كاميرا ميّ المصري تجول في مخيم «ساحة الحرية» في بيروت:
بيروت - فيكي حبيب |
هل لأن مي المصري اعتادت أن تصور المخيمات في افلامها، انتظرت حتى يصبح في قلب بيروت مخيم لتسرع وتصوره قبل اي سينمائي آخر؟ على أية حال يختلف هذا المخيم عن تلك التي اعتادت ميّ تصويرها في الماضي. قبلاً صورت مخيمات اللجوء والمنفى الفلسطينية، أما اليوم فهي أمام مخيم الحرية اللبناني وسط بيروت. ستون يوماً وأكثر وكاميرا ميّ المصري تجول في أرجاء المخيم تلتقط الصور وتلاحق الأحداث. تسأل الشباب وتصور تجربتهم... حتى صارت اليوم على شفير الانتهاء من إنجاز هذا العمل المشترك لها الى جانب منتج الفيلم، زوجها السينمائي جان شمعون. «فيلم سينمائي هنا؟!» هذا في البداية... والتعجب والذهول واضحان على وجه السائل، الذي قد يفكر في سره: «قد تكون الطريقة المثلى لتأريخ حركتنا». لم لا؟ وتبدأ الحكاية. حكاية تصل الى مستوى العلاقات المتينة بين أهل الفيلم وأهل المخيم. علاقة لا يمكن إلا ان تظهر في الفيلم الذي لم ينته بعد، كما ظهرت في حماس ميّ وهي تتكلم عن شباب مخيم الحرية. تجربة مشتركة «شبان من بيئات مختلفة، لا يجمعهم شيء الا التجربة المشتركة التي يخوضونها اليوم في ساحة الحرية. لكل واحد منهم قصة، لكل واحد معاناة، والمعاناة مشتركة، معاناة الشباب». تقول ميّ قبل أن تخبرنا حكايات بعض الشبان الذين تركوا اثراً كبيراً في نفسها.»في احد الأيام صورنا بين النشاطات التي نفذها شبان ساحة الحرية «اقتحام» هؤلاء لبيروت بالدراجات. كان المشهد رائعاً، وخرجت بمواقف طريفة ومؤلمة في آن. فمثلاً سألت احدهم كيف تختصر حياتك بعبارات قليلة، فأخبرني أكثر القصص إيلاما وهو على دراجته والضحكة تملأ وجهه!» وتتابع ميّ قائلة: «دخلت الفيلم بلا أفكار مسبقة بعد ان هزني المصير المروع للرئيس الحريري ورفاقه، شعرت أن لا بد لي من القيام بشيء ما، إذ لا يمكنني الوقوف ساكنة، وتحركت على طريقتي. حملت كاميراتي وتوجهت الى المكان الذي سرعان ما تآلفت معه ومع من فيه، إذ اكتشفت أن مرحلة جديدة نعيشها، مع تجربة الشبان هذه. فأردت ان أصورهم من الداخل. أردت ان أعرف كيف يفكرون، وكيف يعيشون، فاكتشفت أموراً كثيرة ركزت عليها في الفيلم». فماذا عن ملاحظات ميّ مصري التي خرجت بها في هذا العمل؟ « مخلفات الحرب كانت متجلية بوضوح في المخيم. جمعنا الشباب الصغار مع جيل المقاتلين القدامى من الأحزاب الموجودين هناك. وصار في ما بينهم حوارات صريحة. لاحظت الوعي الكبير عند الشباب، وعي يتقدم بأشواط وعي جيل المقاتلين الذين سبقوهم زمناً. وأكثر ما جذبني هو الصداقة التي نشأت بين هؤلاء الأشخاص المختلفين.. كيف تعايشوا سوياً، وكيف تطورت العلاقة الى علاقة تكاد تشبه العلاقات الاخوية، التي تكاد لا تخلو من المشكلات والخلافات والتناقضات. صحيح في البداية كان هناك بعض المغالاة في تمثيل الوحدة الوطنية، لكن سرعان ما تحول الأمر الى حقيقة. حتى أن بعض العلاقات أخذت شكلاً آخر فتطورت الى قصص حب وعشق وغرام. والكل سمع عن الثنائي اللذين وقعا في الغرام وتزوجا وزفا امام تمثال الشهداء. علاقات غنية، فيها كل شيء. ولحظات مملؤة بالشحن العاطفي بحلوها ومرها، فرحها وتعاستها». يوميات أبطال صغار إذاً فيلم عن ساحة الحرية يحاول ان يصور مرحلة مختلفة من عمر لبنان: «انتفاضة الاستقلال». لكن هل هذا يعني أنه اغفل الشرائح الأخرى الموجودة في لبنان وغير المتمثلة في ساحة الحرية، أو أبعدها، او اعتبرها من الأساس غير موجودة؟. «أبداً، فعلى العكس من هذا، حاولت ان أضيء على تلك الفئات من خلال سياق شخصيات الفيلم. وبذلك نرى أن الكل متمثل، ذلك انني أخذت المكان كمختصر لما يحدث من تغيرات في المجتمع». أما الشكل فجاء على طريقة اليوميات التي تتطور مع تطور الحكاية كل لحظة بلحظتها. «وهذا يعني أننا ابتعدنا الى حد كبير عن الوثائقي التقليدي، إذ لم نصور هنا مجرد فيلم وثائقي، لا». فماذا عن اختيار ميّ مصري لشخصيات الفيلم؟ «أبطال صغار مهمشون، لكنهم الأساس» تقول ميّ وتفسر إجابتها قائلة:» حاولت أن أبحث عن المهمشين الذين لا يطلون علينـا كل يوم في الإعلام. كما حاولت أن أبتـعد عن القـيادات الحزبية الموجودة في المخيم. أردت ان اصور الشباب المستقلين، والشباب المنتمين الى أحزاب يخالفونها في بعض الطروحات... الشبان الذين لا يهتم بهم أحد، من صبايا وشباب.. حتى ان من بينهم طفلاً في الثانية عشرة من عمره». فلماذا التركيز على هؤلاء؟ «الصراحة والعفوية» تقول ميّ، وتتابع: «حتى ان بعضهم له طروحات متقدمة على حزبه، فهم لم يدخلوا بعد اللعبة السياسية، ويريدون بكل صدق تحقيق مطالبهم لمستقبل افضل». لم ترد ميّ مصري لفيلمها ان يخرج في شكل تقليدي أو ضمن قالب معروف سلفاً. أرادته فيلماً بروح الشباب ونبضهم. و»هكذا كان. كل التيارات ممثلة، لا في شكل جامد إنما في شكل إبداعي، متجدد، ديناميكي... وبذلك اخذ الفيلم شكل موضوعه: روح الشباب والتجديد بالابتعاد عن التقليدية. ولا انكر انها كانت تجربة غنية فيها اللحظات الممتعة واللحظات الصعبة». فماذا عن تلك اللحظات؟ «لعل اكثر المواقف صعوبة كانت اللقاء مع اهالي المخطوفين، إذ كانت لحظة جماعية مؤثرة جداً. استرجعت من خلالها الماضي وعشته من جديد. وراء الكاميرا كنت مع الشباب بحزنهم ودمعتهم. وبلسان حالهم الواحد الذي لا يتوقف عن الترداد بأننا لا نريد الرجوع الى الحرب من جديد». الحياة اللبنانية في 13 مايو 2005 |