حوارات في السياسة مع نجوم الفن (1) حسين فهمي يتكلم في السياسة .. السياسة فقط: السادات زعيم عظيم .. خسارة فيكم ايمن الحكيم |
التصقت صفة «العوالم» بأهل الفن وطاردتهم طويلا وانتقصت منهم كثيرا، وفي العقود الأولي من القرن العشرين كان «الأرتست» مواطن من الدرجة الثانية لا تأخذ المحاكم بشهادته وتهرب الأسر المحترمة من تزويج بناتها منهم، وترفض بقسوة أن يمتهن ابناؤهم مهنة الفن، ولذلك ظلت أسرة الفنانة سناء جميل وهي إحدي عائلات الصعيد الميسورة علي قطيعة معها ترفض أن تمنحها صك الغفران ولم تنس لها حتي يوم رحيلها أن ابنتهم خرجت عن طوعهم واشتغلت «فنانة» حتي ولو كانت في شهرة ومكانة سناء جميل. دارت الأيام وتحسنت سمعة الفن بحكم التطور الاجتماعي ولكن التراث الراسخ في الوجدان الشعبي ظل يلقي بظلاله علي الفنانين وأهل الكار ويصمهم بالسطحية والتفاهة وخلو الدماغ، ساعد علي ذلك حوارات وتصرفات بعض من ينتمون لهذه المهنة ممن لم يحرصوا علي تحصيل الحدود الدنيا من الثقافة والفهم، وقدمهم الإعلام علي أنهم أهل الأفراح والليالي الملاح، وهو تصور ظلم الكثير من نجوم الفن .. المثقفين بجد الذين يمكن أن تطلق عليهم وأنت مطمئن البال أنهم «دماغ» بكل ما تحمله اللفظة من دلالات إيجابية «وليست بانجوية نسبة إلي البانجو». وحتي نرجع الفضل إلي أهله أقول أن نجمين شهيرين دلاني علي فئة «الفنانين الدماغ» أولهما الزعيم عادل إمام الذي جمعتني معه حوارات ولقاءات متعددة تطرق الحوار فيها إلي قضايا اجتماعية وسياسية وسمعت منه تحليلات وآراء مدهشة تصورت في بعضها أنني أجلس أمام هيكل أو أنيس منصور علي اسوأ تقدير. وثانيهما هو الفنان نور الشريف وهو أحد كبار المثقفين في الوسط الفني بشهادة كل من يعرفه، جمعنا حوار في حجرته بالمسرح القومي اثناء عرض «لن تسقط القدس» فإذا بالحوار يخرج سياسيا خالصا تضمن آراء قيمة في أوضاع العالم العربي مستندة علي قراءات عميقة ومتابعة دقيقة وتحليلات واعية وأشهد أن حواره أوحي لي بهذه الفكرة حوارات في السياسة مع نجوم الفن تهيأت لي فرصة تاريخية لتنفيذها في وقت قياسي عندما سافرت إلي«دبي» لحضور مهرجانها السينمائي الأول وتصادف أن كان كل النجوم تقريبا من «المعازيم» وعلي مدار سبعة أيام كانت السياسة هي الحاضرة في هذه الحوارات. · تحب تتكلم في السياسة ؟! مفيش مانع. نتقابل بعد الغدا في «الهول»؟ ما يضرش. وفي الموعد جاء حسين فهمي تسبقه ضحكته المجلجلة وتعليقاته وقفشاته مع نزلاء الفندق ونالني منها جانب: · عايزنا نتكلم في السياسة .. شكلك كده هتدخلنا السجن؟ لازم تدخل السجن .. مش كنت صديق الرئيس السادات؟ طبعا .. بكل فخر .. أنت هتغلط من أولها؟ لا سمح الله. · لنبدأ من أولها.. حدثني عن تكوينك الفكري والثقافي .. كيف تشكلت دماغ حسين فهمي؟! - أنت تعيدني لسنواتي الأولي في الحقيقة أنا نشأت في أسرة ارستقراطية مثقفة، والدي درس العلوم السياسية في باريس ووالدتي تخرجت في السوربون أعرق جامعات فرنسا، في البيت كان عندنا مربية فرنسية وأخري انجليزية فنشأت أتكلم الإنجليزية والفرنسية علي أصولها. أضف إلي ذلك أنني سليل عائلة سياسية عميدها محمود باشا فهمي كان رئيسا لمجلس شوري القوانين في عهد الخديوي إسماعيل وجدي لأبي هو محمد باشا فهمي ناظر الخاصة الملكية وعضو مجلس الشيوخ وأحد مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين، وكان عدد كبير بين أفراد الأسرة من المستشارين والقضاة الذين درسوا القانون في جامعات أوروبا. بيتنا كان عبارة عن مكتبة ضخمة تضم مئات الكتب في شتي المعارف، من والدي أخذت عشق القراءة والبحث وعلي يديه تعلمت لأول مرة كيف استخدم القاموس وكيف أصبر علي المعرفة. وفي اكاديمية الفنون عندما التحقت بالدراسة في معهد السينما تأثر تفكيري وتفتح وعيي علي محاضرات لويس عوض ومجدي وهبة وعبد الرحمن الشرقاوي، وكانوا من الأساتذة الزائرين ولم تكن محاضرات السينمائيين كعلي الزرقاني وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وعبدالحي أديب أقل تأثيرا. ولما سافرت إلي أمريكا لاستكمال دراستي تفتحت مداركي علي ثقافات أخري وحضارات جديدة وتجارب مختلفة لاشك أنها كونت دماغي وشكلتني ثقافيا وسياسيا. وفي تلك السنوات قرأت طه حسين وإحسان، ويوسف إدريس والسباعي ونجيب محفوظ الذي ربطتني به صداقة بعد رجوعي من أمريكا كنا نتقابل باستمرار ونتبادل الحوار. · ولماذا نجيب محفوظ بالذات؟ - تقصد إيه؟ · أظن أن تحفظاتكما علي ثورة يوليو وحنينكما إلي أيام الملكية ساعدت في هذه الصداقة السريعة؟ - لا تكن سييء الظن أنا ابن أسرة ارستقراطية ولم يكن لنجيب محفوظ تأثير علي أفكاري السياسية، وصدقني عندما أقول لك إن أحاديثنا لم تكن تتطرق للسياسة ثم إن الأستاذ نجيب وفدي أصيل، في حين أن جدي كان من الأحرار الدستوريين ولم يكن بين الوفد والأحرار الدستوريين عمار بل أنهم انشقوا عن الحزب الأم وأيدوا الملك بشدة حتي بعد أن فقد ثقة الشعب والسياسيين عقب حادثة 4 فبراير. أما الحنين الذي تشير إليه لأيام الملكية فلا يخص الأستاذ نجيب وحده ولا يخص الطبقات الأرستقراطية التي أضيرت بسبب الثورة وإنما يشمل كثيرين آخرين اكتشفوا أن الثورة باعت لهم الوهم وأن الأحلام الوردية التي وعدوهم بها لم تتحقق والحنين للماضي لا يشتد إلا إذا كان الحاضر اسوأ. · تعتقد أن الحاضر اسوأ من أيام الملك؟! - شوف .. التاريخ يقول إن الثورة يصنعها الثوار الرومانسيون ويحصد ثمارها الانتهازيون، لما تقعد مع الذين قاموا بثورة يوليو تجد أنهم حالمون «ثروت عكاشة علي سبيل المثال» وتكتشف أنهم غير راضين عن النتائج، وسمعت بعضهم يقول لو كنت أعرف إن ده هيكون حال البلد ماكناش قما بالثورة!! وعندما تقرأ مذكرات وشهادات ثوار يوليو تلاحظ عدم رضاهم وأن ما تحقق كان أضيق كثيرا من أحلامهم، الغريب أن هذه الأحلام لم تأت قبل الثورة كما هو الحال في الثورات الكبري، بل جاءت بعد نجاحها، فالضباط الأحرار كانت مطالبهم في البداية لا علاقة لها بالشعب .. حاجات تافهة زي إبعاد إسماعيل شيرين عن نادي الضباط، وابعاد حسين سري عامر عن الجيش. هذه ليست مطالب شعبي ربما لأن ثورة يوليو لم يكن لها مفكرون كما هو الحال مع فولتير والثورة الفرنسية أو لينين وماركس في الثورة البلشفية، ولابد هنا من الاعتراف بنبالة الملك فاروق الذي آثر التنازل عن عرشه طواعية حتي لا تراق قطرة دم واحدة وقال كلمته النبيلة: مش عايز عسكري مصري يموت عسكري مصري تاني، ولذلك جاء انقلاب الضباط «أبيض». ناصر والسادات · ما مآخذك علي التجربة الناصرية؟! - مفيش شك أن عبدالناصر كزعيم كان رمزا للوطن كله وأقدر أقول أنني من جيل عبدالناصر فقد قامت الثورة وعمري عشر سنوات أي أن وعيي تفتح مع عهد عبدالناصر وقد يكون عبدالناصر وطنيا مخلصا، أراد خيرا بالأمة ولكن التجاوزات التي حدثت في عهده لا يمكن غفرانها. هناك من يقول أنه لم يكن يعرف شيئا عن تجاوزات المخابرات وقهر المواطنين وما حدث في المعتقلات من فظاعات.. وهناك من يقول أنه كان عارف وساكت، وأيا كان الأمر وبدون الدخول في تفصيلات ومجادلات أري أن تجربة عبدالناصر لم تكن في صالح الإنسان المصري بدليل أثارها الموجودة والمستمرة علي المجتمع. شوف حصل لنا إيه؟! قال لك فيه إصلاح زراعي واعطوا كل فلاح 5 فدادين وأمنا ثروات الأقطاعيين وبعد فرحة سريعة اكتشف الفلاح أنه «لا يعمل» مش عارف يعمل إيه بالأرض، اسرتي علي سبيل المثال أمموا أراضيهم ووزعوها علي الفلاحين وبعد سنوات جاءنا الفلاحون يبكون مش عارفين يعملوا إيه بالفدادين مفيش خطة أعطوهم الأرض وتركوهم الفلاحون قالوا لنا ياريت صاحب الأرض يرجع تاني آدي الإصلاح الزراعي، مجرد تفتيت للثروة. وخذ عندك:الوحدة مع سوريا كانت فاشلة.. حرب اليمن كانت فاشلة .. معركة 56 كانت كارثة .. نكسة 67 كانت أكبر كارثة.. وبعدين أرادوا التخفيف من الهزيمة الماحقة التي تعرضنا لها في 67 فأطلقوا عليها «نكسة» وكأننا أخدنا دور انفلونزا دي البلد انهارت أنت بتضحك علي مين؟! أنا كنت في أمريكا أيام حرب فيتنام وعرفت لماذا انتصر الفيتناميون لأنه كان عندهم زعيم عظيم واضح اسمه هوشي منه يطلع ببساطة علي الشعب ويقول إحنا خسرنا النهاردة كذا عسكري، المنطقة الفلانية سقطت في أيدي الأمريكان، إحنا لازم نعمل كذا وكذا، الوضع والصراحة هما اللذان جعلا الشعب الفيتنامي يقادم ويتحدي ويقبل التضحيات وينتصر في النهاية ويحرر ارضه ويهزم أكبر امبراطورية في التاريخ. وفي نفس الفترة عشت هزيمة 67 وذقت مرارتها في الغربة أنا حتي الآن عندي مشاكل في معدتي بسبب «الكرامبات» التي كانت تداهمني بعد فجيعتي في هزيمة 5 يونية، كل مصري دفع ثمن الهزيمة وأخطاء عبد الناصر، وهذا الانكسار البادي علي وجوه المصريين من أثار الهزيمة في 67، لما يبقي عندك كوباية كريستال وتتشرخ هذا الشرخ لا يمكن إصلاحه ولذلك فإن عظمة السادات تنبع من رفضه الاستمرار في عمليات غسيل المخ التي عاشها الشعب طوال 18 سنة تحت حكم الزعيم. · يعني أنت موافق أن السادات عمل ثورة تصحيح بجد، وليس صراع قوي وانفراد بالحكم؟! - يكفي السادات أنه «جبر» الشرخ وانتصر في أكتوبر ورجع لنا الأرض والعرض وعمل معاهدة سلام وهو منتصر. يقول لك أنه فشل في إدارة المفاوضات، ولم يحصل علي الثمن الذي نستحقه هذا شرف للسادات أنه لم يعقد صفقة مع الأمريكان بدليل أنه لم يطلب ثمن طرده للخبراء السوفيت هي دي عظمة السادات أنه فارس. · انتصر السادات علي إسرائيل صحيح .. لكنه هزم الشعب المصري ووضع نصفه في المعتقلات .. توافقني؟! - هذا سوء تقدير من العظماء لما يكون ماعندهمش معلومات أنت رئيس دولة ولا تملك معلومات واضحة وصحيحة ازاي؟ تعرض السادات لخداع من مساعديه ودفع الثمن غاليا من دمه هذه مسألة أخري،إنما أنا اتحدث عنه كرجل قرارات قائد شجاع كسب العالم كله إلي جوارنا. · ولكنه خسرنا العالم العربي والقضية الفلسطينية؟! - شوف .. الفلسطينيون خسرانين طوال الوقت يعشقون فلسفة الخسارة، إزاي أخسر اللحظة وأخسر الفرصة من سنة 47 وهم يقولون لا والسادات جاب لهم مكاسب تاريخية أظن أنهم يندمون الآن علي ضياعها. وبالنسبة للعالم العربي مفيش عالم عربي أصلا، الشارع العربي يخرج ليهتف في المظاهرات ويرجع ينام ويفتكر أن المسائل تحل بالشعارات والهتافات، إحنا في وكسة كاملة والسادات نجح بذكاء في إخراجنا من هذه المصيبة، أنا مصري ومصر تهمني أكثر من أي حاجة تانية لو سألت واحد مصري فلسطين تهمك أكثر من بلدك؟ لو قال لك أيوه يبقي كداب، بلدي الأول أنا موافق السادات 150% لما رفع شعار مصر أولا لازم نشوف مصالحنا الأول لما خسرنا 67 واتمسح بنا الأرض لم ينفعنا العرب بل أن بعضهم رقصوا ووزعوا شربات شماتة في عبد الناصر، وياسر عرفات الذي احتفل باغتيال السادات رئيس مصر عملنا له جنازة شعبية ورسمية علي أعلي مستوي، إحنا شعب مختلف وراق ولا يصح أن يكون هذا هو حالنا أبدا. والسادات فهم هذه الحقيقة من بدري ولذلك اعتبر ما فعله انجازا بكل المقاييس هذا رجل استلم بلدا مهزومة وخربانة وقدر يحارب وينتصر ويرجع أرضه.. عايزين منه إيه تاني؟! وقد اثبتت الأيام أنه كان علي حق والزعماء العرب الأشاوس الذين هاجموا بعد كامب ديفيد يتبعون خطاه الآن .. في الوقت الضايع. · تقصد الأخ العقيد معمر القذافي؟! - لا أقصده تحديدا .. كل رئيس دولة من حقه أن يعمل لمصلحة بلده، وهذا ما فعله السادات واتهموه بالخيانة فلماذا لا يوجهون الاتهام لأنفسهم الآن، يكفي السادات فخرا أنه سبق الجميع وأظن أن الفلسطينيين الذين استكبروا عندما دعاهم إلي مؤتمر المينا هاوس يشعرون بالحسرة الآن، فلو لم يركبهم الكبر لأصبحت هناك دولة فلسطينية حقيقية ولكننا نحن العرب نموت في تضييع الفرص. دخلت استديو مرة وكان الجو خانقا ولا يساعد علي التصوير، قلت لهم يا جماعة عايزين تكييف قالوا لي لا لأننا سنضطر لتكسير السقف. قلت: مانكسر السقف، وايه يعني هو اللي عاملة ليوناردو دافنش؟! وبعد 15 سنة ذهبت إلي الاستوديو فوجدتهم قد كسروا السقف وقرروا تركيب تكييف، لكن بعد ايه أيامها كان الموضوع سيكلفهم ملاليم دلوقتي كان عليهم أن يدفعوا دم قلبهم، إحنا كده لا نملك خطة ولا رؤية مستقبلية .. ودائما ندفع الثمن باهظا.. ومشكلة السادات أنه كان سابقاً لعصره. · هل غضبت من «خريف الغضب»؟! - أنا استأت جدا من هذا الكتاب ولم أتوقع أن كاتبا كبيرا مثل هيكل ينزل إلي مستوي التجريح الشخصي ويتفنن في الحط من قيمة السادات باعتبار أنه جاي من بيئة واطية، وإن أبوه كان كذا وأمة كانت سودا، وإنه كان بينام فوق الفرن.. طيب الأستاذ هيكل نفسه ابن أسرة متواضعة والفقر لا يعيب الإنسان. كان من الواضح أن هيكل لديه شحنة غضب من السادات فرغها علي صفحات الكتاب الذي ضايقني بشدة. · ما تفسيرك لضعف شعبية السادات في الشارع رغم كل الإنجازات التي حققها .. ومازالت الجماهير ترفع صورة عبدالناصر رغم خطاياه؟! - لأن عبدالناصر اشتغل علي مشاهد الجماهير وابتز عواطفهم ولم يخاطب عقولهم، فانعزل عنه المثقفون في حين أن السادات اشتغل مع العقول فابتعدت عنه مشاعر الناس التي أدمنت أسلوب الصاجات والتطبيل الزاعق، السادات كان عقلانيا كان في إمكانه أن يستعير أسلوب عبدالناصر في الخطب الرنانة والوقفات الفذة، ولكنه كان يدرك أنها مجرد حقن مهدئة ولا يمكن أن يضحك علي الناس طول الوقت.. وللأسف الناس زعلت لأنهم اعتادوا علي أحلف بسماها وبترابها، والله زمان يا سلاحي. · فاكر لقاءاتك مع السادات؟ - طبعا.. اتقابلنا عدة مرات وكان من المحبين جدا للفن والفنانين، وفي أول لقاء أبدي غضبه من سفر الفنانين المصريين لتصوير أعمالهم خارج مصر وأيامها كانت أغلب مسلسلاتنا نصورها في استديوهات اليونان، وأبدي استغرابه من تلك الظاهرة معتبرا أن لها دلالات سيئة. وناقشته في الموضوع وفسرت له الحكاية بأنها تعود إلي قلة البلاتوهات المناسبة في مصر ثم أن الأموال التي نتقاضاها من شركات الإنتاج العربية عالية وتساعدنا علي دفع الضرائب، وشكوت له من المبالغات التي تتعمدها مصلحة الضرائب علي الفنانين وقلت أن لنا وضعا خاصا، فالفنان المصري عندما يسافر إلي الخارج يعتبر نفسه ممثلا للشعب المصري ولذلك يحرص علي الظهور في أبهي صورة بما يليق بالدولة التي يمثلها، فيلبس أشيك لبس ويركب طيران في «الفرست كلاس» ولا يستطيع أن يظهر ببدلة واحدة مرتين في عمل واحد وتتضاعف التكلفة بالنسبة للممثلات. واستمع إلي بانصات ثم أصدر أوامره بتخفيف الضرائب علي الفنانين لأن السادات كان فنانا أصلا، واعتبر اهتمام رئيس الدولة بالفن من علامات رقي الدولة ولا أنسي مشهد السادات وهو يجري نحو زينات صدقي يوم تكريمها في عيد الفن ومنحها وسام الفنون وينزل درجات المسرح ليأخذ بيدها ويساعدها علي الصعود. وأظن أن الرئيس مبارك عنده نفس التقدير للفن وقالوا لي إنه اثناء زيارته لروسيا ذهب لمشاهدة أوبرا «بحيرة البجع» رغم أن جدوله كان مشحونا. · هل ناقشك السادات مرة في فيلم من أفلامك؟ - لا .. لكني فاكر أنه أبدي اعجابا شديدا مرة بفيلم «وبالوالدين إحسانا» وكان موجودا مخرجه حسن الإمام وقال له السادات: يا حسن إنت خلتني أعيط! · تتذكر مناقشات دارت بينكما في السياسة .. - ربما لأنه عارف أنني من المؤيدين لسياسته وخطواته. · كيف تلقيت خبر اغتياله؟ - كان يوما فظيعا .. كنت باتفرج علي العرض العسكري في التليفزيون ولما بدأ ضرب الرصاص أدركت أن فيه حاجة خطيرة لأني عندي خبرة في الضرب والنيشان، ولما الكاميرا وقعت وقطعوا الارسال تأكدت أنهم ضربوا السادات .. وقعدت فترة طويلة في حالة حزن وحداد علي هذا الرجل العظيم. · تفتكر أن التاريخ سينصفه؟ - طبعا .. التاريخ دائما ينصف الزعماء الحقيقيين ثم أنه لايوجد رجل سلام لم يقتل لينكولن.. غاندي .. كيندي .. حتي رابين في إسرائيل قتلوه لما عمل سلام مع العرب .. هو الشيء مؤسف أن يكون الحوار بالرصاص وليس بالرأي. الإصلاح · ما موقفك من حركات الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي!! - الديمقراطية كانت لازم توصلنا.. برضانا أو رغما عنا لكن عيب إننا نماطل ونسوف ونؤجل لغاية لما تيجي أبلة الناظرة أمريكا وتفرضها علينا. للأسف .. كان مقصودا إلهاء الناس وتغييب وعيهم وافهامهم أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان ولازم نبوس أيدينا وش وظهر. في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلي الحرية والإصلاح قاعدين نشغل نفسنا بحاجات تافهة، هل تجوز أمامه المرأة؟! يا تري الجراد عقاب من الله؟! وياتري أكل الجراد حرام ولا حلال، بالذمة ده كلام؟! فتاوي نازلة ترف يمين وشمال وتبلبل تفكير الناس، يا جماعة قولوا لنا حاجة تفيد الناس اتكلموا ازاي نرقي المجتمع؟! وللأسف المثقفون ثلاثة أرباعهم ماشيين في السكة دي؟ هل قضيتي أني أشوف أكل الجراد حلال ولا حرام؟ الدنيا مولعة حولينا والسيد وزير الزراعة طالع يقول لنا فيه ثلاث طرق لأكل الجراد، يامقلي يامشوي يامسلوق، طيب أنا عايز اسأله ممكن أكله بانيه؟! الإصلاح قادم ويجب أن نهييء الناس له لأنه لا يوجد حل آخر. · من أصدقاؤك من المثقفين؟ - أغلبها مجرد صداقات عابرة وفي المقابل هناك مجموعة قليلة استمتع بقراءتهم ومتابعة إنتاجهم والأستنارة بآرائهم.. أذكر منهم سيد القمني وحسن حنفي وسعيد عشماوي مع حفظ الألقاب والمقامات. وحاليا تربطني صداقة متصلة بسيد القمني وأتابع مقالاته وتعجبني جرأته ودخوله في الممنوع وتجاوزه للخطوط الحمراء، وتكسير للتابلوهات، وأخشي عليه أحيانا من ردة الفعل، واتصل به بعد كل مقال لأطمئن أنه بخير فالردة المتفشية في المجتمع الآن لا تبشر بخير. ردة حضارية · شايف إن المجتمع المصري في حالة ردة؟! - طبعا ومن السخف أن تكون هذه أفكارنا في عام 2005 بعد ما العالم وصل لهذه المرحلة من الحضارة الأساتذة العباقرة الذين يحرمون كل شيء ويرون الحياة سوداء وكلها كفر وانحلال وحرام ويصدرون فتوي كل ساعتين تسببوا في حالة من الانغلاق الفكري والانعزال عن العالم. أنا متألم جدا للحالة التي أصبحنا عليها ولا نستحقها أبدا قاعدين نقول الموبايل حرام والستالايت حرام والإنترنت بدعة لغاية لما بقينا في ديل العالم ونستورد كل شيء من الصين، كل البضاعة الموجودة في السوق صنع في الصين مع ملاحظة أن ثورة ماوتس تونج في الصين كانت عام 49 يعني قبلنا بثلاث سنوات فقط ويومها قال إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة وقطعوا الطريق بالفعل ومازلنا نتعثر في أول خطوة. المجتمع المصري لم يتحمل اجتهادا لعالم فاضل اسمه نصر أبو زيد فأهدروا دمه وهججوه من البلد في حين يرحب ويصفق لاجتهادات زغلول النجار التي تغيب العقل. والحل في أن نفصل الدين عن الدولة دولة مسلمة مثل ماليزيا أصبحت من النمور الاقتصادية لأن الناس هناك نظروا للعمل علي أنه عبادة مثله مثل الصلاة والزكاة والحج. حسرة علينا .. جاء اليوم الذي نتمني فيه أن نكون مثل ماليزيا وليهنأ أصحاب الفضيلة الذين تركوا كل الفساد الموجود في المجتمع وتعلقوا برقاب فيلم بسيط اسمه «بحب السيما» وكفروا أصحابه وجرجروه إلي المحكمة.ما يحدث هو نوع من الكوميديا السوداء. يرحم الله أيام الملكية عندما كانت الحرية في أبهي تجلياتها وكان في إمكان أصحاب الأقلام أن يقولوا وأن يمسحوا البلاط بأكبر شنب في البلد، ويجمع المؤرخون علي أن سنوات الأربعينيات كانت فترة الحرية الذهبية في مصر. تراجعت الحرية مع ثورة يوليو وأصبح علي صاحب الرأي أن يدفع ثمن حريته، إما في المعتقلات أو بالنقل إلي شركة «باتا» مع تعليمات مشددة بألا يحولوا رواتبهم للبنوك حتي يشعروا بالمهانة في طابور الخزنة أول الشهر. · سؤال افتراضي يحتاج إلي خيال فنان .. ما شكل البلد إذا لم تقم ثورة يوليو؟! - سؤال صعب .. لكن اتصور أن احوالنا كانت ستصير للأفضل مع التطور الطبيعي اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. يكفي أن الذين كانوا سيتولون شئوننا من المدنيين لابسي الكرافتات وليسوا من العسكر. · ويكفي أن ثروة آل فهمي كانت ستبقي في أيديهم بدون تأميم، ولا يضطروا للشحططة في المحاكم ربع قرن لاستعادة بعضها وأخرها قسم شرطة حلوان الذي بني علي أرض من أملاك جدك الباشا؟ - يكفي جدا .. «يضحك بصوت مرتفع». *** وفضلت أن ينتهي الحوار بضحكة .. خمن .. علي .. ولا عليك؟! القاهرة المصرية في 19 أبريل 2005 |