صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

70

69

68

67

66

 

مقالاتٌ نقدية عن السينما الروسية في ظلّ سياسة الغلاسنوست

يحررها ميخائيل براشينسكي، وأندرو هورتون

ترجمة: مروة أحمد

 
 
 
 

يتكوّن كتاب "مقالات نقدية عن السينما الروسية في ظلّ سياسة الغلاسنوست"، بقلم كاتب السيناريو ميخائيل براشينسكي، والكاتب الأكاديمي أندرو هورتون، من جزأين:

أولهما بعنوان "تحوّل الصورة العامة للأفلام"، وهو عبارة عن سلسلة مقالاتٍ تتناول تحليل الموروث التاريخي، والثقافي الذي شكَّل ثلاثة أجيالٍ من نقاد السينما في روسيا.

ثانيهما بعنوان "أفضل عشرة أفلام في عصر الغلاسنوست"، ويتألف من مجموعة مقالاتٍ كتبها عددٌ من النقاد الرّوس البارزين (يمثلون تلك الأجيال إجمالاً) عن مجموعةٍ منتقاة من الأفلام السينمائية في عصر الغلاسنوست – مشفوعة بتعليقات المحررين التي تجدل الأفكار المطروحة في الجزء الأول من هذا الكتاب - حيث تعكس من خلال موضوعاتها المتشعبة الاضطرابات الاجتماعية السياسية باستبصارٍ يضاهي (إن لم يكن أكثر من) ما تطرحه الأفلام في حدّ ذاتها.

آخذين في الاعتبار الاختلاف بين النقد السينمائي في الاتحاد السوفييتي، والنقد السينمائي "التقليدي" في غياب مناقشة فن السينما، يطرح براشينسكي، وهورتون إمكانية تتبع هذا التشعب بدءًا من نشأته في التراث النقدي الروسي في أوائل القرن التاسع عشر (متجسدًا في بعض الشخصيات البارزة في الأدب مثل ألكسندر بوشكين، وفيساريون بلنسكي) الذي كان يهدف إلى تبديل صورة المجتمع عبر الانخراط الثقافي:

"يمكن تصوير ذلك بوجهٍ عامّ عبر القول إن النقد الروسي يحتلّ منطقة الوسط بين ما ندعوه نقد الأفلام في ظلّ صحافة البوب في الولايات المتحدة [1]، والتحليل الأكاديمي النظري رفيع المستوى.

ويغطي النقد السوفييتي مجالاً أكثر شمولاً بحيث يمتد لما هو أبعد من الفيلم، والفن، وحتى الثقافة لكي يتناول الحياة نفسها".

في مقال "سينما بدون سينما"، يوضح ميخائيل يامبولسكي تفصيلاً لذلك الميل نحو الأفكار المتعلقة بالصورة من خلال الطرح أن نشأة السينما السوفييتية في حدّ ذاتها متمركزة في جوهرها حول العقل، وهذا أثر التطور في صناعة سينما غير مدفوعة بالقيمة التجارية، أو الفنية.

جديرٌ بالاهتمام أن حُجة يامبولسكي بأن الفجوة التكنولوجية بين صناعة الفيلم في الاتحاد السوفييتي، والصناعات المعاصرة له في الغرب أسفرت عن نهج يفتقر إلى البراعة على نحوّ ما تدعم كذلك فكرة أن السينما المعاصرة لا تزال متأثرة بماضيها الدعائي، رغم عدم إشارته الصريحة إلى الدعاية ضمن مفهوم الفيلم التسجيلي الصناعي باعتباره باكورة السينما المعاصرة.

ووصولاً إلى هذه الغاية، يشير يامبولسكي إلى فيلم "القبلة" للمخرج رومان بالايان، حيث اُستخدمت مكبرات الصوت بإفراط لإبراز صوت البعوض الطنان بُغية إيصال الإحساس بحرارة الصيف، وإلى أندريه تاركوفسكي في ميله إلى إضافة الأشعار إلى أفلامه رغم أن الصورة تفصح عن نفسها بوضوح.

يتعقب مقال ألكسندر تيموفيسكي بعنوان "الرومانتيكيات الأخيرة" نشأة صناعة الفيلم السوفييتي (وامتدادًا لها، النقد السينمائي) من خلال تحولات النماذج الفكرية للأجيال بدءًا من ممارسة طقوس الدعاية في عهد جوزيف ستالين مما أسفر عن خلق صور ملحمية كلاسيكية لكفاح البطل المخلِّص (وهو بدوره عزَّز عبادة شخصية ستالين)، إلى حقبة ذوبان الجليد على إثر صعود نيكيتا خروتشوف للسلطة في أواخر الخمسينيّات- أوائل الستينيّات التي اتسمت بكونها عصرًا للتغيير، والإصلاح، والتبادل الثقافي خارج نطاق دائرة النفوذ السوفييتي، وحقبة اجتثاث الستالينية، وصولاً إلى عصر الركود الممتد من عهد الرئيس السوفييتي ليونيد بريجنيف الذي أدى إلى ظهور حركة موضوعية نحو خلق مدن اليوتوبيا الذاتية –وأفضل مثالٍ على ذلك هو فيلم "المرآة" للمخرج أندريه تاركوفسكي، وفيلم "موسكو لا تؤمن بالدموع" للمخرج فلاديمير منشوف- في أعقاب التأزم الأيديولوجي بين الفردانية، والجماعية.

لاحقًا، خضع هذا التحوّل الثقافي نحو الفرد بمنأى عن الدولة للدراسة في مقال مارينا دروزدوفا بعنوان "الأناركيون في منتصف الموسم: وعيّ الشباب، وثقافتهم في سينما البيريسترويكا" حيث طبقًا له ساهمت الصورة غير التقليدية –كما في الفيلم الوثائقي "اعتراف: تاريخ الاغتراب" عن إدمان المخدرات للمخرج جورجي غافريلوف - في إعادة تحديد فكرة الهوية، وسينما الحقيقة.

في الجزء الثاني من الكتاب، يبدأ المحررون في استعراض فيلم "توبة" (Repentance) للمخرج تنجيز أبولادز، حيث يرى نقاد متعارضون في الرأي، مثل تاتيانا خلوبليانكينا، وإيغور أليينكوف، أنه أول فيلم صدر في حقبة البيريسترويكا.

ففي مقال خلوبليانكينا بعنوان "على الطريق نحو الحقيقة"، تتبع الناقدة سياق الدور الاجتماعي الثقافي للنقد السينمائي السوفييتي بالطريقة التي يتمّ من خلالها دمج الإحالات المُعمّمة في عناصر الفيلم في إطار جدالٍ فلسفي شامل، في هذه الحالة، النصّ الفرعي المجازي كمقابل للانتهاكات الدفينة (خاصة في ظل حكم ستالين)، وتجريد التجربة الاجتماعية السوفييتية.

وعلى الجانب الآخر، يسخر أليينكوف في مقاله "بين السيرك، وحديقة الحيوانات" من تشبّع الفيلم بالأفكار إلى حدّ التمويه، ومدى سطحية الرمزية.

وإلى حدٍّ ما، تعكس استراتيجية إليينكوف في استهلال مقاله بمشهدٍ زائفٍ بنية عرضه التفصيلي داخل المقال أيضًا، معتبرًا الفيلم فرصة ضائعة في مواجهة الماضي:

"في النهاية، يرضي توبة النظام الاجتماعي الحالي إلى حدٍّ كبير، لأن الفيلم رائع، ولاذع سياسيًا، علاوةً على ذلك، يبرز الفيلم حالة هذا النظام الاجتماعي، ومستوى وعينا الاجتماعي الراهن، وتآكل المعايير داخل هذا الوعيّ، وهو أمرٌ مربك للغاية يشبه تحوّل أحد الألوان الزاهية إلى اللون الرمادي حال اختلاطه بالألوان الأخرى في لوح ألوان الرسم.

فمن الضروري التمييز بين هذه الألوان عن طريق الفصل بين وظائف الفن، ووظائف الصحافة، ووظائف العلوم السياسية، والسياسة".

ربما ليس من المستغرب أن يُحدث فيلم "أيام الخسوف" للمخرج ألكسندر سوكوروف استجابة نقدية واسعة النطاق مقارنة بالأفلام البارزة الأخرى في عصر الغلاسنوست.

وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى مقال ميخائيل يامبولسكي الموجز، رغم أنه تفكيكي مستنير، بعنوان "العالم كمرآةٍ للعالم الآخر" حيث يطرح طبقة أخرى لمجموعة الأيقونات المكثفة المبهمة على ما يبدو في الفيلم:

"يرتبط تلاشي كلٍ من علاقات الزمن، والعلاقات السببية برمز الخسوف، إن هذه الدراما العالمية معروفة سلفًا، فهي تخترق حياة الشخصية الرئيسية عبر دلائل مبهم،ة ومستغلقة.

والآن، وفي كلّ حين، تظهر حيوانات غريبة في منزل الطبيب دون سبب واضح، ثم يتلقى عبر البريد سرطان البحر العملاق في هلام مجمّد (في إشارة لحالته)، وتظهر أخته فجأة بصحبة أرنب بريّ حيّ في حقيبة تسوق، وأخيرًا، يتسلل الثعبان الضخم إلى غرفته على فرض أنه فرّ من منزل الجيران.

ترمز تلك الحيوانات إلى الأبراج: السرطان (سرطان البحر)، والأرنب البريّ، والثعبان، يرتبط الثعبان مباشرة بفكرة دورة ما، الانبعاث والموت، رمز الخسوف، كما أنه ينتمي إلى دنيا الظلال، بينما يرتبط السرطان بظلال الموتى حيث يعتبر حيوان قمري [2]، وكذلك الأرنب البريّ.

... يؤكد المقياس الشامل في "أيام الخسوف" على وجهة نظر سوكوروف، فإن ما يبدو غريبًا، ووهميًا، ومبالغًا فيه للشخصيات، والجمهور على حدٍّ سواء، قد يكون في الحقيقة أمرًا جوهريًا للوجود في عالم سوكوروف، وجوهر تلك العلاقات السببية التي تحلّ رأسيًا (بين الخطوط) محل الخطوط الأفقية.

 

________________________________________________

[1]  صحافة البوب (Pop Journalism) هي شكل ٌمن أشكال الصحافة التي ظهرت تحت تأثير موجة الصحافة الأمريكية الجديدة في منتصف الستينيّات في ألمانيا، وصاغت الكتابة بأسلوبٍ أدبي غير تقليدي (ملاحظة المترجم)

[2]  حسب علم الفلك، والأبراج، يشير مصطلح القمر إلى الأشياء التي تشبه القمر، أو لها علاقة وثيقة به، لذلك، هذا يعني أن رمزية الحيوان القمري هي تمثيلٌ لرموز الحيوانات التي تستمدّ بعض سماتها من القمر (ملاحظة المترجم)

في ترجمة الكتب السينمائية

صلاح سرميني

هناك ثلاثة أنواعٍ من الترجمات الخاصة بالكتب السينمائية، ورُبما أكثر...دعونا نتأمل:

1ـ مترجمٌ يُتقن لغةً أجنبية، ولكنه لا يعمل في الشأن السينمائي، ويترجم كتاباً عن السينما، سوف تكون ترجمته في أفضل الحالات مثل "مترجم مُحلّف" يترجم شهاداتٍ، ووثائق.

2ـ مترجمٌ يتقن لغةً أجنبيةً، ويعمل في الشأن السينمائي، وفي الغالب ناقد، وفي هذه الحالة يختار كتاباً، ويترجمه بدقةٍ أكثر من المترجم الذي لا يعمل في الشأن السينمائي، ولكن مشكلة هذا المترجم، وعلى الرغم من علاقته الوطيدة مع السينما بصفته ناقد، لا يعرف موضوع الكتاب جيداً، ولا يشاهد الأفلام المشار إليها في الكتاب، وهذا ينطبق على الكتب التي ترجمها نقاد الجيل الأول، حيث لم تكن الأفلام متوفرة للمُشاهدة كما حال اليوم.

وكمثالٍ على هذا النوع من الترجمات:

·      ناقدٌ يترجم كتاباً عن الواقعية الإيطالية، ولم يشاهد منها أكثر من فيلميّن، أو ثلاثة.

·      ناقدٌ يترجم كتاباً عن السينما الهندية، ولم يشاهد منها أكثر من عشرة أفلام.

·      ناقدٌ يترجم كتاباً عن سينما أمريكا اللاتينية، ولم يشاهد منها أكثر من ثلاثة أفلام.

·      ناقدٌ يترجم كتاباً عن السينما التجريبية، ولم يشاهد منها ولا فيلم واحد.

........

كما نلاحظ في تلك الكتب المُترجمة، بأنّ المترجم عمد إلى ترجمة عناوين الأفلام، وتعريب أسماء المخرجين، بحيث أصبح من المستحيل، بالنسبة لقارئ اليوم، العثور على هذه الأفلام من أجل مشاهدتها، ماعدا تلك الأفلام المشهورة، والتي يمكن معرفة عناوينها الأصلية.

 

3-النوع الثالث من الترجمة، وهي نادرةٌ جداً في المشهد النقدي العربي، فهي "الترجمة التخصصية".

في هذه الحالة، لا ينتمي المترجم إلى النوع الأول، والثاني من المترجمين، هو في الأساس ناقدٌ/خبيرٌ/مُنظّرٌ سينمائي يهتمّ بمواضيع محددة في السينما (السينما التجريبية مثلاً)، وهذا لا يعني بأنه يجهل، أو يتجاهل المواضيع الأخرى الكثيرة المُتبقية، هو لا يترجم مقالة/دراسة/كتاباً من أجل الترجمة، ولكن، من أجل دعم مشروعه النقدي الموّجه نحو التعريف، والترويج للسينما التجريبية، وبالمُقابل إثراء كتاباته الشخصية عنها، بحيث تتحول الترجمة بالنسبة له إلى حالةٍ من التأليف بدون إخفاء النصّ المترجم، او الاستيلاء على حقوق مؤلفه.

يجسّد النصّ المترجم كل ما يريد الناقد المتخصص كتابته تأليفاً، ولا يمتلك الوقت من أجل تأليفه، وهنا تصبح الترجمة، والتأليف في حالة تقاطع، وتشابك، حيث تتداخل أحياناً خلاصات القراءات المستمرة للنصوص "المُترجمة" في سطور النصوص "المُؤلفة"، كما تتوضح التدخلات "التأليفية" في النصوص "المُترجمة".

هذه الحالة التخصصية في الكتابة، والترجمة تفرض على الناقد مشاهدة كلّ الأفلام، والتعرّف على كلّ الأسماء، والعودة إلى كلّ الإحالات المُشار إليها في النصّ الأصلي.

الترجمة هنا، هي أكثر من تحويل نصٍّ من لغةٍ إلى أخرى، هي شكلٌ من أشكال العملية النقدية، أو الممارسة النقدية، أو على الأقلّ جزءٌ منها، وخطوات مستمرة في مشروعٍ نقديّ/حياتيّ.

سينماتك في ـ  12 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 13.03.2022

 

>>>

70

69

68

67

66

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004