صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

80

79

78

77

76

 

"لا شيء يهمّ"

فيلمٌ فريدٌ عن عالمٍ يسير على نحوٍّ سيء

كتابة: صلاح سرميني

 
 
 

"لا شيء يهمّ" (Rien à foutre)، فيلمٌ بلجيكيٌّ فرنسيٌّ شارك في كتابته، وإخراجه إيمانويل مار، وجولي لوكوستر، وبدأ عرضه في فرنسا بتاريخ 2 مارس 2022، وفي بلجيكا بتاريخ 16 مارس 2022.

تدور أحداث الفيلم حول كاساندر، البالغة من العمر 26 عاماً، حيث أنها بعد وفاة والدتها في حادث سيارة، أدارت ظهرها لماضيها، تركت والدها، وأختها في مدينة Huy (بلجيكا)، وأصبحت مضيفة طيران لشركة منخفضة التكلفة، وبدأت تعيش حياتها يوماً بيوم.

كاساندر غير قادرة على إبراز نفسها في المستقبل، فهي، من خلال عملها، تنتقل من بلدٍ إلى آخر في رحلاتٍ جوية، وتقضي أوقات فراغها في السهر، والحفلات دون التفكير بمُستقبلها، وفيّةٌ لاسمها المُستعار Tinder /Carpe Diem الذي اختارته لنفسها من أجل اصطياد عشاقها المؤقتين الذين تعثر عليهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعية...

هي تعيش وجوداً حياتياً بدون روابط، في شكل اندفاعٍ متهوّر، والذي يبدو أنه يرضيها، ولكن، مع زيادة الضغط من شركتها، ينتهي الأمر بفقدان موطئ قدميّها، هل ستكون قادرة على مواجهة الألم المدفون، والعودة لمن تركته على الأرض؟

*****

كان إيمانويل مار، وجولي لوكوستر قد عملا معاً بالفعل في فيلم متوسط ​​الطول بعنوان D’un château l’autre  (من قصرٍ إلى آخر).

بدأ إيمانويل كتابة  Rien à foutre(لا شيء يهمّ)، وانضّمت إليه جولي في نوفمبر 2018

تتذكر جولي:

"فيما يتعلق بالإنتاج، كان اهتمامنا أن لا يبلعنا ثقل الإنتاج، وأن نحافظ على شكلٍ من أشكال العمل الحرفيّ/الصنايعيّ، والأشغال اليدوية، أيّ نعتمد على أنفسنا، وقدراتنا.

كان الهمّ الأكبر، بالنسبة لنا، هو كيف نحافظ على هذه الحالة الذهنية بينما يغمرنا الطموح؟

هذا يعني وضع السيناريو على مسافةٍ منّا، وعدم جعله مقدساً، واستخدامه كخطة عمل".

"كان من الواضح دائماً، حتى في ملاحظات النوايا، والتوجهات الدرامية، أن يكون السيناريو دليلاً، أو خيطاً أحمر، ولكن، ليس شيئاً ثابتاً، وأن الفيلم لن يكون مجرد تجسيد للسيناريو.

نحن لا نقدس العكس أيضاً: هناك مشاهد مكتوبة جداً، لحظات تتبع فيها السيناريو حقاً، لكننا مرتبطون بفكرة الكتابة أكثر من السيناريو".

*****

بدأت فكرة فيلم Rien à foutre(لا شيء يهمّ)، من صورةٍ مزدوجة.

الأولى، عندما وجد إيمانويل مار نفسه على متن طائرة تابعة لشركة Ryanair في الصف الأمامي، أمام مضيفة، وعند الإقلاع، لاحظ أنها كانت في حالةٍ سيئة للغاية.

يتذكر:

"ثم كان هناك "صوت جرس"، نزعت المُضيفة حزامها، وهنا بدأت الصورة الثانية، حيث أنها ابتسمت ابتسامة كبيرة، وبدأت في سحب عربة المشروبات، وعرض أشياء للبيع ...

كان التناقض بين هاتين الصورتين، وهذه اللحظة من الاستبطان، وهذا الحماس المهنيّ، قوياً، وأدى إلى سؤالٍ: ماذا تركت على الأرض، هذه الشابة، قبل أن تسافر إلى مسافاتٍ بعيدة؟

لاحقًا، عدتُ إلى هذا المشهد، وإلى لوحة Hopper والمُسمّاة، Ouvreuse (الفتاة التي تستقبل المتفرجين في صالات السينما، والمسرح)، وأردت كشف هذه الصورة المزدوجة".

في البداية، أراد إيمانويل ماري، وجولي ليكوستر أن يعهدا بدور كاساندر إلى مضيفةٍ جوية حقيقية (موّل صانعو الفيلم بناءَ على تلك الفكرة):

يشيران:

"لكن، كانت الممثلة أديل إكساركوبولوس في ذهننا دائماً، وعندما قررنا مقابلتها، شعرنا منذ اليوم الأول أن شيئاً ما كان له صدى معها.

أولاً، وجدنا على الفور أنها ليست نفس الفتاة التي نراها في المجلات، ثم حزنها، نوع الضيق الذي تنضح به، قدرتها على التقلب فجأة للعودة إلى حالتها الأولية في اللحظة التالية، أقنعنا كلّ هذا أنها يمكن أن تكون كاساندر".

مع Rien à foutre(لا شيء يهمّ) ، أراد إيمانويل مار، وجولي لوكوستر إنشاء فيلم حول شخصية تسعى جاهدة لخلق مسافة بهدف نسيان فقدان أحد الأحباء، ولكن، ينتهي بها الأمر بالتعامل معها، ومواجهتها:

"يمنحنا المجتمع العديد من الطرق لتشتيت انتباهنا عما يحركنا، ويتمّ وضع كل ذلك جانباً عند وصولها إلى بلجيكا.

هناك، تنتقل من هذه الحياة اليومية الخاطفة /المتشظية للغاية، حيث لا تعرف ما إذا كانت قد انقضت ثلاث ساعات من الوقت، ثلاثة أيام، أو ثلاثة أشهر بين مشهدين، مع إحساسٍ بالوقت يتدفق بسيولة، متوازن بشكلٍ جيد بين النهار والليل، ثم يصبح الفيلم أبطأ".

تمّ تقسيم تصوير Rien à foutre(لا شيء يهمّ) إلى فتراتٍ متقطعة لعدة أسباب، بدءاً من الحجر الصحيّ الأول.

تتذكر أ أديل إكساركوبولوس:

"عندما كنا نصور، استهلكنا الكثير من الوقت، غالباً دون أن نكون منتجين للغاية، ولكن، من المفارقات، أننا أيضاً كنا مستعجلين جداً، وكأننا في حالة طوارئ.

بدون إذن للتصوير، وبدون خطة عمل، ولم نكن نعرف مقدماً، وتماماً، ما سنقوم بتصويره، ومع من، كل هذا أجبرنا على أن نكون في الحاضر بشكلٍ كامل، في عجلةٍ من أمرنا.

التصوير في طائرة أثناء الطيران، هذا يفترض وقتا قصيراً، ومحدوداً، وخلال هذا الوقت كان علينا التقاط شيئاً ما.

الفيلم بأكمله عبارة عن قفزة في الفراغ، وللقفز في الفراغ الذي يجب أن تثق به".

قام المخرجان بالتصوير بصحبة فريق صغير جداً، مع طاقم مكوّن من أصدقاء، وممثلين محترفين، وجميع الشخصيات التي تمّ تصويرها فيما يتعلق بعالم شركات الطيران الرخيصة، مع الأشخاص الذين كانت تلك مهنتهم.

تشرح جولي لوكوستر:

"في الواقع، ليس من المنطقي التحدث عن ممثلين غير محترفين.

في  Rien à foutre(لا شيء يهمّ)، هم جميعا ممثلون، يعرفون جيداً أنهم يلعبون دوراً، والفرق الوحيد هو أن لديهم أيضا وظيفة، وخلال التصوير، سواء أكان محترفاً، أم لا، فالجميع على قدم المساواة".

التقى إيمانويل مار، وجولي لوكوستر بالعديد من الأشخاص العاملين في شركات الطيران الرخيصة، على الرغم من ظروف العمل، والأجور البائسة، فهي وظيفة تجعل الناس دائماً، يحلمون، ولا يوجد نقص في طلبات الحصول على هذه الوظيفة.

يؤكدان:

"لقد تعلمنا الكثير عن الظروف المعيشية للمُضيفات، فهنّ صغيراتٍ جداً، يأتين من جميع أنحاء أوروبا، وأكثر، فأكثر من البلدان الشرقية، وغالباً ما يعشن في مجتمعاتٍ صغيرة من كل الجنسيات، في شققٍ مشتركة بالقرب من المطارات".

"هم دائماً خارج الزمن، تمنحهم الشركات جدول عمل أسبوعيّ، وهكذا يكتشفن وجهاتهن، كنا نهتمّ بضياع الشخصية في لا زمان، وبين لا أماكن.

إنها حياة عرضية/فصلية/متسلسلة: في اللحظة التي تغلق فيها باب الطائرة، تنفصل المضيفة عن كلّ شيء في حياتها".

"يتردد صداها مع إيماءة " ا swipe "، هذا التنبيه الذي ينقلك في تطبيق المواعدة من اجتماع محتملٍ إلى آخر.

ومع حقيقة أنه عندما سُئلت كاساندرا عن المدة التي عملت فيها، أجبرت على إلقاء نظرة على جدولها الزمني في تطبيق Instagram".

*****

يقدم موقع Allociné علامة إعجاب بمتوسط ​​3.9 / 5 تحققت من مجموعةٍ مكوّنة من 30 عنوانًا للصحافة.

الصحافة بشكلٍ عامّ إيجابية للغاية، مع استثناء ملحوظ من صحيفة Le Figaro، حيث كتبت ناقدها:

 "المُحصلة، فيلمٌ (طويلٌ) لا نهتمّ به حقاً، سوف نبقى مهذبين".

بالنسبة لمجلة ماريان:

"على الرغم من طوله، وتصنّعه، هو فيلمٌ فريدٌ عن عالمنا، وهو يسير على نحوٍّ سيء".

في Cahiers du cinema ، كتب ماتيو ماتشيريت:

"يعتمد مار، ولكوستر على مصطلحات الواقعية المُفرطة التي هي أكثر أهمية، لأنها تتجاوز موقف الشجب البسيط، لفهم الإحداثيات ذات الوجهين للمٌعاصر: الإغراء والفظاظة، التردد، والربحية، العبودية، واللامبالاة، الحضور الزائد، وغياب الذات".

*عُرض الفيلم في أسبوع النقاد الدولي في مهرجان كان السينمائي 2021.

بول شاريتس

بول جيفري شاريتس، مخرج أفلام تجريبية أمريكيّ، (وُلد في 7 فبراير عام 1943 في دنفر، وتوفيّ في 8 يوليو عام 1993 (عن 50 عاماً) في بوفالو)

يرتبط اسم بول شاريتس بالحركات الفنية الطليعية، وهو أحد شخصيات السينما البنائية، جنباً إلى جنبٍ مع توني كونراد، هوليس فرامبتون، ومايكل سنو.

كما كان مرتبطًاً بحركة Fluxus ، والتي أنجز فيها عدداً من الأفلام ( Fluxfilms).

في عام 2015 خصص المخرج الكندي فرانسوا ميرون فيلماً وثائقياً للمخرج بعنوان "Paul Sharits" صدر في قرصٍ مُدمج عن طريق الشركة الفرنسية Re: Voir Vidéo  ، وفيه يقدم كلّ من العمل السينمائي، والتشكيلي، وكذلك المشكلات النفسية للفنان التي قادته إلى تشكيل كتابة عدوانية داخل الطليعة الأمريكية في الستينيّات، والسبعينيّات من القرن الماضي من خلال استخدام الوميض مع نبضات الألوان على صورٍ مزعزعة في بعض الأحيان مثل جراحة عين، ومشاهد مضاجعة في T,O,U,C,H,I,N,G أحد أكثر أفلامه الرمزية، وتمّ التعليق عليه في الفيلم الوثائقي، من قبل شخصياتٍ مختلفة من عالم الفنون.

 

T,O,U,C,H,I,N,G

 فيلمٌ قصيرٌ مدته 12 دقيقة من إخراج Paul Sharits في عام 1968 يستخدم العديد من الاستراتيجيات المميزة لحركة الفيلم البنائيّ، بما في ذلك الإطار الثابت، وتأثيرات الوميض، والإطارات/الكادرات الخاطفة، والسريعة جداً، والتكرار الصوتي، والمرئي المستمر.

يتكوّن شريط الصوت حصرياً من نطق صانع الفيلم لكلمة "تدمير/ Destroy" مراراً، وتكراراً حتى تبدأ الكلمة في فقد معناها، وتخلق انطباعاً بوجود مجموعاتٍ مختلفة من الكلمات التي يتمّ نطقها.

على عكس العديد من الأفلام التي تحركها الخوارزميات بوضوح لحركة الفيلم الإنشائي، لا يتبع T,O,U,C,H,I,N,G  سلسلة من التحول الرياضي فحسب، لكنه ينشر مجموعاتٍ من المؤثرات الصوتية، والمرئية لإثارة ردود فعلٍ عاطفية، ونفسية لدى المشاهدين.

سينماتك في ـ  15 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 28.04.2022

 

>>>

80

79

78

77

76

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004