صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

130

129

128

127

126

 

ملاحظات تحليليّة

المخرجة المصرية منار الزهيري تتحدث عن فيلمها التسجيلي

ممكن نتوه

كتابة: صلاح سرميني

 
 
 
 

تتردد مؤخراً إشكالية أزمة الهوية كثيراً على مختلف الأصعدة، ويبزغ تساؤلٌ: "ما هي هوية مصر".

 ظهرت أسئلة محورية، وفرضت نفسها، خاصة مع الشباب القادرين على التعايش، والتواصل مع ثقافات أخرى، يزداد الأمر تعقيداً مع النساء لجهود الحراك النسويّ العالمي، والاهتمام الدولي بتحقيق المساواة بين الجنسين.

عملتُ في مشروعٍ تعاونيٍّ بين ألمانيا ومصر لإنتاج أفلام وثائقية عن قضايا النوع الاجتماعي كمنسقة للمشروع، ومخرجة، أيّ الإشراف على الإنتاج، وهنا لمست عن قربٍ، وبوضوح، الفارق بين المفهوم العالمي المُستمدّ من الفهم الغربي بالأساس للقضية، والمفهوم المحلي من قبل المسئولين، ومنظور ثالث، وهو الأهم مفهوم الشباب على أرض الواقع.

 بعيداً عن تناول قضايا المرأة، والنسوية من منظور العنف المنزلي، والختان، والحرمان من التعليم، والزواج المُبكر، التفتُ لنوع آخر من العنف، والألم النفسي قد لا يلتفت إليه الكثيرون، أو يعترفون بوجوده.

فبنات الطبقة المتوسطة في مصر يتعلمون، ولا يفرض عليهم الزواج بشكلٍ قهري، ولكن، تُسلب منهم حرية الاختيار بطرق غير مباشرة فيما يخص قرارات تشكل مصيرهم، وتعيق تعرفهم على ذاتهم.

ليس سهلاً تحديدها، وتعريفها تحت المفاهيم الصريحة للقهر، والعنف من قبل البنات أنفسهم، أو المجتمع ككلّ. فربما أحرر الحمامة من القفص، وأتركها في الخلاء، وأوفر لها الطعام، والشراب كي تسمن، وتكبر، لكن أقصر ريشها فهي حرة الطيران لكن لا تستطيع الطيران أبعد من قدرات جناحيها الذي أحرص دائما على قصقصته.

 يناقش الفيلم أزمة النسويات الشابات من هذا الجيل كانعكاس واضح لأزمة الهوية، فمن ناحية رداء المرأة، وفتنة جسدها يحتل مساحات ضخمة من الفكر الإسلامي، والحجاب لا يُعدّ فرضاً دينياً فحسب، ولكنه الرمز الواضح للهوية الإسلامية، والذي تزعزع كثيراً، ورصد ذلك مهم للتعبير عن اضطراب الهوية.

في الفيلم أهتمّ بسرد قصة ثلاث شابات من الطبقة المتوسطة من عائلات محافظة متدينة، الثلاثة من خارج المحافظات حيث التربية الدينية أقوى تواجداً، كذلك هم من جيل التسعينات الذي عرف معاني كثير عن الحياة للمرة الأولى من خلال شاشة التليفزيون، مع رحلة تحقيق الذات ينتقلن للقاهرة، وتحدث مواقف قوية يظهر فيها امتدادات الصراع الفكري بين التيار العلماني، والتيار الإسلامي منذ الثورة في حياتهم بوضوح.

نرى الفتيات دوماً في منتصف كادر المقابلة الشخصية، ولا نراهن في أيّ مشاهد أخرى لأن حكايتهن هي حكاية المدينة التي تظهر في اللقطات، بعض اللقطات عليها تأثيرات كي تظهر بشكلٍ أقرب للكارتون كأول وسيط نقل العالم لهذا الجيل، فجيل التسعينات هو الجمهور المستهدف للفيلم.

مع وعيهم النسويّ، والحلم بالحرية الذي انتزع عنوة، تصاعدت مشاعر تمردٍ، ومقاومة، وصمود، تشكلت تساؤلات لا تجد بيئة مناسبة للوصول لإجابات قدر ما تركت كبتاً يظهر في شعورهم تجاه الزواج، والارتباط بشريك حياة من نفس المجتمع، ويظهر في رفضهم للأمومة، وإحساسهم بها.

ربما يترجم الكثير، وبالأخص أمهاتهم أن هذا تمرد، ولكن أراه آثار الألم النفسي، أراه تشوهاً، وليس اختياراً حراً، وأراه مقاومة للدوافع الداخلية التي ستحولهم لنسخة المرأة الضعيفة التي ينتظرها المجتمع، ويرغب، ويساهم في تشكيلها الجميع.

أرصد حالة التيه، والتناقضات في عيون فتيات التسعينات، وروايتهن المنسية عن أحداث غير منسية تركت آثارها بأشكال مختلفة علينا جميعاً، أرصدها وقوفاً عما يجب أن نعيد النظر فيه، ونعترف بوجوده، ونعي أن الحرية تتشكل، وفات موعد إمكانية إجهاضها ربما إذا تركنا أنفسنا لقليل من التيه كمحاولة حقيقية حرّة نجد الطريق.

Chambéry-Les Arcs

ڤيلوغرافيا*

صلاح سرميني/باريس

فيلمٌ تسجيليٌّ طازجٌ يمزج الشخصيّ بالعامّ للسينمائيّ الفرنسي جيرار كوران، وهو الشخصية الأساسية في تلك الأحداث التسجيلية/المُطعمّة بالروائيّ، حيث التلقائية، والمُباشرة تجعله يقترب من كتابٍ ذكريات مُصورة.

بدون تعليق المخرج، وهوامش الفيلم الصوتية، والبصرية، يصبح العمل تقليدياً، هذا التعليق الذي منح الفيلم حميميّته، وعلى الرغم من أنه منجزٌ بفريق عملٍ مُصغر على غير عادة المخرج بتصوير أفلامه منفرداً، ولكنه لم يخسر تلقائيته، وتحرره من كلّ القيود النمطية المُرافقة لمثل هذه النوع من الأفلام.

هذا الفيلم الموتوسيكل، أوالبسكليت (بلهجتنا) واحدٌ من أفلام جيرار كوران الأكثر ابتعاداً عن المنهج التجريبيّ الواضح في معظم أعماله، هو داخل الأحداث نفسها، لا يراقبها، أو يسجلها بطريقةٍ آليّة، بل ينجزها مباشرةُ، ولا يختفي خلف الكاميرا.

السينما حاضرةٌ في الفيلم، من خلال الهوامش في استخدام بعض الأفلام سوبر 8 المُصورة سابقاً، أو من خلال جهاز العرض الذي يعرضها، وكما يبدأ الفيلم بـ (سينماتون رقم 1000)، وهو بورتريه تمّ تصويره في عام 1987، يختتمه بـ (سينماتون جماعيّ رقم 170)، والذي تمّ تصويره في عام 1992.

 

عن هذا الفيلم يتحدث المخرج:

 

دُعيت لمُتابعة مرحلة جبل Chambéry-Les Arcs في سباق فرنسا للدراجات عام 1996 في موقعٍ فخم للمرتفعات الرائعة لجبال الألب.

بعد رهانٍ مع المخرج، والسيناريست، والصحفي الفرنسي آلان ريّو، قررت أن أنجز نفس المرحلة قبل أيامٍ قليلة من المُتسابقين.

وهكذا بدأت رحلة استهلالية مصنوعة من ذكريات طفولتي، واللقاءات غير العادية، والطريفة.

كنا في بداية شهر حزيران (يونيو) 1996، حيث كنتُ أشارك في حفل كوكتيل في صالة سينما وزارة النقل بعد عرض فيلمٍ لمخرج سينمائي صديق.

ناقشتُ شغفي بركوب الدراجات بحماسٍ كبير مع كسافييه فيلتار، المنتج الذي كنت أعرفه، وكان لديّ معه مشروع فيلم.

سمح لي بالحديث لمدة عشرين دقيقة جيدة، وفي نهاية حديثي الطويل، اقترح علي فكرة إنجاز فيلم عن حبّي لركوب الدراجات، والذي سينتجه إذا كان بإمكاني كتابة مشروعٍ له.

بدأت الكتابة على الفور، وبعد يومين أحضرت له سيناريو وافق عليه في الحال.

بعد شهر، كنت أصور في جبال الألب، وأدركت حلم طفولتي: وكأنني متسابق دراجات محترف، كنت أتقاضى أجراً لركوب دراجة!

وكانت النتيجة؟

 Chambéry-Les Arcs ، فيلوغرافيا* لجيرار كوران، 74 دقيقة من المشاعر، والأحاسيس يتقاسمها الأصدقاء الذين يحبون الملكة الصغيرة (يقصد الدراجة)، مثل الصحفيين بيير فافاسور، وآلان ريو، والمؤلف، وكاتب السيناريو أوليفييه دازا، وصانعي الأفلام لوك موليه، وسيرج بولينسكي، ولقاء الأبطال الأسطوريين في سنوات شبابي: ريموند بوليدور، وهنري أنجلاد، وجان ستابلنسكي، أو حتى جانين أنكيتيل، زوجة الأسطوريّ جاك أنكيتيل.

 

ڤيلوغرافيا/ VÉLOGRAPHIE

 تلاعبٌ بالكلمات مكوّنة من اجتماع كلمتين باللغة الفرنسية:

  vélo(دراجة هوائية)، وGRAPHIE (أيّ تجسيد مكتوب لكلمة، أو خطاب).

نقاد الأمس، معلمو الحاضر

إذا كنّا نصفّ رئيسة الوزراء السابقة السيدة مارجريت تاتشر بالمرأة الحديدية، يمكننا اليوم وصف د. ماجدة واصف بالمرأة السينمائية القوية.

بعد تخرجي من المعهد العالي للسينما بالقاهرة، سافرت فوراً إلى باريس، وحملت معي أرقام تلفونات بعض العرب الذين يعيشون فيها قبلي، ومنهم د. ماجدة.

ـ مساء الخير، أو صباح الخير، أنا صلاح سرميني، خريج معهد السينما، وعضو في جمعية نقاد السينما المصريين، أنويّ الإقامة في باريس، واقترح سمير فريد أن ألتقي بك كي تقدمي لي المشورة فيما يخصّ الدراسة، والعمل....إلخ.

سيدةٌ عمليةٌ جداً

ـ أهلاً، وسهلاً بك يا صلاح، .... وأعطتني عنوانها، وحددت لي موعداً.

أتذكر بأنها استقبلتني في صالونٍ صغير، وكانت تهتمّ بابنتها ميريت التي كانت طفلة صغيرة، رُبما في شهورها الأولى.

كانت د. ماجدة تستمع لي (مع أنني بعد سنواتٍ، لاحظتُ بأنها تستمع، وتفكر في مليون حاجة تمرّ في ذهنها)، وفي نفس الوقت تتابع ما تبثه إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية.

لم تكن نصائحها مُشجعة كثيراً، رُبما كانت واقعية، وصريحة.

وهذا ما تأكد لي لاحقاً وُفقاً لظروفي وقتذاك: طالبٌ وصل إلى باريس، وفي جيبه صفر فرنك، لا مأوى له، ينتقل من بيت صديقٍ إلى بيت صديقٍ آخر، ولا يعرف من الفرنسية كلمةً واحدة، ويريد أن يُكمل دراسته، ويعمل، ويعيش...

أحلامٌ مستحيلة...تقريباً.

ولأنني كنت لا أمتلك فرنكاً واحداً في جيبي، ولا مأوى ثابت، كنت أفتعل أيّ شيء كي أبقى في بيت أيّ شخص أزوره، وكان السبب الخفيّ كي يمضي الوقت، وأستمتع قليلاً بالدفء، والشعور بأنني أجلس في بيتٍ، وبصحبة أشخاص أتحدث لغتهم، وبالآن ذاته، أكسب فنجان قهوة، أو شاي، ورُبما عشاء، أو غداء.

بعد أن تحدثتُ مع د. ماجدة عن كلّ شيء، وقدمت لي إجابات عن كلّ شيء، إجابات تحتاج إلى جهدٍ، وعملٍ، وصبر، شعرت بأنها مشغولة بما يحدث على شاشة التلفزيون، وشرحت لي بأن هذا الرجل الذي يتحدث الآن هو فرانسوا ميتران في ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، وهي ليلةٌ مفصليةٌ في تاريخ فرنسا، وحياة الفرنسيين.

بالطبع، لم أكن أعرف من هو فرانسوا ميتران، ولا أهمية تلك الليلة، كل ما أتذكره بأنني شكرت د. ماجدة، وغادرت منزلها، ومشيت في شوارع باريس أبحث عن مأوى، وثمن صندويتش.

شكراً د. ماجدة واصف لكل ما قدمتيه لي منذ ذلك اللقاء، وحتى اليوم.

سينماتك في ـ  28 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 05.01.2023

 

>>>

130

129

128

127

126

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004