حلم هاني الشيباني أول مصاهرة بين الإمارات والسينــما دبي ـ شيرين الفايدي |
شغل مخيلتي وصف صحيفة النيويورك تايمز لما أعتقد أنه أول عرض سينمائي في العالم والذي حدث يوم23 إبريل1896 في قاعة للموسيقي كانت تحتل أحد المباني في شارع34 غرب برودواي وسط مدينة مانهاتن, وأنا في طريقي لمشاهدة تجربة دولة الإمارات الوليدة في عالم السينما التجارية الروائية الطويلة والتي ستعرض في دور العرض السينمائية خلال الصيف المقبل. فقد وصفت لنا صحيفة النيويورك تايمز العرض بالمدهش والمثير وانبرت الصحيفة في وصف غادتين شقراوين من الحسان ظهرتا علي الشاشة الفضية, وفي وصف أمواج البحر الهائجة التي تندفع وتتكسر علي رمال الشاطئ, وذكرت الصحيفة أن المنظر كان يحاكي الطبيعة تماما لدرجة أن الجالسين في الصفوف الأمامية من المشاهدين كانوا يخشون أن تبتل ملابسهم فيتركون أماكنهم ويهربون وقد حظيت تلك المشاهد بإعجاب المشاهدين في تلك الفترة. وقد بدت هذه الخيالات العجيبة في منتهي الروعة والجمال وكأنها الحقيقة تماما). لكن ماذا سنكتب نحن عن أول مصاهرة بين الإمارات والسينما التي يزيد عمرها علي المائة عام, هل سنكتب بعين الشغوف المحب أم بعين الناقد اللاذع, ماذا سنكتب عن الفيلم الحلم الذي هو حلم طالما تمناه السينمائيون في الإمارات منذ زمن بعيد.ماذا سنكتب ودور الصحافي لا ينتهي بالمشاهدة ولكنه يغادر القاعة حاملا معه الفيلم مضاعفا, كي يحوله إلي كلمات, بقصد الإضافة إلي الفيلم وتأمله وإضاءة عتماته. ولكن عندما أطفئت الأنوار في الصالة, ونفذ الضوء المعهود من جدار السينما المظلم وساد الصمت واتجهت العيون نحو الأعلي, نحو الشاشة التي تنبعث منها صور وحركة وضجيجا, أخذتنا التجربة التي حملت توقيع المخرج الإماراتي هاني الشيباني صاحب فيلم جوهرةالحاصل علي عدة جوائز منها أفضل فيلم روائي في الدورة الثانية لمسابقة أفلام من الإمارات, و أفضل تمثيل وتأليف من مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون, وأفضل فيلم روائي أيضا في مهرجان الشرق الأوسط ببيروت. حلم يبدأ الفيلم بمشهد من كواليس مهرجان كان السينمائي, نجوم ونجمات من كل أنحاء الدنيا, عدسات المصورين, أضواء وإبهار, السجادة الحمراء, والابتسامات والانفعالات, وصراخ استقبال الجمهور للمشاهير, بداية قوية ومؤثرة نجحت اللقطات المختارة بعناية, والموسيقي التصويرية للفنان إبراهيم الأميري, باجتذاب المشاعر وخطف الأبصار, ودفعت الإحساس للانفلات وراء جمال ما يراه.. ولكن يأتي صوت يشد سمعك وعقلك وقلبك: الحلم.. مثل الطير, يهاجر, يسافر يلف الكون, ويرجع لعشه الأول, يسكنه ويعشش فيه, ويتحقق الحلم, علشان تنولد منا أحلام صغيرة, نسقيها الأمل, وتكبر وترجع تطير'. ويتخيل صاحب الكلمات أنه ضمن الكوكبة من نجوم العالم لحظة إعلان النتائج, وتبدأ القلوب تدق, والعيون تترقب, ولا يصدق حين يسمع أسمه ينادي وتأخذه خطواته لمنصة التتويج ليتسلم جائزته. ومازال الصوت يردد: آه يا حلمي الجميل, متي تترك العش, تسكن السما, ترتفع فوقه مثل نجمة تنور لينا اليأس, مثل خطوة تكسر قيود المستحيل, متي أشعر بأني مختلف, ليه مكان بين ها الناس, السينمائي فنان مبدع, صوت وصورة وسلطة, إنسان بيتكلم بكل لغات العالم, وبكل أحوال البشر. وفجأة يستيقظ صاحب الصوت من الحلم, أمام إشارة مرور مزدحمة تتغير فجأة من اللون الأحمر إلي الأخضر, وتدفعه أصوات السيارات التي وراءه, إلي أن ينطلق مرددا في شعور من النشوة: ما أحلي هذا الإحساس, حتي لو كان حلما. وتبدأ تيترات الفيلم في النزول من عنوان حلم إلي أسماء العاملين فيه, وهي تستعرض دبي من أعلي, بشوارعها وملامحها ومعالمها ومبانيها, وهي تتلألأ ليلا مع زرقة شاعرية أرادها المخرج ليكمل مسيرة الحلم لدي المشاهد. يعود الفيلم مرة أخري إلي السيارة, وبداخلها الممثل نواف الجناحي, الذي حمل علي عاتقه مسؤولية تجسيد دور المخرج, كرمز لأبناء جيله من المهمومين بتحقيق حلم إخراج فيلم, ويرن الهاتف النقال لنجد علي الطرف الآخر صديقه يوسف, شخصية يؤديها السيناريست صاحب قصة الفيلم الفنان يوسف إبراهيم, ويتناوشون كعادة الأصدقاء.. وينتهي بهم المطاف داخل قاعة عرض سينمائي لمشاهدة فيلم أمريكي. ويدور حوار طويل بين المخرج والسيناريست حول أحلامهم بإخراج فيلم يعبر عن طموحات ومشاعر السينمائيين في الإمارات. ويأخذنا الفيلم إلي مرحلة أخري من البحث عن شخصيات, تكون الهيكل للفيلم المراد تحقيقه, ويقتحم الفيلم حياة بعض عائلات المجتمع الإماراتي, ولكن بشيء من الحذر, ليبين لنا في النهاية أن الناتج من شخوص في واقع الحياة إما شخصيات سوية أو شخصيات مهزوزة ضعيفة, أو مزيفة خارجها قاس فظ, وداخلها هش يكسر بسهولة. ويبدأ نسيج الشخصية الأولي يتكون في محمد, الغاضب من العالم, الخارج من أسرة مفككة, المصدوم في تجربة حب فاشلة, الضعيف جدا, والحالم إلي أبعد مدي ويؤدي هذا الدور الممثل عبدا لله حسن وعلي الجانب الآخر تأتي شخصية سليمان ابن عم محمد وهو شخصية قاسية وصداميه, نافرة من حياة البشر إلي حب الطيور الجارحة, يعشقها ويقتنيها مستغنيا بها عن صداقات الآخرين, ويؤدي هذه الشخصية باقتدار يحسب له الممثل علي الجابري. ورغم التنافر الشديد بين الشخصيتين, اللتين لا يجمع بينهما سوي أنهما أولاد عم, ومع هذا الاختلاف, يقرران الذهاب معا في رحلة صيد إلي الصحراء, ليزود سليمان مجموعته باصطياد صقر جديد, وتكون المفاجأة صرخة امرأة طالبة النجدة, وتأتي منيرة التي تلعب دورها الممثلة فاطمة البلوشي, لتحكي قصة رميها في الصحراء من قبل شابين, تعرفت إلي أحدهما أملا في علاقة تنتهي بالزواج لكي تتخلص من لقب مطلقة! ويصل الفيلم إلي ذروته بحيلة التشويق التقليدية التي تتمثل في المطاردة والإنقاذ عندما يطالب الشابان بـ منيرة ويتصدي سليمان لهما, ويضربهما. وفي لقطات سريعة ومثيرة تبدأ مطاردات السيارات في الصحراء, حتي تنقلب السيارة التي يستقلها سليمان ومحمد ومنيرة لتبدأ رحلة الضياع داخل الصحراء, أو بتعبير أدق رحلة البحث عن الخلاص من الضياع الداخلي والخارجي. طاقم العمل منحنا الفيلم72 دقيقة من الظلمة اللذيذة هي مدة عرض الفيلم, وقد تم تحويل الفيلم الذي تم تصويره بكاميرا فيديو, إلي تقنية العرض السينمائي35 ملليمترا, و تم تصوير الفيلم بين دبي, والشارقة, وعجمان, وأم القيوين, وقصة الفيلم تحكي عن ثلاثة أشخاص يبحثون عن النجاة, بينما مخرج ومؤلف الفيلم يراقبان ما يحدث, القصة والسيناريو لـ يوسف إبراهيم وهاني الشيباني, البطولة( نواف الجناحي, علي الجابري, فاطمة البلوشي, عبدالله حسن أحمد, يوسف إبراهيم) وضيوف الشرف الفنان المتميز بلال عبد الله والفنانة القديرة مريم سلطان, وبالاشتراك مع حمد سلطان, عبد الحميد البلوشي, عادل الراي, حنان شاكر. التصوير لـ حسين ميسري وموفق عبد العاطي, والمونتاج لـ صابر الذبحاني وهاني الشيباني, الجرافيك خالد الرايحي, الصوت عمر إبراهيم, الموسيقي إبراهيم الأميري, الإنتاج مجموعة صقر الصحراء. شرف المحاولة ميزانية الفيلم وصلت تكلفتها إلي200 ألف درهم, تحملها المخرج وحده وجزء من تكاليفه عبارة عن شيكات لم تسدد بعد! وكل من شارك في الفيلم كانت مشاركته بلا مقابل مادي, ومازال لدي المخرج مشوار ليس بالهين, لأن الفيلم يحتاج إلي عمل دعاية مكثفة له, حتي يكون جاهزا للعرض في الصيف المقبل, مما يعني أن الفيلم بحاجة لمبالغ توازي أضعاف ما صرف عليه. الريادة يقول المخرج هاني الشيباني: تاريخيا لست أول شخص يعرض فيلما روائيا طويلا في الإمارات, كانت هناك أكثر من محاولة منها فيلم عابر سبيل, وعرض بطريقة الفيديو في مراكز ثقافية وليس دور عرض تجارية, أيضا هناك فيلم مكان في القلب لمحمد نجيب, والذي عرض قبل13 عاما, وكانت نسخته فيديو أيضا, الفرق في حالة فيلم حلم أن نسخته نقلت إلي تقنية35 ملليمترا وسيعرض الفيلم في دور العرض السينمائية للجمهور الإماراتي, وأعرف أن التجربة ستحسب لي وتحسب علي, إذا كانت ناجحة سأحصد كل النجاح, وإذا فشلت يكفيني شرف المحاولة* الأهرام العربي في 4 يونيو 2005 |