ثلاث رحلات ثلاث لغات وثلاثة احتفالات دفن للعامل السري...
ابراهيم العريس |
يلعب الرقم ثلاثة دوراً أساسياً في فيلم «ثلاثة احتفالات دفن»، وهو الأول الذي يخرجه الممثل الأميركي المعروف تومي – لي جونز. بل ان هذا الرقم يبدأ بممارسة دوره من قبل أن يتحول الفيلم الى مشروع فحقيقة. اذ يروي جونز ان الفكرة ولدت «حين كنا معاً نحن الثلاثة في مزرعة صيد في تكساس. يومها كنا في السيارة عائدين معاً، حين نظرت الى صديقي وقلنا لبعضنا البعض: «ان في هذه السيارة مواهب كثيرة مجتمعة، فلم لا نحقق فيلماً معاً». كان ذلك قبل أربع سنوات... أما الثلاثة الذين يتحدث عنهم جونز فهم، اضافة اليه، كاتب السيناريو المكسيكي غييرمو آرياغا، والمنتج مايكل فيتزجيرالد. والحال أن تلك العبارة المقتضبة تحولت فيلماً عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، وفاز – من دون أن يكون أحد قد توقع ذلك – بجائزتين: جائزة السيناريو لآرياغا، وجائزة أفضل ممثل لتومي – لي جونز. والغريب ان هذا الأخير لم يحاول أن يخفي غضبه في حفل اعلان الجوائز، ازاء لجنة التحكيم: ربما كان يريد السعفة الذهبية، أو جائزة الاخراج... ويقيناً أن لجنة التحكيم لم تجده مستحقاً لهما. بل يقيناً أن وجود الممثلة المكسيكية (من أصل لبناني) سلمى حايك في لجنة التحكيم، كان هو – لا جودة الفيلم واستثنائيته - ما وفر له جائزتين رأى كثر من الحضور والنقاد انه لم يستحقهما. ومع هذا لا يمكن القول ان فيلم «ثلاثة احتفالات دفن» ليس فيلماً متميزاً... وكان – بالفعل – سيبدو جديراً حقاً بما فاز به، لولا أن الدورة «الكانية» نفسها حفلت هذه المرة بتحف تفوقه قوة وجمالاً. ثلاثة أبعاد ومهما يكن من أمر، يمكن هنا أن نطرح مسألة «كان» واستحقاق الجائزة أو عدم استحقاقها لتتوقف عند فيلم لا يخلو من قوة وجمال، ومن معان عميقة أيضاً. والحال أن أي توقف في الفيلم لا يمكن أن يبدأ الا من الدور الذي يلعبه الرقم 3 فيه. فهو موجود منذ العنوان الذي يشير الى دفن شخصية رئيسية فيه ثلاث مرات. ثم هو موجود عبر تقسيم الفيلم الى ثلاثة فصول، يختتم كل منها بدفن. وهو موجود من خلال ثلاثية اللغة المحكية فيه بالانكليزية التكساسية، المكسيكية، ثم الثالثة الهجين التي هي خليط بين اللغتين. والرقم 3 موجود أيضاً عبر الرحلة التي يقوم بها أشخاص الفيلم الثلاثة بين غربي تكساس وشمال المكسيك: اثنان حيّان، وثالث ميت، هو عبارة عن جثمان ينقل من مكان الى آخر لكي يدفن. كذلك فإن بداية الفيلم (حديثاً لا كرونولوجياً) تبدأ بالثلاثي الخالد: الزوج والزوجة والعشيق. ولكي لا يبدو هذا كله منتمياً الى الكلمات المتقاطعة نعيد تركيب الحكاية: انها عن عامل مكسيكي بائس، هو واحد من عشرات الألوف الذين ينتقلون سراً من المكسيك الى الولايات المتحدة عبر الحدود المشتركة، ليعملوا ويكسبوا رزقهم بعد أن ضاقت بهم السبل في وطنهم. هذا العامل يدعى ملكياديس استرادا... وهو يقتل ذات يوم، عن طريق الخطأ، على يد حارس حدود أميركي شاب لم يكن، وهو يقتله، يعرف أصلاً أن هذا العامل كان أقام علاقة مع زوجته هو – أي زوجة الحارس -. عندما قتل الحارس العامل، كان يعتبر الأمر مجرد خطأ، لذلك دفنه في الصحراء القاحلة مكان حدوث الجريمة وقد خيل اليه ان الأمر انتهى على ذلك النحو، هو الذي يعرف ان مئات من أمثال استرادا يقتلون ويموتون في كل حين من دون أن ينتبه لهم أحد أو يأبه بحالهم... مثلهم في هذا مثل الملايين في أنحاء كثيرة من العالم. لكن حظ القاتل هذه المرة كان سيئاً... ذلك ان العامل القتيل كان قد أقام صداقة مع مدير مزرعة أميركي هو بيت بركنز (تومي – لي جونز)... وكان هذا قد وعده في الماضي بأنه لو حدث له يوماً أن مات، سيدفنه في مسقط رأسه المكسيكي وسط احتفال مهيب. وبركنز حين يكتشف جثة صديقه مدفونة مهملة في الصحراء، سيتذكر وعده... لكنه سيقرر أيضاً معاقبة القاتل حين يكتشفه. في انتظار ذلك، كانت السلطات قد وضعت يدها على القضية وسحبت جثمان القتيل من مدفنه العشوائي الذي وضعه فيه القاتل في «احتفال» الدفن الأول، لتدفنه – للمرة الثانية – في مقبرة البلدة. ومن هنا، حين يتبين لبركنز ان القاتل هو حارس الحدود الشاب مايك نورتون (باري بيير)، ينبش الجثمان مجبراً القاتل على التحرك معه تحت وطأة هذا الحمل، في رحلة يتشارك فيها الثلاثة معاً، للوصول الى حيث سيدفن ملكياديس للمرة الثالثة في بلدته الأصلية. الجوهر الانساني ومن هنا، بدءاً، من تلك اللحظة يتحول الفيلم الى حكاية عن ثلاث رحلات متزامنة: رحلة جثمان ملكياديس العائد الى وطنه الأصلي لكي يحتضنه ترابه، ورحلة بركنز التي هي وفاء بالعهد الذي كان قطعه على نفسه، ثم أخيراً – خصوصاً – رحلة القاتل من العتمة الى النور، ومن الجريمة والذنب الى الغفران. وهنا في ثلاثية الرحلة هذه، يكمن جوهر هذا الفيلم العميق في انسانيته. انه جوهر يبدو أساسياً وحاسماً في هذا الفيلم، ولكن – لأننا هنا أمام حكاية سينمائية في الدرجة الأولى، لا أمام ما كان يمكن أن يكون مجرد أمثولة أخلاقية -، ولأن تومي – لي جونز، ممثل الفيلم الرئيسي ومخرجه وصاحب فكرته الأساسية، هو ابن تلك المنطقة بالذات وأراد، كمخرج، أن يقدم في الفيلم تحية حارة الى منطقته وجمالها الطبيعي والوحشي الأخاذ، تحول الفيلم كله من فيلم أخلاقي – فكري، الى فيلم عن المكان، فيلم يلعب فيه المكان الدور الأول. وهذا ما يضعنا مباشرة وسط أجواء تبدو مستمدة من التراث العريق لأفلام رعاة البقر والغرب الأميركي: فألوان الجبال ولا نهائية الوديان والطبيعة البكر، ولحظات التمازج المطلق بين الطبيعة والانسان، واختلاط الميت بالأحياء على طول الرحلة، والبشر القلائل الذين يصادفهم المرء – ولا سيما ذلك العجوز الذي يطلب من العابرين أن يقتلوه لتحقيق اندماجه الكلي في الأرض والطبيعة -، كل هذا يضفي على المكان، أي على المناطق التي يتم اجتيازها خلال الرحلة، طابعاً ميتافيزيقياً خلاباً، فتصبح الطبيعة شخصية أساسية في الفيلم. لكن الأمور ليست على مثل هذا الجمال البريء... ذلك ان الفيلم، سرعان ما يعود ليذكرنا بين الفينة والأخرى بكم أن هذه الحدود، ذات الطبيعة القاسية، انما هي فاصل بين عالمين، من دون أن يكون للطبيعة نفسها أي دخل في ذلك الفصل: عالم الجوع وعالم الشبع، عالم الفقر وعالم الثروة، عالم القسوة وعالم الاحتيال على العيش. ومن خلال هذا التذكر يضعنا الفيلم على تماس حقيقي، انما مقنّع هنا بعض الشيء، مع واحدة من أخصب المعضلات التي تجابه العالم الحديث، حتى وان كان من الصعب على المتفرج أن يخمن أنه هنا، عند الحدود المدهشة بين المكسيك والولايات المتحدة، يعيش حقاً في العصور الحديثة. السلطات الحدودية، بأسلحتها وضروب قمعها، بمصالحها السياسية والاقتصادية، هي الوحيدة التي تذكر بهذا. أما البشر العاديون فإنهم يعيشون حياتهم ولا يأبهون لحدود تفصل بينهم وبين أماكن رزقهم. العنف والقتل يأتيان لاحقاً ليذكرانهم بهذا... وهذا هو بالتحديد ما يبثور بركنز عليه، وليس فقط انطلاقاً من كون الضحية، هذه المرة، صديقاً له. فالمسألة – في نيات السيناريو على الأقل – تتجاوز المسألة الشخصية ولعبة الصداقة، لتعالج معضلة عامة... فيما أتى الاخراج ليعيد اللعبة الى خصوصيتها الضيقة، ويعيد تحويل القضية العامة، الى مسألة شخصية تبرر القيام برحلة العودة... ما يدفعنا الى التساؤل: وماذا عن ألوف الضحايا الآخرين من الذين ليس لهم بين السكان الأميركيين الشماليين أصدقاء يثأرون لهم بطريقة أو بأخرى؟ امتزاج ثقافتين مهما يكن من أمر يبقى ان تومي لي جونز، أبقى فيلمه عند حدود الأمثولة الأخلاقية وقد حرص على أن يبعده عن السياسة قدر الامكان. ومن هنا لم يكن غريباً على كاتب سيناريو الفيلم أن يقول في صدد حديثه عن فيلمه هذا: «انني في هذا الفيلم أردت أن أؤكد على انه، مهما كانت هوياتنا أو جنسياتنا، يمكننا أن نبقى أصدقاء وأن ننجح في التفاهم مع بعضنا البعض... ففي نهاية الأمر، نحن نجابه المعضلات نفسها التي يجابهها جارنا الذي نرفضه...» وكأنه بهذا يرجع معنى الفيلم الى تومي لي جونز، الذي يبدو واضحاً أن هذا المعنى يشكل جزءاً من نظرته الأخلاقية نفسها... اذ، بعد كل شيء، لم ينكر آرياغا أبداً أنه انما كتب السيناريو انطلاقاً من رغبات جونز وفهمه للأمور... حتى وان كان يضيف مبدياً فخره بأنه يشعر، من خلال هذا الاهتمام الذي يبديه جونز، بأن الثقافتين «عند تلك المنطقة من العالم قد بدأتا بالتمازج... وفي المعنى الايجابي للكلمة»... وهذا التمازج الذي يصبح في نهاية الفيلم مآل القاتل والدرس الأخلاقي – الديني الذي يتعلمه، هو – كما يبدو – الدافع الذي كمن في خلفية هذا المشروع من أساسه. الحياة اللبنانية في 29 يوليو 2005 |
فيلم ايطالي صورت مشاهده الأساسية في سورية: «7 كلم عن القدس»: حوار الانسان وضميره دمشق – وفاء صبيح على رغم حساسية المواضيع الدينية في الوطن العربي، بدأ في سورية تصوير الفيلم الجديد «7 كلم عن القدس» وهو فيلم مشترك ايطالي - سوري يتحدث عن رجل ايطالي يعيش في داخله صراعاً بين حياته الشخصية والمادية، يفقد بسببه اصدقاءه وزوجته وعمله... ما يدفعه الى البحث عن ذاته والوقوف على الاسباب التي أدت الى فقدانه أقرب المقربين اليه. وفي لحظة صفاء يشعر بضرورة الذهاب الى القدس... وبالفعل يقوم بطل الفيلم (اليساندرو) بالسفر الى القدس، وخلال رحلته يتصور ظهور السيد المسيح عليه ويجري بينهما حوار. ونتيجة لذلك ينشأ نوع من التفاهم والتسامح الذي يأخذ طابعاً عصرياً، حيث يبدأ البطل بطرح مشكلات العالم المعاصر فيما السيد المسيح يقدم آياته بشكل عصري.. واللعبة الاخراجية تكمن في أنه لا يمكن للمشاهد التأكد من ان بطل الفيلم شاهد السيد المسيح أم أن الامر مجرد رؤيا.. وسواء كان الامر رؤيا أو ظهوراً فان البطل يعود الى ايطاليا ويسترجع عمله وزوجته وأولاده وأقاربه... الخ ولدى سؤال «الحياة» كاتب السيناريو بينو مرينوتي على هامش المؤتمر الصحافي الذي عقد بمناسبة بدء التصوير في دمشق عن «مدى واقعية العمل والرسالة التي أراد ايصالها» أكد ان عمله واقعي لكنه لا يهدف من خلاله اجراء حوار بين الرب والبشر وانما الى تركيز الضوء على «بعض التصرفات المعاصرة التي يمكن تجاوزها من خلال التسامح والمحبة». من جهته اكد المخرج كلاوديو مالابونتي وهو مخرج معروف في ايطاليا بأن تصوير الفيلم كان مقرراً ان يكون في المغرب وفي اللحظات الاخيرة التقى بصديقة ايطالية له تدعى ماريانا توباسيك مسؤولة التنسيق والاعلام في شركة «ارتيكا» عرضت عليه صوراً التقطتها في سورية فدهشت عند مشاهدتها وقرر نقل مكان التصوير الى سورية. ولدى سؤال «الحياة» عن مواقع التصوير المعتمدة أكد بونتي ان التصوير سيشمل دمشق، معلولا، اللاذقية وحلب ومن ثم الانتقال الى ايطاليا. وحول سبب اصراره على التصوير في سورية اكد المخرج انه وجد شوارع وحواري القدس تشبه الى حد كبير شوارع وحواري دمشق ولهذا قرر التصوير في سورية منوهاً في الوقت نفسه بأنه لم يذهب الى القدس بسبب المشكلات التي تعاني منها المنطقة. ويشارك في العمل الممثل لوكا ورد بدور اليساندرو، وروزالينا شيلنتانو اليساندر وهابرايزا بارزيزا، اليونورا بريكليادوري، جيوفانا نودريا، ومن الجانب السوري سعد الغفري، عادل علي، لينا العبد، زياد جرجس الريس، مروان شمشيخ اضافة الى عبد الغني بلاط والمشرف الفني عماد سيف الدين. والفيلم من انتاج ارتيكا للانتاج السينمائي بمشاركة «سينما الراي» ومالتي ميديا ساو باولو، ويتوقع خلال عرضه في بداية 2006 ان «يشكل نقلة نوعية في تاريخ السينما الايطالية»، بحسب رأي مخرجه على الاقل. الحياة اللبنانية في 29 يوليو 2005 |