ملفات خاصة

 

>>>

01

02

03

04

05

<<<

14

<<<

 
 
 
 
 
 
 

عماد حمدي.. بين واقعيتين

 

بقلم: عصام زكريا*

 
 
 
 
 
 

ظهر عماد حمدي في لحظة تاريخية فارقة من عام 1945، من خلال فيلم "السوق السوداء" للمخرج كامل التلمساني.

نهاية الحرب العالمية، بما حملته من آلام وتحطيم للأوهام. مولد التيارات الواقعية في السينما.

انتشار الفكر الاشتراكي، وحركات العدالة الاجتماعية، واشتداد المقاومة ضد الاستعمار القديم (متمثلا في بريطانيا وفرنسا وغيرهما)، وكان التلمساني واحدا من شباب اليساريين المنادين بالواقعية في الفن، والفن من أجل المجتمع.

كان الجمهور المصري قد تشبع، ومل، من الأبطال والبطلات المستنسخين من نجوم هوليوود. وبات يبحث عن وجه "بلدي"، "طبيعي" يستطيع أن يتماهى معه، ويسقط أحلامه وتخيلاته بالقوة والشهامة والرومانتيكية عليه.

قبل ذلك بسنوات سبقه حسين صدقي بأعمال مثل "العزيمة" و"العامل"، مقدما صورة "المصري أفندي (عنوان أحد أفلامه)، لكنه لسبب أو آخر، لم يكن يتمتع بالجاذبية التي يتمتع بها عماد حمدي لدى جمهور تلك الفترة.

وجاذبية عماد حمدي لا تكمن في وسامته (مع كونه وسيما، بطريقته)، ولا فحولته (مع كونه نموذجا مثاليا لرجولة تلك المرحلة)، وإنما تكمن بالأساس في قدرته على إثارة تعاطف وعطف الجمهور. وقد وصفه الناقد الكبير كمال رمزي في مقال بديع له بصاحب الوجه الحزين. وحزن عماد حمدي من حزن فاتن حمامة، التي فتنت الجمهور واستدرت دموعه على مدار عشرات الأفلام، الكثير منها كانت تتقاسم فيه البؤس مع عماد حمدي!

يميل المزاج المصري، أو بمعنى أدق جزء أساسي منه، إلى الحزن والميلانخوليا، ويمكن إدراك ذلك بوضوح في الغناء والموسيقى ربما أكثر من السينما.

ليس هناك نجم في تاريخ السينما المصرية استطاع أن يثير شجن وحزن مشاهديه مثلما فعل عماد حمدي، وقد عمل طويلا وكثيرا حتى تجاوزت أعماله الثلاث مئة فيلم. وبالرغم من أنه استطاع لعب أدوار مختلفة مثل البطل المغوار أو الشرير أو المستهتر أو الأب القاسي أو المعلم، كما نجح، حين تم تنظيفه جيدا من قبل مخرجين بارعين، في أداء الأدوار الكوميدية، ونجح في كل ذلك ببراعة تبرهن على اتساع وثراء موهبته، إلا أن الصورة الخالدة التي تحتفظ بها ذاكرة السينما لعماد حمدي، وتميزه عن أي فتى أول آخر هي: صورة الطبيب المتعلم الطيب، الوفي لعائلته، المرتبط بأمه، هادئ الطباع، الحمول، المنحدر من أسرة متوسطة تجمع بين الثراء المعقول والتقاليد الريفية الأصيلة: حلم الطبقة الوسطى، التي سيكتب لها أن تسود، وتهيمن، منذ الخمسينيات وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تنهار تدريجيا، ويرصد انهيارها جيل الواقعية الجديدة في الثمانينيات، في أعمال مثل "سواق الأتوبيس"، الذي ينتهي بهزيمة وموت الأب عماد حمدي!

 
 

* ناقد سينمائي مصري

 
 
 
 
 
 
 

خاص بـ «سينماتك» في

 

01.08.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004