قنابل فشنك.. تطلق أعيرة وهمية
أشرف بيدس |
يواصل الأستاذ مصطفي محرم - السيناريست الكبير- هجومه للأسبوع الثاني علي التوالي في صحيفة «القاهرة» علي النجم الراحل أحمد زكي، وهو ما كان يجرؤ أن يفعله في حياته.. وربما كان يفعل أشياء أخري.. لكنها الدنيا، بكل ما تحمله من عجائب وطرائف.. قبل أن نتعرض لتلك الافتراءات والتجريح والتشهير وأحيانا التحقير الذي مارسه - كاتبنا الكبير- علي نجمنا الراحل.. والذي ساقه من خيالاته الخصبة، لابد أن نرسي مبدأ.. وهو أن حق التعبير وإبداء الرأي مكفول للجميع، شريطة أن تكون هناك معايير أخلاقية ومنطقية تحكمه. وقديما قالوا «إن خفت ما تقولشي.. وإن قلت ما تخافشي» ويبدو أن مصطفي محرم لم يخش شيئا.. فقال وأسهب حتي فاض الكيل، ومارس حقوقه المشروعة وغير المشروعة في إبداء رأيه.. وضرب تحت الحزام وفوق الحزام وفي مناطق محرمة دوليا.. ولم يراع حرمة الأموات، وحاول الاستخفاف بعقولنا بتصدير آراء مضروبة، الغرض منها إلقاء الضوء علي شخصه بعد الفشل المتوالي لأعماله التليفزيونية. بينما في السابق كان يخشي، لذلك لم يقل، ولم نسمع له صوتا. الزمن لا يتغير، لكن الناس عاشقة للتغيير والتقويل والتأليف، وأحيانا كثيرة التهويل، تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول، ولأن التوقيت أمر بالغ الأهمية، فأن البعض يختار عن سوء نية -وبقصد- الوقت الخطأ، لتفجير تلك البالونات الهوائية، والتي أول ما تصيب فهي تصيب وجوههم، لأنهم يتصورون - دون وعي- أنها كلما تضخمت أصبحت قادرة علي حملهم، ثم سريعا ما يكتشفون - وغالبا بعد فوات الأوان- أن النفخ المتواصل في البالونات المثقوبة لا يرهق إلا صدورهم. إن المقالات النارية التي يكتبها السيناريست الكبير مصطفي محرم حول علاقته بأحمد زكي تثير الشفقة، وأحيانا كثيرة تكون مدعاة للضحك، إلا أنها في نهاية الأمر، تدلل علي أزمة في العلاقات الإنسانية، وسواء كان يقصد من هذه الحملة التي ليس لها مجال من الإعراب أو الصرف، تصفية حسابات مع البعض، أو ترضية للبعض.. أو شغل وقت الفراغ لحين بدء موسم كتابة المسلسلات -أياها- لشهر رمضان، فإن ما جاء علي لسانه يفتقر لأبسط قواعد الزمالة أو حتي المصداقية فيما ساقه، ناهيك عن التحليل النقدي المحترم، والمنزه عن أي أغراض، ولكنها عاداتنا القديمة في تشويه كل ما هو جميل وتحقيره وتسفيهه. مع العلم أن مصطفي محرم هو ذاته من صرح في كتاب «أحمد زكي .. قراءة في إبداعاته السينمائية» والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ما نصه : «أن أداء أحمد زكي هو خليط من سيدني بواتييه في تمكنه من الأدوار الصعبة، وآل باتشينو في قدرته الفذة في توصيل الإحساس وداستن هوفمان في تلقائية أدائه وحضوره».. يا صلاة النبي.. أيه الحلاوة دي.. ويتضح من هذا التصريح القنبلة، أنه اختزل ثلاثة من عمالقة التمثيل بالعالم في شخص أحمد زكي، وهؤلاء العمالقة نالوا جائزة الأوسكار أكثر من مرة ويملأ صيتهم البحر والجو، ويتمتعون بشهرة خارقة، فهل يعقل أن يكون هناك من يملك كل هذه المواصفات، ثم يصبح رديفا للأدوار التائهة من فلان أو علان؟؟!! هذا مجرد سؤال بسيط، ويمكن عدم الاعتماد عليه كثيرا لأن من صرح به، فنده من محتواه، وراح يبرز قدرته الخارقة وفضله الجارف في اكتشاف أحمد زكي بإسناد بطولة فيلم «الباطنية» الذي لاقي هجوما كبيرا من منتجه - محمد مختار- وبطلته - نادية الجندي- وفي هذا الصدد يقول مصطفي محرم « لم تكن نادية الجندي حتي ذلك الوقت تعرفه جيدا - المقصود أحمد زكي- فأخذت أذكرها بالأفلام التي عمل بها، ولكنها لم تذكرها فأخبرتها بأنه الممثل الذي كان يقوم بدور الطالب الفقير في مسرحية «مدرسة المشاغبين» تذكرته بامتعاض شديد ثم أبدت قرفها من هيئته ووصفته بأوصاف تثير الاشمئزاز منه». .لا تعليق.. ثم يضيف «جاء أحمد زكي في فيلم «الباطنية» علي أسنة رماحي، ساومه المنتج مساومة تصل إلي حد الإهانة في تحديد أجره».. لا تعليق .. إن الإشادة بأحمد زكي لا تقلل إطلاقا من العمالقة الكبار زكي رستم ومحمود المليجي ومحمود مرسي، نور الشريف، محمود ياسين، عادل إمام، ومحمود عبد العزيز، بل العكس فهو واحد من هؤلاء الذين امتعونا بفنهم ومازالوا، لكن التقييم يصبح ضرورة لقياس مدي التطور الذي وصلنا إليه. «الطبع يغلب التطببع» إن فيلم «الباطنية» الذي يحكي ويتحاكي عنه مصطفي محرم، رغم أنه شهد بدايات أحمد زكي، لم يكن علامة فارقة في تاريخه الفني، ولم يسجل له مجدا غير مسبوق، فهو في النهاية فيلم، إن حذف من قائمة أعماله لا يشكل كارثة. فأعماله المحترمة كثيرة جدا، ملأت حياتنا بهجة، وملأت قلوب الحاقدين ضغينة وحقداً والعياذ بالله. حتي لو فرضنا أن هناك خصومة، خلاص..«الراجل بقي عند رب كريم ولا تجوز عليه إلا الرحمة» حتي المثل العامي يقول «القرعة بتتعايق بشعر بنت أختها».. «أيه الداعي» من هذه المقالات.. ومصلحة من؟ يبدو أن توالي الضربات التي تلقاها مصطفي محرم للسنة الرمضانية الرابعة علي التوالي، كان لها الأثر السيئ.. فبعد الضجة التي صاحبت مسلسل «الحاج متولي» والتي فسرها لصالحه، حاول جاهدا أن يتحفنا بعمل آخر، فأطلق قنبلته «الفشنك» «العطار والسبع بنات» فلم تصب سوي صناع المسلسل، ثم أعاد الكرة مرة أخري، وحدث الشيء نفسه، إلا أنه لم ييأس ثم فاجئنا بعمل تفصيلي (بالمازورة) علي مقاس وقدرات نادية الجندي (مشوار امرأة) ورغم محاولات «السلق» والدجل الدرامي، انكشف المستور وانقلب السحر علي الساحر، وتلقي الضربات يمينا ويسارا، في حين إنه لم يكن ينقص هذه الأعمال سوي الحبكة الدرامية والدقة، بعد أن وفر له كل الإمكانات، ولكن «أيش تعمل الماشطة في الوش العكر».. يبقي في النهاية أنه لو كان أحمد زكي مقدر له أن يعيش مائة سنة أخري، فالشيء الوحيد الذي كان سيحرص ألا يفعله هو أن يمثل تلك السيناريوهات المضروبة. الأهالي المصرية في 27 أبريل 2005 |