالوان الجميلة انه عن كولي، الزوجة الثالثة لمزارع وامرأة تضع شريطا ملونا امام بيتها دلالة علي وجود مولادي الحماية فالبيت هو حرم يمنع اي شخص من الدخول اليه ومن بداخله من البنات محميات. صور عصماني الفيلم في قرية في بوركينا فاسو، والفيلم مليء بالحيوية والحركة، فعلي خلاف الافلام الافريقية التي تبدو عادة بطيئة المزاج والايقاع، فهذا فيه الكثير من الحركة والحيوية، حيوية الصوت واللون، وحيوية الحياة الريفية، والفيلم افريقي جميل يعرض جماليات القرية الافريقية وحياة الناس المتآلفة مع الطبيعة والتي تدور حول المسجد والمزرعة والسوق، واحتفالات استقبال العائدين محملين بخيرات اوروبا. وعصماني حريص علي اظهار مدي نظافة الفضاء في القرية، علي خلاف الافلام الاوروبية فصورة السوق المفتوح عادة مليء بالذباب وكل انواع القذارة، خذ مثلا فيلم السماء الواقية برتولوشي.

وعلي فقر الناس فانهم يحتفون باللون والنظافة، يغيرون ازياءهم لكل مناسبة، الرجال في الفيلم علي الرغم من سلطتهم الا انهم متفرجون علي الصراع بين كولي والنساء المتخصصات بختان الفتيات، ونلاحظ هنا بُعدا اقتصاديا مرتبطا بهذه العادة القديمة، فالنساء يتخذن من ختان الفتيات وسيلة للرزق كما ان الطقوس المرتبطة بها ادت لنشوء حركة من الرزق.

صور الفيلم في قرية منعزلة في بوركينا فاسو، ويقول عصماني انه ولد في ثقافة كانت عملية طهور النساء تتم يوميا، ولكنه يري ان هذه الثقافة المضادة لها ايضا تطورت، بسبب عذاب النساء في الولادة وانتشار الايدز وبسبب المشارح، وهو يري ان العادة صارت قديمة ولا مكان لها في الحياة الافريقية.

اختار عصماني بلدة دجيرسو لمسجدها ذي الطابع المعماري الخاص والمنائر المدببة الدقيقة، وكاميرا عصماني تحوم حول المسجد وعلي مئذنته، ولكنها لا تغامر بالدخول اليه، نسمع صوت الآذان واصوات مرتلين القرآن والرجال في رواحهم ومجيئهم لاداء الصلوات الخمس، وتمنح القرية المخرج حرية لمتابعة ايقاع الحياة اليومية وحركة السكان بين المسجد والحقل والسوق المفتوح ونشاطات النساء ومتابعة اخبار الفتيات اللاجئات لبيت كولي بناء علي نظام الحماية. والفيلم لا يدين الرجال او النساء لانتشار هذه العادة بل يدين التقاليد المتحجرة التي تحاول ادامتها برغم الثمن الانساني الذي تدفعه النساء نظرا لوفاة بناتهن علي ايدي نساء الختان اللاتي يحضرن في الفيلم مثل ملائكة الموت بالثياب الحمراء والوجوه المكفهرة.

يعترف عصماني ان فيلمه هو عن تعليم الرجال والنساء، وتقول البطلة الرئيسية في الفيلم (فاطمة كولالي) انها قبل ان تبدأ العمل مع المخرج كانت منخرطة في نشاطات لتوعية النساء حول مخاطر العادة، ومن خلال عملها في الراديو في تمبكتو، وكانت قادرة علي فهم معاناة المرأة نتيجة لهذه العادة، وفي عدد من الدول التي عرض فيها الفيلم قد اشعل نقاشا كان اكبر من القضية التي طرحها. معركة كولي ضد ارادة النساء وحكماء القرية تنتهي باهانتها بتحريض من شقيق زوجها امام كل القرية بالضرب ومع انها ترفض انهاء نظام الحماية (مولادي) الا ان صمودها ورفضها تطهير بناتها يعتبر في حد ذاته انتصارا وتغييرا في المفاهيم، يحدث هذا من موقف الشاب العائد من فرنسا والذي يمثل الجيل العامل في الغرب ويعود لبناء مجتمعه ولكنه يقف في مواجهة التقاليد، التي يرسمها الأب وعقلاء القرية. جانب اخر، يطرحه الفيلم هو ما اشارت اليه كولي ان العادة لا اساس لها في الاسلام فالمفتي في الراديو قال انها ليست فرضا اسلاميا، وفي منطق الدفاع عن موقفها تقول ان ملايين النساء يذهبن للحج كل عام في مكة، وكلهن لم يتطهرن يختتن ، ومن هنا قرر رجال القرية حرمان النساء من المذياع، حيث تمت عملية اعدام للراديو، الذي يمثل التأثير الخارجي علي الحياة في القرية، وينتهي الفيلم في الدخان المتصاعد من اجهزة الراديو المحترقة امام المسجد، وصورة للمئذنة وانتين التلفزيون.

بدأ صنبين مسيرته السينمائية في الستينات من القرن العشرين، وهو يعتبر بحق الاب الحقيقي للسينما الافريقية وحكيمها، وبدأ التصوير علي دراجة هوائية يصنع افلاما من قرية لقرية. وعصماني يعترف كما قال في اللقاء بمرجعية اوروبية في فنه، من خلال تعلمه التقنية ولكنه يري ان مرجعيته الثقافية في النهاية هي افريقية فأفلامه تلامس حيوات الافارقة وسكان القارة.

عمل عصماني كصياد وسائق شاحنة، وجندي وعامل ميناء في مرسيل الفرنسية، كما نشط في اتحادات العمال وفي الخمسينات من القرن العشرين بدأ بكتابة اعماله الروائية، حيث اصدر اول عمل كان بعنوان عامل الميناء الاسود (1956)، واصدر من الاعمال الروائية عشرة اهمها كتابه الذي يصف فيه اضراب اتحادات العمال في السنغال ومالي وهي الرواية التي حظيت باهتمام نقدي وتحمل عنوان قطع الآلهة الخشبية المتناثرة (1960)، وفيها وصف المجتمع الافريقي والاضراب عام 1947 ـ 1948 في ما كان يعرف باسم غرب افريقيا الفرنسية.

بدأ عصماني بصناعة الافلام بعد حصول بلاده علي الاستقلال عام 1960، حيث وجد ان أثر الادب علي مجتمعات ما بعد الاستعمار الافريقية قليل جدا. وكمخرج وكاتب سيناريو لأكثر اعماله ومحرر للافلام ومصور لكل الافلام الروائية الطويلة والوثائقية، قام بتوثيق البطولات الفردية التي تحصل يوميا قي القارة علي الرغم من فساد النخبة.

وهو كفنان واديب يعبر عن التزام يساري تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية لابناء مجتمعه فالفنان يجب ان يكون سمع وبصر المجتمع، وهو بهذه المثابة ضد افلام المقاولات. الكاتب النيجيري واثينغو نعوغي الذي ساعد في صناعة فيلم عن صنبين عام 1994 ويعرض يوم الاربعاء المقبل ضمن احتفالية عصماني يقول ان اكثر ما انشغل به المخرج هو شرط التحرير العقلي والاجتماعي لافريقيا من آثار الاستعمار التي ارادت النجاة في العالم المعاصر، وهذا ما يفسر موقفه الناقد او حتي المقلل من شأن المبادرة التي تقودها بريطانيا بزعامة توني بلير الذي ترك العراق وراء ظهره وبدأ جولة جديدة في افريقيا، فعصماني يؤمن بحل افريقي من داخل افريقيا لمشاكل القارة.

مثل نغوغي الذي تخلي عن الانكليزية في كتابة رواياته، بدأ الفنان السنغالي باستخدام اللغات السنغالية في اعماله مما ادي لاحداث نوع من الثورة في صناعة الفيلم الافريقية، واثر علي هوية ثلاثة اجيال من صناع السينما في افريقيا من غرب الي شرق ومن شمال الي جنوب افريقيا. فاللغة والرؤية الواقعية المحملة والاهتمامات الثقافية تجعل من افلامه ذات طابع خاص.

ولد عصماني عام 1923 في زيغوينتشور علي نهر كاسامانسي في جنوب السنغال، كان والده صيادا هاجر من العاصمة دكار. وكان جده لامه عالما بالاسلام والعربية، ولكنه قضي معظم طفولته مع جدتيه لأبيه وامه اللتين تأثرا بهما خاصة جدته القابلة. وعبر المدرسة القرآنية والفرنسية وجلسات الليل تعلم عصماني الكثير من حكايات مجتمعه خاصة اسلوب القصص الشعبي المعروف في السنغال باسم غرويت .

في سن الثالثة عشرة طرد من المدرسة لانتقامه من الاستاذ الفرنسي الذي ضربه، ويتذكر عصماني قائلا عندما صفعت مدير المدرسة سألني والدي هل ادميته . والده الذي اصبح صيادا كان يأخذه معه للتجديف ومن خلال رحلات الصيد تعلم كثيرا عن الصمت. وبعد طرده من المدرسة عمل كمساعد لمكانيكي وعامل بناء وفي الايام التي كان والده يصيد فيها صيدا ثمينا كان يكافئه باخذه للسينما التي شاهد فيها كل الافلام الصامتة لشارلي شابلن. وتأثر كثيرا بافلام ليني رايفنشتال عن الالعاب الأولمبية عام 1936 في برلين والانتصار الذي حققه الامريكي الاسود جيسي اوين، وما اعجبه في افلام المخرجة ليس المحتوي ولكن اطار الصورة وحركة الكاميرا. في تلك الفترة من عمره لم يكن واعيا للعنصرية الاستعمارية مع ان دور السينما في تلك الفترة كانت مقسمة بين البيض المستعمرين والسود، كان البيض يجلسون في المقاعد الخلفية المريحة اما السود فيجلسون امام الشاشة وبعضهم كان يحضر كرسيه معه. يتحدث عصماني عن حس الاهانة اليومية التي كان يعيشها السنغاليون، حيث الرجال بشعورهم البيضاء من الشيب يرفعون قبعاتهم احتراما للبيض. في عام 1944 خدم عصماني في الجيش الفرنسي كسائق شاحنة في النيجر، وفي فرقة المدرعات، وشاركت الحرب في نزع قناع الاسطورة عن المستعمِر (بكسر العين)، عندما طلب منه جندي فرنسي ان يكتب رسالة لاهله، فليس كل البيض اذن يعرفون القراءة والكتابة. في عام 1946 انضم الي اتحاد عمال البناء وشارك في الاضراب الذي شل الحياة العامة في السنغال ومالي. بعد هذا سافر الي فرنسا حيث عمل في الميناء وشارك في نشاطات الحزب الشيوعي وشارك في المظاهرات ضد الوجود الفرنسي في الهند الصينية وفي الجزائر. وعمل في هذه الفترة علي مساعدة العمال السود الافارقة في الميناء، كما عاش مع عائلات فرنسية. علاقة عصماني مع الحزب الشيوعي تأثرت في عام 1960 مع انه يعتبر نفسه ماركسيا حتي الموت. في اثناء عمله في الميناء اكتشف عصماني العالم الادبي في مكتبة اتحاد عمال السفن، حيث تعرف علي الكتاب السود مثل ريتشارد رايت، وجاك لندن، والجامايكي كلود ماكي وجاك رومين من هاييتي. وفي مارسيل التقي بمعظم الناشطين والمثقفين الافارقة، دبيلو اي بي دوبويس وجيمس بالدوين وكوامي نكروما. عندما بدأ بكتابة الشعر في مجلات ودوريات اتحادات العمال اراد اعطاء افريقيا صوتها الافريقي لان افريقيا في ذلك الوقت كانت تتحدث بلسان اوروبي. في عام 1956 كتب روايته الاولي عامل الميناء الاسود التي تتحدث عن الاستغلال وسرقة العقل الافريقي وهي عن شاب افريقي يدان بعد قتله صديقته الفرنسية التي سرقت نسخة من عمله الروائي ونسبتها لنفسها. روايته المهمة قطع الآلهة الخشبية المتناثرة حولت لمسرحية عام 2002 وهناك مفاوضات لانتاج فيلم هوليوودي عنها.

بعد عودته للسنغال المستقل عام 1960، سافر الي الكونغو للتعرف علي قارته، وسافر الي موسكو حيث درس في معهد غوركي للفيلم. اول افلامه بوروم ساريت (1963) وهو اول فيلم قصير يصنعه مخرج افريقي من دول الصحراء الافريقية عن حياة سائق عربة في دكار واتبعه بفيلم نياي ولكن فيلمه البنت السوداء (1966) كان اول فيلم روائي طويل عن حياة خادمة سنغالية تقتل نفسها في الريفييرا الفرنسية، ورمزية القصة التي كتبها عصماني تؤكد ان افريقيا لم تتحرر بعد من اثار الاستعمار، فالفتاة التي تنتمي لبلد مستقل تعامل في فرنسا كرقيق، ولا تزال تستغل في بيوت الاغنياء. في هذا الفيلم تظهر الملامح الاولي لتأثر عصماني بافلام الواقعية الجديدة الايطالية خاصة فيتوري دي سيكو سارقو الدرجات وايزنشتاين الروسي.

يتعامل عصماني مع السينما كوسيلة للسرد والحكاية فهي بديل عن الحكواتي الافريقي/ غرويت . في السبعينات بدأ عصماني يصنع افلاما باللغات المحلية السنغالية وولف والبابمرا والديولاـ فيلمه ماندابي الذي قام علي راوية كتبها الحوالة عام 1966. خالا ينتقد فيه فساد النخبة البرجوازية الجديدة، وفيه يتحدث عن رجل اعمال يغسل سيارته المرسيدس بالماء الصحي ولكن زوجاته وضعن عليه لعنة لا يمكن ان (يفكها) الا ببصقة علي وجهه من شحاذ فقير.

ومنعت السلطات الفيلم خاصة ان أحد ممثلي الفيلم اختير لملامح الشبه مع ليوبولد سنغور زعيم الزنوج الذي لم يكن عصماني يعرف نفسه من خلاله، فالمشكلة التي تواجه الافريقي ليست لون البشرة ولكن الاستغلال الاقتصادي. ايماتي فيلم عام 1971 عن تمرد السنغاليين ضد التجنيد الاجباري في اثناء الحرب العالمية الثانية. سيدو عام 1976 قصة تاريخية عن محاولات الافارقة الحفاظ علي تقاليدهم ضد تقدم الغربيين. كامب دي ثياروي (1988) عن مذبحة فرنسية ضد الجنود الافارقة العائدين من المشاركة في الحرب العالمية الثانية. ورغم الانفراج في موقف السلطة من عصماني الا انه لا يزال يرفض التعامل مع النخبة المثقفة في المدينة، ويرفض تحويل افلامه الي افلام فيديو، مع انه مدح الظاهرة الجديدة في نيجيريا التي تحولت لعاصمة للسينما في غرب افريقيا، اسوة بالقاهرة وبوليوود، ويعترف عصماني ان هذه الافلام لا قيمة فنية او ثقافية فيها ولكنها تعبر عن هموم الجيل في افريقيا ويجب تشجيعها وتشجيع اي انتاج افريقي. 

ناقد من اسرة القدس العربي

القدس العربي في 19 يونيو 2005

أنطونيوني/تشاتمان:

نحو قراءة معرفية للسينما

الطاهر علوان

ترى من اي زاوية يمكن تفحص المنجز السينما/ معرفي ال ذي واكب حقبة التحولات بعد الحرب العالمية الثانية خصوصاً؟ من الوجهة الجمالية ثمة تراكم ما يفصح عن تتابع كرونولوجي خالص نقرأه في ظل المدرسة الواقعية الايطالية ورموزها: دي سيكا، روسيليني، زافاتيني، فيسكونتي، بازوليني وأنطونيوني، ونخبة موازية من كتاب السيناريو ومديري التصوير.

هذه الكثافة التي واكبت اليسار في رد فعله على الفراغ الفكري والانساني الذي خلفته الحرب التي ازهقت ارواح ملايين عدة من البشر ودمرت امهات المدن الاوروبية وخلفت اسئلة عميقة وجوهرية بلا اجابات. من هنا نلامس المعطى السينمائي/ المعرفي للسينما الايطالية بخاصة عبر واحد من اهم رموزها وهو مايكل انجلو انطونيوني. وربما كان احد اهم الدوافع في اعادة قراءة هذه التجربة هو الحوار المهم الذي كان قد اجراه سيمور تشاتمان مع انطونيوني وأعيد نشره في اكثر من دورية وموقع للانترنت وهو حوار وجدل ونقاش تجدد رؤى انطونيوني، وكانت المجلة المهمة Film Quarterly قد وثقته في ملف مهم عن انطونيوني وذلك في احد اعدادها السابقة، اما بالنسبة الى تشاتمان لمن لا يعرفه فهو احد ابرز دارسي البناء المعرفي في فن الفيلم، وهو جامعي بدرجة بروفسور في جامعة كاليفورنيا وما زال كتابه "القصة والخطاب" يشكل مصدراً مهماً في قراءة السرد السينمائي في محور الرواية/ الفيلم وله ايضاً كتب اخرى لا تقل اهمية منها: انطونيوني: سطح العالم: 1985 والحقب القادمة: 1990 وغيرها

وميزة القراءة الـ"تشاتمانية" لأنطونيوني انها ليست بقراءة تقليدية او ملامسة عابرة، بل انه في حواره وقراءته لأنطونيوني يلامس البناء المعرفي في منجزه يؤكد انطونيوني انه منذ افلامه الاولى: "ناس أكا" (1943) و"روما مونتفديو" (1948) و"قصة حب" (1950) و"فيللا مونستر" (1950) و"ففتي" (1953) و"الفرحة (1957) مروراً بفيلم "المغامرة" (1965)، (الذي عرف بأنطونيوني) ثم "الصحراء الحمراء" (1964) و"الانفجار" (1966) انه لا يريد ان يوضح اي شيء... ويقول انه لا يريد ان يبدأ من فكرة ولا يريد ان يشرح لجمهوره او ان يخاطبه "ان هذه هي فكرتي". ويؤكد مراراً انه يريد فقط ان "يروي" وينشط مخيلة وعاطفة مشتركة ووعياً مشتركاً لجمهور ما... يجهله تماماً، لكنه يدرك امراً مهماً هو ان هذا الجمهور يريد ان يعرف ويؤكد انطونيوني انه لا يعرف كيف يقوم افلامه، لكنه يستطيع - كما يقول - ان يقوم رؤاه وعواطفه وينظر الى الخلف، الى حياته، وان افلامه تحمل جزءاً كبيراً من ذلك. لكنه يستدرك، ان العاطفة وحدها لا تكفي لصنع سينما، ولم تكن السينما الايطالية يوم خطت خطاها الاولى مع الموجة الواقعية الجديدة لتنتج عواطف او تحرك عواطف جمهورها لكي تعرف، وعند انطونيوني ان المسألة مقترنة بما هو ابعد من ذلك، باتجاه التجارب والخبرات والافكار والرؤى. مراقبة الواقع وقراءته فلسفياً وفكرياً وثقافياً

وباختصار شديد يؤكد انطونيوني رأيه المعروف: "انا لم افكر قطعياً بالجمهور، والآخرين، فهنالك شخص واحد يمثل هذا الجمهور والآخرين... انه انا... نفسي
راديكالية وعندما يناقشه تشاتمان بأن هذا التصور للذات التي تعرف البدائل وتمثل الآخرين او تستبدلهم بالمخرج ذاته، هو تصور اقرب للراديكالية التي انطلقت كما يبدو منذ عام 1909عندما اطلق انطونيوني فيلمه المهم "المغامرة"، يجيب انطونيوني قائلاً: "انني لا. لا. لا. (يكررها ثلاثاً) لا افكر في ذاتي كمجرد، انني اطرح ذاتي (كرجل في حال فعل) و(ذات) في حال ابداع، ودائماً ما افكر بأن ما انجزه في كل مرة وما انجزته سابقاً من العسير جداً ان اقرر انني استطيع تكراره بالمستوى نفسه مرة اخرى. ويستدرك انطونيوني مؤكداً فرضيات تشاتمان المعرفية لابداع انطونيوني، يستدرك بأنه وقد تجاوز السبعين من العمر، ان هذه الرحلة الزمانية هي رحلة لقراءة الذات والآخر ايديولوجياً وأخلاقياً ومعرفياً، ولهذا يجب ان تتذكر، يقول انطونيوني، انك اذ تقرأ هذه المتغيرات قراءة متغيرة وجديدة فإنك ستكون إزاء طريقة جديدة وأسلوب جديد في قراءة هذا الواقع معرفياً. ويضيف انطونيوني ان نوع قراءته ذاته قد تحول معرفياً فهي - كما يقول - اصبحت قراءة كونية اذ يهتم لاحقاً بالفلك وفلسفة العلوم، فلأنه كما يقول امام اتجاه معرفي لقراءة الواقع صورياً، هذه الكثافة الشعورية للصور متغلغلة في صميم هذا الخطاب الكوني الذي لا يشغلنا كثيراً لكنه يفعل فعلاً مؤثراً وعميقاً في حياتنا وأفكارنا

المسألة الاخرى في السينما، بحسب انطونيوني هي ان هنالك تحدياً يكمن في ان الظواهر من حولنا تتكرر مراراً، التحدي هو ان تعرض الشيء ذاته ولكن بطريقة مختلفة

وعندما تكون الفكرة في مواجهة التكنولوجيا والأداة، يؤكد انطونيوني انه لا يفكر في التقنيات وانه يختار التقنية بدل ان يفكر فيها، وانه لا يختارها الا حينما يوشك على بدء التصوير وليس قبل ذلك مطلقاً، وهو في هذا يؤيد ما يذهب اليه تشاتمان من ان الموضوع يبدأ مع الرؤية البصرية

مكان مزدحم مفاجئ

ويتساءل تشاتمان ان كان انطونيوني وعبر قراءة افلامه يرى من حوله حالاً ما ثم يحولها الى نص واطار فكري ثم يجذرها مكانياً...؟ اي يحيلها الى معطى واقعي مكاني. فيجيب انطونيوني بأن له رؤية موازية، وانه يجب ان يرى المكان ويعيش تفاصيله في اثناء الكتابة وليس بعدها، ويؤكد انه لا يتصور كيف يمكن ان يكتب مكانياً من دون ان يعي جيداً ما يكتب تفاصيله الدقيقة

... يكتب انطونيوني هذه السطور

"فجأة اجد نفسي في مكان مزدحم كبير، الاصوات لا تأتيني من هذا المكان بل من اناس آخرين لا اراهم هنا مباشرة، فالذين امامي يسيرون صامتين، اما اصواتهم التي اسمعها فتأتي من شريط آخر اعرفه، ومراراً اقوم بالربط بين هذه الاصوات عبر المشهد في مكان ما... هناك

وتمضي قراءة تشاتمان في تتبع تحولات الرؤى عند انطونيوني، وهو في عدد مجلة الفيلم Film Quarterly  يقدم خلاصة لما يراه في انطونيوني، وكيف يقرأ منجزه معرفياً، وظروف لقاءاته به في روما والولايات المتحدة، وهو يستخلص كل هذا ويضمنه في كتابه: "انطونيوني، سطح العالم كثافة متداخلة من الرؤى الفلسفية والفكرية يكتنز بها عالم انطونيوني هذا الذي يقدمه تشاتمان في خلاصات مؤثرة.

موقع "الفيل" في 19 يونيو 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى