ريما المسمار |
في إحدى قاعات فندق فاندوم انتركونتيننتال، كانت أول من أمس جلسة حميمة ضمت بعض الصحافيين في مجالي المكتوب والمرئي مع المنتج اللبنانيالأميركي ايلي سماحة والمخرجة رنده الشهال. المناسبة إعلان مشروع سينمائي هو قيد التحضير منذ نحو عامين بين المخرجة والمنتج. "فيلم اميركي" كما يعرّفه سماحة، سيُنتج بمعايير هوليوود وسيتضمن نجوماً هوليووديين من امثال بيلي زين وفال كيلمر وممثلين لبنانيين في مقدمهم هيفاء وهبي. (Too Bad For Them) او "لسوء حظهم" هو عنوان المشروع الذي يسعى منتجه الى الا يتعدى تصنيفه الـPG-13 والى عرضه في الصالات الأميركية في خريف 2006! على هذا النحو من الدقة وتحديد التواريخ والأرقام، تحدث ايلي سماحة، كأنه يخاطب الحاضرين من مكان مجهول، فتصل كلماته كالصدى البعيد. نحن الذين اعتدنا ان لا نصدق مشروعاً سينمائياً الا عندما ينتهي تصوير اللقطة الاولى وان لا نسميه فيلماً الا بعد تصوير آخر لقطة وأن لا نتحدث عنه بصيغة الحاضر الا بعد ان يجد موزعاً وأن لا نأمل بمشاهدته في دور العرض الا بعد دخول الصالة وإطفاء الأنوار وظهور الأسماء على الشاشة... نحن الذين ندرك تماماً ان الافلام التي لا تُصور هي أكثر بكثير من التي تُنجز في هذه المنطقة، كنا بالأمس امام نموذج مختلف، تابع لهيكلية لا تملكها سينمانا ولصناعة نفتقدها. انه نموذج المشروع السينمائي المتكامل الذي يسلك المراحل كافة لا نقول بسهولة وانما من دون عثرات، تفرضها هيكلية غائبة او لامبالاة مستشرية او مصالح متضاربة. وربما هنا تحديداً تكمن جاذبيته واغراؤه. على ان الأمر لم يكن بالسهولة التي قد يتصورها بعضهم. "رنده عانت الكثير معي" يقول سماحة مكملاً "كانت هناك نقاشات كثيرة بيننا وملاحظات على السيناريو وتعديلات، استقبلتها رنده بانفتاح شديد يذكرني بشون بن المنفتح هو الآخر على النقاش مع المنتج." وفي حين يعتبر سماحة "العلاقة بين المنتج والمخرج لا تقوم على الاتفاق في معظم الأحيان حيث إن الأخير معني بالجانب الابداعي البحت فيما المنتج يهتم بالتفاصيل العملية"، تقول الشهال ان "علاقتي بالمنتج كانت دوماً جيدة. أعتبره شريكي بالمطلق لأنه بصرف النظر عن اي شيء، تبنى فيلمي وأنتجه. لقد أحببت كل المنتجين الذي تعاملت معهم وآخرهم أمبير بالزان الذي شكل انتحاره كارثة حقيقية بالنسبة اليّ على المستوى الشخصي." ثمة اذاً شيء في المناخ العام لتلك الجلسة، يضع الأمور على سكة مختلفة. أهي العملية التي اتسم بها حديث سماحة، أم التضارب بين رؤيتنا كصحافيين وجمهور من هذه المنطقة وبين رؤية سماحة؟ أم هو الترقب الذي ننتظر به ثمرة التعاون بين سينمائية، اتسمت مشاريعها الى الآن بدرجة من الذاتية والخصوصية وربما المحلية، ومنتج آتٍ من أضخم صناعة سينمائية في العالم؟ ومن طرافة الموقف الموحية باختلاف عالمي الشهال وسماحة تعليق الأخير على قول الشهال بأن المشروع الجديد سيُعرض في نحو 300 صالة سينمائية بالقول "ماذا؟ أتمنى الا يُفتتح في اقل من 900 صالة!" لعل اول ما يتبادر الى الذهن في ما يخص هذا التعاون هو انه التفاتة لمنتجه الى السينما العربية او اللبنانية في وصفه ابن هذه المنطقة. وتلك فكرة حاضرة باستمرار، تقع في خانة نظرة سائدة الى السينما في وصفها جزءا من "نضال" او "واجب" وطني، على ابنائها "المقتدرين" ان يدفعوا الحِصة الكبرى فيه. لا يأتي سماحة من هذه الخلفية بل من خلفية صناعة سينمائية، غير مستعدة للتضحية بما يشكل دعامة تلك الصناعة، اي الربح. لذلك فهو ينفي ان يكون هذا العمل المقبل تحول الى السينما العربية مؤكداً انه "فيلم اميركي، سيُنتج بمال اميركي وسينطق بالانكليزية وسيُوزع كأي فيلم أميركي" مضيفاً القول: "لنكن واقعيين. لا استطيع ان انتج افلاماً في الشرق الاوسط واعرضها في اميركا كما لا استطيع الاعتماد على سوق الشرق الاوسط لأنها تشكل ربع مدخول العالم." ماذا عن صورة العرب في السينما الأميركية وفي الاعلام الغربي، ألست مهتماً بتحسينها؟ يسأل أحد الصحافيين. لا يفاجئه السؤال "انا نفسي كنت في صفوف المشاهدين الاميركيين طوال ثلاثين سنة قبل ان ازور لبنان للمرة الاولى قبل سنوات قليلة. كنت مثلهم أشعر ان المنطقة ساحة حرب. وعندما أتيت قبل عام ونيف برفقة كوبا غودينغ جونيور، دُهش عندما شاهد البحر معتقداً انه آتٍ الى صحراء قاحلة!" لم يجب سماحة عن السؤال المعتاد ولكنه وافق على ان ثمة تشويها لصورة العرب في الاعلام الغربي لتتسلم الشهال دفة الحديث الذي يعنيها جداً: "أكثر ما كان يغضبني في علاقتي بالاوروبيين هي تلك النظرة المنمطة في الاعلام الغربي الى العرب. ولكن أعتقد اننا نحن المسؤولون عن ذلك لأننا لا نفعل شيئاً لتحسين صورتنا ولا نعرف كيف نشتغل على صورتنا. الاعلام الغربي قاس وطريقنا طويلة لنغير تلك النظرة." صدف
الفيلم المقبل اذاً بين ايلي سماحة ورنده الشهال، الرابع في سجلها بعد
"شاشات الرمل" و"متحضرات" و"طيارة من ورق"، لن يسجل تحول المنتج الى
السينما العربية وان كان يدرج في اطار ميله الى الافلام المختلفة في
السنوات الاخيرة عن تلك الخفيفة التي أنتجها في السابق. لعل شريط شون بن
"العهد" (The
Pledge)
هو ابرز مثال على ذلك التحول بعد ان اقتصرت افلامه السابقة على افلام
المراهقين والرعب والكوميديا. فسماحة الذي بدأ مسيرته السينمائية منتصف
التسعينات، اشتهر بأفلام من نوع
The Peacemaker،
Angel Eyes،
The Whole Nine Yards
وجزئه الثاني،
Driven،
Alex and Emma،
Get Carter،
Battlefield Earth
... وبينها استثناءات من طراز
The Pledge وThings You Can Tell Just By Looking at Her. اما مشروعه المقبل مع الشهال فبدأ بصدفة مشاهدته فيلمها الأخير
"طيارة من ورق". "شاهدت الفيلم وأعجبني كثيراً وقررت ان اتعامل مع مخرجته"
يقول معترفاً بأنه كان الفيلم العربي الثاني الذي يشاهده! اما المعيار الذي
يعتمده في اختيار مخرج ما للعمل معه فهو إحساسه بعد الفيلم: "عندما اترك
الصالة ولا أكف عن التفكير في الفيلم الذي شاهدته، عندها أشعر بأنه عمل
مميز." ولكن ليست تلك هي الصدفة الوحيدة التي مهدت لانطلاق المشروع. إذ ان
الأخير يبدو قائماً على سلسلة من الصدف والاحداث غير المتوقعة. قبل ان
تلتقي سماحة، كانت الشهال ميالة الى العمل على مشروع مختلف وكانت تلك
الصدفة الثانية. "كانت لدي رغبة بالعبور الى خارج الحدود التي عملت ضمنها
من قبل، خارج المناخ الثقافي الذي كنت فيه وبعيداً من الجمهور النخبوي،
كانت لدي رغبة حقيقية بالتواصل مع جمهور أكبر. بالنسبة الي، تلك خطوة
اساسية مكملة لمسيرتي التي بدأت ابان الحرب الأهلية بأفلام وثائقية ومن ثم
أعمال روائية في مناخ مشابه. كان بديهياً ان افكر بالتوسع والا كررت نفسي."
تنسب المخرجة انشغالها الجديد بالجمهور الى ما بعد تجربة "متحضرات"، الفيلم
الذي مُنع عرضه في لبنان من قبل الرقابة وحوربت بسببه كثيراً. "بعده، بدأت
أسأل نفسي الى من أتوجه بأفلامي واين موقعي؟ كنت قد تعبت من الجمهور
النخبوي وهو تعب مني ايضاً." مما لا شك فيه ان تجربة "طيارة من ورق" كانت
بداية تبلور تلك العلاقة بين المخرجة والجمهور حيث حظي الفيلم بجماهيرية
جيدة وعُرض في أوروبا وأميركا لاسيما بعد فوزه بجائزة الاسد الفضة في
مهرجان البندقية العام 2003. بعد ان كتبت
Too bad For Them في إطار كوميدي موجه الى الجمهور الكبير، كما
تقول، رفضت محطة "آرتي" الفرنسيةالالمانية التي انتجت افلام المخرجة
السابقة تمويله بسبب جنوحه الى تلك الجماهيرية. "حتى الافلام التجارية
تواجه صعوبة تمويل" تقول ممازحة. ثم كانت الصدفة الثالثة عندما التقت
المخرجة هيفاء وهبي عند سماحة في لوس انجيليس. وكان الكلام الذي تردد
طويلاً بعيد زيارة سماحة الى لبنان ولقائه وهبي طاول مشروعاً هوليوودياً
يجمعهما. وإذ تعثر الأخير، وجدت الشهال في وهبي البطلة المناسبة لفيلمها:
"أعتقد ان هيفا ممثلة جيدة فضلاً عن انها طريفة وذكية جداً. بعدما التقيتها
عند ايلي، أعدت كتابة الدور لها وهذا ما افعله دوماً عندما أقتنع بممثل."
الهوية في ضوء تأكيدات المنتج على ان الفيلم سيكون اميركياً، يحضر السؤال بديهياً حول النقلة التي تقوم بها المخرجة من سينما تأخذ هوية مخرجها الى سينما لا تعترف سوى بهوية منتجها. تعزز الشهال كلام سماحة من ان الفيلم لن يكون فيلماً لبنانياً او عربياً "انه فيلم عالمي، يجمع شخصيات عربية واميركية وربما يكون ناطقاً باللغتين. ثم ما اهمية تحديد ما اذا كان الفيلم عربياً او اميركياً؟" لعله من المثير هنا مناقشة سؤال المخرجة في ضوء التحول الذي تشهده مسيرتها. فعندما كانت تنجز افلامها بتمويل اوروبي كانت تلك الافلام لبنانية، منسوبة الى مخرجتها. اما مع تحولها في مشروعها المقبل الى نظام انتاج مختلف في صناعة كبرى، فإنه من البديهي ان يأخد الفيلم هوية منتجه. عن ذلك تقول: "افلامي السابقة كانت اوروبية. لبنانيتها كانت نابعة من لبنانيتي ومن اصراري على ذكر انتمائي الى هذا البلد. لن يتغير ذلك مع المشروع المقبل. سأبقى لبنانية تقوم بإخراج فيلم هو مزيج من هنا وهناك وهذا ليس بجديد إذ ان مزيجاً مماثلاً من لبنانيين وفرنسيين كان موجوداً في افلامي السابقة ان لم يكن في القصة فعلى الاقل في فريق العمل." يؤكد سماحة ان طريقة العمل نفسها بالنسبة الى فريق العمل المختلط سيتم التعامل بها في Too Bad for Them. وفي التفاصيل العملية للمشروع انه سيتم تصويره بين تشرين الثاني وكانون الاول من العام الحالي في اسبانيا او تونس او ربما لبنان، تاركاً للخيار الاخير املاً ضئيلاً بسبب الاوضاع الامنية غير المستقرة. كما اشار سماحة الى ان النجوم المؤكدة مشاركتهم الى الآن هم فال كيلمر وفيكتوريا ابريل وفاهينا جيوكونتي وبيلي زين مؤكداً ان آخرين سينضمون الى الفريق في الفترة المقبلة. وفي ظل تكتمه على موازنة العمل، أكد انه لن يقل عن اي عمل هوليوودي ينتجه. وعن صعوبة إدخاله مخرجة لبنانية الى هوليوود يقول: "انه عمل المنتج ان يؤمن بالمخرج وبالسيناريو قبل ان يقرر المحاربة لأجلهما. بالنسبة الي، المخرج هو الأساس. أعمل دوماً مع مخرجين اؤمن بهم ورنده باتت واحدة منهم." كشف سماحة عن مشروع آخر أنتجه مع فنان لبناني هو باسم فغالي في إطار موهبة الأخير في تقليد الفنانين، موضحاً ان الفيلم لن يُعرض في الصالات ولكنه بيع الى محطات تلفزة وكايبل. اما مع الشهال، فربما يكون Too Bad For Them فاتحة لسلسلة افلام، إذ ان المخرجة عرضت عليه سيناريوين آخرين أحدهما عن صلاح الدين الايوبي ولكنه كان من المبكر الدخول فيه بحسب سماحة في الوقت الذي كان ريدلي سكوت يعرض Kingdom of Heaven. أخيراً تقول الشهال: "هناك حوار دائم بيننا حول الفيلم. فأن لا أعرف اسلوب العمل هناك. ولكن كلينا يلتقي مع الآخر في بحثه عن شيء جديد في مسيرته." المستقبل اللبنانية في 29 يوليو 2005 |