جيل تأسيس النقد السينمائى فى مصر سمير فريد.. دور وأداء جيل محمد بدر الدين |
من التقاليد الصحيحة التى أضافها لنفسه المهرجان القومى للسينما المصرية ـ الذى اختتمت دورته لعام 2005 الأسبوع الماضى 19/ 27 أبريل ـ الاحتفاء بدور وقيمة أحد الذين أثروا النقد والثقافة السينمائية، أو الصحافة الفنية، إلى جانب تكريم عدد من أهم الفنانين والفنيين. ويحتفى المهرجان هذا العام بدور وريادة الناقد سمير فريد، أحد الذين أرسوا دعائم نقد سينمائى بمفهومه الحديث والدقيق، وأحد المعدودين الذين تخصصوا فى كتابة النقد السينمائى وبانتظام. ومنذ أربعين عاما بالتمام، منذ انتصاف الستينيات الماضية، وسمير فريد يكتب المقالات فى النقد السينمائى التطبيقى فى متابعة منتظمة لأهم الأفلام فى مصر والوطن العربى والعالم، ويكتب بتدقيق وتوثيق فى دراسة تاريخ السينما، ويبلور بنفاذ الملاحظات والاستخلاصات النقدية النظرية، ويصدر عشرات الكتب التى لا غنى عنها، بل ويقوم بدور عام وعملى فى سبيل سينما جديدة وفن يليق بمجتمع إنسانى متقدم تدعيما لأفكاره ولاجتهاده، ذلك أن سمير فريد هو المجتهد الأول وبدأب مستمر لافت فى مجال تطوير فن السينما فى بلاده!. إنه وزير السينما بلا منازع، لو تسنى لنا أن يكون لبلادنا وزارة للسينما! هذه السطور القليلة تحية واجبة ـ بدورنا ـ لصاحب العالم من عين الكاميرا ـ عنوان كتابه المبكر، والمبتكر والممتع عام 1968 ـ ولصاحب فجر يوم جديد ـ عنوان عموده وهو الافتتاحية فى ذات الوقت لجريدة السينما والفنون التى رأس تحريرها عام 1977 ـ ولصاحب فيلم الأسبوع أول عنوان يكتب تحته فى جريدة الجمهورية فى منتصف الستينيات و صوت وصورة أحدث عنوان يكتب تحته فى ذات الجريدة. إنها جريدته التى ساهم فى منحها روحا ومذاقا حتى فى مرحلة سقوطها الأخيرة والمستمرة!. سمير فريد هو جزء أصيل ومتميز من موجتين أسستا للنقد السينمائى المصري/ العربى وللمرة الأولى بمستوى رفيع كنقد جاد ومتخصص، وكنقد يسعى إلى الموضوعية ويتوخى العلمية. وقد ظهرت الموجتان أو هذان الجناحان، خلال عقدى ثورة يوليو الخمسينيات والستينيات الماضية ـ ولم يكن ظهورها بطبيعة الحال بمعزل عن المناخ المتقدم الذى أتاحه المد الثورى لذلك العهد ـ وسمير فريد ينتمى إلى الموجة الثانية فى الستينيات. سبقه ضمن الموجة الأولى فى الخمسينيات رموز فى الكتابة النقدية ورواد فى الثقافة السينمائية، انطلقوا من ندوة الفيلم المختار التى أسسها يحيى حقى والتى كانت تصدر نشرة يرأس تحريرها فريد المزاوى. بينهم على سبيل المثال: عبدالحميد سعيد وأحمد الحضرى وصبحى شفيق وفتحى فرج وهاشم النحاس وأحمد راشد ويعقوب وهبى. ثم شارك سمير فريد موجة الستينيات نقاد بارزون، بينهم على سبيل المثال: يوسف شريف رزق الله وسامى السلامونى وخيرية البشلاوى ومحمد شفيق وكمال رمزى وعلى أبوشادى رئيس هذا المهرجان الذى قام بهذا التكريم الصحيح إلى جانب تقويم أفلام عام. وقد ظهر قبل هؤلاء أسماء جادة ورائدة ومهمة فى الثقافة السينمائية وفى الصحافة السينمائية مثل السيد حسن جمعة وأحمد كامل مرسى وأصدر سمير فريد أحد كتبه فى تحية دور أحدهم هو كتاب حسن إمام عمر: عميد الصحافة الفنية، كما ظهر بعد هؤلاء نقاد وباحثون جادون بعضهم متميز على مدار العقود الثلاثة الأخيرة وفى جمعية نقاد السينما المصريين اليوم التى أسسها سمير فريد ورفاقه فى عام 1972. ولكن يظل الجيل الذى يعد سمير فريد أحد أبرز وأسطع عناوينه المشرفة، هو جيل تأسيس النقد السينمائى بمفهومه الحديث والعلمى فى مصر بل والوطن العربى، إنه يظل إلى الآن ـ وفى عبارة ـ جيل التأثير الأكبر فى النقد السينمائى فى بلادنا.
وذلك لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية. وتستحق أن تكون موضوعا لبحث فى مقام آخر. وسمير فريد هو واحد من أبناء جيل ـ ورعيل ـ التأثير الأكبر فى النقد، وأحد قادته الكبار، بل هو ـ فى اعتقادنا وبدون أدنى مبالغة ـ القيادى الكاريزمى فى ذلك الجيل. وقد كان له دوره وتأثيره المتميز فى الدعوة إلى تجديد السينما المصرية فى عام 1968 من خلال جماعة السينما الجديدة ثم من خلال جمعية النقاد ـ 1972 ـ وكان فى طليعة الذين رفعوا لواء تيار جديد له مفاهيم وقيم جمالية وفكرية محددة، من بينها فنان الفيلم. ولعلى أفضل هذه التسمية عن المصطلح الآخر: سينما المؤلف. وضمنها أن الفيلم السينمائى ليس فنا جماعيا كما كان شائعا وإنما هو: إبداع فنى حر، وفردى، فالفيلم الذى ينتمى إلى السينما الفنية الحقة ـ وكما ظل يدعو ناقدنا ويكتب مرارا ـ هو الذى يعبر عن رؤية فنان الفيلم ـ أى المخرج ـ لمجتمعه وللعالم الذى يعيش فيه. إن الكاميرا هنا فى يد المخرج مثل القلم فى يد الأديب أو الريشة فى يد الرسام. وقد كان هذا مواكبا لما استقر عليه الفن السينمائى فى أعلى مراحل نضجه آنذاك ولخصه شعار أحدث وأهم موجة جديدة للسينما فى العالم وقتها: الكاميرا/ القلم. وسمير فريد لم يبق على حماسه الناصرى القديم، وهذا بطبيعة الحال أمر مؤسف بالنسبة لناصرى مثلى، لكن الجميل أنه ـ رغم مراجعاته ورغم مسحة ليبرالية رصينة ومعقولة وليست كالزائقة الرائجة هذه الأيام! راحت تغلف كتاباته خاصة منذ التسعينيات الماضية قد أبقى على احترامه العميق لثورة يوليو ولقائدها جمال عبدالناصر، الذى يحلو لـ سمير أن يصفه اليوم هكذا: عبدالناصر كان المدنى حقا وسط العسكريين ممن قاموا بالثورة، والمثقف الوطنى والثورى الصادق، والفنان المحب للفنون أيضا!. ولم تنقلب مواقفه 180 درجة، ولم يتحول مثل بعض الذين تحولوا إلى موقف معاد للناصرية أو ناقم عليها وإنما فحسب ناقد لها. والنقد، أى التقويم الموضوعى أمر مفيد فى كل حال، وإن كان حادا اتفقنا معه أواختلفنا فى جوانب. سمير فريد: ينطبق عليه قول صافى نازكاظم عن فتحى رضوان ضمن ما يهمها تعريفه به: هو صاحب الاقتراحات البناءة كتاب رؤى وذات ص 184. اقتراحات سمير فريد البناءة: أحدثها اقتراح بإقامة مكتبة أسوان، مماثلة لـ مكتبة الإسكندرية ولتقوم بالتركيز على دور مصر الإفريقى، واقتراح بإقامة مركز باسم مركز دراسات نجيب محفوظ فى أحد البيوت الأثرية فى قاهرة المعز الإسلامية جريدة المصرى اليوم 7/3/2005. لكنى مع الأسف، كما أقول عادة أمام أية اقتراحات بناءة لدينا فى العهد الحالى، أقول: نداء لمن فى آذانهم صمم!. وفى الكتاب الذى أصدره المهرجان القومى للسينما المصرية بمناسبة تكريمه، بعنوان سمير فريد: مغامرة النقد، ربما ليس مصادفة أن يختم سمير فريد حواره المطول فى الكتاب مع كاتبه الزميل وائل عبدالفتاح بطريقته ولغته، وهى طريقة ولغة الاقتراحات البناءة. هكذا: * .. نفسى يكون هناك متحف لصلاح أبوسيف... أقنعت فاروق حسنى بشراء مقتنيات أحمد كامل مرسى وفريد المزاوى ومحمد كريم.. وكان لى دور فى إنشاء قاعة شادى عبدالسلام فى مكتبة الإسكندرية.. أحسن تكريم لاسم أحمد زكى أن يتحول مكتبه فى شارع الهرم إلى متحف.... أحدث كتب سمير فريد وهو كتابه الواحد والخمسون بعنوان أدباء العالم والسينما ـ الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة ـ يعبر بقوة عن مدى ثقافته وعمقها بل وموسوعية هذه الثقافة، ويعبر بالطبع عن أسلوبه السهل الممتنع الجامع بين العلمية الصارمة والأدبية الشفافة، ويعبر عن صفاء الأسلوب النابع من صفاء الذهنية. إن ناقدنا يعبر بوضوح وصفاء لأنه يفكر بوضوح وجلاء!. وهو يمتع قارئه بل ومحاوره دائما حين يعبر ويكتب وحين يتحدث، وعلى نحو متميز ومتفرد!. إنه سمير وإنه فريد. العربي المصرية في 1 مايو 2005 |