القاهرة ـ مازن حمدي |
غريب موقف السينما المصرية من الجنس! تقدمه وتتنصل منه، تيار يرحب بالتحرر في فتح ملف الجنس، وتيار مضاد يرغب في إغلاق هذا الملف ، إلى حد انه يلاحقه بدعاوى المنع في المحاكم!·· وبرغم ان هناك ثلاثة محاذير رقابية تحكم السينما دائما ''الدين والسياسة والجنس''، فإن الجنس يبدو أبرزها حضوراً ، والشبح الأكثر تخويفاً للرقباء وللفنانين، لدرجة أن جيلاً كاملاً من الفنانات يرفضن مجرد الأحضان والقبلات ، اتقاء لشبهة الجنس في السينما! وجدد فيلم ''الباحثات عن الحرية'' لايناس الدغيدي الجدل حول موقف السينما من التحرر الجنسي عبر بطلاته الثلاث المصرية ''داليا البحيري'' واللبنانية ''نيكول بردويل'' والمغربية ''سناء موزيان''، اللائي سافرن لباريس للبحث عن حريتهن بعيداً عن الوطن، فاصطدمن بحرية الجسد مما دفع البعض لاتهام الفيلم بالإباحية· وفي الوقت الذي يرى فيه قطاع كبير من المصريين أن الجنس موضوع لا يناقش إلا في غرف النوم أو في عيادات الأمراض التناسلية وأمراض العقم والذكورة، فإن قطاعاً من المثقفين يصر على فتح الملف الشائك ، ويعتبره مرشحاً للابتداء وليس ملفاً منتهياً! هم يتحدثون عن ''كسر التابو'' -الدين والسياسة والجنس- ويركزون في محاولات التكسير على الجنس، لأنه أسهل وأخف وطأة من الدين، كما أن السياسة قاربت محاذيرها على التحطم فعلا!هؤلاء المثقفون ليسوا فقط أدباء يكتبون الرواية والقصة القصيرة أو يقرضون الشعر، لكنهم أيضا سينمائيون·· يكتبون السيناريو ويخرجون الأفلام، ولا يقلون في حدة انحيازهم للتغلب على هذا المحظور عن الأدباء والنقاد·ومع ظهور هذا التيار السينمائي المطالب بالحرية، ظهر تيار مضاد في السينما، يرفع شعارات مناقضة·· ففي مواجهة تحطيم التابو، يرفع هذا التيار شعار ''السينما النظيفة''، وهي تعني سينما من دون أحضان أو قبلات أو مشاهد ساخنة، والجنس مرفوض عند أصحاب هذا الشعار رفضاً مبدئياً وقاطعاً· السنيما النظيفة وأصحاب راية ''السينما النظيفة'' النافرون تماما من كل ما يمت إلى الجنس بصلة في الأفلام من نجوم التسعينات الذين اثروا الترويج لأفلامهم بالإضحاك بديلا للجنس·· ويتحدثون ليل ـ نهار عن الحلال والحرام في السينما، وهم نجوم يتقاضون الملايين عن أفلامهم، ولا يرفضون الاستعانة بالافيهات الحوارية الخارجة في أفلامهم واسماؤهم ليست خافية على أحد·· من محمد هنيدي إلى أحمد السقا ومحمد سعد، ومن النجمات منى زكي وحنان ترك ومنة شلبي، ومن المعتاد ان تقع عيناك على حوار لأي منهم عنوانه ''أرفض المايوه'' و''لا للقبلات'' و''نعم للسينما النظيفة''!! ويبدو ''السراب'' أول الأفلام إثارة للجدل، فهو حين عرض في العام 1970 اثار ضجة نقدية واسعة، لانه قدم بصراحة قاطعة قضية ''العجز الجنسي'' كما رسمه نجيب محفوظ في روايته، وقيل وقتها أن محفوظ مرر الفيلم بلا حذف لأنه كان رئيساً للرقابة على المصنفات الفنية! لكن أحدا لم يطالب بوقف عرض الفيلم كما حدث بعد ذلك بعامين! الأمر نفسه تكرر مع فيلم ''أبي فوق الشجرة''، فهو وإن لم يكن منع من العرض إلا أنه لم يعرض إلى الآن في التليفزيون الذي بادر إلي منع عرضه، نظرا للمشاهد الساخنة التي جمعت نادية لطفي وعبدالحليم حافظ، ولا تزال دور العرض تقدم هذا الفيلم الذي حذف منه مقص الرقابة الكثير، ويلقي اقبالاً كبيراً!!·ولم تتوقف الأزمات عند ''حمام الملاطيلي'' و''أبي فوق الشجرة'' بل تعددت وطالت أفلاماً أخرى·· في مقدمتها ''المذنبون'' الذي منع عرضه عام 1976 لمشهد الجنس العاري الوحيد به والذي قدمه عادل أدهم وسهير رمزي ، وفيلم ''قطة على نار'' بطولة بوسي ونور الشريف، الذي رفع من دور العرض بطلب من الأزهر -وكان أول تدخل للأزهر في أفلام لا علاقة لها بالدين- لأنه يتعرض لقصة شاب يفضل علاقته مع صديقه الشاب على علاقته بزوجته·· وتكرر المنع ورفع الأفلام -بطلب من الأزهر- مع فيلم ''درب الهوى'' لمديحة كامل ويسرا ومحمود عبدالعزيز 1983 وإخراج حسام الدين مصطفى، لانه يدور في شارع ''كلوت بك'' الذي كان شارعا للبغاء تحت اشراف الحكومة إلى العام ،1949 حين صدر مرسوم ملكي بمنع البغاء في مصر· وتحول الجنس لأزمة مع كل فيلم يتناوله ابتداءً من التسعينات من القرن الماضي ولعل أهم ملامح هذه الأزمة تتجسد في ثلاثة أفلام·· الأول هو ''أبوالدهب'' 1995 لأحمد زكي ومعالي زايد وممدوح وافي وثارت الأزمة حوله في البرلمان المصري بطلب قدمه عدد من النواب ممن ينتمون لجماعة ''الاخوان المسلمين'' المحظورة ، لرفعه من دور العرض وتحول الأمر إلى دعوى نظرتها المحاكم لسنوات ضد معالي وممدوح والمنتج والمخرج سمير سيف! طيور الظلام اما الفيلم الثاني فكان ''طيور الظلام'' لعادل امام ويسرا 1996 وكان سبب الأزمة الأفيش، والذي ظهرت فيه يسرا بملابس شفافة قصيرة وهي تخلع جواربها -الشفافة أيضا- وتكشف عن مساحة كبيرة من ساقيها ، ورفع الدعوى هذه المرة المحامي نبيه الوحش، الذي طارد ايضا فيلم ''مذكرات مراهقة'' 2001 الذي اخرجته ايناس الدغيدي وقامت ببطولته هند صبري وأحمد عز واتهم الوحش ايناس الدغيدي بالاساءة لسمعة الفتيات المصريات، واظهارهن بمظهر من يقعن في الخطيئة بلا مقاومة ولا تزال هذه الدعوى أمام المحاكم· مرآة المجتمع وقدم السيناريست وحيد حامد عدا فيلم ''ديل السمكة'' 2002 فيلما آخر هو ''النوم في العسل'' بطولة عادل إمام ودلال عبدالعزيز وشيرين سيف النصر 1997 دار كله عن العجز الجنسي، وتطرق إلى جذور الظاهرة سياسيا واجتماعيا، وشخصها كحالة من الخمول العام للمجتمع، الأمر الذي مرر فيلمه بلا اشكاليات مع الرقابة والتيارات السلفية· ويقول وحيد حامد: الجنس في السيناريوهات التي أكتبها موظف درامياً، فاظهرت شخصية الشاذ جنسياً في ''ديل السمكة'' ولكني لم استغلها تجاريا، بدليل انني قدمتها في مشهد واحد فقط، وفي سياق عرض للمجتمع كله، من خلال البيوت التي يدخلها بطل الفيلم ''كشاف الكهرباء''· وفي ''النوم في العسل'' لم أكن أقصد بالعجز الجنسي اثارة غرانزية وكان مقصدي سياسيا في المقام الأول، ولا يمكن أن يكون أي شعب كله عاجزا جنسيا، لكنها ''فانتازيا'' تدخل عالم الرموز والاشارات الفنية لما هو أعمق غوراً·· وبالتالي فإن لغة الحوار عندي كانت مهذبة وعلمية ولم أكتب مشهد عري واحداً في السيناريو· الكاتب لينين الرملي يقدم شهادة خاصة عن تجربته في سيناريو فيلم ''النعامة والطاووس'' ويقول إن الذين يتحدثون عن وجوب اقتحام السينما لملف الجنس، هم من المتفائلين الطيبين، فهذا الملف الذي أرى فتحه ضروريا يهيمن عليه عدد من الرقباء والرقيبات، ممن يرون في مجرد ذكر الجنس في أي فيلم خطيئة لا تغتفر! ولابد من تحطيم هذا المحظور بشرط ان تتغير عقلية الرقابة· وفكرة فيلم ''النعامة والطاووس'' تحكي فشل العلاقة الجسدية بين الأزواج الشبان وهي فكرة المخرج الراحل صلاح أبوسيف، طرحها عليَّ في العام ،1972 وبدأنا كتابة ملخص الفيلم·· وبمجرد أن تقدمنا بالملخص إلى الرقابة وعليه العنوان ''دليل الرجل الذكي إلى السعادة'' صعق الرقيب ورفض الفيلم قبل أن نكتب السيناريو! وفي العام 1976 راودت الفكرة صلاح أبوسيف مرة أخرى، واستدعاني، وبدأنا هذه المرة في كتابة السيناريو، وغيرنا العنوان إلى ''تزوج وعش سعيدا''، وأرسلناه للرقابة، التي أرسلته بدورها إلى الأزهر الذي رفض الفيلم مرة أخرى! وقبل رحيل صلاح أبوسيف، كتبنا السيناريو مرة ثانية وغيرنا عنوانه إلى ''النعامة والطاووس''، وبرغم حصوله على موافقة الرقابة -التي كان يديرها الناقد على أبوشادي توفى صلاح أبوسيف من دون أن يصور لقطة واحدة من الفيلم، ومرت الفترة التي تسري فيها موافقة الرقابة على السيناريو والتي يتعين تنفيذ الفيلم فيها خلال عام من الموافقة وتولى نجله محمد أبوسيف اخراج الفيلم، بعد ان جدد الموافقة عليه من د· مدكور ثابت رئيس الرقابة السابق، وبعد أن شاهدت الفيلم في دور العرض فوجئت بان محمد أبوسيف حذف 4 مشاهد، كانت الرقابة قد وافقت عليها، لكن الرقابة كانت تسكنه وهو ينفذ الفيلم متوهما أن الدعاوى القضائية التي تلاحق الأفلام السينمائية والأعمال الأدبية هذه الأيام ستطاله أيضا!·· وللسيناريست رفيق الصبان تجارب متعددة مع الجنس في السينما، آخرها فيلم ''الباحثات عن الحرية'' مع المخرجة ايناس الدغيدي، وتسبقه تجارب أخرى مثل ''دانتيلا'' مع ايناس الدغيدي أيضا ويقول: الباحثات فهم البعض مضمونه خطأ، وأنه فيلم يكرس للجنس، ولكنه يقدم رحلة لطلب الحرية لثلاث نساء عربيات مقهورات، إما بالفشل في حياتهن الزوجية كالمصرية داليا البحيري، أو بالحروب والكبت السياسي كاللبنانية نيكول بردويل أو بقهر سلطة الأسرة والعقاب على النضج الأنثوي وكأنه ذنب كالمغربية سناء موزيان·· والجنس جزء من هذه الحرية التي يطلبنها، وهن يرتطمن به ويقعن فيه كل حسب حظها في الحياة، ويخرجن منه بتجارب ثرية· فالفيلم سياسي اجتماعي، والجنس عنصر يدخل في كل نواحي الحياة وتقديمه ليس عيباً·· ويضيف الصبان: هناك نماذج من الجنس الراقي ذي الهدف الاجتماعي قدمتها السينما المصرية، مثل فيلم ''البوسطجي'' عن قصة لصبري موسى واخراج حسين كمال 1968 وبطولة شكري سرحان وصلاح منصور وهو نموذج صارخ للقهر في الريف ضد الفتيات في سن المراهقة، وفيلم ''المراهقات'' لماجدة ورشدي أباظة 1957 والسينما المصرية صنعت نماذج مدهشة للعلاج الجيد لقضية الجنس في حياتنا، وربما ألتمس لها العذر لأننا في مجتمعاتنا يحكمنا شبح يلح علينا الحاحاً كبيراً اسمه ''العيب''، بلا مبررات، ولهذا فإن فيلماً مثل ''أسرار البنات'' لمجدي أحمد علي وبطولة هنا شيحا 2001 يجب التوقف عنده، لأنه كان جريئاً قاطعاً في تقديم الحياة السرية الدقيقة للمراهقات· وعُرفت المخرجة ايناس الدغيدي بجرأتها في تقديم فكرة الجنس وتأثيراتها في حياة الناس· البعض وصفها بأنها ''فاضحة'' وفريق آخر اعتبرها بشيرا بانفتاح سينمائي فيما يتعلق بالمحظور الجنسي، وفيلمها الأخير ''الباحثات عن الحرية'' هو آخر الأفلام التي طالتها هذه الاتهامات· وتقول إيناس الجنس لا يزال عنصراً صادماً في معظم المجتمعات الشرقية·· لكن أفلامي تبنت تفكيك هذه العقدة المزمنة تدريجياً ، وفي كل فيلم أقدم جرعة أكبر من الصراحة السينمائية في تناول الجنس· وفي فيلمي قبل الأخير ''مذكرات مراهقة'' عكست جزءاً من واقع تتجاهله سلطة الأسرة، يقول إن البنات في سن المراهفة لديهن علم بكل شيء، وأنا بكل تحرري أشعر بصدمة شديدة تجاه هذا الجيل، وأعتبر نفسي متخلفة عنه كثيراً، فهو يتكلم في أمور لا اجرؤ على الخوض فيها، ويتحدثون مع اصدقائهم في تفاصيل الحياة ، حتى في الجنس·· فهل يقبل المجتمع تقديم هذه التطورات لدى شبابنا من خلال السينما؟ كان هذا هو رهاني في الفيلم، واتضح ان المجتمع لاحقني بدعاوي قضائية واتهمني بالإساءة لسمعة الفتاة المصرية، نتيجة كشفي المسكوت عنه في حياة المراهقات · وفي ''الباحثات عن الحرية'' بلغ رفض المجتمع الخوض في ملف الجنس ذروته، فهم غضبوا للمراهقات في فيلمي قبل الأخير، والآن يغضبون لتجارب جنسية تخوضها ثلاث من النساء الناضجات يبحثن عن الحرية في باريس، فهل يمكن تجاهل الجنس كعنصر من عناصر هذه الحرية!· الإتحاد الإماراتية في 13 أغسطس 2005 |
فيلم يروي سيرة «أبو عمار» وثائقياً مشهراوي يسأل و«أخي عرفات» يجيب: نحن لها بصبر الشعب الفلسطيني ونضاله غزة ـ ماهر إبراهيم قدم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي فيلمه الجديد «أخي عرفات»، في عرض نظمته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني برعاية وزارة الثقافة بالتعاون مع «نادي السينما» في الاتحاد الدولي للصحافة الفرانكفونية فرع فلسطين.واستهل مشهراوي، فيلمه بمواجهة الكاميرا، قائلاً: أواجه منذ فترة سؤالاً واحداً لا يكف الآخرون، في العالم الخارجي عن طرحه علي، هو: وماذا بعد؟. بالإشارة إلى السبيل للخروج من الموقف الحالي، الذي لم يعد يحتمل تأجيلاً، بعد كل المعاناة والعجز والتشتت واليأس، الذي يخيم على الحالة الفلسطينية. ويلفت مشهراوي، إلى أنه فكر طويلاً في السؤال، وتوصل إلى أن الإجابة ربما توجد عند شخص واحد فقط، هو ياسر عرفات الذي ظل لمدة خمسين عاماً يتولى الزمام، حتى على أدق أمور حياة شعبنا الفلسطيني، وخلص إلى أن أكثر من يعرف ياسر عرفات منذ الطفولة، هو شقيقه الدكتور فتحي عرفات. ولم يتوقف المخرج فقط، عند المقابلات الطويلة عن ذكريات الزعيم المريض وعلاقته بشقيقه، الذي كان لا يزال على قيد الحياة، فقد اتخذ من المادة الدرامية التي توفرها الشخصية، مدخلاً للتعرف على المأزق الفلسطيني العام، من دون وجهة نظر جاهزة مسبقة. ويتوجه المخرج بالكاميرا إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث يقيم الدكتور فتحي عرفات، لكنه يضطر للانتظار أياماً طويلة عند المعبر بين قطاع غزة ومصر، ويصور الوضع القاسي القائم هناك: عشرات الأشخاص يتدافعون وعشرات السيارات تصطف في فوضى والبعض يحمل معه فراشاً لتمضية الليل، والبعض الآخر يرقد في العراء، والجميع يدخن في توتر، وأجهزة الهاتف المحمول لا تكف عن الرنين. ويتمكن المخرج في النهاية من الوصول إلى القاهرة، ويبدأ أولى جلساته مع فتحي عرفات الذي يبدو متمتعاً بحالة معنوية عالية، رغم تدهور حالته الصحية، حيث يقوم الاثنان معاً بزيارة المنزل، الذي كان يقيم فيه عرفات منذ الخمسينات وظل يتردد عليه إلى ما بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993. ويبدأ الدكتور فتحي، الحديث عن علاقته بشقيقه منذ الطفولة، ويوضح الفرق بينه وبين شقيقه خلال مرحلة الدراسة الثانوية ثم الجامعية، بعد أن سيطرت الاهتمامات السياسية على عرفات واستولت عليه تماماً، في حين أدرك فتحي مبكراً أنه لا يستطيع أن ينذر نفسه تماماً للسياسة. ويرتّب مشهراوي مقابلة مع ياسر عرفات عن طريق فتحي، بيد أنه لا يتمكن من العبور إلى الجانب الآخر من مصر بسهولة، ويضطر مجدداً للانتظار على الحدود بين غزة ومصر أياماً، ويتمكن الدكتور فتحي بعدها الحصول من السلطات الإسرائيلية على تصريح، لرشيد بزيارة رام الله لمدة يومين فقط، حيث يلتقي بعرفات ويتناول الاثنان طعام الغداء معه. ويتمكن مشهراوي من طرح السؤال الذي يشغله باختصار: وماذا بعد؟ ويصمت الرئيس عرفات طويلاً، وكأن السؤال قد سبب له حرجاً هائلاً، بل بالأحرى ألماً كبيراً، حيث يجيبه بعد جهد كبير، وهو يغالب رغبة واضحة في البكاء: إنا لها! ويتساءل رشيد معقباً: إنا لها يعني لازم نصبر! يمد مشهراوي إحساسه بالمرارة أكثر، فيقول إنه سيصور فيلماً في مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن عن الذين ينتظرون منذ عشرات السنين هناك. وينتقل بالفعل إلى أحد المخيمات في لبنان، يطرح الأسئلة، لكنه لا يتلقى إجابات شافية. وفي القاهرة، يرقد فتحي في حالة حرجة بعد أن انتشر السرطان في جسده، ودخل في غيبوبة، وعلى الجهة المقابلة في رام الله، تتدهور الحالة الصحية للرئيس عرفات، وينقل إلى باريس، وكأن الرجلان تبادلا المواقع. فتحي في غيبوبة لا يعلم بما حدث لشقيقه، والشقيق أصبح على أعتاب الموت. ويستشهد عرفات وتقام له تلك الجنازة المهيبة في رام الله، وهو مشهد يضمه مشهراوي إلى فيلمه لكي يصل به إلى ذروته العاطفية، ثم يخبرنا أن فتحي توفي في القاهرة بعد ثلاثة أسابيع بالضبط من وفاة شقيقه، دون أن يعلم أحدهما بوفاة الآخر! ويعتبر فيلم «أخي عرفات»، والذي تبلغ مدته 90 دقيقة، تجربة غير مسبوقة في السينما العربية، حيث سار المخرج مشهراوي، على نهج المخرج الألماني فيم فيندرز في السبعينات، والذي اتفق مع المخرج الأميركي نيكولاس راي، على أن يصوره وهو يروي اعترافاته، خلال مواجهته الموت في أيامه الأخيرة، وهو على فراش المرض في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، فقد صاحب مشهراوي الدكتور فتحي عرفات، شقيق الزعيم الراحل ياسر عرفات، خلال رحلة علاجه من السرطان في باريس وحتى وفاته. وأطلق نقاد عليه اصطلاح فيلم غير خيالي، كونه أكثر دقة من اصطلاح «فيلم تسجيلي»، إذ أن المخرج لا يسجل فقط، بل يسجل ويوثق، ويعيد ترتيب الوقائع، ويحقق في الأحداث، وينقب وراء الشخصية التي يتناولها، حيث استخدم المخرج أسلوب الممثل داخل الفيلم، من خلال تحويل نفسه إلى ممثل يؤدي دوره الحقيقي كمخرج، ويطرح التساؤلات أمام الكاميرا، ويسعى في الوقت ذاته للعثور على إجابات. وحضر الفيلم حشد من الجمهور، أجهشوا بالبكاء تأثراً، مما حدا بالقائمين على العرض، الاكتفاء بتعليقات المشاهدين، وإلغاء النقاش الذي كان مقرراً عقده في نهاية الفيلم. البيان الإماراتية في 13 أغسطس 2005 |