"مستر ومسز سميث" كيمياء وفيزياء في لعبة القط والفأر
هوليوود - محمد رضا |
بدأ هذا الأسبوع، عرض فيلم “مستر ومسز سميث” في صالات الإمارات وذلك قبل أسبوع كامل على بدء عرضه في الولايات المتحدة. أكشن مع كوميديا مع رومانسية مع براد بت وأنجلينا جولي اللذين اقترنا بعلاقة حب انطلقت خلال التصوير واستمرّت لما بعده ودفعت زوجة بت، جنيفر أنستون، إلى طلب الطلاق الذي تم وسط هالة كبيرة من الدعاية. كل ذلك تحوّل طبيعياً إلى دعاية تفيد الفيلم وتزيد من إقبال اولئك الذين يريدون معرفة ما إذا كانت الكيمياء متوفرة بين براد بت وأنجلينا جولي. مع جمالها وموهبتها ومع جاذبيته وموهبته كيف لن تتوفر الكيمياء خصوصاً أن القصة محبوكة لتقديمهما هكذا؟ لكن الكيمياء هنا ليست كل شيء. هناك الفيزياء: الفيلم، الذي أخرجه دوغ لايمان بما هو مطلوب من مثل هذه الأفلام من فن التشويق، مليء بالحركة ومشاهد الأكشن بحيث ينجح من حين لآخر في اقتلاع المشاهد من متابعة مجانسة وملاءمة بطلي الحكاية لبعضهما البعض إلى تلقف مشاهد حركة هائلة يتم فيها القتال بكل أنواع الأسلحة الجسدية منها والنارية. والقتال يقع بينهما ليس كمتزوّجين يحدث بينهما خصام، بل كأعداء كل يعمل لوكالة سرية وكل واحد حاول إخفاء عمله عن الآخر طويلاً. شخصيتان جمعهما الزواج من دون أن يغيّر في وظيفة كل منهما وتركيبته. وعند أول مناسبة، بعد خمس أو ست سنوات “كما يحدد الفيلم” ينفجر الموقف بينهما. كل منهما يريد القضاء على الآخر. وهناك مشاهد كثيرة لكي تدل على ضراوة المحاولات: براد بت يسقط في مصعد فقد سيطرته العادية فهوى. أنجلينا تنجو من السقوط من علو شاهق. براد بت يطلق صاروخاً باتجاهها بعدما أطلقت عليه رصاص قنص. معركة في البيت الكبير الذي يؤويهما ينتهي بإصابة الأثاث وحفر أخاديد عريضة في الجدران الداخلية. لاحقاً، نفس هذا البيت الذي يشبه البيت الأبيض يتعرّض للتدمير عندما يجدان نفسيهما متحدين من جديد بعدما اتفقت الوكالة التي يعمل لها والوكالة التي تعمل هي لها على القضاء عليهما معاً. يحدث كثيراً ليس لأنه تحفة لكنه يلبّي غايات الباحثين عن مشاهد إثارة من كل نوع. والموزّع اللبناني الذي اشتراه لعروض الإمارات (سليم راميا) فخور به. كيف لا وهو مارس حقّه في المنافسة للاستحواذ عليه مهما كان الثمن: “أوّل ما سمعت به اتصلت بإحدى الشركات الثلاث التي أنتجته وطلبت من صاحبها تحديد مبلغ. لكن الفيلم من توزيع كولومبيا التي لديها موزع معتمد لها في كل منطقة الشرق الأوسط. لكني أصررت وعندما حددت الشركة المبلغ الذي تريده وافقت عليه وأنا ما زلت على الهاتف وسحبت الفيلم من موزّعه”. لابد أن الجهد المبذول في محلّه لناحية اقتناع الموزع أن الفيلم سيضرب الأرقام القياسية وعلى اعتبار ما ذكرناه من خصائصه يبدو أن ذلك أمر مؤكد في الإمارات كما سيكون مؤكداً في هوليوود وباريس وعواصم كثيرة أخرى. إنما وراء قناع الأكشن والتصرّفات العدائية هناك حقيقة أن الفيلم يحيك الجانب الناعم من شخصيتيه، او ما تبقّى منها على الأقل، حياكة عاطفية تذكّرنا ببعض تلك الأفلام الكلاسيكية التي عرفتها هوليوود طويلاً. الأفلام التي تجمع بين رجل وامرأة يقفان على طرفي نقيض لكن ذلك لا يمنعهما من الانجراف صوب بعضهما البعض كما لو أن مغناطيساً يكمن في منتصف الطريق بينهما. العنوان أساساً مأخوذ من قبل. ألفرد هيتشكوك أطلق سنة 1941 فيلماً بنفس العنوان مع روبرت مونتجمري وكارول لومبارد في البطولة. والشخصيتان وطريقة معالجتهما مبثورة طوال الطريق من تلك الفترة إلى اليوم في أفلام هوارد هوكس. لكن أساساً ما يفعله “مستر ومسز سميث” وله علاقة بالماضي هو ارتكازه على وضع بطليه في المقدّمة والرهان على أن اسميهما سيجلبان الجمهور. هذا ما عاد كثير الحدوث في هوليوود اليوم إذ نلحظ كيف عمدت أفلام مثل “بولار اكسبرس” مع توم هانكس و”سبايدر مان” مع توبي ماغواير، إلى تغليف ابطالها بغطاء من المؤثرات التي سطت على الفيلمين المذكورين وكثير غيرهما. “مستر ومسز سميث” عودة إلى فترة من البطل غير المقنّع والممثل الذي يبقى وحيداً في الواجهة وعليه يقع جزء كبير من مساعي الفيلم لتحقيق النجاح. في فيلم نيكول كيدمان المقبل “مسحورة” الاعتماد ليس عليها وحدها، بل على الفكرة العامة كون الفيلم مأخوذاً عن مسلسل تلفزيوني سابق. وزوجها توم كروز سيعمد إلى الاختلاط بالمؤثرات الكبيرة في فيلم “حرب العوالم” بحيث سيكون صعباً التفريق بين دوريهما. تداعيات ليس لأن “مستر ومسز سميث” خالٍ من المؤثرات الخاصة، لكن الكاميرا لا تتركهما لحظة والمؤثرات تبقى محدودة الحجم بالمقارنة مع العديد من الأفلام الأخرى بما فيها “ستار وورز”. هذا إلى جانب صياغة قصة يقف فيها الذكر والأنثى في حرب فيما بينهما قبل أن يكتشفا أنهما يحبّان بعضهما البعض، كان المنتشر في هوليوود سابقاً حيث قلما كنا نشاهد مغامرات بوليسية او خارقة للعادة (كما الحال هنا) يقوم بها الرجل والمرأة على نحو متواز. وحين كنا نفعل فإن ميزانية الفيلم على كل ما فيه كانت تصل إلى نصف ما يتقاضاه براد بت اليوم عن فيلم واحد. سنة 1934 لعب كلارك غايبل واحداً من أدواره التي راجت أكثر من سواها. الفيلم هو “حدث ذات ليلة” حيث مثّل شخصية صحافي مطرود من عمله ويبحث عن فرصة جديدة يلتقي بشابة هاربة من أبيها الملياردير (هي كلوديت كولبرت) فتعرض عليه السماح له بنشر قصّة حياتها مقابل أن يساعدها على الهرب. الفيلم من إخراج هوارد هوكس الذي مارس ذات اللعب على أوتار العلاقة الذكورية الأنثوية المتناقضة التي تنتهي بالحب في “فتاته الجمعة” (مع غاري غرانت وروزيلاند راسل) و”القرن العشرون” (مع جون باريمور وكارول لومبارد). ولعبة القط والفأر شوهدت سنة 1959 في “شمال شمال غرب لألفرد هيتشكوك (مع غاري غرانت وإيفا ماري سانت) وفي “حديث الوسادة” وسنة 1961 في “عد أيها الحبيب” (دوريس داي وروك هدسون) ولاحقاً (سنة 1963) في “سراب” مع غرانت وأودري هيبون. لكن الفيلم الذي يذكرني “مستر ومسز سميث” به أكثر من غيره هو فيلم أخرجه جون هيوستون في مطلع الثمانينات بعنوان “شرف بريتزي” حيث تطلب المافيا من الزوجين، كل على نحو منفصل، التخلص من شريك حياته. “وحيداً في الواجهة” “مستر ومسز سميث” عودة إلى فترة من البطل غير المقنّع والممثل الذي يبقى وحيداً في الواجهة وعليه يقع جزء كبير من مساعي الفيلم لتحقيق النجاح. الوداع الطويل: آن بانكروفت أفلت ثم صعدت ثم ماتت وفاة الممثلة الأمريكية آن بانكروفت عن 73 سنة مؤخراً يعيد إلى الأذهان بضعة أعمال قامت بها الممثلة التي كانت طرقت باب المسرح والسينما قبل خمسين سنة وبنجاح متساو. أول فيلم لها كان “لا تكترث لأن تدق” (1952) مع رتشارد ويدمارك ومارلين مونرو وسرعان ما شقّت طريقها سريعاً في الخمسينات فظهرت في “الغارة” و”سري نيويورك” و”الحدود الأخيرة” وفيلم الوسترن “سر البلاد الفخورة” أمام إيدي (وليس أودي الكوميدي) مورفي. وكل هذا وغيره قبل حصولها على بطولة “صانع المعجزة” لآرثر بن (أحد كبار السينمائيين الأمريكيين الرافضين للعمل في أجواء اليوم). سنة 1962 بعد “سبع نساء” و”الخطر الصامت” رضيت أن تلعب سنّها الحقيقة كامرأة ثرية تغري شابا (داستين هوفمان) بمعاشرتها وذلك في فيلم مايك نيكولز “المتخرج”. كان ذلك الصعود الثاني لها وبعده مثلت عدداً من الأفلام المتوسطة مثل “الأسرجة الملتهبة” (كوميديا ساخرة) و”سجين الشارع الثاني” (دراما) وعادت قوية في “نقطة العودة” سنة 1977. لكن بعد ذلك أدوارها صغرت وعدد أفلامها قل. ظهرت في “ج. آي جين” و”ثنائية لواحد” ونسخة حديثة من “توقعات عظيمة”. في الأعوام الخمسة الأخيرة لم تظهر مطلقاً في أعمال فنية أخرى. آخر فيلم لها كان “المقتحمون” إلى جانب سيغورني ويفر وجنيفر لف هيووت. كان السرطان اشتغل عليها ومنعها، لكن المرء يتساءل إذا ما كانت ستجد طريق العودة حتى لو لم تكن مريضة في هوليوود التي تنسى بسرعة. الخليج الإماراتية في 12 يونيو 2005 |