صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

25

24

23

22

21

 

السينما في باريس

كتابة: صلاح سرميني/ باريس

 
   
 

باريس مهرجانٌ سينمائيٌّ كبيرٌ جداً، تتواصل فعالياته طوال أيام السنة، تبدأ العروض في التاسعة صباحاً، وتنتهي قبل منتصف الليل بقليل.

مئات الصالات التجارية، عشرات المراكز الثقافية الأجنبية، عشرات المتاحف التي تهتمّ بالسينما أيضاً.

دزينةٌ من المؤسّسات الكبرى : مركز جورج بومبيدو، السينماتك الفرنسية، ملتقى الصور، متحف جو دو بوم.....

أسابيع سينمائية، معارض متخصصة بالسينما، وعشرات المهرجانات السينمائية داخل هذا المهرجان الكبير.

مع هذا الزخم، يُعتبر مهرجان كان صغيراً بالمُقارنة مع باريس المُدللة.

بالنسبة لمن يعيش في باريس، أيهما أفضل؟

أن يقف في الطابور، وينتظر مدةً تتوقف على نوعية بطاقة الاعتماد الصحفية كي يشاهد فيلماً، أم يمارس حياته في باريس كالمعتاد؟ أتحدث عن المشاهدة فقط، ولا أغفل الفوائد العظيمة الأخرى لكلّ مهرجانٍ مهما كان صغيراً، أو كبيراً.

 

السينما في المراكز الثقافية الأجنبية

 

تهدف هذه القراءة التقريرية إلى التعريف بالنشاط السينمائي للمراكز الثقافية الأجنبية في باريس، أيّ العروض السينمائية تحديداً.

في السنوات الأولى من إقامتي الباريسية، وعندما كانت حالتي المادية لا تسمح لي بارتياد صالات السينما التجارية، كنت أغرف من عروض هذه المراكز الأجنبية التي قدمت لي تراثاً سينمائياً من أفلامٍ قديمة، وجديدة لا يمكن مشاهدتها في أيّ مكانٍ آخر، ومنها السينما التجريبية.

ورُبما بفضلها بدأت اهتماماتي بأفلامٍ، وسينماتٍ غير معروفة، وغير منتشرة تجارياً، وسينماتٍ هامشية، ومُوازية.

ولأنّ لهذه المراكز الأجنبية أفضالاً كبيرة في تكويني السينمائي، تأتي هذه القراءة احتفاءً بها، وبكل الأشخاص المجهولين الذين يديرون نشاطاتها السينمائية.

في باريس، من المستحيل متابعة كلّ النشاطات السينمائية، ولا حتى نصفها، أو رُبعها، ...

في باريس، يلزم أن ينقسم الشغوف إلى عشرة، وعشرين، وثلاثين شخصاً كي يتمكن رُبما من متابعة القليل من نشاطاتها.

إذا أردتَ أن تتابع عروض الصالات، فلن تجد الوقت لمتابعة عروض المراكز الثقافية الأجنبية، وحتى إن رغبتَ متابعة عروض مؤسّسة واحدة، السينماتك الفرنسية مثلاً، فلن تجد الوقت لمتابعة أيّ عروض في أماكن أخرى.

مع بداية شهر سبتمبر من كلّ عام، يبدأ النشاط في المراكز الثقافية الأجنبية بباريس، ومنها العروض السينمائية.

تباعاً، وفي حلقات، سوف يجد القارئ تلخيصاً مكثفاً عن الثقافة السينمائية التي يقدمها كل مركز على حدة.

العروض السينمائية في المراكز الثقافية الأجنبية بباريس

باريس، ليست فقط عاصمة ثقافية عظيمة (أكثر من 1000 حدثٍ يُقام كلّ يوم)، ولكنها أيضاً المدينة التي تضمّ أكبر عددٍ من المراكز، والمعاهد الثقافية الأجنبية.

وهكذا، في عام 2002، استجاب 31 مركزاً ثقافيا لمبادرة روبير ديبيان، مدير المركز الثقافي الكندي، من أجل إنشاء "منتدى المعاهد، والمراكز الثقافية الأجنبية" في باريس، وعلى أساسٍ دائم، يتحدّ الفاعلون الثقافيون، ويعبّرون عن أنفسهم بشكلٍ جماعيّ، بما يتجاوز الاتفاقيات الدبلوماسية التقليدية، وبهدف تسليط الضوء على الدور الرئيسي الذي تلعبه المعاهد، والمراكز الثقافية، ويعتبر هذا المنتدى الشبكة الوحيدة، والمُتفردّة للمعاهد، والمراكز الثقافية في العالم.

اليوم، يجمع هذا المنتدى 56 مركزاً ثقافياً أجنبياً، من أمريكا اللاتينية مروراً بدول البحر الأبيض المتوسط، ​​وأوروبا، وروسيا، وآسيا، والشرق الأقصى، والشرق الأوسط.

كلّ واحدٍ من هذه المراكز الثقافية الأجنبية يقدم عروضاً سينمائية دورية، وغير دورية لا تتوفرّ في أيّ مكانٍ آخر، تُضاف إلى مئات العروض اليومية الأخرى، سواء في الصالات التجارية، أو المؤسّسات السينمائية الكبرى.

تتلخص أهداف هذا المنتدى بالنقاط التالية:

- التأكيد على فضاءٍ أصليّ، ومتعدد الأطراف للتفكير في الثقافة، ووضعها، وشروط تنميتها في سياق العولمة.

- التعبير بشكلٍ جماعيّ عن مفهوم ثقافةٍ حية، ومتسامحة، ومنفتحة في الفضاء العام الفرنسي، والأوروبي، والعالمي.

- توحيد، وتعاون مختلف المعاهد، أو المراكز الثقافية الأجنبية في باريس من أجل تعزيز الثقافات المختلفة من خلال تحقيق المشاريع ذات الاهتمام المشترك.

- تنفيذ مشاريع ذات اهتمامٍ مشتركٍ تسلط الضوء على التنوّع الثقافي، على سبيل المثال، "أسبوع الثقافات الأجنبية".

- تمثيل أعضائها مع المنظمات الكبيرة متعددة الأطراف، أو الجمعيات ذات الطابع الدولي، وكذلك مع السلطات الفرنسية لتحديد الإجراءات المشتركة معها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحقيق أهدافها.

يتكوّن الفريق التنفيذي من 9 مدراء مراكز، ومعاهد ثقافية أجنبية، ومنسقيّن اثنيّن، يتمّ انتخابهم عن طريق الجمعية العمومية السنوية من قِبَل جميع الأعضاء.

من أهمّ النشاطات السينمائية التي ينظمها الملتقى تظاهرة كبرى تحت عنوان "أسبوع السينمات الأجنبية".

 

أسبوع السينمات الأجنبية

 

في دورته السادسة، والتي انعقدت خلال الفترة من 6 إلى 17 مارس 2019 أصبحت أفلام الفانتازيا في دائرة الضوء، حيث كانت فرصةً لاكتشاف مجموعة أفلام تمّ اختيارها من 19 دولة.

أفلام الفانتازيا هي نوعٌ واسعٌ، ومتكاملٌ يناشد العناصر غير الواقعية، وغير العادية، والخارقة للطبيعة وحتى الوحشية، والمروعة، وهي تشمل أفلام الخيال العلمي، وأفلام الرعب، وحتى يمكن أن تختلط بأنواعٍ أخرى (الرسوم المتحركة، أو الكوميديا ​​على سبيل المثال).

عوالم غريبة الأطوار، لاكتشاف، أو إعادة اكتشاف جواهر التعبيرية الألمانية، حيث يفقد المتفرج نفسه في حدود الفضاء، أو حتى لمقابلة مخلوقاتٍ من مكان آخر.

وهكذا، قدمت تلك التظاهرة ما لا يقلّ عن 23 فيلماً روائياً، وقصيراً، تمّ اختيارها بعنايةٍ من قبل المراكز الثقافية الأجنبية في باريس

أما الدورة السابعة، فقد انعقدت خلال الفترة من 26 فبراير إلى 3 مارس 2020 حيث شهد "أسبوع السينما الأجنبية" تحديثا جديداً، شكلاً جديداً، موقعاً جديداً، ومحوراً موضوعاتياً جديداً مع التركيز على "الأفلام الأولى".

كانت تيمة تلك الدورة إعطاء مكان الصدارة للمخرجين الناشئين، وتمّ عرض 16 فيلماً روائياً، وقصيراً في إحدى صالات الفن، والتجربة في الدائرة الباريسية الخامسة.

البرازيل

هذا الفيلم الذي تمّ العثور عليه هو بدايةٌ لفيلم روائيّ/ذاتيّ وثائقيّ غير مكتمل، أراد كلوزو تصويره في البرازيل خلال شهر العسل مع فيرا.

تزوج هنري جورج كلوزو للتوّ من فيرا، بعد أن التقيا خلال تصوير فيلمه Quai des Orfèvres ، وحتى ذلك الحين كانت متزوجة من السكرتير الخاصّ لـ لويّ جوفيه، وكانا يريدان استغلال شهر العسل في البرازيل (مسقط رأس فيرا) لعمل فيلم وثائقي.

باستثناء هذه الصور التمهيدية التي صُورت في باريس (والتي تمّ الاحتفاظ بها في السينماتك الفرنسية)، فإنّ مشروع البرازيل لم يتمّ، وتحولت الرحلة البرازيلية إلى كتاب (حصان الآلهة/Le Cheval des Dieux)، لكن هذه الحلقة المثيرة أثرّت كثيراً بكلوزو، حيث أنّ فيلمه التالي سيحدث في محيط منطقة من أمريكا الجنوبية، فيلم مغامراتٍ حقيقيّ، مقتبس من رواية لجورج أرنو: "ثمن الخوف".

البرازيل، هنري جورج كلوزو، فرنسا، 1950، مع هنري جورج كلوزو، فيرا كلوزو.

دلفين سيمون مارسو

برج رينيه كلير الصامت

البرج، هو بالطبع برج ايفل، يستحضر رينيه كلير أساساته قبل ثلاثين عاماً، ويتلوى صعوداً، ونزولاً في أركانه المعدنية.

"قصيدةٌ في صور، هذا ما حاولتُ القيام به، في فيلمي "باريس التي تنام"، وقتذاك لم تسمح لي العقدة التي كلن عليّ أن أتبعها باستكشاف جميع جوانب برج إيفل.

ولكن، في كلّ مرة أمرّ من جانبه، كان يغريني الصعود مرةً أخرى بكاميرا، حتى سمحت لي "شركة الباتروس" بإشباع هذه الرغبة، وهكذا صورتُ "البرج" من أجل سعادتي الوحيدة تمجيداً لهذه الفتاة الحديدية العظيمة التي كنت دائماً أُحبها (البرج، وُفق اللغة الفرنسية، مؤنث).

اليوم، كما بالأمس، يُعتبر البرج نموذجاً لا يُضاهى للعمارة الحديثة، لا يوجد ناطحة سحاب أكثر جرأةً، وأكثر أناقة" (رينيه كلير).

في فيلم "باريس التي تنام"، أول فيلم لرينيه كلير، يلعب برج إيفل دوراً، وسوف يبقى فكرةً لا تنضب من أفلامه الصامتة الأخيرة.

في "البرج"، فيلمٌ تسجيليٌّ في بكرةٍ واحدة، قصيدةٌ هندسيةٌ تمّ تصويرها في مارس 1928 مع المصور جورج بيرينال (الذي سيتمّ العثور عليه بين المُتعاونين المُخلصين لفريق رينيه كلير الفني، مع لازار ميرسون)، يظهر في أبسط جهاز له: فيلمٌ بسيط، مونتاجٌ متدّفق، خطوطٌ رشيقة، وخطوط دانتيل معدنية متجسدةً بجمالٍ، وروعة، وعلى حدّ تعبير ألكسندر أرنوو: "إنه قصيدةُ بروعةٍ معدنية رصينة، من دون شكّ، شعرية تجميع دقيق للطاقات لم تكن أبداً مترابطة بهذه القوة".

* البرج، رينيه كلير، فرنسا ، 1928، صامت.

إميلي كاوكي

سينماتك في ـ  01 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 29.07.2021

 

>>>

25

24

23

22

21

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004