للكتابة عند أمين صالح (1950- ) وقع الثورات الناعمة التي
تخاصم العنف، وتنأى عن استعمال الأسلحة بأنواعها، إلا أنها
تحقق الغايات الجذرية نفسها للثورة المسلحة. أمين صالح، من
دون بيانات ضاجة ولا منشورات تصحبها جلبة، يشعل الثورة تلو
الأخرى في ميادين الكتابة، لا يشبه النص لديه نصًّا آخر،
ثورة مستمرة بلا هوادة، حتى وهو في عمرٍ، يُهادنُ عادةً
كبارُ الكتاب فيه ثوريتَهم ويتخلون عن قلق المغايرة،
فيركنون إلى الدعة والطمأنينة، إلى ما سبق أن حققوه في
سالف أعوامهم.
هو ثائر في الكتابة، على الجماليات السائدة. ومتمرد حين
ينحاز لا إلى قيم السرديات المتجاوزة والكتابة على التخوم
فحسب، إنما أيضًا إلى الإنسان البسيط في عذاباته ومواجهاته
اليومية مع قوى البطش المتنوعة. يجنح صاحب «أغنية ألف صاد
الأولى» إلى كتابة تبدو غير معنية بالصدام مع الواقع
وسلطاته، لكن مع قليل من التأمل، يكتشف المتلقي أن صاحب
«الطرائد» لم يغادر هذه المنطقة، منطقة الصدام والمشاكسة
والاستشراس حتى، بيد أنه يختار طرائق وأساليب وممكنات
سردية، سيصعب معها الوقوع، على ما تعودنا الوقوع عليه
بصورة مباشرة في كتابات لها الهدف نفسه، صياغة موقف جذري
من العسف، الذي يجري على الإنسان وهو يصارع أقداره وحيدًا.
يستعمل مترجم «النحت في الزمن»، السينما، بتقنياتها
المذهلة، يوظف الشعر بكثافته وتجريده، يفجر الطاقات
الكامنة في السوريالية، يذهب إلى مناطق غير مأمولة في
جغرافيا اللغة، ليبتكر نصًّا فريدًا بالمعنى العميق
للكلمة، نصًّا ما إن تقرأه حتى تتأثر به، والتأثر هنا لا
يعني الكتابة على منواله والتماهي معه، إنما في عدوى
الذهاب بعيدًا في المغامرة، واقتراف كتابة تبتعد من
المتداول، وتوسع من حدود النص وتحوله إلى مختبر للتجريب،
الذي لا ينتهي عند شكل معين.
شيّد صاحب «ترنيمة للحجرة الكونية» كتابة تقوله هو نفسه
وترسم صورة لا ينقصها الوضوح له، ثم آثر ككاتب ومبتكر لهذه
الحيوية النصية، الانسحاب كشخص، مكتفيًا بصمته وبمقاومته
لحمى الإعلام التي تجتاح الجميع، كأنما الحضور في الأضواء
لا يليق به. دومًا، ينحاز أمين صالح، في الكتابة والسينما،
إلى ما يتخطى المختلف، الذي ألفنا اختلافه، إلى الفريد
والعصي، إلى ما يحتاج مقادير من الصبر، وحصة كبيرة من
المعرفة المركبة، لاستيعابه وتفهمه.
روائي، شاعر، مسرحي، قاص، ناقد سينمائي، مترجم، كاتب
سيناريو، تتعدد الأنواع الأدبية التي خاض غمارها صاحب
«ندماء المرفأ، ندماء الريح»، وصنعت منه ظاهرة متفردة في
راهن الكتابة العربية.
«الفيصل» تحتفي بالكاتب البحريني الكبير أمين صالح، بتقديم
عدد من الإضاءات والشهادات، كتبها مبدعون ونقاد عرب. |