صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

30

29

28

27

26

 

فنّ الفيديو

(Video art)

ترجمة وكتابة: صلاح سرميني

 
   
 
   
 

فنّ الفيديو، هو شكلٌ فنّيٌّ يعتمد على ربط الصور المتحركة في وسيطٍ مرئيّ، وصوتيّ، وقد ظهر حيّز الوجود في أواخر الستينيّات، وأوائل السبعينيّات عندما أصبحت تكنولوجيا الفيديو الاستهلاكية الجديدة متاحة خارج بثّ الشركات الكبرى.

يمكن أن يتخذ فنّ الفيديو أشكالاً عديدة:

ـ تسجيلات يُمكن بثها.

ـ منشآت، أو تركيبات سمعية/بصرية يُمكن مشاهدتها في المعارض، أو المتاحف.

ـ أعمالٌ يُمكن بثها عبر الإنترنت.

ـ أعمالٌ يُمكن توزيعها في أشرطة فيديو، أو أقراص د .ف .د.

ـ أداء تجسيديٌّ مباشر من طرف الفنّان قد تشتمل على جهاز تلفزيون واحد، أو أكثر، شاشات فيديو، وأجهزة عرض، تعرض عروضاً حية، أو صوراً، وأصواتاً مُسجلة مسبقاً.

تمّ تسميته بفنّ الفيديو بعد شريط الفيديو التناظريّ الأصلي، الذي كان الأكثر شيوعاً تكنولوجياً، والذي أستخدم للتسجيل في السنوات الأولى.

مع ظهور معدات التسجيل الرقميّ، بدأ العديد من الفنّانين استكشاف التكنولوجيا الرقمية كوسيلةٍ جديدة للتعبير.

واحدةٌ من الاختلافات الرئيسية بين فنّ الفيديو، والسينما، هي أن فنّ الفيديو لا يعتمد بالضرورة على العديد من الاتفاقيات التي تُحدد السينما.

قد لا يستخدم فنّ الفيديو الممثلين، أو لا يحتوي على حوار، أو بدون سردٍّ، أو حبكةٍ واضحة، أو لا يلتزم بأيٍّ من الاتفاقيات الأخرى التي تُعرّف الصور المتحركة بشكلٍ عام على أنها ترفيه، وتُميز هذه الاختلافات أيضاً فنّ الفيديو عن الفئات الفرعية للسينما (الأفلام الطليعية، الأفلام القصيرة، أو الأفلام التجريبية، وما إلى ذلك).

التاريخ المُبّكر

"نام جون بايك"، فنّانٌ كوريٌّ ـ أمريكيٌّ درس في ألمانيا، ويُعتبر على نطاقٍ واسعٍ رائد فنّ الفيديو.

في مارس عام 1963 قدم في معرض "بارناس" في "فوبرتال" عمله المُسمّى

 Exposition of Music – Electronic Television

في مايو عام 1963 قدم "وولف فوستيل" تركيباً بعنوان (6 TV Dé-coll/age) في معرض "سمولين" في نيويورك، وأنجز فيديو بعنوان (Sun in your head) في كولونيا.

في البداية، تمّ تصوير (Sun in your head) بفيلم من مقاس 16مللي، وفي عام 1967 نُقل إلى شريط فيديو.

غالباً ما يُقال بأن فنّ الفيديو قد بدأ عندما استخدم "بايك" كاميرا "بورتاباك سوني" لتصوير لقطاتٍ من موكب البابا بولس السادس في مدينة نيويورك خريف عام 1965، وفي وقتٍ لاحقٍ من نفس اليوم، عبر البلدة إلى مقهى قرية غرينتش، وفي ذلك الوقت وُلدت أشرطة، وفنّ الفيديو.

 قبل إدخال معدات الفيديو الاستهلاكية، كان إنتاج الصور المتحركة متاحاً فقط لأغراضٍ غير تجارية عن طريق أشرطة أفلامٍ من مقاس 8 مم، و16 مم.

بعد ظهور كاميرا بورتاباك، وتحديثها لاحقاً كلّ بضع سنوات، بدأ الكثير من الفنّانين استكشاف التكنولوجيا الجديدة.

وكان العديد من أوائل الفنّانين البارزين في فنّ الفيديو من الذين شاركوا مع الحركات المُتزامنة في الفنّ المفاهيمي، والأداء، والفيلم التجريبيّ، ومن بينهم الأمريكيين:

فيتو أكونشي، فالي إكسبورت، جون بالديساري، بيتر كامبس، دوريس توتن تشيس، مورين كونور، نورمان كوي، ديميتري ديفاتكين، فرانك جيليت، دان جراهام، غاري هيل، جوان جوناس، بروس نومان، نام جون بايك، بيل فيولا، شيغيكو كوبوتا، مارثا روسلر، ويليام ويجمان، وغيرهم الكثير.

كان هناك أيضاً فنّانون مثل ستيّنا، وودي فاسولكا يهتمون بالمُميزات الشكلية للفيديو، واستخدموا أجهزة مونتاج الفيديو لإنجاز أعمالٍ تجريدية.

في كندا كانت كيت كريج، وفيرا فرنكل، ومايكل سنو من الأسماء المهمّة لتطوير فنّ الفيديو.

في السبعينيّات

في ذروة الوسيط، الكثير من أعمال فنّ الفيديو جرّبت شكلياً قيود مقاس الفيديو، على سبيل المثال، في (Double Vision) للفنّان الأمريكي بيتر كامبوس، جمع إشارات الفيديو من اثنتيّن من كاميرات "بورتاباك سوني" من خلال مزجٍ إلكتروني، مما أدى إلى صورةٍ مشوّهة، ومتنافرة جذرياً.

تضمّن عملاً فيديوياً آخر (Vertical Roll) لجوان جوناس رولز، تسجيل مواد مسجلة سابقاً لرقص جوناس أثناء تشغيل مقاطع الفيديو مرةً أخرى على شاشة التلفزيون، مما أدى إلى تجسيدٍ متعدد المستويات، ومعقدٍ للوسيط.

تمّ إنتاج الكثير من أعمال فنّ الفيديو في أمريكا من مدينة نيويورك، حيث تأسّست (The Kitchen) في عام 1972 من قبل ستينا، وودي فاسولكا (بمساعدة مخرج الفيديو "ديميتري ديفياتكين"، و"شريدار بابات")، حيث كانت بمثابة حلقة وصل للعديد من الفنّانين الشباب.

من أوائل أعمال فنّ الفيديو متعددة القنوات (باستخدام عدة أجهزة مراقبة، أو شاشات) عملً (Wipe Cycle)  لـ "إيرا شنايدر"، و"فرانك جيليت"، والذي عُرض لأول مرة في معرض "هاورد وايز" في نيويورك عام 1969 كجزءٍ من معرض بعنوان "التلفزيون كوسيطٍ مُبتكر".

تركيبٌ سمعيٌّ/بصريٌّ من تسع شاشات تلفزيون، يجمع صوراً حيّة لزوّار المعرض، وأخرى من التلفزيونات التجارية، ولقطاتٍ من أشرطةٍ مُسجلة مسبقاً، ويتناوب عرض المواد من جهازٍ واحد إلى آخر في تصميم راقص مًتقن.

في الساحل الغربيّ حيث استوديوهات تلفزيون ولاية سان خوسيه في عام 1970، بدأ "ويلوبي شارب" سلسلةً بعنوان Videoviews حواراتٍ فيديوية مع فنّانين، تتكوّن السلسلة من حوارات شارب مع:

بروس نومان (1970)، جوزيف بويس (1972)، فيتو أكونسي (1973)، كريس بوردن (1973)، لويل دارلينج (1974)، ودينيس أوبنهايم (1974).

وأيضاً، في عام 1970، قام "شارب" بإنجاز " Body Works"، وهو معرضٌ لأعمال الفيديو التي أنجزها فيتو أكونسي، تيري فوكس، ريتشارد سيرا، كيث سونيير، دنيس أوبنهايم، وويليام ويغمان التي عرضت في متحف توم ماريوني للفنّ المفاهيمي، سان فرانسيسكو، كاليفورنيا.

في أوروبا، كان العمل الفيديويّ الرائد لـ "فالي إكسبورت" بعنوان " Facing a Family" (1971) واحدٌ من أولى حالات التدخل التلفزيوني، وبثّ الفيديو.

الفيديو الذي بُثّ في الأصل في برنامج التلفزيون النمساوي  Kontakte بتاريخ 2 فبراير 1971، يُظهر عائلةً نمساوية بورجوازية تشاهد التلفزيون أثناء تناول العشاء، وخلق ذلك تأثيراً انعكاسياً للكثير من المتفرجين الذين كانوا يفعلون الشيء نفسه.

يعتقد إكسبورت أنّ التلفزيون يُمكن أن يُعقّد العلاقة بين الموضوع، المتفرج، والتلفزيون.

في المملكة المتحدة، تمّ بثّ الـ" TV Interruptions " لديفيد هول (1971) في التلفزيون الاسكتلندي عن قصدٍ دون سابق إنذار، ودون الإشارة إلى اسم الفنّان، وهو أول تدخل فنّان على التلفزيون البريطاني.

الثمانينيّات، والتسعينيّات

مع انخفاض أسعار برامج المونتاج، زادت إمكانية الجمهور العامّ في استخدام هذه التقنيات.

أصبحت برامج مونتاج الفيديو متاحة بسهولةٍ لدرجة أنها غيّرت طريقة تفاعل فنّاني الوسائط الرقمية، وفنّاني الفيديو مع الوسائط.

ظهرت موضوعاتٍ مختلفة، وتمّ استكشافها في أعمال الفنّانين، مثل التفاعل مع الجمهور، واللاخطية.

ركزت الانتقادات لبرامج المونتاج على الحرية التي تمّ إنشاؤها للفنّانين من خلال التكنولوجيا، ولكن ليس للجمهور.

جمع بعض الفنّانين بين التقنيات المادية، والرقمية للسماح لجمهورهم باستكشاف العمل الرقمي فعلياً، مثال على ذلك هو "Legible City" لجيفري شو (1988–91).

في هذه العمل، يركب "الجمهور" دراجةً ثابتة عبر صور افتراضية لمانهاتن، وأمستردام، وكارلسرولي.

تتغيّر الصور حسب اتجاه مقابض الدراجة، وسرعة دواستها، وخلق هذا تجربةً افتراضيةً فريدة لكلّ مشارك.

بعد عام 2000

نظراً لتطوّر التكنولوجيا، وتقنيات المونتاج منذ ظهور الفيديو كشكلٍ فنّي، تمكن الفنّانون من تجريب المزيد مع فنّ الفيديو.

يُظهر فيلم ماركو برامبيلا "Civilization (2008) هذه التقنية.

يحاول برامبيلا إنشاء نسخة فيديو كولاج، أو "فيديو جدارية" من خلال دمج مقاطع مختلفة من الأفلام، ومونتاجها لتصوير الجنة، والنار.

يوجد اليوم فنّانون غيّروا الطريقة التي يُنظر بها إلى فنّ الفيديو، ومشاهدته.

في عام 2003، أنشأ كالوب لينزي Conversations Wit De Churen II: All My Churen، وهو سلسلةٌ هجائية تلفزيونية يُنسب إليها الفضل في إنشاء النوع الفرعيّ للفيديو، "مسرح الذات، أداء من أنت".

على الرغم من أن عمل لينزي يتحدّى النوع، إلاّ أنه أُعتبر مساهمةً كبيرةً في الوسيط.

يستخدم ريان تريكارتين، فنّان الفيديو التجريبي الشاب، الألوان، وتقنيات المونتاج، والتمثيل الغريب لتصوير ما تُسميه مجلة الـ The New Yorker   "نقطة تحوّلٍ ثقافية".

لعب تريكارتين مع تجسيد الهوية، وانتهى به الأمر بإنتاج شخصياتٍ "يمكن أن تكون أشخاصاً كثيرين في نفس الوقت".

عندما سُئل عن شخصياته، أوضح تريكارتين، أنه تخيّل أن هوية كلّ شخصٍ تتكوّن من "مناطق"، ويمكن أن يكونوا جميعاً مختلفين تماماً عن بعضهم البعض، والتعبير في أوقاتٍ مختلفة.

ريان تريكارتين هو فنّانٌ مبتكرٌ قيل أنه "غيّر الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم، ومع بعضنا البعض" من خلال فنّ الفيديو.

عرضت سلسلة الفيديو التي أعدّها تريكارتين بعنوان I-BE-AREA، أحد الأمثلة على ذلك، هو I-BE-AREA (Pasta and Wendy M-PEGgy)، والتي تمّ تقديمها للجمهور في عام 2008، وفيها يُصوّر شخصيةً تُدعى وندي تتصرّف بشكلٍ متقطع.

في عام 2008، كتب هولاند كوتر في "نيويورك تايمز":

"هناك فرقٌ كبيرٌ بين عمله، والسيد تريكارتين في درجة المُشاركة الرقمية، يُطلق السيد تريكارتين العنان مع مونتاج الأجراس، والصفارات؛ السيد لينزي لا.

إنّ الوضوح، والارتباك العرضيّ لتقنية الفيديو الخاصة به هي أحد الأسباب التي تجعل سلسلة Braswell تلامس بطريقةٍ نادراً ما تكون روايات السيد تريكارتن الصاخبة.

على الرغم من كلّ مرحها الشرير، فإن شخصيات السيد لينزي هي أكثر من مجرد رسوم متحركة؛ "All My Churen" هي قصةٌ ذات قيّم عائلية لها علاقة كبيرة بالحياة.

فنّ الأداء، وفنّ الفيديو

يمكن أيضاً دمج فنّ الفيديو كوسيطٍ مع أشكالٍ أخرى من التعبير الفنّي، مثل فنّ الأداء، كما يُمكن أيضاً الإشارة إلى هذا المزيج باسم "فنّ الوسائط، والأداء" عندما "يكسر الفنّانون قالب الفيديو، والأفلام، ويوسّعون حدود الفنّ".

مع زيادة قدرة الفنّانين في الحصول على كاميرات فيديو، بدأ توثيق فنّ الأداء، ومشاركته مع أعدادٍ كبيرة من الجماهير.

جرّب فنّانون مثل مارينا أبراموفيتش، وأولاي، تسجيل عروضهم بالفيديو في السبعينيّات، والثمانينيّات. في عملٍ بعنوان "Rest energy" (1980)، ثبّت كلٍّ من أولاي، ومارينا ثقلهما بحيث سحبا قوساً، وسهماً موجهين إلى قلبها، أمسك أولاي السهم، ومارينا القوس، كان العمل الذي وصفته مارينا بأنه "أداءٌ حول الثقة الكاملة، والتام" .

استخدم الفنّانون الآخرون الذين جمعوا بين فنّ الفيديو، وفنّ الأداء الكاميرا كجمهور، جرّبت كيت جيلمور تموضع الكاميرا.

في الفيديو الخاص بها "Anything" (2006) قامت بتصوير مقطوعتها الأدائية، لأنها تحاول باستمرار الوصول إلى الكاميرا التي تُحدّق بها، مع استمرار الفيديو الذي تبلغ مدته 13 دقيقة، تستمر في ربط قطع الأثاث معاً، بينما تحاول باستمرارٍ الوصول إلى الكاميرا، أضافت جيلمور عنصراً من النضال إلى فنّها الذي تفرضه على نفسها أحياناً، في مقطع الفيديو الخاص بها  My love is an anchor (2004) تركت قدمها تجفّ في الاسمنت قبل محاولة التحرر أمام الكاميرا، قالت جيلمور إنها قلدت أساليب التعبير من الستينيّات، والسبعينيّات بالهاماتٍ مثل مارينا أبراموفيتش حيث أضافت التطرّف، والنضال إلى عملها.

جرّب بعض الفنّانين الفضاء/المكان عند الجمع بين فنّ الفيديو، وفنّ الأداء، قام الفنّان الأيسلندي راجنار كجارتانسون بتصوير مقطع فيديو موسيقيّ كامل مع 9 فنّانين مختلفين، بما في ذلك نفسه، يتمّ تصويرهم في غرفٍ مختلفة، كان بإمكان جميع الفنّانين سماع بعضهم البعض من خلال زوجٍ من سماعات الرأس حتى يتمكنوا من تشغيل الأغنية معاً، وكانت القطعة بعنوان "The visitors" (2012).

جرّب بعض الفنّانين، مثل جاكي ايرفين، وفيكتوريا فو، الجمع بين فيلم مقاس 16 مم، وفيلم 8 مم، وفيديو للاستفادة من الانقطاع المُحتمل بين الصورة المتحركة، والعلامات الموسيقية، والراويّ لتقويض أيّ إحساسٍ بالسردّ الخطيّ.

سينماتك في ـ  01 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 01.08.2021

 

>>>

30

29

28

27

26

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004