أربعة عروض في قناة القصباء الطيب الوحيشي: فلنصرخ حين نمنع من القول حسين قطايا |
استقبل مسرح قناة القصباء في الشارقة عروضاً لأربعة أفلام للمخرج التونسي الطيب الوحيشي، على مدى أربعة أيام، تخللها نقاشات وحوارات بين الجمهور والمخرج حول عروضه، فتعددت الآراء حول تنوع أساليب العمل والتقنيات والتأليف المشهدي، والشكل السردي، المستخدم بطرق تبتعد عن الكلاسيكية. وتتخذ من الإنسان وأحلامه وتمرده وعلاقته بالمكان نقطة مركزية تدور حولها الكاميرا، وتغوص في مساحاتها الرحبة. وهذا ما يميز الاتجاه السينمائي للطيب عن غيره في اتجاهات السينما العربية. درس الطيب الوحيشي السينما في معهد لوميير في باريس، إضافة إلى حصوله على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، إلى جانب دراسته الآداب في تونس. وقدم أول أفلامه القصيرة تحت عنوان «قريتي قرية من بين القرى» في العام 1972، الذي حاز على جائزة تانيت خلال «أيام قرطاج السينمائية»، ومنذ ذلك الحين قدم الطيب أكثر من 20 فيلماً، بين القصير والمتوسط والطويل، فكان أول أفلامه الروائية فيلم «ظل الأرض» الذي أنتجه في العام 1982، وتم عرضه على مسرح قناة القصباء في آخر أيام العروض. والفيلم حائز على 15 جائزة، منها جائزة النقاد في مهرجان «كان» وكذلك أكثر أفلامه من «مجنون ليلى» إلى «عرس القمر» و«همس الماء في الأندلس» و«مرايا الشمس» وسواها، حازت جميعها على جوائز عالمية. * الأدب والكلمة والصورة يقول الطيب الوحيشي عن علاقة الأدب والكلمة بالصورة السينمائية: «الأدب يشكل منطلقاً جيداً للفيلم، لكن المخرج الذي يتعاطى بوفاء مع النص لابد له أن يخونه أيضاً، فاللعبة الإخراجية في أساسها تقوم على المجازفة، فيجب على السينمائي أن يغامر في نبش مجموعة عناصر الكلمة من ضوء وحركة وصوت. ولا يكتفي بتحديداتها اللفظية، حتى يتمكن من مسك رؤاه، في العلاقة بين الخيال والواقع، التي هي علاقة مركبة بالضرورة. وكذلك هي الموسيقى، وعندما يصل الكادر السينمائي إلى هذا يصل إلى التأثير بالمشاهد ويحثه على التفكير». * تنوع السينما العربية والغربية حول تنوع الاتجاهات السينمائية بين المتعة والفكاهة والرعب والرواية وإلخ. من اتجاهات يقول المخرج الوحيشي: «السينما تربة بتنوعها، وتستخدم مادتها بتشابه شكلي أحياناً، وتتناقض في الشكل والمضمون أحياناً أخرى. فالسينما العربية غارقة بأسلوب السرد الكلاسيكي المحلي والمضجر، والذي تجاوزته أكثر سينمات العالم. وهذا لا يهمني ولا أخضع له. وهذا لا يشي بأنني أقدم أفلامي بطريقة معلبة للغرب. أو من ضمن نمطيته في الإنتاج على الإطلاق. فأنا مخرج صاحب رؤية تقوم على التجديد الدائم وعدم التوقف عند اتجاه معين، ويلعب الحلم دوراً بارزاً في هذه الرؤية فبعد فشلي في تحقيق فيلمين على التوالي قمت بإخراج فيلمي «رقصة الريح»، الذي تدور قصته حول مخرج سينمائي يبحث عن أماكن لتصوير فيلمه، فتقف به سيارته في عمق الصحراء، حيث يجد نفسه وحيداً، وتبدأ أحلامه بغزو عقله. فيخاف، ويكون من عزلته عوالمه الدفينة، من دون أن يكون السرد هنا ينطق بلسان حال السيرة الذاتية بقدر ما هو تعبير عن سيرة عامة عاجزة، ويلزمها التمسك بأحلامها وتواصل التحدي، وألا تبقى في الوحل، وألا تستسلم للعجز. فالمحافظة على الحلم تحقق التقدم إلى الأمام، نحو الحب والشعر، فلنصرخ حين نمنع من القول». تمثل الصحراء بعداً مهماً في أفلام الطيب الوحيشي، فهو يختارها كمفتاح لتوليد الكادر المصنع بحساسية بصرية لا تنشد إلى الفانتازيا بمعناها الاستعراضي بقدر ما هي تعنى بمخزون الصورة وتأليفها في فضاء مفتوح كمساحة على الاحتمال. فيقول: «الصحراء في فيلم «لورنس العرب» للمخرج البريطاني ديفيد لين، قام على إمكانيات مادية ضخمة، لكنه فيلم ضد ثقافتنا،. ويحمل مشروع الآخر على حساب مشروعي، مع أن القضية قضيتنا نحن. لكننا لا نحسن تقديم قضايانا، أو أن المؤسسات الرسمية والخاصة غير مهتمة بإقامة مشاريع فنية تحمل خصوصيتنا الثقافية إلى الآخر، في سبيل اقتسامها معه، وليس بيعها بالمعنى التجاري. فالمحاكاة بين الثقافات ضرورة تغني كل الثقافات وتحولها عن إطارها العنصري الضيق إلى الإطار الإنساني الشامل. وهذا لا يمكن أن يتم من دون الانتماء إلى الحرية بمعانيها العميقة التي تؤدي إلى انفلات الأفكار من دون ضوابط سابقة. لذلك التعاون العربي المطلوب على الدوام في إطار الثقافة والفن، فإذا لم ننجح في التعاون في السياسة لأسباب، جهل تفاصيلها، أعتقد أننا نستطيع أن ننجح في الثقافة. والسينما المصرية هي السينما العربية الوحيدة المتكاملة، ويمكن الاستفادة من تجاربها في هذا الاتجاه. لا أن تبقى إنتاجاتنا مرتبطة بالتلفزيون وبحلول شهر رمضان المبارك، مع احترامي الشديد لهذا الشهر وغيره من المناسبات الدينية، لكن يجب إيجاد حالة إنتاجية مستمرة ودائمة في إطار خاص، وفي إطار تعاوني. ويجب إيجاد تكوينات ثقافية فنية مفتوحة، تقدم المكان للحوار والنقاش والنقد حول التجارب الجديدة والقديمة، وحول ما يمكن أن نصفه». الحياة اللبنانية في 3 يونيو 2005 |