هوليوود تعود إلي إفريقيا في موجة جديدة:
هوليوود- محمد رضا |
في العروض صحراء فيلم من المغامرات من بطولة ماثيو ماكونوفي وبينيلوبي كروز تقع أحداثه بين النايجر ومالي علي الحدود المغربية. والتصوير تم في المغرب ككثير من الأفلام المشابهة التي نراها كما كل الأفلام التاريخية الكبيرة مثل طروادة والإسكندر وغلادياتور. تعيد المغامرة إلي الأذهان هاريسون فورد وكارن ألن عندما قاما ببطولة إنديانا جونز وتابوت العهد المفقود سنة1981 والذي تم تصويره آنذاك في تونس وكان تمهيدا لمسلسل من ثلاثة أفلام إلي الآن بينما النقاش مايزال دائرا حول إذا ما كان سيكون هناك جزء رابع ومع من في البطولة. هاريسون فورد مستقتل علي العودة إلي السلسلة لكنه أول من يعلم إنه الآن أكبر سنا من أن يستطيع تكرار مغامراته تلك. صحراء يذكرنا أيضا بسلسلة الأفلام التي دارت أحداثها في الصحراء العربية. مثل صحراء الذي أخرجه المجري الأصل ـ البريطاني المهنة سلطان كوردا سنة1943 ذاك كان فيلما حربيا حول فرقة بريطانية صغيرة خلال الحرب العالمية الثانية يقودها همفري بوغارت تلتقي بزمرة من الجنود المتقهقرين مثلهم من موقعة طبرك الذين يبحثون علي الماء في الصحراء الليبية. الفيلم يصطف إلي جانب الجندي السوداني الذي يبرهن عن إنسانيته كونه يخاطر بنفسه في سبيل توفير الماء للباقين بمن فيهم الجندي الألماني الذي تم القبض عليه والذي يحتقر السود كعنصر أقل شأنا من العنصر الآري الذي ينتمي هو إليه. وللمخرج المرحلي نشط في الستينيات إلي السبعينيات ثم توقف( أندرو ف. ماكلاغلن) فيلم أشهر بنفس العنوان إنما بقصة مختلفة. هنا تنتقل بروك شيلدز بين عشاق مختلفين بينهم عربي اسمه جعفر( لامبرت ويلسون) تكتشف إنه أقلهم رجولة. ليس أن النقاد صفقوا له والجمهور لم ينقطع عن حضوره حتي أفلس. لذلك بعده لم نر فيلما من هذا النوع حتي خرج قبل أكثر من عام بقليل هيدالغو مع عمر الشريف وفيغو مورتنسون: عربي وأميركي متفاهمان علي حب حصان. لكن صحراء الجديد يختلف عن كل سوابقه. إنه ليس إعادة صنع لأي منها او لغيرها بل مسعي لتقديم مغامرة تقع أحداثها في إفريقيا السوداء أكثر مما تقع أحداثها في محيط عربي. ماثيو مكونوفي وستيفن زان أمريكيان يمضيان حياتهما الشابة بحثا عن الآثار والكنوز المخفية وهناك أسطورة بأن سفينة محملة بالذهب انطلقت من الجنوب الأمريكيان في نهاية الحرب الأهلية سنة1866 واختفت لاحقا محملة بالذهب. هناك دلائل لا ندري تفاصيلها تشير إلي أن السفينة غارقة تحت الكثبان الإفريقية التي كانت في ذلك الحين مازالت تفيض بالماء. من ناحية أخري هناك طبيبة أسمها إيفا( كروز) تحاول البحث عن سبب تفشي مرض غريب. الثلاثة يلتقون بعد قليل من بدء الفيلم حيث المغامرتين تتحدان تحت وابل من الرصاص والقذائف فالمجموعة ألبت عليها دكتاتور أفريقي يحتل نصف مالي ويتعرض لقبائل الطوارق بالأذي. الطوارق بلباسهم المعروف الذي هو مزيج عربي ـ إفريقي يخرجون من الفيلم بصورة إيجابية. الأفريقيون السود بصورة سلبية. والأمريكيون جميعا بالصورة التي لا غبار عليها بينما هناك فرنسي( لامبرت ويلسون أيضا) يصطف إلي جانب الأشرار كونه هو الذي بني معملا كيماويا يلوث مياه الآبار التي يشربها الطوارق. الحمد لله. خرج العرب أبرياء هذه المرة. النظرة العنصرية علي أن الموضوع هنا ليس عربيا طالما أن الفيلم وقد أخرجه بنوايا طيبة عموما برك آيزنر لا يدور عن العرب. بل عن أفريقيا والأفريقيين. القارة الأفريقية في معظم ما نراه لا تزال القارة السوداء إذا ما كانت الكلمة هذه تعني غموضا وشيئا من الإثارة والكثير من الميتافيزيقيات. واحد من الأفلام الأخيرة التي استخدمت أفريقيا علي هذا المنوال طارد الأرواح: البداية لرني هارلن. إنه جزء سابق للجزء الأول من طارد الأرواح ذلك الذي أخرجه سنة1973 ويليام فرايدكن يرجع بقصة الشيطان الذي يدخل أجساد آدميين ليحولهم إلي وحوش أو قتلة إلي أصولها وأصولها تلك تقع في أفريقيا حيث يتم الكشف عن كنيسة تقع شرقي أفريقيا مخفية ومهجورة. بالتنقيب فيها يتم الكشف عن إنها السد الذي يمنع خروج الأرواح الشيطانية من عمق الأرض. عندما يتم حفر وتغيير معالم هذا السد تخرج تلك الأرواح وتبدأ بنشر الذعر والعنف. باستثناء ما دار من أفلام إلي الآن حول محنتي رواندا وجنوب أفريقيا فإن أفريقيا عموما جسدت ذلك النبض الداكن من الحياة كما يراها الإنسان الأبيض. المغامرة التي تدلف به إلي المجهول والآخر الذي يعني كل من يعيش عليها إنسان كان أم حيوانا. إنه الآخر الذي من الأجدر قيادته او السيطرة عليه ولا يملك ما يكفي لسماعه او الاستفادة منه علي نحو متكافيء- الا فيما ندر. طرزان علمنا أن الأبيض هو الجدير بالسيطرة علي تلك الغابات العامرة بالمخلوقات. صحيح إنه وقف مدافعا عن الإنسان والحيوان ضد المغامرين البيض لكنه كان أبيض البشرة ولم يكن دائما يخلو من العنصرية. كلما كان هناك مجال لتقديم قبيلة عربية- كانت تلك القبيلة شريرة. كذلك وحتي لا نحشر ما هو عربي في كل موضوع يكفي اعتبار أن طرزان ـ كشخصية ـ ولا جوني ويسمولر الذي لعب الشخصية معظم المرات كممثل كان لديهما قول في كيف يقدم الفيلم السود المعادين. فطرزان لم يكن يقاتل فقط حفنة البيض الطامعين في الذهب والصيد بل أفراد القبائل السوداء حين تقرر قتل البيض أو ـ كما في أحد الأفلام ـ أكلهم. والمعاملة لم تتغير كثيرا حتي هذه الأيام في زمن القرية الكونية. أفريقيا لاتزال تعامل كما لو كانت مصدرا للجانب الشرير من المغامرة. ثلاثة أفلام متوالية عاملتها علي هذا النحو هي المومياء(1999) والمومياء تعود(2001) وكلاهما لستيفن سومرز وسكوربيون كينغ(2002) لتشاك راسل. في كل منها بدت أفريقيا تاريخا معقدا من الأرواح الشريرة والشخصيات المتخلفة والحكايات الكرتونية. الحب في أفريقيا حين تم تقديم أفريقيا علي نحو أكثر مدعاة للطرح الجاد خرجت بضعة أفلام ذات أبعاد مختلفة. بعض هذه الأبعاد لها علاقة بتوجه كتاب ومخرجي هذه الأفلام لأفريقيا. مثلا فيلم سيدني بولاك خارج أفريقيا1985 إذ تعامل مع قصة عاطفية تقع بين صياد أبيض( روبرت ردفورد) وبريطانية أرستقراطية تهوي الصيد بدورها( ميريل ستريب) فإن العمق الأفريقي للمكان لم يكن خاليا من التأثير السلبي. إنه كما القول أن الوجه الداكن للحب لا يتبدي إلا هناك. ميريل ستريب تصطاد الأسود وفي الثمانينيات كان هناك ما يكفي من الوعي حول العالم بأن أفريقيا بشر وحيوان استبيحت إلي درجة القتل. رغم ذلك فإن الفيلم لا يأخذ موقفا معاديا من الشخصية التي لعبتها ميريل ستريب( وهي شخصية حقيقية) لأن ميريل ستريب ليست في وارد تأدية شخصية شريرة. في الريشات الأربع نسخة العام2003 لفيلم تم إنتاجه أربع مرات سابقة من العام1915 وحتي العام1939 تحدثت عن كيف سينتقم بطل الرواية( التي نشرت لأول مرة سنة1901) من شرفه المفقود عندما اعتبر انسحابه من الجيش البريطاني المتوجه لإخماد ثورة المهدي في السودان جبنا. لينفي إنه جبان يقاتل السود من دون أن يطرح لا هو ـ ولا الفيلم ـ سؤالا جائزا عن مبرر الوجود الإستعماري نفسه. المرة الوحيدة التي شاهدنا فيها فيلما غربيا يطرح هذا السؤال كانت في فيلم أسبق بعنوان زولو أخرجه البريطاني ساي إنفيلد في العام1964. هناك حامية بريطانية تحاصرها قوات قبيلة الزولو وتبيدها( أو تبيد معظم أفرادها). في حمي ذلك القتال المستميت يبرز- علي نحو مقصود ومن دون فرض ـ السؤال حول ما الذي يفعله الجنود البريطانيون في تلك القارة أساسا. هذا ما يعيدنا إلي صحراء. ليس هناك حديثا عن حرب بين البيض والسود ولا عن تاريخ العلاقة بينهما بل يكفي الحديث عن هذا الفساد المستشري بين القادة الأفريقيين الذين يتسببون في كوارث بشرية ويشجعون الحروب الأهلية ويثرون علي حساب شعوبهم. في حين أن المأساة المنتشرة في أكثر من بلد أفريقي هذه الأيام كانت مرتبطة بالدول الأوروبية التي استعمرت ثم انطوت تاركة البلاد مقفرة من بناء سياسي واقتصادي فاعل فإنها بعد ذلك ارتبطت وماتزال بكل تلك الشركات إسرائيلية وأوروبية وأميركية التي تقبل علي شراء ما يمكن الحصول عليه من مناجم الذهب والماس وفي هذا السبيل تتكاثر الحروب الخاصة والأهلية من قبل ميليشيات تسعي كل منها للسيطرة علي ما يمكن السيطرة عليه من مناجم مهما كان السبب. الخيال والواقع مثل هذا الطرح ليس في الوارد. وهوليوود تعيش في قالب الخيال إلي اليوم.. إلي جانب صحراء سنري ثلاثة أفلام متعاقبة ترتبط أحداثها بأفريقيا علي نحو آو آخر. بعد أسبوع من الآن يطرح فيلم المترجمة للعرض. إنه عن نيكول كيدمان تعمل مترجمة فورية في الأمم المتحدة وتكتشف أن رئيس الدولة الإفريقية التي تعمل لحسابها مهدد بالقتل. وأن الاغتيال سيتم في الأمم المتحدة ذاتها. المخرج هو سيدني بولاك. بعد أسابيع قليلة من بدء المترجمة يتقدم مدغشقر: فيلم كرتوني من نوع ليون كينغ الذي حقق نجاحا تجاريا كبيرا. في الواقع مدغشقر هو من سلسلة انغماس أفلام كرتونية لديزني وغيرها في الشأن الأفريقي من العام1967 عندما تم تقديم كتاب الغابة ثم تم تحقيق جزء ثان منه سنة2003 كما تم تحقيق جزء ثان من ليون كينغ سنة1998 توجه مباشرة إلي سوق الفيديو. في كل هذه الأفلام وعلي الرغم من أن الشخصيات هي حيواناتية إلا أن القفزة من الموقع الأبيض لفهم ما هي أفريقيا إلي أفريقيا ذاتها ليس متوافرا. بعد مدغشقر يأتينا دوما لكارول بالارد وهو عن صبي أمريكي يأخذ علي عاتقه إعادة شيتا صغيرة إلي أفريقيا حيث ولدت. نفس المخرج قدم سابقا الفرس الأسود سنة1979 عن صبي أمريكي يلحق بفرسه الأسود ليخلصه من العرب الذين يسيئون معاملته في أفريقيا. كل واحد من هذه الأفلام يتوقع له تحقيق عشرة أضعاف ما حققه فندق رواندا أفضل فيلم عن إفريقيا أسهمت هوليوود في إنتاجه كونه يتحدث عن الحرب الأهلية التي وقعت في رواندا وذهب ضحيتها نحو مليوني نسمة* الأهرام العربي في 30 أبريل 2005 |