صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

70

69

68

67

66

 

السينما التجريبيّة فجرٌ بلانهاية

أو

هذه السينما التي لا حدود لها......

كتابة: صلاح سرميني

 
 
 

هناك إجماعٌ على أنّ المكتبة العربية نحيفةٌ جداً فيما يتعلق بالكتب المُتخصّصة بالسينما، وحتى لا تُغطي كلّ الجوانب التاريخية، التقنية، النوعية، والجمالية.

السينما التجريبية، على الرغم من بداياتها في العشرينيّات من القرن الماضي، ورواجها، وتأثيرها على السينما، والمُنتجات السمعية/ البصرية، إلاّ أنها بقيت، وحتى وقتٍ قريبٍ، نوعية مجهولة، لا تتوافق مع أذواق الجمهور العربي، أكان جمهوراً عادياً، أو نخبوياًّ.

وكما هي غائبة عن المهرجانات العربية، ماعدا بعض الأفلام التي بدأت تتسرّب إلى الأقسام الرسمية، والمُوازية، إلاّ أنها شبه غائبة عن الثقافة السينمائية العربية، كتابةً، وتعريفاً، وتنظيراً.

وقد ساهم المحترفون أنفسهم من مخرجين، ونقاد في هذا التهميش، والتجهيل، إما لأنها لا تُناسب أذواقهم، أو لا يعرفونها أصلاً، ولم يهتموا بمُشاهدتها طالما أنّ كلّ اهتماماتهم تنحصر في متابعة المهرجانات السينمائية الكبرى التي لا تقدم هذه النوعية من الأفلام.

ومن هنا تتأتى أهمية التعريف، الترويج، التفسير، والتحليل لهذه السينما، حتى وإنّ اقتصرت على مبادراتٍ فردية ضدّ التيار، وضدّ الثقافة السينمائية السائدة.

والحقيقة، أنّ هذه السينما ليست ضدّ أحد، أيّ السينما السائدة، والمُسيطرة، لأنّها، ببساطة، سينما مُوازية، ومُتشابكة، ومُتعارضة بآنٍ واحدٍ مع السينما السائدة التي تتغذى من التجريب، بدون أن يدرك السينمائيون أنفسهم بأنهم ينهلون من ميراث السينما التجريبية التي سبقتهم في اكتشاف كلّ ما نشاهده في السينما المُسيطرة/السائدة.  

من البديهيّ إذاً أن يطمح هذا الكتاب/التجربة إلى ملء ثغرة في الثقافة السينمائية العربية، ومن البديهي القول، بأنه إضافة نوعية، ولكن، أفضّل الاعتراف بأنّ هدفي الأول هو رغبتي بمُشاركة الآخرين هذا الشغف لنوعيةٍ من الأفلام لم تصل إلى الجمهور العربي، ورُبما وصلت إلى البعض بفضل الأنترنت، ومنصات المُشاهدة، ولم يكن للعاملين في الثقافة السينمائية (النقاد) دوراً في إيصالها إلى هذا العدد المحدود، أو الكبير من الذي اكتشفوها، وتعرّفوا عليها، ويشاهدونها بطريقةٍ فردية، ورُيما يسألون أنفسهم، ويتساءلون فيما بينهم الأسئلة التقليدية :

ما هذه السينما، ماهي السينما التجريبية، ماذا تعني، ولماذا هي مختلفة تماماً عن التصنيفات الأخرى للأفلام.

وهذا ما يطمح الكتاب الإجابة عليه من بعض الجوانب التنظيرية، والعملية من خلال مقالاتٍ، ودراساتٍ، وتقارير، مترجمة، ومؤلفة، وأحياناً تختلط الترجمة بالتأليف بحيث تزول الحدود بينهما.

ولعلّ محتويات الكتاب/الفهرس المُبسّط يُظهر بشكلٍ عرضيّ، وطوليّ ما يتضمّنه، وقد بدأت بتمهيدٍ (اتٍ) بصيغة الجمع في محاولات شخصية للتقديم، والتعريف بالسينما التجريبية هي ليست أكثر من خواطر، وأفكار عن السينما التجريبية، وحولها، وطرحتُ السؤال التالي:

متى يكون الفيلم تجريبياً، ومتى لا يكون؟

إلى أن وصلتُ ـ عن عمدّ ـ إلى شعارٍ متناقضٍ، أو متداخلٍ، أو متشابكٍ تحت عنوان إشكالي:

تسقط/تعيش السينما التجريبيّة.

ومن ثم تخيرتُ بأن يبدأ الكتاب تدريجياً في القبض على السينما التجريبية، والإمساك بها بهدف تقريبها إلى القارئ/المتفرج أياً كانت ثقافته السينمائية، وهكذا استعنتُ بما كتبه الصديق الراحل مارسيل مازيه أحد أهمّ مناضلي السينما التجريبية، وترويجها، والذي لخصها بأنها سينما أُخرى، حرّة، ومُتحرّرة، وانتقلتُ مباشرةً إلى الدراسة الأكثر مرجعيةً عن السينما التجريبية، والتي كتبها الراحل دومينيك نوجيز عندما كان واحداً من أعلام منظري هذه السينما قبل أن يهتم بكتابة رواياته، ويرحل تاركاً ميراثاً مهماً لا غنى عن قراءته لكلّ من يريد أن يتعرّف على هذه النوعية من السينما، الطليعية بشكلٍ عامّ.

ومن التنظير إلى التجارب العملية، وتقديم أعمال سينمائيين تربطني بهم علاقاتٍ شخصية مثل الثنائيّ فريديريك دوفو/ ميشيل آمارجيه، وبالإضافة إلى التعريف المُبّسط لبعض أعمالهما، تخيّرت تسليط الضوء على السينما التجريبية من خلال كتاباتهما، ومنحتهما صفحاتٍ أكثر من الآخرين مثل:

الفرنسي فرانسوا فوجيل، الأمريكي ناتانيّيل دورسكيّ، الألمانيّ فالتر روتمان، الفرنسيّ بيّير ميريجكوفسكي، الفرنسيّ أوجو فيرلاند، البلغارية ماريّا كوليفا، الألمانيّ فيرنر نيكيز، الفرنسيّ جيرار كيراسكيّ، الفرنسي لوري جرانييه.

ومن أجل الفيلم/العلامة في السينما التجريبية، والسينما بشكلٍ عامّ، خصصتُ فصلاً كاملاً، وقدمت قراءةً دمويةً للفيلم السورياليّ "كلبٌ أندلسيّ"، وترجمة للسيناريو الأصلي للفيلم.

ولأنّ هذه السينما لا يمكن اختصارها في كتابٍ، ولأنّ أيّ كتابٍ يلتزمُ بعدد صفحاتٍ محددة، فقد أنهيته بخلاصةٍ كتبها السينمائي، والباحث الفرنسي كولا ريكار بعنوان "هذه السينما التي لا حدود لها"، ومنه استعرتُ العنوان الإضافي للكتاب.                                                                                     

وعرفاناً مني بالجميل المعرفيّ الذي قدمه لي، ولغيري، ولعموم الثقافة السينمائية، حرصتُ على أن تكون الخاتمة تأبيناً للمُنظّر الأهمّ، والأشهر للسينما التجريبية، الروائي، والباحث الفرنسي دومينيك نوجيز (1942-2019) من كتابة صديقه الباحث الفرنسي رافائيل باسان الذي لا يقلّ عنه أهمية في متابعته للسينما التجريبية، والكتابة عنها.

السينما التجريبيّة في الدورة 23 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية، والقصيرة

من 17 وحتى 23 مارس 2022

ترجمة صلاح سرميني

ازدهرت الحركة الحقيقية الأولى للطليعة في العشرينيّات، وقيل بأنّها ماتت في بداية السينما الناطقة.

هنا، نستخدم مصطلح طليعيّ بمعناه الأوسع، ونُدرج فيه أعمالاُ من فتراتٍ مختلفة، منذ بداية السينما وحتى يومنا هذا، أعمالاً تجريبيّة سوف تمنح السينما القادمة موقعها كفنٍ قائماً بحدّ ذاته......

في أوروبا، اضمحلت السينما الطليعية، وبدأت التجربة في الولايات المتحدة، شاهدنا

Le Cabinet du docteur Caligari ـ عيادة الدكتور كاليغاري ـ إخراج روبيرت واين، 1920، وقمنا بالاستيلاء على أسلوبه التعبيريّ، وجعلناه سلاحاً ضدّ الإنتاج المُتواضع، والنمطيّ للأفلام المُنتجة في هوليوود.

يُعتبر The Life and Death of 9413: a Hollywood Extra واحدٌ من أوائل الأفلام التجريبيّة الأمريكية، أخرجه روبيرت فلوري، وسلافكو فوركابيش عام 1928.

(بيتر وايز، السينما الطليعية، 1956، تُرجم من السويدية إلى الفرنسية في عام 1989).

 

خلاصة القول، من وجهة نظرٍ جمالية، تجريبيّ، هو كلّ فيلم تقوده الانشغالات الشكلية.

ونعني، كلّ همّ يرتبط بالمظهر الخارجي المحسوس، أو بناء العمل، بدون الانشغال بالمعنى الذي ينقله.

بمعنى آخر، السينما التجريبيّة، هي فنّ السينما التي تتضمّن أكثر ما تمتلكه من الجوانب الفنية، أيّ، الأكثر شكليةً، والأكثر ذاتيةً، ومن ثمّ، الأكثر تهديماً.

(دومينيك نوجيز، احتفاء بالسينما التجريبيّة، عام 1999/2010).

 

يتعامل الفيلم التجريبيّ مع السينما انطلاقاً من قدراتها، وليس من استخداماتها، ويهتمّ أيضاً باستدعائها، نشرها، وتجديدها، كما مُعارضتها، إزالتها، أو توسيع حدودها.

تبدأ ممارسة هذا المشروع انطلاقاً من النظام التقنيّ الخاصّ بالسينما، حيث يعزّز تعقيده الواضح فكرة الاستقصاء، وكلّ أشكال الانتقال.
وانطلاقاً من ذلك، يمكن التفكير بأنّ الروّاد الأوائل افتتحوا تاريخ السينما كسينما تجريبية. 

(نيكول برينيه، شابة، صلبة، وصافية: تاريخ السينما الطليعية، والتجريبيّة في فرنسا "نيكول برينيه/ كريستيان لوبرا"، عام 2001).

أن نُسمّيها سينما طليعية (1920-1930)، تجريبيّة (1940-1950)، أو أندر غرواند (1960-1970)

 - حيث تطوّر المُصطلح مع الوقت ـ يتحدد تاريخ هذه السينما من خلال علاقات تعارضٍ مع السينمات التجارية، أو التي كانت نضالية في زمنها.
يمكن اعتبار الفنانين من كلّ حقبة، العائمين بحريةٍ خارج السياقات الاجتماعية، والسياسية، بمثابة فرسان فنّ السينما، يقاتلون، بطريقةٍ فردية، وبطولية، لا تجمعهم إلاّ روابط ضعيفة فيما بينهم، وفقط حول القضايا المُتعلقة بالتوزيع، البرمجة، واستقبال الجمهور لأفلامهم.

كان تأثيرهم الفنيّ، كحركة، وبحكم طبيعة الحال، نتيجة احتشاد قوى اجتماعية، تقنية، وجمالية، انتقلت بإعجازٍ من حقبةٍ إلى أخرى، وهكذا، السينما الطليعية ـ كما هي مُصنّفة من قبل المُؤرخين ـ انتقلت من أوروبا سنوات العشرينيّات إلى الولايات المتحدة بعد الحرب، ومنذ الستينيّات، اندمجت في القرية الكونية خالقةً حلقاتٍ متواصلة من الولادة، والنهضة.

(جان ـ كريستوفر هوراك، عشاق السينما، لفيلم الأمريكي الطليعي الأول 1919-1945

1995، ترجمة إلى الفرنسية: شودوروف / باسان).

سينماتك في ـ  12 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 17.03.2022

 

>>>

70

69

68

67

66

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004