الممثل العالمي جوني دب في حوار خاص لـ الأهرام العربي: أبتدع شخصياتي مــن الخيال هوليوود ـ محمد رضا |
في العام1997, قام جوني دب بإخراج فيلم عنوانه الشجاع يدور حول أمريكي من أصول الأمريكيين الأول الهنود الحمر عليه ارتكاب جريمة قتل إذا ما أراد الانتقال من حياة العدم التي يعيشها وعائلته في أرض قفراء إلي حياة رغدة في الفيلم, الذي لم يستقبل جيدا في كان في ذلك العام, لعب مارلون براندو دور الرجل الذي سيصبح ضحيته وكان ذلك ثاني لقاء بينهما الأول قبل هذا التاريخ بعامين عندما مثلا معا فيلما عنوانه دون جوان دماركو. والكثيرون إلي اليوم يعتبرون جوني دب امتدادا لمارلون براندو. براندو بدوره كان يتقمص الشخصية نازعا عن نفسه كل موانع الذوبان فيها, نعم كنا نراه تحت جلد تلك الشخصية بوضوح, لكن هذا ما لم يكن بالإمكان تغييره والحال نفسه مع جوني دب إنه جوني دب المذهل والمفاجيء والجديد في معظم ما يقوم به, لكنه في البداية والنهاية هو جوني دب الممثل الذي لايزال يبحر بعيدا في الشخصيات التي يؤديها في الحقيقة, يبحر أبعد من أي ممثل آخر فيما يؤديه لولا أن ملامح الممثل لا تتغير من تلقاء نفسها بمجرد أن يتقمص شخصية أخري لكان من السهل ألا نعرفه علي ذلك, الاختلاف بين حتي إذا ما كانت الأفلام متشابهة. خذ جوني دب في البوابة التاسعة لرومان بولانسكي1999 وجوني دب في سليبي هولو لتيم بيرتون2000 تجدهما مختلفان تماما بل خذ جوني دب في أي من الأفلام التي مثلها تحت إدارة المخرج بيرتون تجده مختلفا في إدوارد سيزرهاندز ـ1990 ـ ليس هو نفسه في إد وودز ـ1994 ـ من الخارج هو نفسه مباشرة تحت البشرة هو شخصية مختلفة. والحال صحيح مع فيلم تيم بيرتون الجديد تشارلي ومصنع الشوكولا الذي يقوم جوني دب ببطولته تتوقع شيئا غير معتاد من الممثل في الدور الرئيسي تجد أكثر مما تتوقعه تجد شيئا مجنونا يحمل في داخله قدرا كبيرا من المسرة والفرح وبهجة التمثيل مع بهجة التلقي من قبل محبي السينما لا عجب أن جوني دب هو الممثل الأكثر شعبية بين قطاعات عديدة من المشاهدين إنه الرقم واحد بين الراشدين والأولاد معا ومثل هذا الإنجاز هو موهبة بحد ذاتها. شاهد الفيلم فقط · بعد إيجاد نفرلاند تشارلي ومصنع الشوكولا هو ثاني فيلم محفور في تربة روايات الأطفال تقوم بتمثيله.. ما الذي يربطك بهذه الشخصيات؟ هل مازلت تعيش حبا خاصا بها؟ نعم تستطيع أن تقول ذلك لكنني نوع من العشاق الذين أقبلوا علي مشاهدة هذه الروايات عوض قراءتها حكاية بيتر بان في إيجاد نفرلاند تأثرت بها حين شاهدتها في فيلم ديزني أكثر مما تأثرت بها حين قرأتها في المدرسة وحكاية رولد دول تشارلي ومصنع الشوكولا أيضا لها ذات التأثير قرأت القصة صغيرا وأعتقد أنني لم أأبه لها حينها لكني شاهدت الفيلم السابق عنها الذي لعب بطولته جين وايلدر. · جين وايلدر صرح بأنه لا يجب إعادة تحقيق هذا الفيلم لأنه كلاسيكي؟ ربما لو أن هذا الفيلم هو إعادة لذلك الفيلم في اعتقادي إنه اقتباس عن الكتاب وليس عن الفيلم. · هل شاهدت الفيلم السابق الذي كان عنوانه ويلي وونكا ومصنع الشوكولا؟ نعم شاهدته مؤخرا... أقصد شاهدته قبل التصوير وكنت أريد أن أعرف كيف مثل وايلدر دوره وأن أتجنب ما قام به إنه ممثل جيد جدا لكن كل منا يقدم مفهوما مختلفا في الأداء · أعتقد إنك لن تنجح في هذا الدور ثم تراجع عن أقواله هل لك أي دور في تراجعه عن رأيه؟ لا لم نتحدث معا لكن حتي ولو لم يتراجع لكان رأيه مهما وآخذه جديا أنا احترمه. · البعض قال إن إداءك لشخصية ويلي وونكا في تشارلي ومصنع الشوكولا استفاد من شخصية مايكل جاكسون وهؤلاء قارنوا أيضا بين مصنع الشوكولا الذي يشبه مدينة نفرلاند التي كان جاكسون يستقبل فيها الأطفال. لا أدري من أين يستنتج الناس هذا الرأي كل ما أستطيع قوله هنا هو أن هذه المقارنة لا تستند علي حقيقة أو علي واقع هي خطأ سواء علي صعيد الشخصية التي أمثلها فهي ليست شبيهة مطلقا بشخصية جاكسون, ولا علي صعيد المصنع والمدينة.. هذا جنوح شديد, التشابه الوحيد بين الفيلم وبين أي شيء آخر هو الرواية نفسها لأن الفيلم اقتباس عنها. التمثيل الواقعي · هذه الأسئلة لابد منها لأني أحاول استنتاج التالي: من أين تؤلف شخصياتك؟ لقد تابعناك في قراصنة الكاريبي وفي إيجاد ن رلاند ومن قبل في سليبي هولو ثم في من الجحيم حتي لانذكر أفلامك السابقة تحت إدارة تيم بيرتون.. بسهولة يستطيع المشاهد ملاحظة جوانب متعددة من اداءاتك طوال الوقت من أين تأتي بالتصرفات والسلوك الخاص لكل شخصية؟ الخيال هو كل شيء وأعني أنه كل شيء إنه المساعد الأول وصديقك الأفضل وفي بعض الحالات عدوك الأسوأ الخيال هو%95 مما تقوم به وهو ضروري جدا عليك أن تأتي بشخصية أن تخلق الشخصية أن تؤدي الشخصية وأن تضع نفسك فيها وفي حالاتها إنها كما قلت صديقك الأفضل وعدوك الاسوأ. · ماذا عن التمثيل الواقعي الذي يقدم عليه البعض؟ أعني هناك بعض الممثلين الذين يؤمنون بأن علي الممثل أن يكون واقعيا؟ لا أدري إذا كان هناك شيء اسمه تمثيل واقعي هو إما تمثيل أو ليس تمثيلا وإذا كان تمثيلا فهو لا يمكن أن يكون واقعيا يمكن تمثيل الواقعية وأعتقد أن بعض الممثلين يقدر عليه, لكن هم أيضا يستخدمون قدرا كبيرا من الخيال هذا إلا إذا جلبت نجارا يؤدي شخصية نجار وسائق تاكسي يؤدي شخصية سائق تاكسي وهكذا, وفي هذه الحالة ليس عليهم تأدية أدوارهم في الحياة بل تأدية ظروف حياتهم كلها هذا مستحيل كما تعلم. · أعلم إنك كنت علي علاقة صداقة كبيرة مع الراحل مارلون براندو؟ مقاطعا: ومثلنا معا دون جوان دو ماركو. · كيف استقبلت وفاته وهل قابلته قبل فترة وجيزة من موته؟ كانت صدمة طاغية عندما وصلني نبأ موت مارلون كان براندو يعني شيئا مختلفا لكل واحد بالنسبة لي كان صديقا رائعا ومعلما كبيرا وكنا مثل ولدين صغيرين يدبران المقالب كل واحد, للآخر كنا نضحك كما لو كنا صغارا لقد أعطاني الكثير حين كنا نتحدث سوية جعلني أضحك وجعلني أشاركه بعض أسراره هذه العطايا هي, عندي, ثروة نعم أنا أفتقده وأتذكره كل يوم كان إنسانا مثيرا للتعجب. · هل تتذكره حين تكون بصدد تأدية دور ما؟ هل يخطر لك وأنت تجهز؟ أحيانا نعم بل ربما غالبا حين قابلته كنت بدأت التمثيل فعلا وكنت وضعت الخطط لنفسي مفهومي للتمثيل عموما لكيفية تقمص الشخصيات ولاحظنا إننا نتشابه في كيفية استقبالنا الشخصيات والتعبير عنها لم يكن هناك توجيه بقدر ما كان هناك ملاحظات جمعتنا مدرسة في التفكير نعمل بمقتضاها. ثنائي سينمائي · تعيش في باريس وتعمل في السينما الأمريكية وفي مشاريع يتم تصويرها في أنكلترا كما الحال مع تشارلي ومصنع الشوكولا ومن قبله إيجاد نفرلاند. أو إذا لم تكن بريطانيا فأنت تصور في براغ كما فعلت في من الجحيم.. هل يعني ذلك أنك بعيد عن هوليوود ذاتها؟ هل هناك تناقض بينك إنسانا وممثلا مع هوليوود كنظام؟ مازلت أعيش في لوس أنجيليس وأنا وعائلتي نمضي وقتا كبيرا هنا لكن الحقيقة أن لدينا منزلنا في فرنسا ونمضي فيه جزءا كبيرا من حياتنا أيضا هذا يعطينا التوازن الذي ننشده حين نأتي الي هوليوود نقوم بما هو مطلوب منا فعله نقابل منتجين أو مخرجين أو نصور هنا أحيانا نفعل الشيء الذي لا يمكن لممثل فعله إلا في هوليوود. بعد ذلك نعود إلي الريف الفرنسي حيث الحياة هناك أكثر بساطة بكثير وحيث البزنس لا يحتل معظم الوقت كل يوم هناك تستطيع أن تركز علي أمور أخري مهمة مثل العائلة والحديقة. · ماذا عن عملك مع المخرج تيم بيرتون؟ لقد مثلت له خمسة أفلام إلي الآن.. هل أنتما ثنائي سينمائي كما كان الحال مثلا مع المخرج أنطوني مان والممثل جيمس ستيوارت؟ يضحك يا له من مثل من عمق هوليوود.. نعم, أعتقد إنك تستطيع أن تقول ذلك في كل مرة يقوم مخرج وممثل بالعمل معا لأكثر من بضع مرات يتحولان إلي ثنائي سينمائي هذا ممكن لكن بالنسبة لي هناك نوعية العمل التي تفرض هذا التعاون تيم يحب الأفلام الثرية في الخيال أو التي يستطيع أن يصنع منها عالما خاصا به يجذب إليه الأولاد والكبار علي حد سواء وأنا جزء من هذا العالم من ناحية وجزء من عالمي أنا المشابه أنا أيضا أحب هذه الأدوار الخاصة التي تدور في بال المخرج. · هل هناك مناطق لا يعرفها الواحد عن الآخر في مجال عمله؟ هل عليه مثلا أن يوجهك صوب تصرف لم تضعه في الاعتبار حين تمثيلك؟ الذي يحدث هو أنك تجيء حاضرا بكل إيماءة وبكل حركة للمشاهد التي ستقوم بها لقد فكرت وتدربت وفهمت دورك من قبل بدء عمل اليوم وستنفذ كل ذلك وكنت تحدثت مع المخرج حول شخصيتك واتفقتما لذلك من النادر أن يستوقفك المخرج في منتصف العمل ليطلب شيئا جديدا, إلا إذا وجد أنك خرجت عن خط الشخصية التي تقوم بها أو إذا ما اقتضت ضرورات التصوير شيئا ما. · إذن العمل مع ذات المخرج مفيد كون المخرج والممثل يعرفان بعضهما البعض إلي حد الثقة كل بالآخر؟ صحيح. · يري براد بت أنه وقد بلغ الأربعين من العمر لديه أربع أو خمس سنوات من العطاء الناجح من قبل أن تنحسر عنه الأضواء هل يخطر ذلك ببالك وأنت الآن في الثالثة والأربعين؟ لا أفكر بذلك ربما لأنني أفكر أكثر بما أقوم به وليس بما سيصبح عليه الحال فيما بعد. · كيف تري جوني دب بعد عشر سنوات من اليوم؟ لا أدري. لا أدري.. إذا ما كنت سأبقي في هذا الملعب في الواقع, استمتعت بعملي في السنوات الخمس الأخيرة أكثر مما استمتعت به حين كنت مازلت شابا أصعد السلم أشعر بأنني في مطلع عهدي كل شيء يعتمد علي إذا ما كنت سأبقي محافظا علي ما أنا فيه وإذا ما كانت السينما ستبقي علي علاقة ودية معي لا أدري ما سيكون عليه وضعي في المستقبل سننتظر ونري* الأهرام العربي في 6 أغسطس 2005 |
يصحب عائلته معه إلى مواقع التصوير جوني ديب: لا أحب نفاق هوليوود ترجمة - حسن حسن
|
«تشارلي ومصنع الشوكولا» بين تيم بيرتون وجوني دب: المخرج وممثله لا يزالان يدهشان مثل أب وابنه حاضرين غائبين هوليوود - محمد رضا هناك ناحية في سينما تيم بيرتون يعاود المخرج التطرّق إليها كلما كانت المناسبة متاحة، وأحياناً يتطرّق إليها حين لا تكون هناك مناسبة متاحة. إنها ناحية متمثلة بعلاقة الإبن (الذي هو عادة بطل الفيلم) بالأب موجوداً او غائباً. نراها في «إدوارد سيزرهاند» (1990) متمثل بذكريات جوني دب حول أبيه فنسنت برايس. وتطالعنا في «إد وود» (1994) مجسّدة في كيف وجد المخرج إد وود (جوني دب أيضاً) في الممثل بيلا لاغوسي (قام به مارتن لاندو) بديلاً عن أب مفقود. ونجدها في«باتمان» (1989) و «باتمان للأبد» (1995) حيث غياب الأب في حياة باتمان يدفعه لاعتبار رئيس الخدم (والخادم الوحيد) واسمه ألفرد (مايكل غوف) بمثابة أبيه. كذلك هي متمثّلة بعودة الإبن (بيلي كرودوب) الى أبيه (ألبرت فيناي) بعد قطيعة طويلة في فيلم بيرتون «سمكة كبيرة» (2003) حياة عائلية في رواية رولد دول التي نشرت سنة 1964، وهي قصة متوسطة الحجم، لا يوجد أب لويلي وانكا، صاحب امبراطورية الشوكولا المسمّاة باسمه. بيرتون، يُبدع شخصية أب (يؤديه المخضرم كريستوفر لي) ويبني مشاهد ذاكرة (فلاش باك) يعود بها ويلي (جوني دب) الى أيام ما كان ولداً يحرمه أبوه، وهو طبيب أسنان، من أكل أنواع الحلوى بما فيها الشوكولا. نتيجة ذلك أن ويلي (الذي ترك بيت الأسرة) أحب ما كان ممنوعاً عليه لدرجة إنشائه أكبر مصنع شوكولا في العالم. وفي النهاية، يعود ويلي الى حضن أبيه في لقطة عاطفية وبعد نحو ثلاثين سنة من الغياب. اذاً تيم بيرتون يحب العلاقة الحانية بين الإبن والأب فإذا لم تكن موجودة في العمل الأصلي، سيخلق لها مجالاً كما يفعل في فيلمه الأخير هذا. يستوقفنا «تشارلي ومصنع الشوكولا» في أكثر من ناحية، وناحية الأبوّة من أهمّها. والحقيقة أن الفيلم لا يخلو منها حتى ولو لم يبتدع بيرتون ذلك الخط الخلفي لشخصية ويلي وونكا. فتشارلي نفسه (يؤديه هنا ولد موهوب اسمه فردي هايمور) إبن عائلة يحب كل أفرادها بعضهم بعضاً. هناك والداه (نواه تايلور وهيلينا بونهام كارتر - زوجة المخرج) وهناك والدا أبيه ووالدا أمه والجميع يسكنون في كوخ مائل يكاد يسقط تحت وقع الثلج المنهمر، لكن الفقر لا يعنيهم. وحين يشتري تشارلي لوح الشوكولا الذي يحمل بطاقة تخوّله وأحد أفراد عائلته دخول مصنع الشوكولا الغامض، فإن ما يشعر به تشارلي هو أن عليه بيع تلك البطاقة الثمينة لمن يشتريها حت يستطيع مساعدة أهله. الأهم في النهاية: عندما يعرض ويلي على تشارلي المصنع بكامله شريطة أن يعيش فيه من دون عائلته يرفض تشارلي مفضّلاً العائلة والفقر على الاستقلالية الكاملة والثراء. وفي النهاية هناك ذلك التعليق الصوتي الذي يقول إن ويلي خسر المصنع لكنه ربح عائلة. الجريمة والعقاب يكاد «تشارلي ومصنع الشوكولا» يدور كاملاً على هذا الموضوع. والرواية تحويه من خلال حكاية تشارلي على أي حال. لكن ما يسترعي أيضاً الانتباه في جديد تيم بيرتون أن الفيلم قصة أخلاقية على أكثر من صعيد. تشارلي واحد من خمسة أطفال (مع خمسة راشدين يصطحبونهم) ربحوا البطاقات الذهبية التي تخوّلهم دخول المصنع. إنها فرصة نادرة حيث سيقوم ويلي (كما يؤديه جوني دب ببراعة لافتة) بالتجوال بهم في مصنعه الفانتازي حيث «كل شيء هنا شوكولا» يقول لهم ويضيف في مشهد آخر «كل شيء هنا يؤكل». إنه ليس مصنعاً من آلات طبخ الشوكولا وصهرها وتغليفها وتعليبها (كما في المشاهد التمهيدية للفيلم) بل أشبه بحديقة غنّاء ذات أشكال غريبة وطبقات متعددة وسراديب وأبواب ومداخل ومخارج لا نهاية لها وكل منها يؤدي الى جزء من عملية غير تقليدية لصنع الشوكولا. لقد استقطب ويلي من المجاهل شعباً من الأقزام كل أفراده يتشابهون (يقوم بأدوارهم جميعاً ممثل اسمه ديب روي تم استنساخه على الديجيتال) ووزّعهم في كل مجالات العمل. وكلما دخل قسماً من المصنع هبّ من فيه يقدم «نمرة غنائية استعراضية» في بعضها لمحات من ميوزيكالات هوليوود. اللفتة الموسيقية مفاجئة في البداية. وبيرتون يعلم أنها بعد المرتين الأولى والثانية ستتحول عبئاً إذا ما منحها وصلات طويلة، فاختصر منها وحسناً فعل متجنّباً منح الفيلم وقفات طويلة خارج القصة وتشتتاً في مهام الفيلم عموماً. أربعة من الأولاد الفائزين بالقسائم الذهبية هم إما من أولاد الأثرياء او من المدلّعين الى حد الإفساد. هناك الألماني أغوستوس (يؤديه فيليب وايغاتز): صبي بدين جداً شره في الأكل لا يتوقف عن التهام الشوكولا. وهناك فتاة لا تتوقف عن مضغ العلكة وتفتخر بأنها فازت ببطولة مضغ علكة لأطول فترة ممكنة، لكن مشكلتها ليست في العلكة بل في أنها نموذج لعقلية برجوازية (فارغة بمفهوم الرواية كما الفيلم) من الجنوب الأميركي (نسخة مطابقة من أمها)، وهناك الفتاة الأخرى الآتية مع أبيها ذيالنفوذ (جيمس فوكس) والتي اكتسبت مزايا والدها في الترفّع والأنفة والاعتزاز الفارغ. الرابع هو صبي أميركي ورث من ثقافة ألعاب الفيديو العنف الذي تحمله وتشرّبه في مفهوم فاشي واضح. تشارلي هو أفقرهم ووحيد المجموعة الصحيح أخلاقياً. والفيلم يرينا كيف يصل كل واحد من الأولاد الى عقاب نتيجة أفعاله وعصيانه تحذير ويلي: البدين يتحوّل الى شوكولا (يخرج ماضغاً أصابعه) عندما يرمي نفسه في بحر الشوكولا من شدة شراهته. والدلوعة الأميركية تتحوّل الى ثمرة زرقاء بعدما مضغت حلوى قُدّمت إليها. الفتاة البريطانية المتعجرفة لا تستمع الى تحذير ويلي وتصرخ بأبيها طالبة منه شراء سنجاب مدرّب ما يؤدي بها الى مزبلة المصنع هي وأبيها. أما الصبي الأميركي المتيّم بلعب العنف فيلاقي نهاية مناسبة وهوسه. المخرج والممثل هذه الرسائل الأخلاقية تصل الى المشاهدين صغاراً وكباراً محلاّة بمتعة نادرة تخلفت عنها أفلام كثيرة قررت انها موجهة الى الأولاد لكنها في الحقيقة لم تكن مناسبة لهم ولم تحمل إليهم الكثير في خانة المضامين. لكن كون الفيلم موجهاً الى الأولاد لا يمنع تيم بيرتون من تلوينه بالرسائل الاجتماعية أيضاً. فالمجموعة المدانة هي من الأثرياء وأعالي الطبقة الوسطى. ثم أن امبراطورية الشوكولا لا تخلو من نقد يتصاعد من خلال الطريقة التي يتصرّف بها ويلي وونكا مع حياته الخاصة ومع الآخرين. هذا ثالث فيلم معروض حالياً لديه تعرض واضح للرأسمالية في مفهومها. الفيلمان الآخران هما «أرض الأحياء - الموتى» لجورج أ. روميرو (الشرير الأول ذو إسم يهودي ويسيطر على المدينة مستنزفاً كل ما فيها) و «باتمان يبدأ» لكريستوفر نولان، حيث المؤسسة الإنسانية التي بناها أب صالح تحوّلت الى إمبراطورية تجارية ذات أطماع ومشاريع مادية بحتة. القصة ذاتها لم تكن تحتوي على أحداث درامية ويجب منح بيرتون وكاتبه جون أوغوست (الذي كتب أيضاً «السمكة الكبيرة») علامات عالية كونهما غذّيا الأصل بهذا المزيج من الكوميديا والترفيه والحس الأخلاقي معاً. والأهم هو أن كل ذلك نابع من مخيلة مخرج لا يزال طفلاً في الداخل قادراً على تأليف عالم يثير العين والخيال موظّفاً كل الإمكانات المتاحة في تكنولوجيا اليوم من دون أن يجعل الفيلم قطعة منها. الى ذلك لا يفوتنا استيحاء المخرج المقصود من «متروبوليس» فريتز لانغ و «أوديسا الفضاء» ستانلي كوبريك و «ساحرة أوز» لفكتور فلمينغ الى جانب «الميوزيكال الأميركي». الشيء الوحيد الذي حرص الفيلم على الابتعاد عنه هو «ويلي وونكا ومصنع الشوكولا» لميل ستيوارت المأخوذ عن المصدر نفسه. أخيراً هذا رابع لقاء بين بيرتون وممثله المفضل جوني دب من بعد «إدوارد سيزرهاندز»، «إد وود»، «سليبي هولو». لكن إذا كنت تبحث عن صورة واحدة لجوني دب في كل هذه الأفلام فإنك لن تجدها. هذا الممثل يحرص على الخروج عن النمط وعن التكرار في كل ما يؤديه ويفعل ذلك بأداء يستحوذ الاهتمام تلقائياً. يبدو أداؤه في هذا الفيلم لامعاً، لكن تحت تلك اللمعة هناك دراسة عميقة لكل حركة وانصهار في شخصية تحبّها وتكرهها في الوقت نفسه. الأهرام العربي في 6 أغسطس 2005 |