مفكرة ... تضحك أم تبكي؟ محمد رضا |
اللقطة الأولى ... طارق بن عمّار وولت ديزني تغازل المنتج التونسي الأصل طارق بن عمّار لكي يبني معها علاقة إنتاجية. الأخوان بوب وهارفي وينستين، اللذان أسسا الشركة المستقلة الكبيرة ميراماكس الى أن انضما بها الى ديزني التي أقفلتها هذا العام، يريدانه الدخول معهما شراكة في توزيع أفلامهما في أوروبا. الايطاليون فتحوا له أبواباً كثيرة. إنه مالك صحيفة “كوريرا اليومية” ومالك ثاني أكبر ستديو هناك وصديق لرئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني وشريك له في عدة مشاريع إعلامية. التونسيون يعتبرونه ثروة قومية.... يجلب الى البلاد مشاريع كثيرة يتم تصويرها هناك. يملك ستديوهات وعلاقته مع النظام الجديد جيدة. ولديه مشاريع تلفزيونية وسينمائية عديدة. الفرنسيون يعتبرونه فرنسياً مثاليا. في بلده الذي يعيش فيه أغلب أيام السنة يدير شركته السينمائية التي تنتج وتوزع ويملك مساهمات في محطات تلفزيونية، كذلك في اسبانيا. وهو صديق شخصي لروبرت مردوخ، رجل الإعلام الأسترالي. سبع شركات في خمس دول ولديه مسؤولية 550 موظفاً. رغم ذلك لا هو يتوقف ولا غيره يتوقف عن الاتصال به والبحث معه عن مشاريع جديدة. في “كان” أعلن عن قيامه والمنتج لوك بيسون بإنشاء مدينة سينمائية تقع على مقربة من باريس تضم ستديوهات كبيرة مثل شيني شيتا على مقربة من روما وباينوود على مقربة من لندن. وربما دخل في هذا المشروع أطراف امريكيون. ما الحكاية مع هذا العربي الذي لا يكل عن النجاح؟ هل شهدنا شيئا مثله من قبل؟ هل هناك أحد غيره وصل الى مثل نجاحه الحالي؟ سر النجاح- أي نجاح- هو أن تعرف. وطارق بن عمّار عرف كيف أن يعرف منذ الصغر. طبعاً ساعده على ذلك أنه وُلد من عائلة ميسورة (والدته هي شقيقة الراحل حبيب بورقيبة). والده كان دبلوماسياً يؤمن بالعلم وعلّم ابنه أربع لغات، او على الأقل تسبب في تعليمه أربع لغات. كل لغة (الإنجليزية والفرنسية والإيطالية و- الى حد- الألمانية) فتحت له سوقاً بكاملها. ساعده انه أحب العمل السينمائي فاشتغل حيثما أحب. لكن لو لم يكن عارفاً لما وصل. لقد وضع منهجا يطابق معرفته بشؤون الصناعة. عرف ماذا يريد وكيف يحصل عليه وانطلق يريد ويحصل ولا يزال. طبعاً، كان بإمكانه أن يساعد السينما العربية. وفي ظروفها اليوم لا يزال يستطيع أن يكون المنشّط الذي سيرفعها من كبوتها. لكن إذا لم يكن يريد أن يفعل فهذا شأنه. لا يمكن لوم رجل على رغباته فهي من شأنه. أما إذا كان ينوي ذلك في المستقبل فغالباً الاعتقاد أن المستقبل صار قريباً وأنه سيستدير لكي ينشئ عجلة سينمائية عربية لا علاقة لها بتلك القائمة اليوم. الخليج الإماراتية في 16 مايو 2005 |
تسمع على المحطات الفضائية ما يجعلك تبكي أو ما يجعلك تضحك. والأرجح إنه الفعل الكلاسيكي عندما تشعر بالحاجة للإثنين معا. تضحك على ما تشاهده وتسمعه لكنك في الحقيقة تريد أن تبكي على ما يعكسه من جهل مطبق. كل المحطات في وقت ما بعد 2001 تحدّثت في ندواتها عن الصورة الإعلامية المطلوبة للعالم العربي. “الجزيرة”، “العربية” قادتا هذا الحديث في العديد من البرامج. يجلس مقدّم البرنامج ويسأل النخبة التي اختارها للتعليق على موضوع: كيف نغيّر الصورة النمطية المتداولة للعربي حول العالم. او إذا لم يكن التساؤل حول “العربي” فهو -تبعاً لأحداث 11/9 أيضاً- حول “المسلم”. وترتفع نسبة النظريات ويشتد الصدام بين المتداولين ويبتسم مدير المحطة وهو يشاهد الحلقة من بيته او من مكتبه: لقد حقق الإنجاز الذي يريد فالحوار تصادمي وهو ما تسعى إليه المحطة. هذا يصرخ في وجه ذاك وذاك يهاجم الآخر والآخر ينتقده وكل كالديك على طرف من الطاولة والمقدّم يرفع صوته ويخفضه كالراديو حسب الحاجة إليه. ليس كل ما يُقال هو خطأ بالضرورة، لكن القاتل فيه هو انه مستهلك. عبره تقول المحطة: نحن عملنا ما علينا. الباقي على المسؤولين. المسؤلون يردّون: والفضل لنا في ذلك، فمن قبل لم تكن هناك محطات تستطيع او تجرؤ على النقد المفتوح كالوقت الحالي. الكل إذن يعتبر أن التلفزيون هو الإعلام الصحيح. المرآة والنافذة في ذات الوقت. السبيل الصحيح لنقل الأحداث ونقلها بقدر من الحيادية والموضوعية مع مقابلات مع أي مسؤول “اسرائيلي” متبجّح للتدليل على إننا في عصر النهضة الإعلامية الحقيقية. كل هذا يا من يكترث ليقرأ ليتعرّف وليبحث وليتساءل مثلي عن الحقيقة عوض التباهي بأنها ملك يديه وحده، ليس إعلاماً وليس نقلة أمامية او خلفية. في أفضل حالاتها نقلة جانبية. تريدون تغيير صورة العربي والمسلم حول العالم؟ هذه هي الحلول: 1. إعملوا على تثقيف هذا الشعب وتحفيزه على مطالعة الكتب. ولا محطة تلفزيونية أعرفها لديها برنامج خاص عن الكتب. ربما كانت هناك برنامج واحد من محطة واحدة لكن كوني أجهله، وأنا المتابع، دليل على إنه برنامج فريد لا يترك أثراً. 2. كفّوا عن إعتبار أن الغاية من كل محطة أن تسجل أعلى الأرباح. إنها ليست مطعم فلافل وفول. بل هي مسؤولية. المحطة الخاصة جداً غير مُلامة إذا ما سعت لتسجيل أرباح، لكن تلك التي تساهم فيها الدولة وتريدها في ذات الوقت مدرّة إنما تناقض الهدف بالآخر. 3. أكثروا من إنشاء المؤسسات الثقافية التي تنشر الكتب وتعرض الأفلام وتقيم المسرحيات وتتوجه الى الجمهور بأكمله ببرامج كل همّها رفع مستواه الثقافي داخلياً. 4. ابحثوا في إمكانية تأسيس صندوق دعم للإنتاجات السينمائية البديلة او المستقلة في العالم العربي. ما سبق هو بعض الحلول وليس كلّها. غيري لديه أفكار أخرى بلا ريب. وكما هو ملاحظ فإنها جميعاً تدعو لفعل داخلي على المستوى الثقافي أولاً. مستوى يبدو بعيداً عن التعامل مع الإعلام الخارجي، لكنه الأساس فيه لأن “الخارجي” ينظر اليك من خلال مؤلّف يشق طريقه عالمياً، فيلم سينمائي يفوز بجائزة أولى، تظاهرة ثقافية متداولة ومنتشرة في أنحاء العالم العربي. ارتفاع في نسبة الكتب المنشورة ومبيعاتها. وهو بالتأكيد لا ينظر اليك لأن تقيم الدنيا وتقعدها في استهلاكي سواء أكان سياسياً او دينياً او -ماشاء الله- ترفيهيا. الخليج الإماراتية في 15 مايو 2005 |