شارلوت رامبلينغ:
باريس - نبيل مسعد |
تشهد العاصمة الفرنسية حالياً تكريماً للمبتكر الياباني المعروف يوجي ياماموتو الذي يمارس إلى جوار تصميم الأزياء فن الرسم التشكيلي ما دفع بمتحف الفنون التشكيلية الباريسي إلى عرض أعماله في المجالين اللذين يحترفهما، وبما أن النجمة السينمائية والمسرحية البريطانية شارلوت رامبلينغ هي من أشد المعجبات بالرجل وترتدي موديلاته أينما ترددت منذ ما يقرب من العشر سنوات الآن كان من الطبيعي أن تتواجد في سهرة افتتاح المعرض ما دفع بـ»الحياة» إلى انتهاز المناسبة والجلوس معها في أحد صالونات المتحف لسؤالها عن أمور عدة خاصة ولأنها بطلة الفيلم الفرنسي «ليمينغ» المعروض في سهرة افتتاح مهرجان «كان» 2005. تبلغ شارلوت رامبلينغ من العمر 59 سنة بالتحديد وهي ولدت في إنكلترا، لكن سرعان ما طافت مناطق عدة من العالم مع عائلتها بفضل اشتغال والدها في منظمة حلف الأطلسي. وبين الدول التي أقامت فيها تحتل فرنسا مكانة مميزة في قلب شارلوت لأن الأمر حدث وهي في فترة ما بين السابعة والثانية عشرة من العمر، وهي فترة حساسة تترك بصماتها بطريقة قوية في نفس الطفل، ولهذا السبب تجيد الفنانة اللغة الفرنسية بطلاقة تامة وتملك بيتاً في باريس إضافة إلى سكنها الرئيسي في مدينة شيلسي الإنكليزية. حلمت شارلوت وهي صبية بأن تحترف الغناء في يوم ما وشكلت في سن المراهقة ثنائياً إستعراضياً مع شقيقتها الكبرى سارا تسرع رب الأسرة بالقضاء على مستقبلهما الفني مانعاً ابنتيه من ممارسة أي نشاط يعتبره هو شخصياً لا يليق بمكانته الاجتماعية بخاصة وأنه كان إضافة إلى وظيفته المحترمة جداً فاز ببطولة رياضية أولمبية في سباق العدو. كبرت شارلوت وانتابها فيروس المسرح الكلاسيكي بدلاً من هوايتها الغنائية الإستعراضية، لكنها لم تفعل أي شيء لتحول الحلم الى حقيقة. إلا أن القدر ساعدها من طريق ملاحظة المخرج السينمائي البريطاني ريشارد ليستر لها، وهي في التاسعة عشرة من عمرها تشارك في تقديم موديلات من الثياب الصيفية في حفل خيري، فعرض عليها أحد أدوار البطولة في فيلمه الإجتماعي المرح «ذي كناك». وافقت شارلوت من دون سؤال والدها، والأمر الذي سمح لها بالتصرف هكذا هو تعديها سن الثامنة عشرة وقدرتها بالتالي على اتخاذ قراراتها بنفسها والتوقيع شخصياً على عقود العمل التي تخصها. ومنذ ذلك اليوم من العام 1965 لم تتوقف شارلوت رامبلينغ عن المشاركة في أفلام أوروبية وهوليوودية، وثم مسرحيات بريطانية وفرنسية وهي تزوجت مرتين وأنجبت مرتين أيضاً. وعاشت حالة من الانهيار النفسي القوي حينما فقدت شقيقتها سارا منتحرة، ومرة جديدة بعد طلاقها الثاني ما أدى بها إلى الابتعاد عن الأضواء فترة لم تقل عن ست سنوات عادت بعدها أقوى وأنضج، وحتى أكثر جمالاً على رغم كونها تمتنع كليا عن اللجوء إلى الجراحة التجميلية للتخفيف من التجاعيد الدالة على حقيقة عمرها. · ما الذي يعجبك في شكل خاص عند يوجي ياماموتو حتى تخلصين بهذه الطريقة لموديلاته من الأزياء؟ - أنا إكتشفته بالصدفة منذ نحو عشر سنوات، ووقعت في غرام فساتينه من أول نظرة، لأنها لا تشبه كل ما يمكننا أن نراه في عروض الأزياء العادية أو في كتالوغات المتاجر في كل موسم جديد. إن ياماموتو لا يتبع الموضة في خطوطها العريضة بل يؤلف ويخترع من الصفر موضته الشخصية، ويرسم بالتالي جلابات وأنسامبلات قابلة للارتداء مدى الحياة من دون أن تبدو وكأنها تخص الموسم الفائت أو الذي سبقه، والذي يثير اهتمامي أيضاً وفي شكل خاص جداً هو ذلك الشعور بأن تفصيل الموديل قد بلغ في الأساس مستوى رفيعاً جداً في التناسق. ثم راح ياماموتو يحطمه ويغير من هندسته حتى يعرضه في النهاية وكأنه زاخر بالعيوب، بينما أن التوصل إلى هذه العيوب أصعب في الحقيقة من الاكتفاء بالموديل الجميل المتناسق المجرد من الأخطاء. والشيء الآخر هو أن فساتين ياماموتو بعيوبها المقصودة تتلاءم تماماً مع هويتي، وتذكرني بالمراحل الصعبة التي عشتها في حياتي. فأنا أيضاً تخيلت في شبابي الأول ومشواري في الدنيا كله تناسق وانسجام وأراه الآن يزخر بالأخطاء والعيوب والثقوب حاله حال فساتين ياماموتو. · ألا يضايقك إرتداء ما يذكرك باللحظات التعيسة في حياتك بدلاً من العثور على البهجة من خلال الزي؟ - (تبتسم) لا، فالزي أصبح بالنسبة إلي بمثابة العرج النفسي بشرط أن يكون قد صممه يوجي ياماموتو. رد فعل القرد · أنت مثلت تحت إدارة ألمع السينمائيين في العالم وإلى جوار أكبر النجوم، ما هي أحلى ذكرياتك المهنية؟ - أعتقد بأنك ستضحك لكني أردد دائماً أن التصوير السينمائي الذي ترك في نفسي بصمات قوية هو ذلك الذي خص فيلم “ماكس حبي” من إخراج الياباني ناغيزا أوشيما إذ إنني مثلت فيه شخصية إمرأة تملك قرداً وتقضي الكثير من وقتها في التحدث إليه إلى درجة أن الحيوان يقع في غرامها (تضحك). وصدقني إذا قلت لك ان رد فعل القرد وهو يسمع المونولوغات الطويلة التي كنت أرددها له مرات ومرات أمام الكاميرا جاءت معبرة عن أشياء لم أعرف ولا أزال طبعاً لا أعرف ماذا كان المقصود بها إلا أنها كانت في بعض الأحيان أقوى في حدتها من رد فعل أي ممثل أمامي طوال حياتي الفنية (تضحك بصوت عال). · هل يعرف النجوم من زملائك أنك تفكرين هكذا؟ - طبعاً، وأنا صرحت بهذه الحكاية إلى بول نيومان علما انني عملت معه في فيلم “الحكم”، فضحك ورد بأن لا عجب في الأمر بتاتاً. · وماذا عن المخرجين الذين عملت تحت إدارتهم؟ - أنا أعتبر تجربتي تحت إشراف الراحل لوكينو فيسكونتي في فيلم «الملعونون» أقوى ما عشته في ما يتعلق بملاحظة مدى عبقرية رجل فنان وهو يصنع فيلمه، وأنا كنت شابة في الثالثة والعشرين من عمري فتأثرت بطريقة أعتبرها فريدة من نوعها وتحسدني عليها الممثلات اللاتي يعرفن من هو فيسكونتي ولم يعملن في أحد أفلامه، وكم من مرة تحدثت مع كلوديا كاردينالي عن هذا الرجل وهي تشاركني الرأي مئة في المئة لأنها أدت بطولة فيلمه «الفهد» مع آلان ديلون. نوع من الغموض · أنت معروفة كممثلة جادة وبالتالي من النادر أن تظهري في أعمال كوميدية غير أنك كثيراً ما تؤدين الشخصيات الشريرة، ألا تضايقك هذه السمعة؟ - (تضحك) لا بل على العكس أرى أن الشخصيات التي تمنح لي من السينمائيين تساهم في حفاظي على نوع من الغموض أعترف لك بأنه يعجبني أكثر مما لو كنت بنيت شهرتي وشعبيتي على أدوار من نوع “صوت الموسيقى” و”ماري بوبينز” مثلما فعلت جولي أندروز. تنكر هويتها · هل تفضلين العمل في هوليوود أم في أوروبا؟ - أنا أرى أن السينما الأوروبية لا سيما الفرنسية في الزمن الحالي تمنح المرأة مكانة مميزة في السيناريوات، أقصد أولاً المرأة في شكل عام، وثم تلك التي تعدت سن الخمسين علما أن الأمر ظل فترة طويلة جداً عكس ذلك تماماً إذ لم تفعل البطلة أكثر من مساندة حبيبها في المحنة وتوفير اللحظات الغرامية السعيدة والناعمة له كلما أراد. أنا أقصد أن الوجود النسائي فوق الشاشة كان بمثابة ترفيه لعين المتفرج أكثر مما كان عنصراً أساسياً في تحديد مجرى أحداث الرواية وذلك في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على السواء. وعندما تغيرت الأوضاع في هوليوود مثلاً صارت البطلة تبرز عضلاتها مثل بروس ويليس أو سيلفستر ستالون، وأصبحنا نشهد “كاتوومان” و”إلكترا” ونماذج نسائية مشابهة لهما تفعل ما يفعله الرجل وتنكر هويتها النسائية بالمرة، غير أنها نادراً ما تتعدى الخامسة والعشرين من عمرها وتتميز بشكل مستمر بجمال فذ تحرص على إبرازه من خلال ثيابها الجلدية الضيقة وكأن الأنوثة لا بد وأن تكون محبوسة في هذا النوع من السطحيات. وفي الوقت نفسه راحت السينما الأوروبية تفتح المجال أمام الشخصيات النسائية من كل الأعمار ومن كل الطبقات الاجتماعية. الحياة اللبنانية في 6 مايو 2005 |