عبدالحي أديب: رفضت نجومية التمثيل من أجل عيون السيناريو القاهرة ـ ماجدة محيي الدين |
بدأ شيخ كُتاب السيناريو عبدالحي أديب رحلته الفنية من فيلم ''باب الحديد'' عام 1958 ووصل عطاؤه إلى ''الوردة الحمراء'' و''شبان هذه الأيام''·· و''ديسكو·· ديسكو'' و''مذكرات مراهقة'' حتى تجاوز رصيده مئة وعشرين فيلما·· وكرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام عن مجمل أعماله وقد كان أحد الذين ولد المهرجان على أيديهم قبل 28 عاما· وحصد عبدالحي أديب على مدى نصف قرن عشرات الجوائز من الدول العربية والمهرجانات الدولية·· تقديرا لإبداعه الذي لم يقتصر على السينما المصرية وحدها·· بل امتد خارج الحدود فقدم أفلاما تركية من تأليفه وإنتاجه·· كما كتب سيناريوهات لأفلام لبنانية وسورية من إخراج مخرجين سوريين ولبنانيين ومصريين· · عملت مدرس رسم بعد تخرجك في معهد التربية الفنية ثم التحقت بمعهد الفنون المسرحية شعبة تمثيل·· لكنك عملت بعد تخرجك عام 1956مساعد إخراج ثم تحولت إلى كتابة السيناريو التي حققت من خلالها نجاحا وشهرة؟ - الإنسان في بعض مراحل حياته المبكرة قد لا يعرف ماذا يريد بالتحديد·· لكن عشقي للسينما كان أصيلا ومبكرا·· وأحيانا كنت أريد أن ''أمثل'' ثم أفكر في الإخراج·· وبعد تخرجي من معهد التربية الفنية عملت مدرس رسم ليصبح لدي دخل شهري ثابت، لكن وظيفة مدرس الرسم لم تشبع ما كنت أشعر به من شغف بالسينما لذلك قررت دراسة النقد في معهد السينما·· لاني كنت قارئا جيدا وشعرت بان لدي أشياء أريد أن اعبر عنها·· ولكني تأخرت عن موعد الامتحان ونصحني بعض الأصدقاء بالتوجه إلى معهد الفنون المسرحية في اليوم التالي حيث تجرى هناك اختبارات لقسم الإخراج وكان الفنان القدير زكي طليمات أحد أعضاء لجنة الامتحان وعندما شاهدني رشحني للالتحاق بقسم التمثيل·· وشاركت في بعض الأعمال المسرحية والسينمائية كممثل في ادوار صغيرة·· لكني فضلت الاتجاه للإخراج بعد تخرجي·· وشعرت بأن فيه إعمالا للفكر·· وعملت لفترة مساعدا للمخرج الإيطالي فرانيتشو وهو الذي دفعني للتفكير في كتابة السيناريو·· عندما قال لي: أنت مخرج جيد على الورق·· وعندما سألته عن المقصود قال إن كتابة السيناريو هي الإخراج على الورق·· وبعدها شعرت بأنني وجدت الاتجاه المناسب وهربت من مشقة الإخراج· · هل أردت أن تكون ممثلا وتلعب بطولة الأفلام التي تكتبها؟ رغم ان كثيرين كانوا يتوقعون ان امضي في التمثيل·· لم يكن هدفي نجومية أو شهرة·· لكن كان حبي للسينما ينمو منذ الطفولة ودون ان أعرف·· وتعلقي بالسينما قديم حيث رأيتها لأول مرة وعمري 7 سنوات حين أنشئت في طنطا دار عرض سينمائي·· وبعد ان شاهدت أول فيلم سينمائي لم استطع ان انام· واخذت أفكر هل يقف الممثلون وراء الشاشة البيضاء وكيف يمكنهم الحركة على هذا الحائط·· وعندما فهمت الفرق بين السينما والمسرح كان عمري حوالي 14 عاما·· وقررت ان اقيم دار عرض خاصة في منزلنا وانتهزت فرصة غياب والدي واحضرت ملاءة بيضاء كبيرة وبعض قصاصات من أفلام سينمائية كانت تباع على الأرصفة كأحد العاب الاطفال في ذلك الوقت·· واستخدمت ''لمبة جاز'' لتوفير الاضاءة اللازمة·· وكاد منزلنا يحترق ونلت علقة ساخنة لم تمنعني من التعلق بالسينما بعد ذلك· وفي تلك المرحلة كان لدي شغف كبير بالقراءة·· وكان المتاح أمامي نوعية من الكتب الرخيصة الشائعة التي تتناسب مع مصروفي الصغير فقرأت في البداية روايات أرسين لوبين وسلسلة روايات الجيب ومثل هذه الروايات ألهبت خيالي·· إلى أن وصلت إلى مرحلة المراهقة فتحولت إلى قراءة القصص العاطفية وفي تلك الفترة تكون فريق للتمثيل بالمدرسة والتحقت به·· وكان هذا مبهرا بالنسبة لي· وكان المسؤول عن المسرح المدرسي يشجعني ويؤكد أنني سأصبح ممثلا جيدا·· وكانت البلاد تشهد كثيرا من المظاهرات والحركة الوطنية الطلابية مشتعلة·· ولم أجد مكانا أذهب إليه بعد إغلاق السينما الوحيدة في بلدنا·· فذهبت إلى المكتبة العامة وأخذت أفتش واقلب بين الكتب حتى وقع في يدي مصادفة كتاب مثير شدني عنوانه ''فن السينما'' من تأليف المخرج الراحل أحمد بدرخان والد المخرج علي بدرخان·· وكأني عثرت على ''مصباح علاء الدين''·· وأخذت اقرأ الكتاب حتى وصلت إلى كلمة ''سيناريست'' وكانت كلمة غامضة بالنسبة لي·· وشرحها في الكتاب مقتضب·· وبحماس الشباب أحضرت إحدى روايات الجيب وقررت تحويلها إلى سيناريو لكني بعد أن انتهيت منه شعرت بان التجربة نوع من العبث وشغلتني الدراسة حتى انتهيت منها وتزوجت وجئت إلى القاهرة لأكمل دراستي في معهد التربية الفنية·· وعينت مدرس رسم في مدرسة إعدادية·· وكانت هذه الوظيفة مرحليا تتماشى مع ظروفي واهتماماتي وميولي الفنية·· وبعدها تقدمت لمعهد الفنون المسرحية شعبة النقد لكني أخفقت في امتحان الترجمة·· وأدركت أنني لا يمكن أن اجتاز الاختبار·· وكان لي ابن أخت كان رئيسا للمسرح القومي·· وكان المسرح تابعا وقتها لوزارة الشؤون الاجتماعية واصطحبني لمقابلة الأستاذ زكي طليمات وشرح كيف أخفقت في جزء من امتحان الترجمة ومدى تعلقي بشعبة النقد·· لكنه رشحني للالتحاق بشعبة التمثيل وأنكرت تماما أي خبرة لي بالتمثيل حتى يقبلني في شعبة النقد·· لأنه كان الأقرب إلى نفسي وميولي وصمم الفنان زكي طليمات وقدم لي ورقة توصية لرئيس لجنة امتحان شعبة التمثيل·· وعندما ذهبت وجدت جميع الزملاء يقدمون مشاهد من مسرحيات عالمية مترجمة باللغة العربية الفصحى وعندما جاء دوري سألني الممتحن: ماذا أعددت فقلت لا شيء·· قال: اقرأ هذه القصيدة واحفظها ووجدتها قصيدة لشاعر فرنسي شهير اسمه ''لافونتين'' اسمها ''كلب وقرد وحمار'' وذهبت إلى منزلي وأخذت احفظ القصيدة وأحاول أن أؤديها مع حركات تعبيرية أمام المرآة وكانت زوجتي تراقبني في تعجب واندهاش وكأنها تشك في أنني فقدت عقلي وتملكني إحساس رهيب بالقلق من الفشل لان هذا كان آخر أمل يمكن أن يربطني بالفن والتمثيل والسينما وكنت أشاهد زملائي يؤدون مقاطع قوية جدا من ''مصرع كليوباترا'' لشوقي وأنا احفظ قصيدة غريبة وجاء يوم الامتحان وسألني رئيس اللجنة ماذا أعددت؟·· قلت له: ''كلب وقرد وحمار'' فرد قائلا: شكرا·· وانتهى الاختبار بهذا الشكل·· وأيقنت أنني رسبت ونسيت هذا الاختبار وبالصدفة التقيت مع أحد الزملاء بعد أسبوعين وإذا به يخبرني بأنني نجحت في الاختبار واسمي مدون أمام رقم ''''13 في قائمة الناجحين·· وكانت فرحتي كبيرة·· وانتظمت بالدراسة في الفترة المسائية حيث لم يكن هناك مبنى مستقل للمعهد·· وكنا نتلقى دروسنا في مدرسة الخديوية· ومن يومها وأنا أتفاءل بالرقم 13فيروس. · هل أحببت التمثيل بعد دراسته وحلمت بادوار ''الجان''؟ ''الفيروس'' الذي استقر بداخلي منذ الصبا كان ''فيروس السينما'' كعمل ابداعي وفني·· وكان كثيرون يقولون أنني ''وسيم'' وان التمثيل هو الشهرة والنجومية لكن هذا كله لم يكن يشغلني· وعندما كنا طلاباً في السنة الثانية بمعهد الفنون المسرحية كان هناك اهتمام من زكي طليمات بان يتعرف طلاب شعبة التمثيل على أسلوب التعامل في السينما، وجاء كبار مخرجي السينما ليدرسوا لنا مثل فطين عبدالوهاب وحلمي حليم وكامل التلمساني ويبدو أنني لفت نظرهم من طريقة مناقشتي وقراءاتي حتى ان المخرج كامل التلمساني قال لي: واضح انك مهتم بالسينما لذلك تعال وتعلم معنا واسند لي مهمة مساعد إخراج وشرح لي كيف ألقن الممثلين الكلمات وطريقة الاداء· وعملت في عشرة أفلام مع كبار المخرجين· · ولكن لماذا رفضت نقابة السينمائيين قبولك؟ عندما أنشئت نقابة السينمائيين كانت تضم في أول مجلس أحمد بدرخان وعز الدين ذو الفقار واعترض أحمد بدرخان علي وقال: طالما أنني خريج فنون مسرحية شعبة تمثيل عليّ أن اسجل اسمي في نقابة الممثلين·· وقبل هذه الواقعة كنت قد بدأت العمل مع المخرج الإيطالي جاني فرانيتشو وهو سكندري المولد وكان أول من اكتشف موهبتي في كتابة السيناريو وهو الذي جعلني اكتب لأول مرة بعض محاولات السيناريو·· وسافر لمدة عامين ولكني واصلت الكتابة إلى ان عاد وقدمت له بعض السيناريوهات وعرضها على فريد شوقي·· وكان فريد نجما كبيرا ومشغولا بتصوير فيلم ''بورسعيد'' لذلك ترك السيناريوهات للفنانة القديرة هدى سلطان لقراءتها والحكم عليها·· وتشبثت هدى سلطان بسيناريو فيلم ''امرأة في الطريق''· وعرضوا عليّ 150 جنيها كأجر ثم منحوني بعد النجاح الكبير للفيلم مكافأة مئة جنيه· وكان فيلم ''باب الحديد'' أحد السيناريوهات التي لم تلق قبولا من فريد شوقي أو من هدى سلطان ولذلك عرضوا السيناريو على المخرج والمنتج نيازي مصطفى وقالوا له أنني شاب جديد ووصفوا سيناريو ''باب الحديد'' بأنه عمل فيه جنون الشباب وتحمس له نيازي مصطفى بشكل كبير! وبحث عن عنواني وجاء إلى منزلي ليهنئني وقال انه يريد إنتاج هذا السيناريو لكن أمامه مشكلة تهدد مشروع فيلمه السينمائي الذي اعد له منذ شهور ''سواق نص الليل'' وحاول أربعة من كُتاب السيناريو صياغته لكنه غير مقتنع وساهمت في إعادة صياغته وقال لي انه متحمس لإنتاج ''باب الحديد'' ويرى أن يخرجه يوسف شاهين·· وكان وقتها مخرجا شابا عائدا من الخارج وأفكاره جريئة وهكذا تنازل نيازي مصطفى ليوسف شاهين عن إنتاج وإخراج الفيلم بدون ضغائن·· فقد كان حب الفن أقوى من أي شيء في ذلك الجيل· وتم تصوير ''باب الحديد'' وعُرض وسقط جماهيريا سقوطا لم يشهده فيلم مصري في تاريخ السينما!· أم العروسة · باب الحديد من أجمل كلاسيكيات السينما المصرية؟ لم افرح بما حققه فيلم ''امرأة في الطريق'' من إيرادات خيالية لشدة حزني على ''باب الحديد'' لكن عندما عُرض ''باب الحديد'' بعد ذلك في المهرجانات حصد العديد من الجوائز وأصبح واحدا من أفضل ألف فيلم في تاريخ صناعة السينما العالمية! فقد حصل على جوائز من مهرجانات ''دبلن'' و''لندن'' و''بوسطن'' وهو الوحيد من أفلامي الذي رشح لجائزة ''الأوسكار'' للأفلام الأجنبية· · تعاملت مع اكثر من جيل سينمائي من المخرجين فمن اكثر منك قربا؟ كل واحد له جوانب سلبية وإيجابية·· نيازي مصطفى كان بارعا جدا في إخراج أفلام الاكشن والفانتازيا والكوميدي أما بركات فكان افضل من يخرج الروايات العاطفية أما الموضوعات الاجتماعية فكان افضل من أخرج أفلامي في هذا المجال عاطف الطيب واشرف فهمي· · إيناس الدغيدي وجدت في كتاباتك الأفكار التي تريد التعبير عنها؟ إيناس مخرجة تستحق الاحترام لأنها جريئة ولا تخشى لومة لائم ومؤمنة بفكرة ورسالة وجاهدت كثيرا وعملت سنوات طويلة كمساعدة لكبار المخرجين واعتبرها ابنتي، وقد التقيت بها لأول مرة عندما عملت كمساعدة للمخرج محمد نبيه في المسلسل التليفزيون الوحيد الذي كتبته ''فيه حاجة غلط''، وبعدها تعاونا معا في مجموعة من الأفلام الناجحة جماهيريا وان كان التعامل مع المخرجات صعب خاصة إيناس الدغيدي التي لا تقبل التنازل أو تغيير شيء من أفكارها· وكان أول فيلم تخرجه لي إيناس هو ''امرأة واحدة لا تكفي'' ثم ''ديسكو·· ديسكو'' و''استاكوزا'' و''مذكرات مراهقة''·· وأخيرا ''الوردة الحمراء''· · لماذا هجرت التليفزيون بعد مسلسل واحد؟ المسألة بالنسية لي صعبة لأن مسلسل ''فيه حاجة غلط'' كنت قد كتبته على طريقة السينما بمعنى أن الحلقة الواحدة ما بين 45 إلى 50 مشهدا أما الآن فإن الحلقة الواحدة خمسة أو ستة مشاهد فقط! وهو ما يعني المط والاسترسال وأنا لا أحب هذا وافضل أن أكون نجما في السينما على أن أكون خفيرا في التليفزيون خاصة وان كُتاب السيناريو الآن معظمهم يركز على الدراما التليفزيونية لأنها الأكثر رواجا· · رصيدك الذي تجاوز مئة وعشرين فيلما يبدو فيه التباين والتنوع بين أفلام الاكشن والكوميدي والرومانسية؟ القضية التي أكتب فيها هي بنت اللحظة التي أعيشها لذلك تنوعت القضايا حسب الظرف الزمني والمشاكل التي تشغل المجتمع·· والمهم ان اشعر بأن القضية التي تظهر على السطح تثير حماسي· · ما القضية التي تشغلك حاليا؟ ظاهرة ''الدروشة'' والتمسك بالقشور والمظاهر الخارجية بعيدا عن روح الدين الاسلامي وهذه المظاهر اساءت إلينا بصورة كبيرة ولابد ان تكون هناك أمور ايجابية تشغلنا ونتيجة المظهرية والسطحية ظهر التطرف والارهاب· الإتحاد الإماراتية في 3 مايو 2005 |