·
عماد حمدي... موهبة فذة لم تلق تقديراً يليق بها
لا أذكر كم عدد المرات التي تساءلت عن حالة النجم الراحل عماد حمدي (24
نوفمبر تشرين الثاني 1909)، فكيف لموهبة بهذا الحجم أن لا تحصل على التقدير
الذي يليق بها...
عندما كان كانت يجلس إلى جوار والدته التي كانت تهوى الرسم والموسيقي، حيث
أدرك أن اللحن يبدأ من جملة موسيقية تتصاعد حتى تصل إلى الكمال، وأن اللوحة
تبدأ من ضربة فرشاة...
قدم عماد حمدي العديد من الأفلام الرومانسية، والأفلام الخفيفة التي كانت
تتماشى تماما مع طبيعة المرحلة السينمائية والموجات والمدارس التي كانت
تظهر وتتشكل في هذا التوقيت.. كان يدرك جيداً طبيعة المراحل التي تمر بها
السينما ونوعية الأفلام التي يشارك فيها، من سينما واقعية إلى سينما
رومانسية واستعراضية، وصولا إلى الواقعية الجديدة التي معها اكتملت موهبته
وتألقت منذ أن بدأت ملامحها في الفيلم المميز والفريد في تاريخ السينما
المصرية "السوق السوداء".
لم تكن ملامح حمدي تحاكي ملامح نجوم السينما المعروفون في هذا التوقيت من
عيون ملونة، وبشرة فاتحة وشعر ناعم، بل كانت بشرته سمراء وعيونه غارقة في
السمرة وشعره أجعد، إلا أنه كان يمتلك طيفاً من كلارك جيبل بشاربه الرفيع..
فجأة وجد نفسه يقف أمام النجمات الكبار ويشاركهن البطولات نجم أول وفتي
للشاشة يحصد الإيرادات.
ورغم أن بدايته مع البطولة المطلقة جاءت مع فيلم "السوق السوداء" عام 1945
للمخرج كامل التلمساني الذي رأى في عماد حمدي بطلاً لفيلمه بسبب ملامحه
المصرية الأصيلة، إلا أن عدم تحقيق الفيلم للنجاح الجماهيري رغم الحفاوة
النقدية كان سبباً في أن يفكر عماد حمدي في الاعتزال، ولكن ما تعلمه من
والدته جعله يعيد التفكير في خطواته المقبلة وعرف أن الانتشار وصنع قاعدة
جماهيرية أمر مهم، لذلك دخل تجربة أخرى بفيلم "دايماً في قلبي"، والذي نجح
فيها بشكل كبير، وكانت البداية الحقيقية لانطلاقته الجماهيرية.
واصل حمدي مسيرته الفنية ومشواره الطويل والممتد الذي يحفل بالتنوع، وفي
لحظة ما ومع صعود نجوم وفتيان شاشة أخرون أدرك أن البوصلة يجب أن تتغير،
وبدأ في تقديم تجارب سينمائية متنوعة مع مخرجين من مختلف المدارس ووصل مع
هذه التجارب لمرحلة من النضج والأداء الفني العالي ومنها "الرجل الذي فقد
ظله"، و"خان الخليلي"، و"ميرامار"، و"ثرثرة فوق النيل"، و"المذنبون"، و"لا
تطفئ الشمس"...
لم يستسلم حمدي لنمطية الأداء بل دائماً ما كان يفاجئ الجمهور والنقاد
بأداءات متنوعة تعكس موهبة شديدة التميز.. من يقول إن الممثل الذي شاهدناه
يصول ويجول في " ثرثرة فوق النيل" هو حسين في "أبو العروسة"، أو "ميرامار"
وغيرها وصولا لقمة الأداء في "سواق الأتوبيس" مع المخرج عاطف الطيب.
إضافة إلى ما قدمه من أعمال لافته في المسرح والتليفزيون، فإن عماد حمدي
الذي فقد بصره قبل وفاته وعاش سنوات في الظلام ودخل في موجة اكتئاب، في ظني
لم يأخذ حقه من الاحتفاء والتكريم، فهو موهبة تمثيلية نادرة بحق. |