صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

35

34

33

32

31

 

حزب الأشياء:

مصادفات الأحداث: باردو، وجودار

كتابة: هيرفيه بيشار

ترجمة: صلاح سرميني

 
   
 

مايو 1963: وصل المخرج الفرنسي/السويسري جان لوك جودار، وفريقه، ونجميّ فيلمه – بريجيت باردو، وميشيل بيكولي - إلى "كابري"(جزيرةٌ إيطالية) لتصوير مشاهد فيلمه "الاحتقار" في بيئةٍ مُذهلة، بين البحر، والصخور، في فيلا مالابرت.

***

عندما كان المخرج الفرنسي جاك روزييّه يُصوّر مراحل تصوير فيلم Le Mépris (الاحتقار) للمخرج جان لوك جودار في عام 1963، أخرج فيلميّن قصيرين متكاملين:

 Paparazzi (وتعني "المصورون الفضوليون").

Le Parti des choses : Bardot et Godard (مصادفات الأحداث: باردو، وجودار).

في الفيلم الأول، يبتعد عن طاقم تصوير فيلم (الاحتقار)، ويطارد المصورين الفضوليين الذين يجوبون التلال القريبة، وفي الفيلم الثاني، على العكس من ذلك، يصوّر مراحل تصوير فيلم (الاحتقار)، ويتعامل بجديةٍ أكبر مع فعل الإبداع، ويكشف عن الإيماءات اليومية للفنيين، وحركات الممثلين، وتوجهات المخرج، ويحكي عن التنظيم العشوائيّ الذي تقوده مصادفات الأحداث.

باردو، وبيكولي - اللذان يجسّدان ثنائياً حسّاساً، وهشّاً على غير هدى - يتخذان مكانيهّما، وينشغل فنيّو الإنتاج الإيطاليين بالترتيبات، وينسّق فريقا الصورة، والصوت فيما بينهما، ويُعلن أحد مساعدي المخرج عن بدء التصوير، ويبدأ جودار بتوجيه المخرج الأمريكي (من أصولٍ نمساويةٍ، وألمانية) فريتز لانغ باحترام.

فريتز لانغ، "الزعيم الهندي القديم"، "المُتحدث باسمّ الآلهة"، "الشخص الذي ينظر إلى الرجال" سيقول التعليق الصوتي الذي يبدو، طوال الفيلم، بمثابة التفكير المُشترك لجودار، وروزييّه.

تتساءل عن حصة الصدفة: "المثاليّ، بالنسبة لجودار، هو الحصول فوراً على ما يجب أن يكون الآن، وعلى الفور هذه تعني الصدفة وبالأن ذاته النهائيّ، ما يريده، هو النهائيّ بالصدفة".

هل سيكون لقصة الأوديسة هذه التي يرويها فيلم (الاحتقار)، ووجود فريتز لانغ تأثيراً على صانعيّ الأفلام من الموجة الجديدة المتواجديّن معاً؟

"سيقول الصوت أيضاً : "الكاميرا، هي أولاً، وقبل كلّ شيء، ألةٌ للتصوير، والإخراج هو أن تلتقط مصادفات الأحداث بتواضع ..."، جاك روزييّه، الذي كان مفتوناً بشكلٍ واضح بفريتز لانغ، وبريجيت باردو، هو مفتونٌ أيضاً بصديقه جان لوك جودار، يتبعه بتكتمٍ، ويتركه يعمل بحضور الآلهة (الممثلين النجوم)، أو بدونها، يتبع روزييّه بكاميرته كاميرا جودار، هذه المرّة، هو المصوّر الفضوليّ الذي يطارد أجهزة السينما.

بفضل كاميرا من نوع ميتشل، ومعدات تكنيكولور، جودار سوف يجعل بريجيت باردو تتسامى.

سيحدد التعليق أنه "منذ فيلمه الأول، (على آخر نفس)، كلّ فيلمٍ من إخراج جان لوك جودار هو وثيقة حقيقية مكرّسةُ للمرأة العصرية، غير منطقية، مهدّئة، متقلبة، مثيرة للسخط، ملكية، غامضة...".

إذا كان جزءٌ من الصدفة يصاحب السينما، في جميع الأحوال فيلم جودار، وبالتأكيد فيلم روزييّه، وذلك لأنّ أفلامهما تتغذّى باستمرارٍ بفكرٍ عن الحداثة، والحاجة إلى التفكير بشكلٍ مختلفٍ بالعالم، وإعادة صياغته.

ينتهز جاك روزييّه الفرصة لإعادة تعريف السينما، بفضل وجود ثلاث شخصياتٍ استثنائية، جودار وباردو، وفريتز لانغ، يجدون أنفسهم معاً في مكان تصوير تُضيئه شمس البحر الأبيض المتوسط.

هذا الفيلم القصير، المرآة اللعوبة لفكر جاك روزييّه، يشبه وصفه للمرأة العصرية: غير منطقي، مهدئ، غامضٌ، ملكيّ ...

حزب الأشياء: باردو، وجودار

جاك روزييه، فرنسا / 1963

مع بريجيت باردو، جان لوك جودار، فريتز لانغ، جاك بالانس، وميشيل بيكولي.

هيرفي بيشار، مسؤول عمليات الاقتناء، ومدير مشروع ترميم الأفلام في السينماتك الفرنسية.

النقد السينمائي العربي ما بعد المُؤسّسين

قبل استخداماتنا المُفيدة، والحمقاء للفيس بوك، كان الواحد منا يلتقي بالآخر في مناسبةٍ ما، ويقول له أستاذ...

اليوم، علّمنا الفيس بوك (ورُبما الثورات على الأنظمة الديكتاتورية) شكلاً من أشكال (الحرية) لم يسبق أن مارسناها من قبل، وهي، بأنه لسببٍ تافه، وأحياناً بدون سبب، ومراتٍ أخرى يخلق أحدنا أسباباً، ويضخمها، بدأ كلّ ناقدٍ عربيٍّ ينسف تاريخ الناقد العربي الآخر، ويشتمه علناً، ويُكيل له اتهاماتٍ لا علاقة لها بالنقد السينمائي، أو بمهنة كلّ واحدٍ منهما.

ما هو طريفٌ في الأمر، بأن جمهور/قراء الناقديّن يصفقون، ويعجبون، ويضحكون، وكأنهم يتابعون مباراة سباقٍ نحو الكواكب الأخرى، سلوكٌ لا يفعلونه أبداً في حال منشوراتٍ جدية، حيث أنهم لا يتوقفون عندها، أو يتجاهلونها لسببٍ لا يعلمه إلاّ الله.

الأكثر طرافةً، عندما تتفحص قائمة المُصفقين، والمُعجبين، تعثر على أسماء تتابع الطرفين، وتشيد بكتابات الطرفين حتى وإن كان أحدهما يكتب عن حالته النفسية قبل دخوله إلى الحمام، وبعد خروجه.

الأمتع في هذه المصيبة الأخلاقية، بأنك سوف تعثر في قائمة المُصفقين، والمُعجبين، والضاحكين على أسماء نقدية، وفنية لها وزنها في المشهد السينمائي، والتلفزيوني العربي.

هنا تفكرُ، وتحللُ، وتتساءل، وتحاول أن تجد أيّ مبرر مقنع... ولا تجد أكثر من سلوكياتٍ مجانية، أو بالأحرى من أجل بضع لايكاتٍ (اعجاب) زيادة.

الإمتاع الكليّ/اللذة، عندما تأتي مناسبة ما، وتشارك في لقاءٍ بين الطرفين، وتجد بأن الواحد منهما يقترب من الآخر، ويحضنه مع كلماتٍ كثيرة عن الحنين، والاشتياق، والتسابق على من سوف يعزم الآخر على غداء، أو عشاء.

الأمر طريفٌ للغاية، ومسلي بما فيه الكفاية، والخاسر الوحيد هنا هو (النقد السينمائي) الذي يتحوّل يوماً بعد يوم إلى مواضيع إنشائية، وبما أنها الكتابة المُسيطرة على المشهد النقدي العربي، فهي تتحول تلقائياً إلى مقياسٍ/معيارٍ للنقد السينمائي.

بينما 99.99 من النقاد العرب يعتقدون بأنهم أكثر عبقريةً من سيرج داني، وجان لوك جودار، وفرانسوا تروفو، وأندريه بازان...وفي مجال السينما التجريبية ـ التي لا يعرفون عنها شيئاً (رافائيل باسان، ونيكول برنيه..).

سينما الهوى، والحبّ، والذكريات

عوض القدرو /سورية

"زبال إفرنجي"، رُبما هو عنوانٌ غريبٌ، ولكنه حقيقيّ، كان يقوله بعض الارستقراطيين الذين كانوا يرتادون السينما.

حظي الجميل، وقدري الأجمل، أنّ والدي ـ رحمه الله ـ أعطاني زاداً لحياتي قد يكون الحسنة الوحيدة فيها، عرفتُ من خلاله أجمل حياة يمكن أن يتخيلها، أو يعيشها المرء.

كنت أسأله دائماً عن السينما فقط، وعن أصدقائه عمال صالات السينما، وموزعي الأفلام.

ذات يومٍ كنت أجلس بجانبه أمام باب سينما الأهرام في دمشق، فوجدت رجلاً اقترب مني، ووضع يده على رأسي، وقال لأبي:

ـ شو عم بتعلمه ها المرض (يقصد العمل في السينما).

ضحك أبي، وقال له:

ـ نحنا أيامنا ما رح ترجع.

وتحادثا قليلاً، وذهب الرجل، وظلت ابتسامة أبي موجودة.

سألته: من هذا الرجل؟

قال لي: هذا رفيقي من زمان، من أيام سينما الشرق (بيبلوس حالياً، موجودة في أول نزلة شارع رامي الذي يصل شارع النصر بساحة المرجة، وهي مغلقة حالياً).

وأكمل: هاد اتعرّف على زوجنه الحالية بالسينما، وتعذب كتير مع أبوها لحتى وافق.

 قلت له: كيف؟

قال: هو كان موظف بالسينما بيشتغل (بلاسور).

سألته: شو يعني بلاسور؟

أجابني: هو الرجل الذي يُجلس الناس في مقاعدهم المخصصة، وفي ناس بتقله عامل البيل، كونه يحمل بيلاً يضيء به للناس أثناء عرض الفيلم لكي يجلسوا في امكانهم عندما يدخلون بعد أن يبدأ عرض الفيلم.

وحكى لي الحكاية: كانت زوجته الحالية تتردد مع أهلها إلى السينما لحضور بعض الأفلام العربية التي كانت رائجة في فترة الخمسينيّات، والستينيّات، وبطبيعة عمله في السينما، حصل بينهما استلطاف، ونظرات، وأصبح موعد قدوم تلك الفتاة مع أهلها للسينما موعداً مقدساً لذلك العامل، ونشأت قصة حبٍّ جميلة بينهما، فكلم أمها التي كانت ترافق بناتها في الحضور للسينما، وأفصح لها عن رغبته بخطبة ابنتها، فرحبت الأم بذلك، وأعطته عنوان منزلهم، وتمّ تحديد موعد لخطبة البنت، وأخذ الشاب أهله، وذهبوا لخطبتها.

وفي جلسة الخطبة، سأل والد الفتاة هذا الشاب الذي يعمل في السينما عن عمله، وماذا يعمل في الحياة على اعتبار أن الأب لا يعرف طريقة تعارف الشاب بالفتاة.

فأجابه الشاب: أعمل بالسينما.

سأله الأب: شو عملك بالسينما؟

قال له الشاب بطريقةٍ فيها شيء من الزهوّ، والافتخار: (بلاسور).

قال له الأب: يعني بتقعد الناس على البيل.

وبخجل، أجابه الشاب: نعم.

فقال له الأب، وبدون أي خجل: لك ابني ليش هالفزلكة تبعك هي، خلص، قول انا بشتغل زبال أفرنجي.

هنا تدّخل والد الشاب: لا، شو زبال، ابني مو زبال.

فسأل والد الفتاة: انتو بس تطلع العالم من السينما، مو انتو يلي بتقعدو الناس بالبيل بتكنسوا، وبتنضفوا السينما منشان الحفلة الجاي تكون السينما نضيفة؟

فأجابه الشاب بخجل: نعم.

فقال له والد الفتاة: إي، معناتا انت زبال افرنجي، بتكنس جوا السينما، وماحدا بيشوفك....مالك نصيب عندنا يا ابني، روح.

وبالطبع، في اليوم التالي جاء الشاب للسينما، وحكى لأصدقائه ما حصل معه، وأصبح اضحوكة صالات السينما، حيث أن القصة انتشرت بين كلّ عمال صالات السينما في دمشق، وأصبحوا ينادونه "الزبال الافرنجي".

ولكن، لاحقاً تزوج من تلك الفتاة بعد أن أخذ صاحب السينما لبيت أهلها الفتاة كي يقنعهم، وفيما بعد، تعرفتُ على هذا الرجل، وكان قد تعلم مهنة العرض السينمائي، وأصبح عارضاً سينمائياً في سينما الأمير في دمشق مدخل طريق الصالحية، وتوفيّ في بداية عام 2010 بعد عام من وفاة والدي.

أستطيع القول، كانت صالة السينما أشبه بالرحم الذي يجمع العشاق على الشاشة من خلال الأفلام المعروضة، وعشاق على كراسي السينما.

جودار/ تارانتينو

مع أنّ المخرج الأمريكي كوينتين تارانتينو معجبٌ جداً بالمخرج الفرنسي/السويسري جان لوك جودار، حتى أنه أطلق على شركته عنوان أحد أفلامه Bande à part تحيةً له.

ومع ذلك، لم يتورّع جودار عن نعت تارانتينو بأبشع النعوت.

كان ذاك في مقابلةٍ معه بثتها إذاعة "فرنسا إنتر" عام 2014، حيث ردّ على الصحفي باتريك كوهين الذي ذكّره بأنّ كوينتين تارانتينو استخدم عنوان فيلمه Bande à part اسماً لشركته، فقاطعه جودار:

ـ نعم، ولم يدفع شيئاً.

سأله الصحفي :

- هل أنت مهتمٌ بتارانتينو؟

أجاب جودار ببرودٍ، وقسوة:

- لا، لا على الإطلاق، كما كان يُقال في القرن الثامن عشر؟ (يتذكر الكلمات) إنه نذلٌ، صبيّ مسكين (شخصٌ لا قيمة له، سطحيٌّ، ومتعجرف)، لكن، لم لا إذا كان سعيداً بما يفعل".

بالنسبة لي، أعتبرهما من نابشي قبور السينما.

سينماتك في ـ  02 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 22.08.2021

 

>>>

35

34

33

32

31

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004