فيكتوريا أبريل:
باريس - نبيل مسعد |
ها هي ممثـلة بدأت مشوارها الفني في عهد الجنرال فرانكو في أسبانيا وصنعت لنفسها شهرة محلية بسيطة بسبب ظهورها في أفلام فكاهية مبنية على الإثارة الخفيفة وبالتالي على مفاتن بطلتها قبل أن تعثر على فرصة إثبات موهبتها الدرامية الحقيقية وتصبح من ألمع النجمات الأسبانيات في بلدها وخارجه. ولكن كي يتحقق هذا الإنجاز كان لا بد من أن يحتل الساحة السينمائية الأسبانية بدرو ألمودوفار وفنسنت أراندا وغيرهما من الفنانين المعارضين لفرانكو. انها فيـكتـوريا ابـريل الأربعـيـنية الجذابة التي لا تزال تمثل أجمل الأدوار في السينما والمسرح متنقلة بين مدريد وباريس حيث قادها قلبها لتعيش حكاية حب قوية مع فرنسي علّمها قواعد لغة بلده ما فتح أمامها باب العمل الفني في عاصمة النور الى درجة انها أصبحت قادرة على تقديم وصلة غنائية فوق مسرح الأولمبيا الذي شهد ميلاد داليدا وسيلفي فارتان وشارل أزنافور وإيديث بياف الفني. وابريل هي أيضاً بطلة الفيلم الأسباني «اليوم السابع» من إخراج كارلوس ساورا الذي تتقمص فيه دور إمرأة ذات شخصية صلبة تسكن قرية صغيرة في أعماق أسبانيا وتعيش حياتها بإنتظار تحقيق أمنيتها بالإنتقام من رجل ألحق بها الأذى قبل سنوات طويلة. ويختلف هذا الدور عن الأعمال التي إعتاد الجمهور مشاهدة أبريل فيها، إذ أنها تخصصت إلى حد ما في شخصية المرأة الجميلة المثيرة مهما كان اللون السينمائي الذي تنتمي إليه أفلامها، سواء كوميدية مثل «بلا خوف ولا مأخذ» و»زمن عظيم» و»حشيش ملعون»، أو درامية مثل «كعب عال» و»كيكا» و»قانون الرغبة» و»عشاق» و»أربطني»، بينما نراها في «اليوم السابع» مرتدية اللون الأسود ومجردة من أي زينة أو ماكياج من أول لقطة وحتى نهاية الشريط، غير أنها لا تفارق تعبيرها القاسي لحظة واحدة مستخدمة أيضا نبرات صوتها الأجش من أجل منح كل عباراتها معناها الكلي والعميق. التقت «الحياة» فيكتوريا أبريل في شقتها الباريسية وحادثتها. · هل ترتاحين أكثر في فرنسا أم في بلدك أسبانيا؟ - أعتقد أن المرء لا يتخلى عن أصله وعن جذوره مهما فعل وأينما سافر وعاش ومهما كانت درجة تأقلمه مع لغات ومواقف وثقافات مختلفة عن تلك التي نشأ في وسطها. وبالتالي أرد على سؤالك إني أرتاح أكثر في أسبانيا، ما لا يمنعني من الشعور براحة مطلقة أيضاً في بلدي الثاني حيث يتواجد حبي وحيث أقضي أكثر من 80 في المئة من حياتي الآن وأقصد فرنسا خصوصاً انني أتكلم اللغة الفرنسية الآن تقريباً بطلاقة لغتي الأصلية. · ستغنين قريباً جداً فوق خشبة مسرح أولمبيا الباريسي العريق، فهل سترددين أغنيات فرنسية أم أسبانية؟ - سأغني باللغتين. · ما الذي دفعك إلى خوض تجربة الغناء الآن؟ - أنا أتمتع بحنجرة قوية وبنبرة صوتية مميزة، وكم من مرة قال لي أهل المهنة الفنية إنني قادرة على الغناء إذا تعلمت الموسيقى والنغمات وتدربت بما فيه الكفاية، لكني بقيت أنتمي في طريقة تفكيري إلى المدرسة الأوروبية القديمة التي تفرق تماماً بين الفنانين وتصنفهم طبقاً لنشاطهم، سواء كانوا ممثلين أو مغنيين أو فنانين إستعراضيين، بينما يختلف الأمر كلياً في الولايات المتحدة حيث لا بد من أن يتمتع الفنان بتدريب شامل على مختلف الفنون، وهذا ما آمنت به أخيراً وقررت تطبيقه بالنسبة الى نفسي حتى إذا كان الجمهور الأوروبي غير مستعد لتقبل الأمر بعد. لكنني أعرف إنني قادرة على القيام بذلك لأنني توصلت إلى درجة من الشهرة في التمثيل تؤهلني لإقناع أهل المهن الفنية بصحة رأيي، على أمل أن يتبعني جمهوري في ما بعد. رغبة الإنتقام · أنت في فيلم «اليوم السابع» تؤدين شخصية بعيدة كل البعد عما تفعلينه عادة، فهل أعجبك هذا التغيير؟ - نعم، وإلى درجة لا تتخيلها، لأنني عملت حتى الآن مع أكبر السينمائيين في أسبانيا، مثل ألمودوفار وأراندا وغوميز بيريرا، وكان كارلوس ساورا هو الذي ينقص قائمتي، فلا أخفي عليك فرحي حينما علمت أنه أراد منحي بطولة فيلمه «اليوم السابع». أما عن الدور في حد ذاته فهو هدية من السماء إذ أنه سمح لي بالتوغل في دهاليز شخصية نسائية غريبة الأطوار تبني حياتها على رغبة الإنتقام ما تطلب مني دراسة وطريقة جديدة في تخيل المواقف واستخدام تعابير وجهي وصوتي بشكل مختلف عن العادة. أنها خطوة إضافية في تجربتي مع التمثيل وأنا سعيدة وفخورة بها. · وللمرة الأولى تبدين فوق الشاشة مجردة من جاذبيتك وأنوثتك الطاغية؟ - بينما أعتدت الظهور مجردة من ثيابي (تضحك) فهل هذا ما تقصد قوله؟ أنا أمزح، صحيح إنني في كل أفلامي أمثل دور إمرأة جميلة قادرة على جذب الرجال، بينما في «اليوم السابع» أرتدي الفستان الأسود وأبدو مثل الأرملة البائسة التي حولتها ظروف الحياة إلى إمرأة جافة، باردة وبلا قلب أو أحاسيس. وطالما أن الحكاية لا تتعدى مرحلة التمثيل ليس لدي أدنى إعتراض عليها. · هل عثرت في شخصية هذه المرأة التي تؤدينها على نقاط مشابهة لما أنت عليه في الحقيقة، بما أن الممثل عادة ما يفتش في أعماق نفسه عن الأشياء التي تسمح له بإتقان دوره؟ - لا لأنها بحسب ما أدركته، عند قراءتي النص، إمرأة قوية جداً لا تترك لعواطفها المجال كي تسيطر على حياتها، وهذا عكس ما أفعله شخصياً في المواقف المختلفة من حياتي فأنا إنسانة عاطفية قبل كل شيء. · هل أنت إمرأة مخلصة في الحب؟ - كلياً ولا أفهم كيف يمكن للمرء ألا يخلص في الحب، وأقصد طالما أنه يحب، إذ أن الخيانة في نظري أكبر دليل على أن العواطف ولت وأفسحت الميدان أمام الكذب والنفاق والأوهام. · هل تحبين اللعب بجاذبيتك في الحياة اليومية؟ - لا أعرف إذا كانت كلمة «اللعب» هي التي تناسب شخصيتي ومزاجي، لكنني بكل تأكيد أراعي أنوثتي سواء في أسلوب إختياري ثيابي أو في كل تصرفاتي اليومية ومن دون أن ألعب بالمرة، بل على العكس اعتمد على طريقة طبيعية جداً تنبع من قرارة نفسي. · بدأتِ مشوارك السينمائي في أدوار خلاعية نوعاً ما، فهل كنت تتوقعين التحول الذي حصل لاحقاً؟ - أنا حلمت بالتحول وبذلت قصارى جهدي من أجل أن أحقق هذه الرغبة، لكن الشيء الذي جلب التغيير لا عـلاقة له بما فعلته شخصياً بل بالوضع السياسي في أسبانيا وبكوننا تخلصنا من حكم فرانكو واستبدلنا الطغيان بالحرية ما سمح لفنانين كانوا مكبلين تماماً مثل بدرو ألمودوفار وفنسنت أراندا وعشرات غيرهم بالتعبير عن خيالهم وباستخدام ممثلين وممثلات لم تنقصهم الموهبة بقدر ما كان ينقصهم إمكان إظهارها. أنا لم أعمل في أفلام سطحية بمحض إرادتي الفنية ولكن لأني لم أعثر في بدايتي على فرص أخرى. ذكية وحلوة · ما هي نظرتك إلى زميلتك الأسبانية أيضاً بنيلوبي كروز التي أصبحت تعمل في هوليوود بعدما انطلقت على يد بدرو ألمودوفار، مثلك تماماً؟ - وما رأيها فيّ بعدما انطلقت أنا في فرنسا؟ لا رأي محدداً لي في زميلاتي الأسبانيات بل فيهن كممثلات وبصرف النظر عن جنسية كل واحدة منهن، وبخصوص بنيلوبي كروز أقول أنها فنانة ذكية جداً وجميلة جداً. · أليست موهوبة جداً أيضاً؟ - الذكاء في رأيي موهبة. · وهل تطمعين في مستقبل هوليوودي بدورك؟ - لا، لأن هوليوود بعيدة جداً بالنسبة الى أوروبا ولأن حياتي العاطفية هنا وليست هناك ما لا يمنعني من خوض تجربة إستثنائية إذا تسنى لي ذلك، لكنني غير مستعدة للإقامة في الولايات المتحدة. · هل تعنين أن حياتك العاطفية هي بمثابة محرك لنشاطك المهني؟ - طبعاً حالي حال أي إمرأة في العالم، ولا تصدق المرأة التي تدعي بأنها أصبحت مثل الرجل تضع عملها في المرتبة الأولى ولا تبالي بشؤون عائلتها أو بمشاكلها العاطفية فهذا كلام تنشره حركات تحرير المرأة بهدف تحسين تكافؤ الفرص بين الجنسين في ميدان العمل، وهو شيء ممتاز طبعاً في جوهره، لكنه لا يتأقلم مع الطبيعة النسائية اطلاقاً. · وهل من كلمة للقارئ العربي؟ - أنا أحب العالم العربي وزرت بعض بلدانه في أكثر من مرة، كما إنني كاسبانية قريبة جداً بطبيعة الحال من حيث المزاج والذوق الخاص بالأكل من سكان الحوض المتوسطي كله وبالتالي من العرب في عددهم الأكبر. وأنا من أشد المعجبات بمبتكرات عز الدين علايا وإيلي صعب وفيصل عمور، وهم عرب وصلوا إلى القمة على الصعيد العالمي في ميدان الأناقة وتصميم الأزياء. الحياة اللبنانية في 17 يونيو 2005 |
«شاي آنيا» للجزائري سعيد ولد خليفة: فيلم برسم كل أولئك الذين كان القلم سلاحهم باريس – ندى الأزهري كان من الممكن لـ «شاي آنيا» أن يكون ناجحاً. فمكوناته على درجة من الجودة. لكن المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة، الذي تعرض الصالات الفرنسية فيلمه، من انتاج مشترك مع فرنسا، اختار أسلوباً في التحضير نال من جودة المحتويات. يتناول فيلم «شاي آنيا» موضوعاً حساساً: الهلع الذي طاول نخبة من المثقفين والكتّاب الجزائريين الذين كان القلم سلاحهم وحوّل حياتهم في فترة التسعينات من القرن الماضي الى جحيم، بعد موت «150 ألفاً واختفاء المئات» بأيدٍ إرهـابـيـة، عـاش البعض كـ «الجرذ» محبوساً بين جدران بيته وأبوابه المحكمة الإغـلاق. عبـر شخصية مهدي (مولود خطيب) الكاتب، حاول المخرج (اشترك في كتابة السيناريو) إبراز المعاناة التي عاشها هؤلاء في ظل التهديدات، والحذر الذي كان ملازماً لخطواتهم، والخوف الذي رافقهم كظلهم. قوائم الموتى يعمل مهدي في «مصلحة الوفيات». وعند أطلالة كل صباح، تسرد عليه زميلته قوائم الموتى، ضحايا المجازر والسلاح الأبيض. لا يجد غير الصمت تعبيراً عن الألم، والكلمة المكتوبة خروجاً من الانغلاق. والجارة الفرنسية آنيا، التي اختارت البقاء على هذه الأرض على رغم كل ما يجري، تحضر له يومياً أكواب الشاي مع الحلوى وتضعها أمام باب البيت. لم يبد منطقياً هذا الحذر الذي أبداه مهدي تجاهها، ولا هذه الخشية من الكلام معها. ولكن السيناريو قرر ذلك مضيفاً على بداية الفيلم الثقيلة ثقلاً إضافياً. يشرب مهجي في صحة «الغائبين»، ويزور صديقه الذي يعيش كـ «جرذ» في جحره حبيساً منذ أشهر، لا يستقبل سواه وأمه، ولا يجرؤ على مغادرة عتبة بيته إلا في النهاية وقد قرر الهجرة الى فرنسا. البنية العامة للفيلم ناءت تحت ثقل التكلف. وعانـى الفيلم كثيراً من بطء الايقاع ولا سيما في بدايته. كما سيطر الأسلوب المسرحي على الاخراج في عـدد من المشاهد، فجاءت مصطنـعة، كمشهـد مهـدي الذي بدا في لقطة وهو يخط جمله على الحائط في غرفته ويقف بطريقة مسرحية أمامها بحيـث يـغطي جزءاً منها، وكأنه بذلك يترك للمشاهد تخمين ما خطه بالفرنسية. إخفاق كما تأثر أداء البطل الرئيس نتيجة لطريقة ادارة الممثلين. فأخفق، في مواقف عدة، في إقناع المشاهد بهواجس مهدي وذعره الذي يصاحبه في كل تحركاته، وأتى ذلك بسبب المبالغة في رسم تعبير واحد ثابت على وجهه. لكن ومع هذا، لم يخل الفيلم من عناصر قوية ومؤثرة نجح المخرج في إيصالها لنا. مثل الأجواء القاتمة التي كانت تخيم في «مصلحة الوفيات»، ومشهد مهدي وهو يتحرر من أسر نفسه راقصاً على أنغام موسيقى صوفية في الشارع. كان من الممكن لتلك العناصر أن تشكل أساساً لفيلم متماسك لو لم تبد منفردة، مبعثرة هنا وهناك من دون أن يكون ثمة خيط متين يجمعها، إذ ان الاطار العام لسرد الأحداث كان واهناً، مفككاً. كان بمقدور موضوع فيلم «شاي آنيا» أن يكون ناجحاً، لو حضر في شكل آخر بعيداً من التكلف. الحياة اللبنانية في 17 يونيو 2005 |