رفيق السبيعي:
دمشق ـ من أنور بدر |
رفيق السبيعي من الفنانين المخضرمين في سورية، ولد عام 1930 وتعرف علي الحركة الفنية في مسارح دمشق ونواديها حين لم تكن توجد معاهد أو مدارس لتخريج الفنانين، وساهم مبكرا بهذه الحركة، ممثلا ومطربا منذ بداية خمسينات القرن الماضي، حيث صنع شخصية أبو صياح أو قبضاي الحارة الشامية، وهي الشخصية الأكثر شهرة له، مع أنه ترك بصمات متميزة في الحركة المسرحية ولاحقا في السينما والدراما السورية. لم يكتف رفيق السبيعي بالمشاركة في الحركة الفنية لتلك الفترة، بل اجتهد في توسع أفق معارفه وثقافته الفنية، وتابع دوره في الإخراج الإذاعي، وهو يمتلك ثقافة فنية تؤهله لاستمرار الإطلالة علينا منذ 12 سنة في برنامجه الأسبوعي حكواتي الفن ، كما يطل علينا سنويا عبر العديد من المسلسلات التلفزيونية. القدس العربي التقت الفنان الكبير رفق السبيعي وسألته: · أرجو أن تحدثنا عن البدايات الفنية، وكيف اكتشف رفيق السبيعي عوالم الفن؟ - كنت أذهب في صغري إلي منطقة السنجقدار حيث يوجد محلان لبيع الأسطوانات محل الصبان ومحل الصناديقي ، وكانت هذه المحلات تروج للأغاني الجديدة عبر تكرار إذاعتها بالمكبرات، باعتبارها الطريقة الوحيدة للإعلان في تلك الفترة، وكانت الناس تقف لتستمع لهذه الأغاني، وكانت تستهويني بشكل خاص اسطوانات عمر الزّعني وسلامة الأغواني حيث أسمع القصص والمونولوجات وحكايا النقد الاجتماعي والسياسي. وكنت في صغري أحب الغناء كثيرا وما زلت أحبه، كما أعزف علي العود، وأهتم بالموسيقي والغناء وكان يوجد في منزلنا فونوغراف أبو بوري والذي يطلق عليه اسم سمع فكنت أكتب وظائفي المدرسية وأنا أستمع لتلك الأسطوانات، وعندما تتوقف الأسطوانة عن الدوران كانت يدي تتوقف عن الكتابة. وقد حاولت في بداية حياتي الفنية مابين عامي 1951 ـ 1950 أن أحترف الغناء إلي جانب التمثيل، حيث تعرفت علي المسرح الضاحك أو الارتجالي، شيء مما يعرف عالميا بكوميديا ديلارتي، وهو المسرح الوحيد الذي كان منتشرا في تلك الفترة، وقد اشتركت مع فرقة الأستاذ سعد الدين بقدونس علي مسرح شاناتا في اللاذقية، ما زال المقهي موجودا حتي الآن مقابل أوتيل الكازينو، لكن المسرح غاب عن المكان، وفي أحد الأيام تغيب أحد الممثلين وطلب مني أن ألعب دوره علي المسرح، وتابعت في عالم التمثيل، وقد شجعني المرحوم سعد الدين بقدونس كثيرا، واقتنعت بإمكانية أن أكون ممثلا، فبدأت أعد نفسي لذلك من خلال قراءة الأدب والمسرح العلمي، خاصة وأنني لم أتمكن من متابعة تحصيلي العلمي في ذلك الوقت. · لماذا تخليت عن الغناء بعدما نجحت في تأسيس لون خاص من الغناء الشعبي؟ كما ذكرت لك أنني احترفت الغناء في البداية، وكنت أغني علي المسارح كمطرب، وقد أديت الكثير من الأغاني المشهورة لمطربين معروفين في ذلك الوقت، إلا أنني مع تقدم السن تغير صوتي، وأصبح من المتعذر عليّ أن أستمر بالغناء كمطرب، لكن حبي للغناء دفعني لاختراع نوع غنائي شعبي، ليس مونولوجا، وليس طربا، هو لون خاص بي، نوع من الأغنية الإرشادية المصنوعة بحس شعبي، فكانت أول أغنية حول الآداب العامة، يقول مطلعها: داعيكم أبو صياح معدل بالتمام حتي عيش مرتاح بمشي عالنظام وكانت الأغنية الثانية: يا ولد لفلك شال وتعلم شغل الرجال وهي التي صنعت البصمة الحقيقية لهذا اللون الغنائي الخاص بي، لكنني لا أستطيع أن أعتبر نفسي مطربا الآن. · رفيق السبيعي من مؤسسي المسرح القومي في سورية، وقد شارك بالعديد من أعماله، بالإضافة لمشاركاته في المسرح الخاص؟ بدأت مع المسرح الضاحك والارتجالي حين لم يكن يوجد مسرح آخر، وعندما دخلت المسرح القومي في الستينات كنت متيقنا بأنني لن أستطيع التوصل إلي المطلوب من عملي في المسرح إذا لم أمتلك خلفية ثقافية، وأن الفنان غير المثقف يبقي عمله محدودا مهما كان موهوبا. فقرأت كتب المسرح وقرأت عن المسرح أيضا، قرأت دستويفسكي وابسن وبرخت وغيرهم. كما شاركت في مسرحية الأشباح لإبسن، ومسرحية لو رآنا الناس معا لكوربال وهي تعالج قضية التمييز العنصري، شاركت في الأخوة كارامازوف لدستوبفسكي والاستثناء والقاعدة لبريخت ومروحة الليدي وندرسون، أي أنني تعرفت علي عدة مدارس عالمية في المسرح. وكان آخر عمل مسرحي شاركت به مات ثلاث مرات المأخوذ عن رواية كان كان العوام من إخراج ماهر صليبي، وكانت تجربة ممتعة مع مجموعة من الممثلين الشباب، كانوا أكاديميين وقد تعرفوا علي مدارس مسرحية جديدة لم يسبق لي معرفتها، لذلك استفدت من معارفهم، كما أعتقد أنهم استفادوا من خبرتي. · منذ بدايات التلفزيون السوري وحتي الآن لم تتوقف إطلالة رفيق السبيعي الدرامية؟ شكلت بداياتنا في التلفزيون السوري مرحلة هامة، لأنها رسخت أولا قواعد العمل، وأنجبت نجوما يعتز التلفزيون بهم، من مخرجين وممثلين وفنيين استطاعوا أن ينهضوا لاحقا بالدراما السورية، وأعتقد أن سبب نهوض الدراما السورية يقوم علي ذلك التأسيس الذي قدمنا فيه بعض الأعمال الكوميدية الناجحة مع الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي. وهي التي فرضت اللهجة السورية علي الجمهور العربي، مما أعطاها مساحة انتشار لاحقة. وأنا أحب التمثيل وأعتقد أنني سأبقي ممثلا ما دمت قادرا علي العطاء، خاصة وأن الأدوار التي أقوم بها الآن هي أدوار تناسب رفيق السبيعي تحديدا. · لكنك دخلت الإذاعة السورية قبل تأسيس التلفزيون، وما زلنا نتابعك ممثلا ومعدا ومخرجا اذاعيا؟ في عام 1954 أسند لي عبد اللطيف فتحي دورا في احد أعماله، وكانت هذه فرصة هامة بالنسبة لي، رغم أن الدور كان مجرد مشهد بسيط لمدة خمس دقائق،إلا أنه أثار إعجاب عبد اللطيف فتحي، كما أثار إعجاب القصاص الشعبي حكمت محسن الذي شاهد العمل مصادفة، وكان حكمت محسن فنانا إذاعيا مشهورا، وقد كان أول من تنبأ لي بمستقبل فني فيما يخص شخصية أبو صياح. ومن ثم أدخلني إلي الإذاعة وقدمت فيها شخصية أبو صياح. فيما بعد تقدمت إلي مسابقة للإذاعة كمخرج وممثل إذاعي، وكانت هذه المسابقة تقتضي أن يخضع الناجحون فيها لدورة تدريبية في القاهرة، فذهبت وبقيت ستة أشهر في معهد التدريب الإذاعي، وبعد عودتي بدأت عملي كمخرج وممثل إذاعي، ولم تقتصر تلك الدورة علي الإخراج الإذاعي فقط، بل درسنا فيها كل ما يتعلق بالإرسال وبالحديث والتقديم، وأصبحت لدي فكرة عن مجمل العمل الإذاعي،وقد حاولت الاستفادة من مجمل معلومات هذه الدورة، وأخيرا أصبحت أعد البرامج الإذاعية، وأنا منذ 12 عاما وحتي ألآن أقدم برنامج حكواتي الفن الذي أصبح له جمهور من المتابعين، فالناس تحب أن تسمع قصصا قديمة عن الفن والغناء، وأعتقد أن معلوماتي حول ذلك تتيح لي تقديم أشياء موثقة وهامة. وفي هذا البرنامج جهد توثيقي هام لتاريخ الفن والغناء في سورية. · كثير من الفنانين تسيطر عليهم شخصية الكركتر الذي يعرفون به، كيف استطاع رفيق السبيعي التخلص من هيمنة كركتر شخصية أبو صياح المحبوبة؟ عندما بدأت العمل كممثل لم أكن أبحث عن كركتر، كنت وما زلت أرغب بأن أكون ممثلا، وممثلا فقط، لذلك كنت تراني إلي جانب شخصية أبو صياح التي أخذت صدي جماهيريا محببا، كنت أشارك بنفس الوقت بأعمال عالمية للمسرح القومي، ومع أن كركتر أبو صياح ساعدني علي الانتشار كمطرب وكممثل إلا أنني كنت دائما أرفض أن أحدد نفسي في ذلك الإطار. · عمل رفيق سبيعي في سينما القطاع الخاص وفي المؤسسة العامة للسينما، هل نستطيع المقارنة بين هاتين التجربتين؟ عندما دخلنا حقل العمل السينمائي فإننا دخلناه بقصد الانتشار، لم تكن توجد مؤسسة عامة للسينما ولم يكن يوجد تلفزيون بعد، وبالتالي كانت أغلب أفلام تلك المرحلة هي أفلام تجارية، وباستثناء بعض أفلامي مع الرحابنة كسفر برلك مثلا، يمكن تجاهل تلك التجربة. فيما بعد جاءت المؤسسة العامة للسينما كقطاع عام، وشاركت في أربعة أفلام أهمها أحلام المدينة مع المخرج محمد ملص، وقتل عن طريق التسلسل للمخرج الراحل محمد شاهين، وفيلم آخر عن قصة للكاتب حنا مينة. كما شاركت في فيلم جزائري اسمه سافاري 1972 للمخرج محمد سليم رياض، وهو لم يعرض في الدول العربية بكل أسف، لأنه يتناول القضية الفلسطينية ومواقف الحكومات العربية منها، كذلك صورت فيلما تركيا اسمه شرق أوسط يحترق وهو مدبلج للغة العربية، وقد عرض في عدة دول عربية لكنه لم يعرض في سورية. لاشك أن تجربتي في السينما غنية، ويبلغ رصيدي من الأفلام حوالي 45 فيلما، إلا أن الأفلام التي أعتز بمشاركتي فيها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبشكل رئيسي أفلام المؤسسة العامة للسينما. إلا أن السينما السورية لايمكن أن تتطور أو تزدهر بغياب قطاع خاص نشط في هذا الحقل، لغياب المنافسة أولا، ولضعف الإمكانيات الإنتاجية للمؤسسة ثانيا. · مع كل هذا العطاء، لماذا رفض رفيق سبيعي أن يكرم في يوم المسرح العالمي من قبل وزارة الثقافة؟ لأن المفهوم السائد لدينا حول التكريم هو مفهوم خاطئ، هو منة من قبل الحكومة علي الإنسان المكرم وليس تقديرا لجهوده وعطائه. وقد نجحوا في تحويل التكريم إلي طقس أو وظيفة بلا قيمة حقيقية. أذكر في عيد الإذاعة الـ58 وهو أول احتفال يجري بهذه المناسبة وكنت ضمن لجنة انتقاء المكرمين حيث اقترحت أن يتم تكريم العشرة الأوائل من مؤسسي الإذاعة، لكن ما حصل أنهم كرموا سبعين شخصا، وغضوا النظر عن الدور التأسيسي وعن الأقدمية، فالذين كرموا هم الناشطون الحزبيون في الإذاعة، وقد قرئت أسماؤهم وطلب إليهم أن يأخذوا شهادات التكريم لاحقا من مبني الإذاعة، وكأن مفهوم التكريم لدينا يختلف عن هذا المفهوم في العالم كله، ولو كان الرجل المناسب في المكان المناسب لما حصل ذلك، فالخلل في الانتقائية والحزبية في توزيع المناصب، هو الذي ينعكس خللا في كل مناحي الحياة وليس في التكريم فقط. ولا شك أن هؤلاء الناس يسيئون للثقافة ولأي منصب يتقلدونه. القدس العربي في 8 مايو 2005 |