صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

85

84

83

82

81

 

Fog Line

خطّ الضباب

ترجمة: صلاح سرميني

 
 
 

Fog Line (أو خطّ الضباب)، فيلمٌ تجريبيٌّ قصيرٌ، وصامتٌ من إنتاج عام 1970 أخرجه السينمائيّ لاري جوتهايم، يُظهر منظراً ريفياً مع ضبابٍ يتلاشى ببطء.

تصبح الأشكال المرئية بشكلٍ خافتٍ للمناظر الطبيعية أكثر وضوحاً على مدار الفيلم.

لقطةٌ واحدةٌ ثابتةٌ لمدة 11 دقيقة لمنظرٍ طبيعيّ ريفيّ.

في بداية الفيلم، يحجب الضباب الكثيف الرؤية، تعبر مجموعتان من خطوط الهاتف إطار الصورة، تقسمها تقريباً (ومنها جاء العنوان).

على مدار الفيلم، يتلاشى الضباب تدريجياً، ويكشف عن أشكالٍ مختلفة في هذا المجال.

تنتشر العديد من الأشجار في جميع أنحاء المنطقة، يدخل حصانان في الإطار، ويرعيان عبر الجزء السفليّ من الصورة، ويطير طائرٌ عبر الحقل.

*****

بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة يالي، انتقل جوتهايم إلى جامعة بينغهامتون في نيويورك.

صوّر الفيلم بالقرب من منزله هناك، اختار تصوير جزء من الريف تمرّ خلاله الخيول في الصباح.

درس المنطقة لأشهرٍ، وصوّرها عدة مراتٍ، استخدم جوتهايم عدسةً طويلةً للتصوير.

عُرض الفيلم في مهرجان نيويورك السينمائي عام 2005، وفي عام 2008 تمّ تحويله إلى نظامٍ رقميّ لإدراجه في مجموعة أقراص DVD تحت عنوان:

 Treasures IV: American Avant-Garde Film ، 1947-1986.

وصف الناقد ديف كير الفيلم بأنه "واحدٌ من أكثر الأفلام الطليعية جمالاً بشكلٍ مخيف".

وأشار المخرج بول شريدر إلى أن ذلك "يوضح مدى سحر الانتظار".

*****

يتحدث السينمائيّ لاري جوتهايم عن فيلمه:

"يتلاشى الضباب في المشهد، بالنسبة للمُشاهد اليقظ، يمكن أن يتلاشى الضباب العقليّ أيضاً، لا ينتقل من الأبيض إلى الوضوح الكامل، إنه يعرض فقط جزءاً من الوقت، وجزءاً من سياقٍ في المشهد، وفي ذهن المُشاهد، الصورة بأكملها تتغير ببطء، السماء، الأرض، وما هو على الحواف.

السمات الرئيسية هي الأشجار الثلاثة، والأسلاك، ترتفع الأشجار هناك، تُظهر كيانها، لديها شكلٌ ناعمٌ بدون مخططٍ تفصيليّ، خطوط الأسلاك شيءٌ آخر، إنها أقرب إلى التخطيط من الرسم، العقل المُسيطر بدلاً من الخيال.

من خلال عملي تتوضح الآثار المترتبة على هذا التباين، هناك شيءٌ أثيريٌّ شبحيّ، المُشاهد مدعوّ لاستكشاف الشاشة، والنظر هنا، وهناك، كلّ واحد من المُشاهدين يسلك مساراً بصرياً مختلفاً، أولئك الذين يتضمّن مسارهم الدخول في المُستحلب الذي تتكوّن منه دعامة الفيلم، يُكافئون بمشاهدة خيول الأشباح، أول الحيوانات في أفلامي.

*****

يقول السينمائي الأمريكي جوناس ميكاس عن الفيلم:

"إنه فيلمٌ قصير، ولكنه مثاليّ".

أما السينمائي الأمريكي توني كونراد، فيقول:

"الاستعارة في FOG LINE موظفةٌ بدقةٍ لدرجة أنني أجد نفسي أتراجع في اتجاهاتٍ عديدة لاكتشاف مصدرها".

 

بينما كتب الأكاديمي الأمريكي ريمون فويري عن الفيلم:

 FOG LINE هو قطعةٌ رائعةٌ من الفنّ المفاهيمي، يقف على حافةٍ رفيعةٍ بين الروح، والحكمة- لحنٌ يختلف فيه كلّ إطارٍ حرفياً عن كلّ إطارٍ سابق (نظراً لأنّ الضباب يتلاشى دائماً)، والعناصر المختلفة من التكوين - الأشجار، الحيوانات، النباتات، السماء، والأهمّ من ذلك، مُستحلب الشريط الفيلميّ، حبّيبات الفيلم نفسه - تستمرّ في اللعب مع بعضها البعض كما تفعل النوتات الموسيقية.

تساهم جودة الضوء - نغمة الصورة نفسها - في الغموض، والإثارة اللذين يتكشفان، وتلاشي الضباب، وتدفق الفيلم، داخل تركيبةٍ ثابتة، ومع ذلك، في إطارٍ حركيّ مائع، وديناميكيّ، وحازم.

 

وفي مجلة Film Culture كتب السينمائي الأمريكي باري جيرسون:

إنّ كمال بعض الأعمال السينمائية يمنحها مظهراً من التكتم، والبساطة، يبدو أن تعقيدها دقيق، وملائم لدرجة أنها تركت نفسها تتكشف بسلاسة -- وتأسرنا بشكلها - شكلٌ يعكس توازناً متناغماً بين العديد من الاهتمامات الجمالية.

يُعدّ فيلم لاري جوتهايم أحد هذه الأفلام.

الاهتمام بحافة إطار الصورة، والتفاصيل المعزولة، والأهمية المُعطاة للإطار كشكلٍ، وإظهار ما هو على الحافة، وحبه لملمس الدعامة الفوتوغرافية (الطبقة الحسّاسة لشريط الفيلم)؛ يتمّ التعامل بوعيّ مع كلّ هذه الجوانب من الفيلم.

تذهلنا هذه الصور الرائعة: حساسية غوتهايم الشعرية للصفات الجوهرية للصورة الفوتوغرافية، واستخدامه الدقيق، والصارم للإطار يحوّل المنظر الطبيعيّ، ويعزل، ويلفت انتباهنا إلى الجمال الذي ظلّ مخفياً حتى الآن، والتي تكشفها لنا نظرته الانتقائية للغاية.

محاضرات في سيناريو الفيلم الروائي القصير

د. فدوى ياقوت

 

أنواع البناء في الفيلم القصير:

"سيناريو الفيلم السينمائي هو فنٌ معماريٌّ أكثر منه أدبيّ" على حدّ قول إيليا كازان، فأيّ فيلم يقوم على شخصية داخل عالم يمكننا فهمه، تواجهها مشكلة ما، فتحاول حلها.

والبناء بالنسبة للسيناريو هو العمود الفقري، والأساس الذي يتمّ به بناء القصة داخل الفيلم، إنه علاقة الجزء بالكلّ، والعناصر الدرامية التي تنتظم معاً داخل الشكل، الذي يتمّ به حكيّ قصة الفيلم، فإذا كانت القصة هي عبارة عن الإجابة عن سؤال "ماذا حدث"، فإن البناء هو الإجابة عن سؤال "كيف".

ورغم الحرية التي يفترض أن يتمتع بها الفيلم القصير كشكل إبداعي، لا يخضع لشروط التيار السائد في اختيار طريقة بناءه، فإنه من المهم أن يختار الكاتب البناء الأمثل لفيلمه، نظراً لأهمية البناء، وتأثيره على كيفية حكيّ القصة.

ويقترح باتريك ناش – هنا - بناء على خبرته كعضوّ في لجان المشاهدة، والاختيار بمهرجان فويل السينمائي Foyle Film Festival بإيرلندا ثلاثة أنواع لبناء الفيلم القصير*:

بناء "النكتة"    The "Joke" structure

البناء التقليدي ثلاثي الفصول  Traditional three act structure

الأفلام التجريبية  Experimental films

 

فئة الفيلم القصير

زمن الفيلم

نوع البناء

الفيلم القصير جدا

Short-short

زمن الفيلم≤ 5 دقائق

بناء "النكتة": تأسيس/ نتيجة

The "Joke" structure:

set-up/payoff

بناء ذو فصلين

الفيلم القصير التقليدي

 Conventional short

10 - 12  دقيقة

بناء تقليدي ثلاثي الفصول

Traditional three act structure

الفيلم القصير المتوسط

Medium short

20 - 25 دقيقة

الفيلم القصير الطويل

Long short

30 دقيقة ≤ زمن الفيلم

 

بناء "النكتة"    The "Joke" structure: Set-up/Payoff

بناء "النكتة": تأسيس / نتيجة هو البناء الذي يستخدمه عادة فنانو الكوميديا المباشرة   stand-up لإلقاء النكات، حيث تتكوّن النكتة كوحدةٍ من وحدات الخطاب السردي من مكونين أساسيين: الأول هو البدء بتكوين توقع ما في المرحلة الأولى، أو Set-up، والثاني هو الحدّ المثير للضحك، أو The Punchline، والذي يرتبط بحدوث الدهشة نتيجة لوقوع أمر انتهك حالة التوقع السابقة، أو غير مسارها بطريقة غير متوقعة.

هذا النوع من البناء هو الأكثر شيوعاً في "الأفلام القصيرة جداً"، التي تصل مدة عرضها إلى خمس دقائق، أو أقل، والتي لديها وقتاً قليلاً، أو لا يوجد لديها وقتاً لتطوير الشخصية، أو القصة، والتي يجب عليها أن تبدأ بسرعة في الفصل الأول في التأسيس لمشكلة، أو موقف، أو معضلة محورية بسيطة سهلة الفهم، والتي عادة ما تكون واحدة، حيث يجب أن تتعامل الشخصية بسرعة مع هذه المشكلة، وتأتي النتيجة، التي هي ذلك الجزء المضحك في حالة النكتة punchline ، أو الذروة، أو الطريقة التي يتمّ بها حلّ الموقف قرب نهاية الفصل الثاني في الفيلم.

حيث تتعامل هذه الأفلام عادةً مع لحظة زمنية واحدة، وتتحرك بإيقاع زمني سريع، ونادرًا ما تصل سيناريوهات هذه الأفلام القصيرة لأكثر من بضع صفحات، ويميل الحوار فيها إلى حدوده الدنيا.

ولا يشترط أن تكون الأفلام التي تستخدم بناء "النكتة" أفلاماً كوميدية بالضرورة، حيث يمكن أن يناسب هذا البناء العديد من الأنواع الفيلمية المختلفة.

وقد تكون النتيجة خاتمة قصة أخلاقية، أو موضحة لحكمة، أو أمثولة ما، ويعتمد نجاح هذه الأفلام غالبًا على مفاجأة، أو نهاية غير عادية، أو غير متوقعة، أو غريبة غالبًا ما تكون تطوراً مفاجئاً.

فعلى سبيل المثال، في فيلم "فردة شمال" (2015) إخراج ساره رزيق، والذي يبلغ زمن عرضه الكلي 6.24 دقيقة، ومن ثم فإنه يقع في النطاق الزمني ما بين الفيلم القصير جداً، والفيلم القصير التقليدي، وإن كان أقرب في الزمن إلى الفيلم القصير التقليدي.

يبدأ الفيلم أولاً في بداية الفصل الأول بتحديد الزمان، والمكان منذ اللقطة الأولى التي تسبق العناوين، والتي تعرض جرس محطة القطار، وساعتها المميزة جداً التي تقترب عقاربها من الساعة الثانية عشر، ثم ننتقل إلى اللقطة التالية التي تكشف أن الوقت نهاراً، فتكتمل المعلومة بأن الزمن يقترب من الظهيرة، وتقدم هذه اللقطة الشخصية الرئيسية في الفيلم الطفل "بائع المناديل" الفقير بهيئته البائسة، وقدميه الكالحتين، وتعرض مشكلته المتمثلة في فردة نعله اليمنى الممزقة، والتي لا أمل في إصلاحها، والتي تعتبر هنا الخطاف The Hook الذي يجذب به الفيلم انتباه المشاهد لمتابعة كيف ستقوم الشخصية بالتغلب على مشكلتها.

ثم يقدم الفيلم في الدقيقة 1.18 الشخصية الثانية في الفيلم، التي تتمثل في الطفل ميسور الحال المهتم بحذائه الجديد لدرجة القيام بتلميعه طوال الوقت، حيث يظهر حذاء الطفل الأسود اللامع، وجوربه الأبيض القصير النظيف، وقدماه الصغيرتان، اللتان تتناقضان مع قدميّ الطفل الفقير، وسط طوفان الأقدام، والأحذية لرواد محطة القطار، ويظل ذلك الحذاء الأسود هو الشغل الشاغل للطفل صاحب العين الساردة في الفيلم، فلا نرى ملامح صاحب الحذاء إلاّ في الدقيقة 2.16 من الفيلم، ثم ينتهي الفصل الأول من الفيلم في الدقيقة 2.39 بحدوث الحدث المحفز Catalyst في الفيلم، ألا وهو انزلاق فردة الحذاء اليسرى من قدم الطفل الذي يحاول اللحاق بالقطار الموشك على التحرك وسط الزحام رغماً عنه، وسقوطها على رصيف المحطة.

ببداية الفصل الثاني الذي يستغرق دقيقتين تقريباً، يبدأ الصراع في التصاعد، حيث يجد الطفل الفقير بطل الفيلم جزءاً من حلمه قابعاً أمام عينيه على رصيف المحطة، فتتنازعه رغباته، وصراعه الداخلي لنحو 23 ثانية، هل يحتفظ بتلك الفردة اليسرى لنفسه؟ أم يعيدها لصاحبها؟ وسرعان ما تنتصر الرغبة الطيبة على الرغبة الأنانية، ويسرع الطفل الفقير راكضاً خلف القطار في صراع ظاهر غير متكافئ مع الآلة/القطار، يستغرق نحو 32 ثانية أخرى في محاولة منه للحاق بالقطار، وإعادة فردة الحذاء لصاحبها، وبالفعل يلقي بالفردة في لحظة الذروة في الدقيقة 3.40 في محاولة أخيرة منه لإعادة الفردة للطفل الآخر، لكن محاولته تفشل، وينهزم أمام القطار، أو طرف الصراع الأقوى، ويشعر بالعجز أمام فشله، لكن الفيلم ينتهي بمفاجأة غير متوقعة، تغير الأحداث، حيث يخلع الطفل الآخر الفردة اليمنى، ويلقي بها للطفل الفقير، الذي يفاجأ بحلّ مشكلته، وتحقق حلمه البسيط بطريقة لم يكن يحلم بها.

وكما نلاحظ، فإن فيلم "فردة شمال" قد التزم ببناء "النكتة" القائم على فصلين، وعلى الرغم من أن الفصل الأول في فيلم "فردة شمال" أكثر طولاً من الفصل الثاني، حيث يبلغ  2.39 دقيقة في حين يبلغ طول الفصل الثاني نحو دقيقتين فقط، وهو الأمر الوارد حدوثه -غالباً- في الأفلام القصيرة جداً، فإن الفيلم قدم شخصيته الرئيسية، وأسس لمشكلة البطل بسرعة، ومنذ اللحظة الأولى، ثم دفع ببطله في صراعين أحدهما داخلي، والآخر خارجي، ثم أنهى أحداث الفيلم بمفاجأة غير متوقعة أشبه بمكافأة للبطل، الذي انتصر جانبه الطيب، فحقق القدر له حلمه البسيط، وذلك مع أدنى استخدام ممكن للحوار الدرامي، حيث اعتمد شريط الصوت في الفيلم بالكامل –تقريباً- على الموسيقى باستثناء جملة واحدة وجهها والد الطفل صاحب الحذاء لابنه، لكي ينهض كي يلحقوا بالقطار، وهو الأمر الشائع في توظيف بناء "النكتة" كما سبق وأشرنا.

* د. فدوى ياقوت

رئيس قسم السيناريو بالمعهد العالي للسينما - مصر


 

*  كما نلاحظ فإن باتريك ناش فعل نفس الشئ الذي فعله دان جورسيكس في تصنيفه لأنواع الفيلم القصير، فترك فجوات زمنية بين الحدود الزمنية الفاصلة بين الأنواع التي يقترحها للبناء في الأفلام القصيرة، فقد توظف الأفلام الواقعة في المنطقة الفاصلة بين الأكثر من خمس دقائق، والأقل من عشر دقائق بناء ثنائي الفصول، أو بناء ثلاثي الفصول تبعاً لطبيعة قصة الفيلم القصير، التي ستفرض طريقة بنائها بالضرورة.

 

سينماتك في ـ  15 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 02.06.2022

 

>>>

85

84

83

82

81

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004