جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

بين فنون التشكيل الجديدة و الفلم

بقلم الباحث البولندي بيوتر كراكوفسكي *

ترجمة عدنان المبارك

 

ثمة رباط وثيق بين إشكالية فن الهبيننغ happening وعموما ما يسمى الفعلية actionism ، والفلم الطلائعي ، وقبل كل شيء ما يسمى بسينما تحت الأرض underground cinema . وهي ظاهر ة شائعة في الغرب أن يعمل التشكيليون الطلائعيون أفلاما أيضا ، كما يشارك الطلائعيون الفلميون بنشاط ٍ في إعداد مفاهيم للفن جديدة و متطرفة في نزعتها الطلائعية أيضا.

أكيد أن علاقات الفلم الطلائعي بالفنون التشكيلية ليست بالجديدة إذ تعود الى التجارب من العشرينات. و يميّز يرغين كلاوس J. Claus بين ثلاثة أنواع من الفلم المعتمد على مباديء تشكيلية ، وكلها تعود الى فترة ما بين الحربين. وقد يكون المقصود هنا ، على سبيل المثال ، الفلم التجريدي الملون أو المرسوم مباشرة على الشريط ، أو المصنوع عن طريق إستغلال تكوينات تجريدية أو عناصرها. و ينبغي البحث عن بدايات هذه التكوينات التجريدية لدى ريكتير Richter و أيغيلنغ Eggeling . وكانت قد نشأت من مفهوم إطالة و تطوير اللوحة الفنية في أنظمة إيقاعية . ووفق مفهوم ريكتير ينبغي على ان الفلم أن ُيمنح فرصة ( إنهاء الطريق الخاص الذي بدأ في التصوير لكنه لا يمكن أن يتحقق عبر الفنون التشكيلية وحدها ) [ 1 ]. في الحالة الثانية لكان علينا التعامل مع الفلم الذي يستغل أشياءاً فعلية إلا أن الشيء في مثل هذا الفلم يمكن أن يكون موضوعا فعليا أو مجرد حجة للتعبير عن شيء آخر. وفي مصادر فلم الأشياء هناك محاولات مثل ( الباليه الميكانيكي ) من عام 1924 لليجيه ، و ( Rayoramme ) من عام 1921 و ( Le retour a la raison ) لمان ري Man Ray من عام 1923 أو ( Vormittagsspuk ) لريكتير من عام 1927. وفي الأخير هناك الفلم ذو المضمون سواء الواضح الذي لا يحتمل التأويل أو الآخر الذي تكون الصلات بين مضامينه متخلخلة. و في الخلق الفلمي الذي يملك مثل هذا الطابع نلقى المعارضة للأفلام التجريدية ومع التأكيد على القيم ذات الدلالة الرمزية – المجازية. و في حقبة ما بين الحربين كانت هناك أفلام السورياليين أي ( Entr acte ) ، من عام 1924 ،لبيكابيا و رينيه كلير ، و ( الكلب الأندلسي ) من عام 1929 ،و ( القرن الذهبي ) من عام 1930 ، لبونويل و دالي ، كما كانت هناك أفلام جيرمين ديلاك G.. Dulac . و يكتب بونويل عن ( الكلب الأندلسي ) : ( يكون هذا الفلم ، تأريخيا ، رد فعل عنيفا ضد الحركة التي نُعتت بالطلائعية ، وكانت أعمالها قد تكرست للعبة الأضواء و الظلال و التأثيرات الفوتوغرافية و مونتاجها الإيقاعي و تجاربها التقنية المتوجهة صوب الحساسية الفنية و فكر المتفرج فقط ) [2]. لكن هذا لايعني أن أنصار الفلم الذي يستغل مغانم السوريالية قد عادوا الى الدعوة الى فعل السرد بالمعنى التقليدي ، والى البحث عن صلات قربى مع الأدب والمسرح. إن مثل هذا النوع من الصفات في الفلم غتبرتها جيرمين ديلاك ( خطأ إجراميا ).و لاينبغي نسيان أن جميع المنفذين الفلميين الفرنسيين المرتبطين بالسوريالية كانوا ممثلي ما يسمى بالسينما النقية cinema pur ، إذن كانوا معارضين لما وصفه الكسندر آستريك A.Astruc بالعلاقة مع الفلم ك( كاميرا – قلم camera – stylo ) أي السينما - الأدبية السردية الصرفة.

في الأبحاث المكرسة للفلم التجريبي الجديد بعد الحر ب العالمية الثانية جاء التأكيد على المساعي الى الإستقلال التام لهذا النوع الفني. ومن الفلم أرادوا ( إستثناء جميع القضايا والقيم غير الفلمية ) وفق قول فلهلم وبريغيت هاين W. , B. Hein وهكذا فالمقصود فحص و بحث أنظمته الخاصة [ 3 ]. و تصبح المشكلة الأهم شعار ( الفلم كفن ٍ ). وهكذا توّجه الإنتباه الى طرق العمل والوسائط الفنية التي يمكن إدخالها على الفلم ثم تناول إشكاليات الفلم كلغة ٍ، وبعدها الى الموقف المُعبَّر عنه في الفلم و المعارِض للمجتمع ، وفي الأخير الموقف من الجمهور و المتلقي.

و تتبدى هذه المشاكل بمختلف الدرجات لدى شتى خالقي الفلم الطلائعي لما بعد الحرب أمثال : Maya deren ,Dick Higgins ,Robert Breer ,Sidney Peterson ,Harry Smith, Andy Warhol ,Stan Bakhage , Peter Kubelka , Alfredo Leonardi , Gregory J . Markopoulos , Ernst Schmidt , Michael Snow , Peter Weibel , Valie Export , George Landow , Wilhelm, Brigit Hein , Stan Vanderbeek , Gerd Dalmann , Kurt Kren , Va;ldo Kristl و آخرين. وعلى الضد من الفلم التجاري الموسوم ، بقوة ،بالتقاليد الأدبية و المسرحية يسعى الفلم المسمى بالطلائعي الى العثور على ( لغته ) الخاصة وقبل كل شيء تحريره من العناصر الأدبية و ( من كل قصة تقليدية وما يناسب تبريرها النفسي ) كما يقول ريكتير [ 4 ]. و من أجل صياغة الوسائط الفنية ، على الخامات الفلمية أن تعثر على سبل جديدة للعمل. ومن القيم الدرامية يتم الإنتقال الواضح الى القيم المادية للفلم ممايرتبط لدرجة ملحوظة بقضايا الشكل ولكن ليس فقط . يقول جوناس ميكاس J. Mekas إن الفلم الجديد تماما ،شأن الموسيقى الجديدة تماما أو التصوير ، يستحق المشاهدة، أما البقية كلها فهي محض محاكاة محرومة من جميع القيم وغير نافعة. ( الفلم الجديد المتحرر من جميع المحدوديات العقلانية لاغير ( ...) ، إن الفنان لا يعيد خلق الطبيعة ، إنه يعمل مثل الطبيعة ، والفلم الجديد تماما هو " الطبيعة " و البقية هي " فضلات ") [ 5 ] وكما تقول مايا ديرين إن المقصود في الفلم الطلائعي هو العمل ضد الواقع المعروف والمعترف به و تغييره بأسلوب يناسب معايير الفنان. لذلك ينبغي فحص علاقات الفلم بالأدب و المسرح على حد سواء ، و بالتصوير أيضا رغم أنه في هذه الحالة ثمة فوارق جوهرية للغاية. من ناحية أخرى ينبغي تذكر أنه في كسر التقاليد الغريبة على الفلم لعب دورا جوهريا التشكيليون الطلائعيون فهم الذين أشاروا ، قبل غيرهم ، الى إتجاه التحرر أو التبعية. وهكذا فالعلاقات مع الفنون التشكيلية في هذه الحالة هي أكيدة.

معلوم أن التجريديين أول من طرح فكرة ( الشكل النقي ). وقال ليجيه ( لقد صفى الإنطباعيون الموضوع الى النصف ونحن سنقوم بالباقي) [ 6] و في الوقت نفسه إكتشِف الفلم التجريدي ، و يكفي أن نذكر هنا عمل إيغيلنغ ( Diagnol Symphonie ) ، حيث عوملت الشاشة كسطح للوحة بالغ الكبر . وبعدها ساعد الدادائيون على تصفية جميع التقاليد ، أما السورياليون فقد وجهوا الفلم صوب عالم أحلام النوم. و الفلم السوريالي ( أعمال ديلاك وبونويل مثلا ) جاء كرد فعل على الفلم التجريدي الذي كان لامباليا وغير نقدي أزاء القضايا الإجتماعية. و قد طوّر السورياليون تقنية المونتاج المعتمدة على التعارضات و التصادمات التي تكون في الواقع متباعدة للغاية. و بالعناصر التي حصل تشكيلها بدأت التجارب النابعة من اللاوعي و المتجسدة في الصورة الفلمية.

ويعدّد هانز ريكتير الظواهر الجديدة في الفلم الطلائعي التي بقيت على علاقة وثيقة بتجارب التشكيليين : أوركسترة orchestration الحركة و الإيقاعات المرئية ، إظهار التعبير البلاستيكي للموضوع وهو في حركة ، و في شروط متبدلة للإنارة ثم إدخال الإيقاع على الأشياء العادية في الزمكان كي يكون بالإمكان إظهار الجمال فيها ( وهذا هو فضل ليجيه قبل غيره ) ، تشويه و تفكيك الشيء و الحركة ثم اعادة تشييدهما في ظروف سينمائية ( على المبدأ نفسه الذي أخذ به التكعيبيون عند التعامل مع الموضع في اللوحة ) ، تغريب الموضوع كي يمكن صياغته فيما بعد من جديد مع إستخدام الضوء الذي عند إستغلال شفافيته و مختلف أحوال شدته ، وجعله شعريا ودراميا وتشييديا في الوقت نفسه ، إستغلال الصفات السحرية للفلم كي يمكن التغلغل في الحالات الحلمية ، وفي الأخير : التحرر التام من جميع أنواع القص التقليدي وما يرتبط بها من دوافع نفسية أو نظام أحداث chronology أدبية. القصد هنا أن تكشف الأشياء المنتزعة من سياقها العادي والعام و الموضوعة في أنظمة و أحوال تبعيةٍ جديدة ، عن تجارب جديدة غير معروفة لغايتها [ 7 ].

ينحدر التأريخ المبكر لسينما تحت الأرض الأميركية من الطليعة الأوربية و يصل بالصورة غير المباشرة الى مطلع العشرينات . و ليست بدون أهمية أسماء كهذه: Germaine Dulac , Man Ray , Alberto Cavalcanti , Rene Clair , Henri Chommete , Salvador Dali أوLuis Bunuel .كان هؤلاء رواد ( الخلق الفلمي الحر ) الذين عملوا وفق طرق فردية و حدسية. كانوا معنيين بأحلام النوم و قضية الشكل النقي و فيما بعد بظواهر اللون أيضا. و إستغلوا معتمدين على تجارب السورياليين ، شتى العلاقات الصورية بأسلوب مصدم ومفاجيء للمتفرج ، كما كانو ا يضمّنون أفلامهم ، سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، لهجات النقد الإجتماعي. إن ( فلم تحت الأرض ) يملك تأريخه الطويل . ولذلك كان ، في البدء ، واضحا في هذه الأفلام الأميركية تأثير الفلم الأوربي وخاصة الفرنسي . و في عام 1940 هاجر الى الولايات المتحجدة هانز ريكتير سوية مع ممثلي الطليعة الأوربية. و كان ذلك دافعا جوهريا لفناني و خالقي السينما التجريبية الأميركية التي بدأ نشاطها يتطور تحت إسم ( سينما تحت الأرض ). وتأريخ هذا الفلم بدأته التجارب المبكرة لموريس أنغيل M.Angel و ليونيل روغوسين L. Rogosin . و في الأربعينات صادف نشاط فيلارد ماسا W. Maasa وماري مينكين M. Menken . وفي مطلع الخمسينات جاءت أولى أفلام روبرت برير R. Breer وستان بريكهيج S.Brakhage و جوناس ميكاسJ. Mekas . في الوقت نفسه صار معروفا مفهوم _(فلم تحت الأرض underground film ).لكن قبلها بكثير ، أي في عام 1934 نفذ السينميائيون الأميركان المستقلون جيمس سبلي واتسن J. Sibley و ملفيل ويبير M. Webber فلم ( لوط في سدوم ) الذي يعد أحد أكبر الأفلام الطلائعية الأميركية. و في عامي 1940 و1941 قامت مايا ديرين وغريغوري ماركوبولوس و كينيث أنغير بأولى تجاربهم الفلمية. و في عام 1945 أخرجت مايا ديرين فلم (شِراك مابعد الظهر Meshes of the Afternoon ). و بعدها بأربع أعوام أنهى هانز ريكتير فلم ( أحلام يمكن شراؤها بالنقود Dreams that money can buy ). وفي ذلك الوقت ظهرت أفلام تالية لماركوبولوس و أنغير و سميث. وهذه التواريخ والوقائع المتعلقة بالطليعة الفلمية الأميركية التي طوّرت نشاطها ُبعيد الحرب العالمية الثانية قد سبقت حقبة إزدهار سينما تحت الأرض و التي كان القصد من إسمها التأكيد على ضرورة الإنفصال عن الستوديوهات الرسمية ، و إنتاج الأفلام ( تحت الأرض ) بصورة ما. و في عام 1957 كتب ستانلي بريكهيج : ( لا مكان للفنان في في الستوديوهات السينمائية. فهناك ، عامةً ، أشكال مكيَّفة من المسرح و الأدب ، والفلم هناك هو في أحسن الأحوال إطالةٌ للفن المسرحي، وللروايةفي أسوءها. وعلى أساس مثل هذا الواقع ففي أيّ نظام مقنن للإنتاج الفلمي لا يمكن أن يولد الفن. ربما في يوم ما سيُطرح مبدأ الفلم كفن ٍ ) [ 8 ]. كذلك عبر عن رأيه السلبي بالإنتاج السينمائي الرسمي غريغوري جي. ماركوبولوس في مقاله ( وضع الخالق الفلمي ). برأيه أن الخالق الفلمي الطموح الذي يعتبر العمل في الفلم ملزِ ما بشيء ، ولا يعتمد على آيدولوجيا غير راهنة كثيرا أو قليلا ، يجد نفسه مرغما على أن يعمل في عزلة تامة ).

بُعيد الحرب العالمية الثانية كان أمرا مميزا للطليعة الفلمية الأميركية أن مفاهيم ( فلم تحت الأرض ) و ( السينما الأخرى ) و ( الفلم المستقل ) لم تكن إشارة الى التغيرات الراديكالية والمواقف الفنية الجديدة بل شهدت هي على معارضة الإتفاقات الإجتماعية القائمة إزاء جهاز السلطة الذي يريد باسلوب آمري ، السيطرة على جميع حقول الفن والوسائط الأخرى للإتصال. إن أفلام ( السينما الأميركية الجديدة .N.A.C ) كانت في البدء تقليدية فيما يخص الشكل، ولعب الدور الرئيسي فيها الموقف المعادي للنزعة التجارية إضافة الى بعض الطروحات الأخلاقية. إذن كان إحتجاج الطليعة موجها بالدرجة الرئيسية ضد رأسملة capitalization جميع حقول حياة الإنسان المعاصر ، وضد تغريب وتشييء reification العلاقات بين الناس ، كذلك كان المقصود في الفترة الأولى هو إظهار السيادة الفردية إزاء الصناعة الفلمية الخاضعة للإحتكار. والسينمائي النمساوي أرنست شميدت E. Schmidt المساهم في تأسيس ( Austeria Filmmakers Cooperative ) يقول بإنه لكان شيئا نموذجيا لو تم غلق جميع شركات السينما ودورها و ستوديوهاتها وسرِّح المخرجون و الممثلون و النقاد كي يقوم كل واحد وفق رغبته بإنشاء شركة للسينما أو دار لها وإلى آخره ، و إستخدام الكاميرا وعمل كل شيء في مجال فن الفلم ، و إنتاج الأفلام .

و في الخمسينات حصلت في السينما التجريبية الأميركية تحولات مهمة تابعتها و سجلتها مجلة ( Film Culture ) التي كانت قد تأسست أنذاك و جمعت حولها الخالقين و النقاد على السواء. وبعد أن إرتبطت الأفلام المبكرة بالتجريدية و السوريالية ( و إن كانت قد جرت فيها محاولات فنية مجددة ) نجد الآن أن الأعمال الجديدة قد كشفت عن نزعات أكثر تنوعا. و بعد عام 1950 كان من السهل إظهار أن في الفلم الطلائعي الأميركي آنذاك ، سادت الأمزجة الشعرية. و الحلقة الدراسية المنظمة في الثامن والعشرين من تشرين أول / اكتوبر عام 1953 ، كانت تحمل إسم ( الشعر والفلم ) ، وجوناس ميكاس كان ينعت في عام 1963 أبرز ممثلي الطليعة الفلمية في الولايات المتحدة ب( شعراء الفلم ).

و تبلورت ( السينما الأميركية الجديدة ) بصورة نهائية حوالي عام 1960. وقد وجدت تعريفا لها في البدء كسينما ( نقية ) مكتفية ذاتيا و شعرية أعلن ممثلوها : ( لانريد أيّ أفلام مزيفة و مصقولة وناعمة. نحن نرغب في أن تكون خشنة غير مصقولة لكن مليئة بالحياة ، لانريد أفلاما باللون الوردي - نريدها بلون الدم ) [ 9 ]. ودافع ممثلو السينما الشعرية الأميركية بالحجج نفسها أمام الفلم التجريدي الذي كان قد لقي ، أعدادا متزايدة ، من الأنصار في فترة إقامة ريكتير في الولايات المتحدة. ولكن على سبيل المثال عبّرت مايا ديرين ممثلةُ الجيل القديم للطليعة الفلمية عن رأيها حول موضوع الأفلام التجريدية. وكان رأيا سلبيا بشكل حاسم : ( ِعبر نقدي الاساسي الذي يخص الفكرة الكامنة في الفلم التجريدي العادي أرغب إظهار أن هذه الفكرة تبقى على نقيض من الخصائص المميزة للفلم أي معاملة العناصر الفعلية كواقع ، و بدلها يتم إدخال عناصر مصطنعة بدون إستثناء " وهذه وسيلة يؤخذ بها في التصوير ") [ 10 ]

إلا أنه في الوقت نفسه يمكن ملاحظة الإهتمام المتزايد بإمكانيات التعبير التشكيلية الصرفة مما يكون اساسا للتطور الجديد للفلم عامة. فالأمر لايقتصر الآن على الطرح الرمزي للواقع خارج الفلمي فقط ، بل المواجهة مع واقع الفلم نفسه وعملية إعادة خلقه أيضا. و في عام 1969 كتب جورج لاندو في ( Film Culture ) : أرى أفلامي وقبل كل شيء كاعمال للفن و ليس دراسات فلسفية أو مذاهب أو شيء بهذا المعنى. [ 11] . وما يحدث في الأفلام يتم دائما في سياق البنية المرئية. وغالبما يكون ممكنا أن يرى المرء فيها شتى المماثلات أو الترابطات الذهنية و لكن على الدوام في مشروطيات الخامة المستخدَمة.

في عام 1962 يؤسس ميكاس ( Film Makers Cooperative ) التي أصبحت لبضع سنوات المركز َ الرئيسي لشتى التجارب الفلمية في الولايات المتحدة. وجماعة الفنانين المرتبطين بهذه الشركة إعتبرها النقاد من ( Film Culture ) خالقين طلائعيين يدعون الى نزعات جديدة في الفلم الأميركي وممثلين مهمين ل( السينما الأميركية الجديدة NAC ) ، و بين أهم هؤلاء جرى ذكر ستان بريكيج وماري مينكين و كينيث أنغير وغريغوري جي. ماركوبولوس و ستان فانديربريك وروبرت برير الذين قاموا حينها بتحولات جوهرية في السينما التجريبية الأميركية.

و بين أهم الخالقين ذوي المواهب المتعددة لِنعتبرْ ستان بريهيج. و كان أهم عمل له فلم ( فن الرؤيا The Art of Vision ) و الذي يستغرق خمس ساعات. و الشائق هنا أيضا أن هذا الفنان ، و إذا تجاوزنا السينمائيين مايك Mike و جورج George كوهاروف Kucharov من حي برونكس Bronx ، كان الأول من الطليعة الأميركية والذي بدأ يستخدم شريط 8 ملم و ثبّت نهائيا موقعه. وكانت مثيرة للإهتمام أفلامه من سلسلة ( Songs ) من عام 1964 و فلمه الكوميدي المخالِف ( Blue Moses ) أو فلمه عن البرق ( Fire of Waters ) الذي تميز بالصوت المحدود بنغمتين فقط. وفي أعوام 1967 – 1969 عمل بريكهيج في فلم طويل جدا ( 12 ساعة ) بعنوان ( Scenes from Under Childhood ) المتألف من ثلاثة أجزاء. وبعدها قطع صلته بالشركة المذكورة لكنه بقى على إتصال مع بعض السينمائيين القدامى من ( NAC ) كما ألقى بتأثير جوهري على الجيل الجديد من الخالقين الفلميين.

أكيد أن أفلام روبرت برير مثيرة للإهتمام خاصة أنه بدأ طريقه الفني كمصوّر تشكيلي. وحين كان في باريس وقع تحت تأثير ( البلاستيكية الجديدة ) . و تحددت لوحاته بثلاثة أو أربعة أشكال على القماشة . إلا أنه في الوقت نفسه يمكننا أن نلمس عنصرا دراميا معينا دفع بريمر ، بلا شك ، الى البحث عن أشكال جديدة للتعبير و بينها الفلم الذييمكن النطاق الواسع لإمكانيات التنوع فيه ، من عمل تكوين محدد. و بدا برير كأنه دخل عالم الفلم من الإتجاه المعاكس ، فقد بدأ بالأشكال الستاتيكية مما كان في البداية عقبة في التفرغ لقضايا الحركة. فحين خلق الفلم إعترف بأنه كان ( بصورة دائمة تحت تأثير واضح للتصوير ) [ 12 ] . كان الفلم لدى برير ( صورة فضائية ) مخلوقة كي يكون ممكنا إستخلاص توتر زمني محدد. كما أنه بنى الفلم كصورة ، أي من الداخل و بإتجاهين بشكل متزامن، إلا أنه أكد على أن ( لغة الفلم و لغة التصوير لا يكشفان عن أيّ شيء مشترك تقريباً ) [13 ].

كانت أفلام برير الأولى مثل مسلسل ( Form Phases ) ، قد كشفت عن الإهتمام بتحويل transformation أشكال معينة أثناء شتى أطوار الحركة. و قد سمح الفلم لهذا الفنان الأمريكي بنبذ صياغات موندريان ( المطلقة ) و فتح إمكانية التصرف الحر بمساعدة مجاز ٍ من طراز خاص أو رمز . وتكوّن أفلامه مفهوم الصورة وتشيّدها على الشاشة في الوقت ذاته. وكان برير قد ترك الفلم التجريدي الصرف ولو أنه لم يعمل أبدا أفلاما أدبية. وقد تكون العناوين وحدها هي العناصر الأدبية الوحيدة في أفلامه ..

كما تستحق الإنتباه أعمال هاري سميث المنحدر من عائلة (خيميائية - غيبية ). و نتاجه متنوع جدا ويعود الى سنة 1939. في البدء ، ولغاية سنة 1946 ، عمل على شريط السيللويد مباشرة ً، تكوينات تجريدية. وفي عام 1950 جاءت أيضا دراساته التجريدية متنوعةً ، و نفذها بمساعدة آلة إستنساخ بصرية. وفي نهاية الخمسينات ومطلع الستينات خلق في مختبره الكيميائي الخاص أعمالاً كولاجية شبه واقعية مستخدماً تقنية الحِيل . وكانت هذه على الغالب صورا فوتوغرافية إستنسخت الواحدة على الأخرى. و معلوم أنه في الكثير من الحالات كان سميث ينفذ أفلامه تحت تأثير شتى المخدرات مثل الماريهوانا و الهيروين و الكوكايين، و الكحول أيضا.

في أوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية كان هناك فنانون بينهم برونو موناري B. Munari الذي وجد أن الفلم هو شكل للبحث عن ( اللغة الموضوعية و البصرية و الأصيلة و المحرَّرة من كل عنصر شخصي و حكم أستيتيكي مسبق. إنه لغة بصرية تطرح ، بصورة طبيعية وحدسية ، تأثير العوامل التي تحدد وعينا و العالم ) [14 ]. وهناك جاك بريسو J.Brissot الذي يؤكد على خلق الإيقاع المناسب للصور كي يخلق بهذه الطريقة رؤية جديدة مرّكبة ، أو لنأخذ كارل أوتو غيتس الذي يتوجه بدوره صوب البحوث التقنية المكرسة لإستغلال الظواهر الألكترونية وقبل كل شيء ، اِلأجهزة التلفزيونية ، في الفنون التشكيلية. وفي فلميه ( I colori della luce ) من عام 1963 و ( Moire ) من عام 1964 ، واللذين نفذهما بالتعاون مع مارسيل بيكاردو ، قام بتجارب تقنية معينة. كذلك جاء فلمه (Inox ) إنسحارا حضاريا – تكنولوجيا. ونقرأ في كاتالوغ المعرض الخامس عشر ل( Premio Avezzano ) من عام 1964 ( أن الممثل الرئيسي للفلم هو الفولاذ غير المؤكسَد بكل جماله و لمعانه و إنعكاسات ألوانه وشكله الحي. إنه مادة المستقبل الغني التي ستُستخدَم في كل حقل من نشاط الإنسان . و فلم (Inox ) يستخدم لغة التقدم في ميدان الفنون الجميلة . ومسعاه العمل على قيام حوار مباشر مع المعماريين و المصممين وجميع الذين يتابعون الإمكانيات التي لا تحدّ لهذا المعدن ( ...) إن حيوية الفلم تتكشف بدون أيّ حيل ، بدون اللجوء الى السرد الأدبي : إنها صور للفولاذ ممثلة آلياًً ، و إحداها تنبض بالحياة ، وهي قادرة على التعبير عن جوهر هذا المعدن ) [ 15 ].

وطوال الستينات حصل تطور الفلم التجريبي بالعلاقة الوثيقة مع تطور الفن. و الدور الجوهري يلعبه الفنانون المرتبطون بتجمع (Fluxus )حيث يقومون بمواجهة الواقع نفسه بالواقع الفلمي. وهذه العلاقة سحرت بشكل خاص نام جون بيك N.J. Paik الذي أظهر ، مثلا ، في فلمه ( Zen for Film ) من عام 1962 الضوء النقي و الغبار والخربشات على الشريط فقط. و الجوهري في هذه الحالة هو الموقف العام الذي يعتمد على التخلي عن التقديم الخالق و قصر عمل الفنان على التجارب الأساسية : السمعية و البصرية ، الأمر الذي حدد ، من جديد ، أساس العمل الفني في نطاق الفلم [ 16 ].

لقد اكد الفنانون المرتبطون بحركة (Fluxus ) ، الى درجة أكبر على قضايا الشكل و التجارب التي تربط الفنون التشكيلية بالفلم . كما يمكن القول عن قضايا الفلم البنيوي أو التأملي الذي يكون أنصاره الرئيسيون الفنانين الأميركان من أمثال P.A.Sitny و Khollis Frampton و Micheal Snow و George Landow و Paul Sharts و Ken Jacobs . و كان لاندو و شاريتز مرتبطين بصورة وثيقة بالحركة المذكورة . ولاندو الذي بدأ عمله كمصّور تشكيلي أخرج أولى أفلامه ، وكان ذا طابع من الدادائية الجديدة ، في مطلع الستينات. حينها توجه صوب الفلم كارل لندر C. Linder . وتميزت أعماله بميل الى السوريالية و الأخذ بتقنية الكولاج و التداعيات الذهنية وفق فرويد.

كما لايمكن تجاهل حقيقة أن احد الممثلين الرئيسييين للبوب – آرت الأميركي أندي ورهول ( فارهول ) A.Warhol ترك في فترة معينة النشاط التشكيلي كي يتفرغ للفلم. كما معلوم أن ورهول ، وهو إبن مهاجر تشيكي [ في الحقيقة كان إبنا لمهاجر سلوفاكي - ملاحظة المترجم ] وبعد الدراسة في ( Carnegie Instute of Technology ) في بترسبورغ عمل في البدء كمنفذ يكورات لواجهات المخازن ومصورا للمجلات الخاصة بالموضة. و بعد عام 1960 بدأ ينشط كأحد خالقي البوب – آرت و أفلام ( تحت الأرض ). وفي عام 1963 جاء فلمه الأول ( Tarzan and Jane Regained...Sort of ) وبعدها أفلامه ( الستاتيكية ) المميزة لشخصيته مثل فلم ( Sleep ) الذي يستغرق عرضه ثمان ساعات وموضوعه بناية أمباير ستيت في الليل. وعنوان الفلم ( Empire ). بعدها أخذ يستخدم الكاميرا الصوتية وعمل أفلامادرامية قصيرة من موقع واحد. ولغاية الآن هناك أكثر من مائة فلم نفذها هذا الفنان. ومعظمها أخرجه في ذلك المصنع الشهير الكائن في الطابق السادس من إحدى بنايات مانهاتن. ويتفرغ ورهول الى أنشطة أخرى . فقد كان المبادر والمنسّق لكومونة البوب – آرت الكبيرة. ولديه تلامذته ويزوره هناك أصدقاؤه و الفنانون و الشعراء و السينمائيون المعروفون وعارضات الأزياء وكل بوهيميي نيويورك. و في سلسلة أفلامه بعنوان (Factory ) نشاهد تلك الشخصيات المحبطة و الآنوية و الشاذة وجميع موهوبي سينما ( تحت الأرض ) بل جيل السينمائيين الذين ربّاهم جاك سميث و رون رايس و كين جاكوبز. وكان أكثر من واحد يحلم ، آنذاك ، بأن يحيطه ( أندي المقدّس ) برعايته [ 17 ].

إن الصفة الأساسية لكامل فن ورهول هي التكرار repeating بمعنى تكامل الثيمة المرئية. والطابع الإستحواذي obsessive لهذه العملية يتكشف أيضا في أفلام هذا الفنان . مثلا في فلم ( Sleep ) الذي يظهر خلال ست ساعات ونصف إنسانا نائما ، طابقَ ورهول بين الزمنين الفعلي والفلمي. وكان قصده الموضعة objectivization والحصول بالوسائط الفلمية على معادل موح ٍ وعملية التكرار و إعادة وضعات معيّنة ، أو أفعال ، إنما تنبع من الرغبة في إعادة الخلق الدقيقة لواقع محدد . وما يقدّمه ورهول ليس الشيء في ذاته بل كذلك الوظيفة function في الزمان والمكان والتي تقوم بوصف وجودنا الإعتيادي. والفارق هو أن موضعة الزمن تعتمد في أفلام ورهول على مبدأ التكرار. وينحصر الفعل action بأبسط الأنشطة مثل النوم أو الأكل و التي تسجلها الكاميرا بدقة ومن دون خشية الإطالة ، مثلا فلما ( النوم ) و ( الأكل ) من عام 1963. وفي الأخير إعتمدت أعمال ورهول التشكيلية المبكرة على ثيمة التكرار أيضا. لكن من المعلوم أنه منذ عام 1963 أخذ الفلم يحتل المكان الأول في نشاطه. وفي النهاية أصبح وسيطته الفنية الوحيدة تقريبا.

كانت إشكاليات الإصطناع artificiality وقضيه تجسيده في موضع إهتمام ورهول . ويقول : إن جميع أفلامي هي مصطنعة. ولأن كل شيء مصطنع. لا أعرف أين ينتهي مايسمى بالمصطنع و يبدأ ما هو فعلي. وهذا المصطنع يسحرني ... [ 18 ] .

في أفلامه المبكرة خضع ورهول لتأثيرات من La Monte Young و Jackson Mc Low أو نام جون بيك . و بعدها نعثر في أفلامه على آثار لرونالد تافيل R. Tavel أو تشك فاين Ch. Wein ، وفي وقت متأخر قد نلمس تأثيرا لبول موريسي P. Morrissey . إلا أن كل هذه التأثيرات ليست بالجوهرية ، فالأهم ما صهر تلك الأفلام أي الفكرة و الإبتكار الخلاق ،وبعبارة أخرى فالأكثر جوهرا جاء من ورهول نفسه. أما التفاصيل أي المواد و البشر فقد إختارها من كل مكان وصاغها من جديد في كلّ ٍ مختلف تماما. وقد أصبح ورهول بفضل أفلامه رمزا للموقف غير الملزِم ، نوعا خاصا من الصيغة المعروفة ( دعه يمر... Laissez – faire ) و تلك اللامبالاة الباردة coolness و السلبية من نوع خاص و العدمية المجسََّدة. غير أنه مع كل المظاهر الخداعة للفوضى و العرضية accidentality تأتي أفلام ورهول مدروسة ولاتفلت من السيطرة . ويأخذ ورهول بموقف الدادائية الجديدة الذي وفقه يكون الفن هو ما يعتبره الفنان فناً . وردّا ً على سؤال : لماذا يعتبر فلم ( The Chelsea Girls ) عملا فنيا ، يقول ورهول : أولا ً لأن فنانا ًعمله. وثانيا لأن ما يعمله الفنان ينبع الفن منه ) [ 19 ].

أكيد أن التشكيليين المتفرغين للفلم يخلقون هنا أعمالا مجددة. وفي الأخير فإن ورهول نفسه و الذي يعد من طليعة سينما تحت الأرض ، الأميركية عمل أفلاما تجارية . مثلا كان هناك الفلم الملون ( Flesh ) الذي لقي نجاحا هائلا في دور السينما الإعتيادية. ويستغرق عرضه 85 دقيقة . كان من إخراج بول موريسي و بطولة جو آليساندرو . وفي ألمانيا شاهد الفلم ثلاثة ملايين شخص وحصل في عام 1970 على جائزة ( الشاشة الذهبية ). برأي النقاد الألمان لايمكن إعتبار هذا الفلم نخبويا مخصصا للقلة بل هو فلم مستقل غير معتمد على الصناعة الفلمية الكبيرة ، ويمكن درجه في مفاهيم فن ورهول البوب – آرتية . وفي الأخير نجد أن مخرج الفلم ذاته يحتج على تسمية ( فلم تحت الأرض ) مؤكدا على أنه يريد أن يعمل أفلاما جيدة فقط للناس.

ولا يجانب الصواب الرأي القائل بأن أفلام ورهول تعد صنفا تجاريا لسينما تحت الأرض. ومثل هذا الرأي نلقاه في أوساط واسعة من المجتمع ولدى جماليي الطليعة أيضا .إلا أن هذه صفة يتميز بها عمل ورهول و الذي نلقى فيه دائما المفارقات. فأفلامه إمتلكت دائما طبيعة مزدوجة . وأعمال مثل ( Imitation of Christ ) و ( The Chelsea Girls ) و (The Nude Restaurant ) يمكن إعتبارها أفلاما سردية من النوع الذي يعرف بإسمه الشائع ( movies )، ولذلك تلقى الإهتمام لدى مدراء السينما الإستهلاكية . وفي كل الأحوال فلهذه الأفلام تأثيرها و بمعنى ما تصوغ هي ما يسمى بالفلم المسلي الذي يروي إحدى القصص ، أو بعبارة أخرى : ينقل ورهول هذا النوع من الأفلام الى مستو جديد : من المستوى القائم على التجربة والحس و الإنفعال و اللعب الحركي الى مستوى الجهة الأخرى المليئة بالتوترات./

عند مشاهدة ( Flesh ) نتعرف على تقنية ورهول الفلمية البالغة البساطة ، والبدائية في الظاهر حسب . إلا أن هذه التقنية غير المتفننة تستخدم عن عمد وكمبدأ أسلوبي . ( الضوء سيء ، الكاميرا سيئة ، العرض projection سيء لكن الناس جميلون ) - هذا هو المبدأ الذي يعلنه ورهول والخاص بأفلامه . ووفقه يمكن تحديد هوية فلم ورهول ومورسي ( Trash ) الذي يمثل يه جون آليساندرو والممثلة الأميركية الشابة جين فورث J. Forth . وقصة كلى الفلمين تتكلم عن ناس الهامش الإجتماعي ( البغاء ، المخدرات إلخ ) و لاتفتقد فيهما المشاهد العنيفة المجافية للقيم الأخلاقية السائدة. رغم ذلك فهذه الأفلام ليست من نوع البورنو. وعن فلم ( Flesh ) قال ناقد باريسي : هذا هو أحد الأفلام الأكثر نقاء و التي لم تنفذ في أيّ زمن ) [ 20 ].

لكن ليس ورهول وحده من وسط البوب – آرت يهتم بالفلم ويستفيد منه أيضا. ويشهد على ذلك ( مهرجان السينما الجديدة New Cinema Festival ) الذي جرى في نيويورك في سنة 1965. فمعظم الفنانين ربطوا الفلم بالهيبننغ happening . مثلا روبرت راوشينبرغ R. Rauschenberg أرفق عرض فلمه ( Spring Training ) بأداء أحد الراقصين مستخدما تقنية تزامنية العرض diapositive . ومن سلسلة ( Enviroment ) هناك فلم بعنوان ( Shower ) يستخدم روبرت وتمن R. Whitman فيه حبرا حقيقيا ممزوجا بالماء الجاري في حين أن الفتاة المستحمة نشاهدها من شريط فلمي. و في الأخير هناك كليس أولدنبرغ C. Oldenberg في فلمه ( Movie House ) دعا المشاهدين الى أداء أدوار تمثيلية. بالطبع الأمثلة هنا كثيرة و يكفي أن نذكر فيديو ألكس هوي A. Huy وروبرت راوشنبرغ وتجارب عرض صور ٍ معمولة في ظلام دامس بإستخدام كاميرا خاصة بالأشعة تحت الحمراء[ 21 ].

و الشبيه الأوربي بالصلة الميركية بين الفلم و البوب – آرت يتمثل بإهتمامات الفنانين المرتبطين بالواقعية الجديدة Nouveau Realisme و المكرسة لمختلف أصناف الدادائية الجديدة. المقصود قبل كل شيء تلك الأفلام التي تستخدم فيها اشياء فعلية. و يمكن أن نذكر التجارب المبكرة في هذا المجال ، لهاري كرامير H. Kramer وفولفانغ رامزبوت W. Ramsbott ( فلم " المدينة " الذي ُعمل في باريس في سنة 1956 ). وكان الإهتمام الرئيسي لرامزبوت منصبّا قبل كل شيء على إشكالية الحركة كشكل فني مستقل. وكان قد بدأ نشاطه الفني كراقص ثم إهتم بالدمى. ومعروف مفهومه عن ( المسرح الميكانيكي ). ومن الوسط المسمى ( objecteurs ) يستحق الإهتمام آرمان Arman وفلمه ( Chantier interdit au public ) الذي أخرجه مع بريسو Brissot . وعن موضوع الفلم قال بريسو : إنه آثار الأشيا ء في العالم [ 22 ]. بالطبع كانت هناك تجارب من هذا القبيل في بلدان أخرى ايضا.

يمكن القول إن السينما الأميركية الجديدة تسعى لدرجة ملحوظة ، الى تجديد الفلم السردي مع مراعاة عادات المتلقي الجماعي فيما يخص لغة الفلم. و يعتبر النقاد اليوم أن كامل الإنتاج الفلمي في السبعينات تميّز بتفكيك العوامل الفلمية الصرفة و بالتنوع الشديد ومحاولات التحرر و الإنفصال عن السينما التقليدية و الأخذ بسبيل التأملات المكرسة لوظائف العمل وطرائقه. وكان فلم السبعينات فلم تأملات مؤلفه و التجارب في مجال إستغلال جديد للوسائط الخاصة بهذا الخلق الفني. و هنا كان جوهريا دور وتأثير بقية الوسائط و حوامل الإعلام كالتلفزيون والفيديو مما عمل على تبدل سبل التلقي و في النتيجة تبدل لغة الفلم نفسها.

منذ الستينات تزداد في نطاق الفنون التشكيلية أهمية الميديات التقنية. لكن منذ عام 1970 كان الموقف الإنتقادي لعملية تكرار الإنتاج البصري و موضوع التلقي الصحيح للتصوير و النحت قد شكلا الوعي الكامل بمثل هذه القضايا ذات الطابع الخاص و بذلك الدور الذي تلعبه ميديات معينة. وفي الفلم ، التجريبي منه خاصة ، يمكن الإشارة الى الكثير من نقاط التماس مع الفنون التشكيلية ، مما يثير العديد من التأملات المتشابهة.إلا أن الفلم يختلف عن التصوير أو النحت، و عمل الخالق الفلمي مختلف عن عمل التشكيلي. ففي التشكيل ، و في عمل الواقعيين الفوتوغرافين على سبيل المثال ، يخص الأمر ، قبل كل شيء ، الموقف من الواقع و التقديم الطبيعي naturalistic للموضوع المختار . إلا أن التقديم الذي يقوم به الواقعيون الفوتوغرافيون لا علاقة له بالواقع الموضوعي، فالتقديم يصبح واقعا جديدا لنفسه ومادة ًجديدة. أما في الفلم فيجري البحث وتأمل وهم الواقع عبر تفكيك الصورة الفعلية. ولهذا الغرض يتم عزل عناصر معينة يشيّد منها وهم الواقع ذاك . وهنا يصبح الإستنساخ الفوتوغرافي مجرد مقطع محدود لكلٍّ شكلي ومضموني . كما تنشا في هذه الحالة قضايا كثيرة من بينها قضية تلقي الحركة أو عرض عامل الضوء والذي يكون خصيصة الوسيطة نفسها. أن العملية البصرية لإعادة الخلق في الفلم تعمل على طرح الخطابات حول موضوع التجارب في مجال وسائط الخلق الفلمي و التي تنتج عن المواجهة مع العملية الآلية للإستنتساخ [ 23 ]

و الى حد ملحوظ يعتمد تكافل الفلم مع الهيبيننغ أو حركة الإنجاز performance على مبدأ التوثيق documentation . ومن الهيبننغ تنحدر أفلام الكثيرين من التشكيليين الأميركان والأوربيين. وهي أفلام تعير وزنا أقل للجانب الشكلي وتركز قبل كل شيء على المضمون و بالدرجة الرئيسية على التأثير على المتفرج مع توفر لهجات إيروسية بل حتى من نوع البورنو.. و لهذا النوع من الأفلام طليعته في الولايات المتحدة و على رأسها جاك سميث الذي يعلن بأنه من خلال فلمه ( Flaming Creatures ) من عام 1963 قطع نهائيا الصلة بالقوانين الأستيتيكية و الأخلاقية الملزمة لغايتها في الفلم الطلائعي وكونه الممثل الأكثر تطرفا للإيروسية في ( السينما الأميركية الجديدة )، وفي كل الأحوال فإن تلك اللهجات الإيروسية – البورنوغرافية وخاصة في المانيا هي بالغة القوة. و ينبغي أن نشير هنا الى أوتون ميل O. Muhl خالق أفلام مثل ( Libi 68) و ( Amore ) و ( Campagne – Reiter – Club )، و كورت كرين K. Kren مخرج أفلام مثل ( Papa und Mama ) و ( Leda und der Schwan ) من عام 1964 ، وز
وهينيس فوشز
H. Fuchs وهانز بيتير كوهينرات H.P. Kochenrath وشركة ( Irm + Ed Sommer ) .

وشتبه أفلام أوتو ميل فعاليات الهيبننغ. وكورت كرين عمل في سنوات 1964 – 1966 أفلاما هي مزيج من ال ( actions ) و الهيننغ. وبالأسلوب نفسه أخرج كرين في عام 1964 فلم (Ana – Aktion Brus ) و هناك فلم كوهينرات ( Stille Nacht ) الذي سجّل فيه هيبننغ ميل بعنوان (O Tannenbaum ). وكان هذا الهيننغ مثيرا للفضيحة و تم تنفيذه في عام 1969 في أكاديمة الفنون في مدينة برونشفيك. و بين افلام كوهينرات الأخرى يمكن ذكر ( Dom HBF grau ) و ( Eruption ) وكلا الفلمين من عام 1970. وكانت قبلها أفلام أخرى مثل ( Cyrus ) من عام 1968 و ( Dissonante Zeitreihen ) من عام 1969 والذي كتبت عنه الصحيفة الألمانية ( Stuttgarter Zeitung ) بأنه ( يجهد في أن يعثر في صفات المعاصرة الألمانية السعيدة على وقائع فوق زمنية للماضي الألماني غير المدحور )[ 24 ]. كما كانت هناك أفلام اخرى ذات صبغة سياسية . ومما لاشك فيه أن أغلبية الأفلام المعروضة ، من قبل دار العرض الصغيرة التابعة ل( Undependent Film Center ) في ميونيخ مثلا ، تكشف عن صلة وثيقة بالهيبننغ.

ونرى تأثيرات فعاليات الهيبننغ ، فيما يخص الإكسسوار ، في أفلام الهولندي فرانس زفارتييس F. Zwartjes ( مثلا فلمه Visual Training من عام 1969 ) . و هو ، مثل ورهول ،جاء الى الفلم من الفنون التشكيلية. إن أفلام هذا الفنان شأن أفلام زميله الإنكليزي ستيفن دووسكن S. Dwoskin K ، قد نفذت بدون سيناريو و إعتمدت على عنصر الإرتجال و التعاون أثناء العمل بين المخرج و الممثلين الذين يقومون بتنفيذ فعاليات للهيبننغ من نوع خاص. وفي هذه الأفلام تسود اللهجات الإيروسية أيضا. مثلا في فلم ( Alone ) من عام 1964 قصر دووسكن الفعل على عملية الأستمناء ، وفي فلم زفارتيس (Fan) من عام 1968 نشاهد أفعال رجل بلباس إمرأة.

و الى جانب تأثيرات البوب – آرت و الهيبننغ و حركة (المحيط environment ) نلقى تأثيرات لنزعات ومواقف أخرى راهنة في الفن المعاصر. وبدون ذكر الأفلام ذات المنحدر ( البصري visualistic ) ارغب أن ألفت النظر الى أفلام فالتير دي ماريا W. De Maria الذي يحاول أن يحقق في حقل الفلم مفهوم ( فن الأرض Land art ) - مثلا في فلمه ( Hard core ) من عام 1969 حيث تكون الأولوية للوظيفة التسجيلية كما الحال في الفن المفهومي Conceptual art .

إلا أن التأثيرات على ( الفلم الجديد ) لا تأتي كلها من الفنون التشكيلية و لا تتحدد بدور واحد هو التسجيلي. فهناك ظواهر كثيرة في السينما و الفن الجديد عامة ، تملك جذورا اخرى.

بالنسبة لمفاهيم السينما الجديدة ، الطلائعية المتطرفة تكون جوهريةً النزعات التي تُحدَد ك ( expanded cinema ) و ( mixed media ) و ( intermedia ) مثلا [25]. ويجمع كل هذه الظواهر رباط قوي يشدها بمايسمى بالفن السايكوديليكي psychedelic ( إصطلاح إبتكره ألدوس هكسلي و الدكتور أوزموند في عام 1967. و قصدا به تأثير أنواع من المخدرات تبعث أحوال الإعجاب الأستيتيكي و دوافع الخلق. - ملاحظة المترجم ) و الهيبننغ و شتى أنواع المسرح أي المسرح الذي ُينعت ب( بالباروكي الجديد )، و ( هايكو الجديد neo – haiku ) و المسرح الحركي kinethetic و الآخر الصوتي accoustic ) و ( events ) و (ready mades ) و الى آخره. ويذكر بيتير فايبيل P. Weibel الذي يعتبر في أوربا سويةً مع فالي إكسبورت V. Export من الفنانين المرتبطين بصورة وثيقة ب(expanded cinema ) ، أن المقصود هو ليس فقط توسيع نطاق الظواهر البصرية بل ، وخاصة في المرحلة الحالية ، القرار الراديكالي بالإنفصال عن الواقع القائم و لغته التي تؤدي دورا إتصالياً و تشييدياً معيّناً. و قد سميت هذه الظواهر في الفن المعاصر ب( expanded cinema ) و ( إنتيرميديا ) والتي تتنبأ بإمكانية التطور التالي للفلم : العمل المشترك في مجال الأستيتيكا و التكنيك والهادف تطوير إمكانيات جديدة تماما للتعرف من خلال الفن . ووفق فايبيل كان إختراع السيليلويد تلك المرحلة من التقدم الموّحِد في تكنولوجيا جديدة ، كلا من الطاقة و الزمن ، المادة والمكان. كما جاء هذا الإختراع ، في الوقت ذاته ، بالكثير من القيم الجديدة في حياتنا. إلا أن البقاء في هذه المرحلة يعني المراوحة في المكان نفسه والرضوخ للوضع القائم status quo ، كما سيعني النكوص. وكتب في ربيع عام 1969 : إن الفلم السيليلويدي هو إحدى الإمكانيات حسب ، وهو تضييق وحصر بدائي في أسوار العالم المديني وفنه، إنه عودة الى الزمن الماضي. و ( expanded cinema ) تتخطي حدود الفلم و إعادة الخلق و التفسير . وهذه السينما لاتعيد خلق العالم بل تغيّره. و السينما الموّسَعة هي إكتشاف exploration الواقع من خلال التجارب على الضوء والصوت والطاقة الكهربائية و الآليات المجمَّعة و أشعة غاما وردود الفعل الأنزيمية ) [[26] . ويعتبر فايبيل أن الفلم والفوتوغرافيا و الفونوغرافيا لاينبغي أن تعتمد على أحوال التكرار الآلي بل عليها أن تخدم توسيع البنى الزمكانية و الأخرى الخاصة بأحوال التجربة و الإنفعال وسبل الإتصال المتبادل وتوسيع واقعنا و وعينا.

و يجد الفنانان المذكوران أن ( expanded cinema ) على شريط السيليلويد هي إمكانية واحدة من بين إمكانيات كثيرة. و أفلام ميل وبروس الفييناويين تدفع الى الإستنتاج بأنه يمكن أن تحل محل الأفلام فعالياتٌ مباشرة ومن ثم طرح مفهوم ( فلم بدون فلم Film ohne Film ). وخير مثال على ذلك العمل (خارج الفلمي – para ) لفالي إكسبورت والمسمى Tapp und Tastfilm ، أي كما لو أنه ( فلم خاص باللمس )[27].

و من المعنيين ب( expanded cinema ) ستان فاديربيكS. Vanderbeek وهو فنان تشكيلي يقوم منذ عام 1955 بتجاربه على الفلم. وفي مجال التنظير يطرح عدة مفاهيم مثل المسرح ذي الطراز الأولي prototype ، و ما يسمى Movie – Drome الذي يدخل في عداده : Movie Mural , Ethos Cinema و Newsreel of Dreams وFeedback و Image Libraries . كما يجدر هنا بالذكر بين فان ميتير B. Van .Meter الذي يجرّب على الضوء محوّلا إياه الى محيطات environments أسماها ( Lightshows ). و في الأخير هناك أندي ورهول الذي يسهم مع جماعة ( The Velvet Underground ) في عرض ( The Exploding Plastic Inevitable ) في نيويورك عام 1966. ويملك هذا العرض طابع ما يسمى ( multi – media – show ).

و الحال نفسها فيما يخص الظاهرة المسماة إنتر- ميديا ، وهذه النتاجات تظهر رباطها بالتجارب الموسيقية الجديدة . و عن ذلك يكتب جد يلكت J. Yalkut في عدد شهر مايس من عام 1967 من مجلة ( Arts Magazine ) . و معروفة هنا أسماء موسيقيين طلائعيين أسهموا في مختلف فعاليات الهيبننغ وغيرها ، ولم تقتصر إبتكاراتهم على التوجه الى حاسة السمع فقط. و الى جانب الموسيقيين هناك الراقصون الذين يشتركون في معظم الحالات في الهيبننغ . و عدا الموسيقيين نجد في الإنتر ميديا الفنانين التشكيليين الذين يطرحون أعمالهم عبر المسرح و العروض السينمائية وغيرها. و يمكن ذكر بضعة اسماء : روبرت وتمن و آلدو تيمبيليني و Brian Gysin و Al Hansen و Claes Oldenburg .

ونلقى السلوك نفسه لدى خبراء السلايدات و المصورين الفوتوغرافيين أمثال دون سنايدر D. Snyder وجاكي كاسن J. Cassen و رودي ستيرن R. Stern . و في الأخير إلتحق بنزعة الإنترميديات رجال المسرح و الهيننغ أمثال كين ديوي K. Dewey وآلان كابرو A.Kaprow و الشعراء جاكسن ماك لو J.M. Low وغيرد ستيرن G. Stern وإيميت وليامز E. Williams وغيرهم . وعند الكلام عن الإنترميديات يصعب حصره برجال الفلم ( أمثال Ed Emshwiller و Takahiko Limura و Jerry Joffen و Ben Van Meter وغيرهم ) ، فإستخدام تقنيات شتى العروض لايعني فقط صفة مميزة لموقف الفنان ولكن يشير في الوقت نفسه الى تشكّلِ لغة فنية معاصرة جديدة . و يظهر هنا نوع متميز من الفنان ظهر بفضل إزدهار الميديات الممزوجة mixed – media التي تعد من ميزات الفن الجديد ، هذا إضافة الى المانفستات عن إتحاد الفنون و تغلغها المتبادل.

برأي يلكوت ليست حركة الميديات شيئا جديدا تماما. فنماذجها الأولية ينبغي البحث عنها في ال(باوهاوز Bauhaus ) ومفاهيم ( المسرح الشامل )عند فالتر غروبيوز W. Gropius و إرفين بسكاتور I. Piscator وفي أفكار موهولي – ناجي Moholy – Nagy المسرحية المبتكرة . وكان هذا الفنان قد تكلم عن ضرورة التعبير عن الأفكار بأسلوب ( متزامن وإجمالي synoptic ومترافق صوتيا ) مع الإستفادة من العرض الفلمي و الغراموفوني والراديو. إلا أن الأفكار الأكثر ريادة كانت أفكار غروبيوز الذي كتب في عام 1926 : ( .. . ) حين أخلق نظاماً من الأضواء الكشّافة الفلمية وحين أحوّل الجدران و السقوف الى شاشات فلمية سأكون قد وهبت الحياة للمسرح كله بوسائط ذات أبعاد ثلاثة بدل البقاء مع التأثير السطحي للصورة في المشهد التقليدي [28 ].

مما لاشك فيه أن اولى الأفكار المكرسة للتجارب في الإنترميديا جاءت من رجال المسر . فهم من جرّب تركيب الأحداث و الأنشطة و الأفعال الواحدة على الأخرى. وفي مساعي فناني الباوهاوز يمكن العثور على ربط لجميع الفنون المرئية ، و ( البحث عن تركيب جديد للفن و التكنيك ). إن هذه النماذج الأولية تعتبر لغاية اليوم نقطة إحالة حيّة و تجري محاكاتها. المقصود خلق شكل طبيعي قدر الإمكان و أصيل لتغلغل الإنسان في العالم المحيط به وذلك من خلال الفن. و هنا تظهر الحاجة الى التعاون بين الفنانين و المهندسين، فالتفاهم المتبادل أمر ضروري لإمتلاك نظرة متكاملة الى العالم.

إن هذا التوصيف السريع لتطور الفلم التجريبي يكون بمثابة رد فعل إزاء إتجاه الفلم السردي والشعري و المستقل الذي اعلن عن حضوره بعد الحرب العالمية الثانية و ولِد من مفهوم الفلم السوريالي في العشرينات. و هذا يعتمد على الشكل السردي ذي الطابع الشخصي في مجال الصياغة و التشييد الفلميين. و كانت هناك ، بالطبع ، تأثيرات و إستعارات من الأفلام التجارية و الترفيهية رغم أن القصد كان مناوءة هذه الأنواع من الأفلام.

أن هذا الإنعطاف من نهاية الخمسينات صوب الإمكانيات التشكيلية الصرفة للتعبير و التي تكمن في لفلم كفلم ٍ قد عرقلت و أضعفت الإتجاه الشعري ،كما أنها عادت الى تجارب مان ري M. Ray من العشرينات و صياغات فان دويسبورغ Van Doesburg حول موضوع فن الفلم. وهنا لابد من الإشارة الى فلم مان ري ( Retour a la raison ) من عام 1923 و الذي كان أول فلم ( مادي material ) مهم للغاية . و في كتابه من عام 1929 ( Film als reine Gestaltung ) يتناول فان دويسبورغ مشكلة الفلم كفن نقي ومستقل. و بعدها في مطلع الثلاثينات كتب رودلوف آرنهايم R. Arnheim عن هذه القضايا التي صارت في أيامنا من الأمور الأكيدة. و في منعطف الستينات و السبعينات حصل إنعطاف آخر في الآراء حول الفلم . فمنذ أن بدأ التشكيليون البارزون و المعروفون يعملون أفلاما بصورة مبرمجة أخذت غاليريات الفن والمتاحف تجمع الأفلام المعمولة من قبل الفنانين و الآخرى عنهم . بهذه الصورة طرأ التبدل على الموقف التقليدي إزاء الفلم . و اصبحت النزعات الأخيرة في الفن كالهيبننغ و ( فن الأرض ) و (الفن المفهومي ) بحاجة الى الفلم وعلى الأقل كشكل للتسجيل والإبقاء على نشاط فني معين. وفي ذات الوقت غالبما أصبح الفلم نفسه بالنسبة للتشكيليين وسيطة بصرية لنشاطهم. وكل من يعرف الوضع الراهن في الفن يتفق مع هذا الرأي . بالتأكيد يؤدي ذلك بالنتيجة الى تبدلات كبيرة في تقاليد الخلق الملزمة لغاية الآن كما تلقي بتأثيرها في أحوال عدة ، على الفلم التجاري ( مثلا فلم Flesh ). وفي الأخير يكشف كل هذا عن أن الفلم أصبح منطقة نشاط للتشكيليين و ليس لأنهم بأنفسهم يعملون الأفلام بل لأن الفلم كحقل مستقل للفن يوفر لهم إمكانيات للخلق الفني هي أكبر من إمكانيات التصوير و النحت أو الغرافيك.

في كل الأحوال جرت في السبعينات العملية النهائية لإستقلالية الفلم وإنفصاله عن كل الوظائف غير الفلمية. وما تقول بريغيت هاين B. Hein في كتابتها عن ( Documenta 6 ) ، اصبح الفلم قبل كل شيء وسيطة بصرية نقية تنأى أبعد فأبعد عن عن الواقع و ليس كما هو الحال في الفوتوغرافيا ، والفضل يعود هنا الى عملية التصوير الفوتوغرافي نفسها و عملية العرض أيضا [ 29 ]. و الأكثر من ذلك ففي التجارب الفلمية المعاصرة ليس المقصود فقط تذويت subjectivization العملية البصرية لإعادة خلق الواقع بل كذلك أسلوب الوظيفية نفسها – الإدراك الفيزيقي الصرف. وبخلاف الوسائط الأخرى يتمكن الفلم ، بفضل خصائصه ، من القيام كل مرة بتغيير تام للواقع ، وخلق واقعه الخاص و فق الإمكانيات التي يتميز بها عن غيره. و أمر مهم في الفلم التجريبي الأحدث هو العلاقة بالمادة و التي تحدد إستقلالية الأستيتيكا الفلمية. وهنا تملك منحدرها شتى ( المسكات ) التقنية التي تستفيد من خصائص المادة مثل البنية الحبّية أو التعارض contrast المناسب وغير ذلك. على أيّ حال فإن طريق التطور يمضي من واقع إعادة الخلق الى واقع المادة. ومن هنا تأتي شتى الأفلام ( المادية ) التي تكون فيها المادة قد درست نتيجة مختلف الإنشطة و العمليات الكيمائية والميكانيكية ( مثلا : الإضاءة المباشرة و العمل بدون كاميرا إلخ ). و ينبغي هنا ذكر التجارب الفلمية لكل من توني كونراد T.Conrad وبول شاريتز أو وليم وبريغيت هاين.

وفي محاضرة له في عام 1970 ألقاها في أوهايو أكد شاريتز على دور و أهمية الضوء في أفلامه. وكان الضوء طاقة بالنسبة له وليس وسيطة لتقديم أشياء غير فلمية.( الضوء كطاقة يخلق أشياءه و ظله ونسيجه الخاص ) [ 30 ] و شاريتز يعمل أفلاما تكون في كوادرها ، الى جانب المستويات المتجانسة للأخضر و الأحمر و الأزرق و الأصفر إلخ ، شخوص مقدّمة بالسالب و الموجب معا. و كان قصده التنظيم المناسب للإيقاعات النغمية و الضوئية في مكان معيّن كي يمكن الوصول الى إنطباع معين كالكمد مثلا.

و فيما يخص افلام وليم وبريغيت هاين تب دييتريخ كولبرودت D. Kuhlbrodt في مجلة ( Filmktitik ) : إنهما يحرران الفلم ، أو بالأحرى الشريط الفلمي ، من وظيفته أي من تقديم الصور ، و يعاملانه كمادة. و الوسيطة هنا هي الكولاج. فالمرء يشاهد المادة الفلمية ككوادر ذات مختلف الحجوم ، و الفلم غير منجز تماما ، فهناك البقع و أحوال العطب - وكل هذا ُمضاء بحدة متبدلة ( أو إنعدام الحدة ) و بسرعة مكبوحة ) [ 31 ].

و نصل الآن الى المسألة الأخيرة. الفلم الذي عُرض طويلا على الشاشة كصورة متحركة صار يعامل الآن كنظام متعدد الطبقات. وقد أصبحت موضع الإستغلال مختلف خصائص الفلم التي لم تلحظ من قبل ، مثلا حزمة الضوء بين آلة العرض و الشاشة والتي تعامل كعنصر بلاستيكي مستقل. و يحصل تحت تأثير الهيبننغ ، تبدل دور المُشاهد وتنشأ أوضاع جديدة وعلاقات أخرى بين هذا المشاهِد و العرض الفلمي.فهو مرغم على بذل جهد أكبر. ويستغل خالقو الفلم الحديث مختلف الحيل و الأفكار المبتكرة . مثلا يلحقون بالفعل action مسرحاً للظل من طراز خاص خلقوه باللجوء الى الإيهام المكاني وكما هو الحال مع ( أفلام ) كين جاكوبز الذي يجلب لهذا الغرض مصدرين للضوء متواجهين بكل إستقطاب. و آخرون مثل بيتير غيدال P. Gedal يعملون أفلاما عن العمل الفلمي ، مثلا فلمه ( Room Film ) من عام 1973 و الذي تكون الكاميرا بطله الرئيسي. وما يوجد في المكان هو بضعة اشياء . وجميعها ومعها المكان ليست موضوع الفلمنة ل مجرد مناسبة كي تخلق للكاميرا هيئات و أشكال ومستويات للحركة. ومهمة الكاميرا ، هنا ،التسجيل الموضوعي لجميع هذه الظواهر إلا أنها لم تفعل ذلك ، إذ قررت ذلك عوامل كثيرة ،و بعبارة أخرى شارك الممثلون في هذا الفلم الكاميرا في الأداء وكانوا مختلف المواد الفلمية وشتى المشروطيات التقنية .

و يمكن تقديم أمثلة كثيرة تسمح كلها بالقول إن جميع منفّذي الفلم يسعون الى إستقلالية فنهم التامة وتحرره من دور خالق وهم الواقع ومن الوظيفة السردية.

عندما نتكلم عن هذا النوع من الأفلام يتبادر الى الذهن على الفور الفيديو.
و يمكن إعطاء أبسط تعريف للفيديو بكونه شريطا بصريا للتسجيل الصوتي
tape recording ومحاولة ناجحة لنقل جميع الإمكانيات التقنية للشريط الصوتي الى مستو بصري . و بمساعدة الكاميرا أو المرِّكب synthesizor أي جهاز خاص لصنع ألوان واشكال مصطنعة وبعبارة اخرى : تكون الحال شبيهة بما يحصل في الموسيقى الألكترونية حين تظهر على الشريط حوافز impulses ُتثبّت فورا على المونيتور monitor . وهذه التقنية تملك بالغ الأهمية و شتى التطبيقات في كثير من حقول الحياة. وهي توفر أمكانية التسجيل الفوري لشتى الأحداث في مختلف ظروف الإضاءة و المكان كما أنها تعني الحصول ، بطريقة ألكترونية ، على تأثيرات جديدة تماما فيما يتعلق باللون و الشكل بفضل إستخدام تلك المرّكبات للفيديو. إن هذه التقنية تسمح بالحصول على صيغ شتى ، هي مصطنعة تماما ، للألوان و الأشكال و المكان و الحركة الأمر الذي يملك بالغ الأهميةفي الفن.

إن فن الفيديو منذ عقد ونيف يتطور بصورة مكثفة ، و حاليا يلعب في الفنون التشكيلية دورا مهما.

وتعود بديات هذا الفن الى عام 1963 حين إستخدم نام جون بيك للمرة الأولى جهاز ألكترونيا تلفزيونيا لأغراض فنية. و في المعرض المسمى ( Exposition of Music – Electronic ) وضع بيك 12 مونيتورا يبث كل مرة ، مختلف ( الصور المشوَّشة ) أو كما في ( Zen for TV ) تبث المونيتورات خطوطا شاقولية فقط. و بعدها بعامين إشترى بيك الجهاز بكامله ، أي الكاميرا و VTR ، و الذي يسمح بتسجيل شريط الفيديو. وفي عام 1969 جرت أحداث عديدة مهمة بشكل خاص لتطور فن الفيديو. ففي بوسطن وسان فرنسيسكو ونيويورك جرى بث في البرامج التلفزيونية لأشرطة فيديو لفنانين بينهم كابرو و بيك وأوتو بيين O.Piene و جيمس سيرايتJ. Seawright وتوماس تيدلوك T. Tedlock أو ألدو تامبيليني A. Tambellini . وفي غاليري غيري شوم G.schum التلفزيونية انتج فلم للتلفزيون عن ( فن الأرض land art ) يقدم أعمال العديد من الفنانين. و فيما بعد تحولت هذه الغاليري الى غاليري لفن الفيديو. و في الأخير جرى في العام المذكور في غاليري هاوارد وايز H. Wise النيويوركية أو ل معرض للفيديو بعنوان ( TV as Creative Medium ) ، و شوهدت هناك أشرطة و أجهزة فيديو و منشئات من نوع Closed Circle وشتى أنواع النتاجات الفيديوية المرتبطة بهذه الأسماء : Gillette , Schneider , Paik , Siegel , Tedlock , Ryan ,Bouterline , Reiback , Seery , Tambellini, Weintraub.

كما تأسست بعدها بقليل المجلات الإختصاصية ومختلف جمعيات الفنانين المعنين بفن الفيديو. ففي نيويورك يؤسس هاوارد وايز ( Electronic Arts Intermix ). وفي عام 1971 ينشأ أول قسم متحفي لأعمال الفيديو في Everson Museum of Arts في نيويورك ثم في ( Long Beach Museum of Art ) و في ( Museum Folkwang ) في أيسين Essen و Whitney Museum في نيويورك ، ومنذ عام 1977 في متحف نيويورك للفن الحديث أيضا، وهذا المتحف كان قبلها بثلاث سنوات قد نظم مؤتمرا كبيرا بإسم ( Open Circuits ) مكرسا لفن الفيديو [ 32 ].

إن شيوع الفيديو في السنوات الأخيرة ، وبين التشكيليين أيضا ، قد توسع كثيرا . وأصبح أحد الوسائط غير الإعتيادية للفنان. وجرى التأكيد في كل الحلبات على أن فن الفيديو ليس أسلوبا بل طريقة جديدة قد ُغنِمت للفن المعاصر ، وهي تحمل شتى أنواع التظاهرات الفنية ، إنه وسيطة مساعدة في طرح الأفكار و التصورات و المقترحات بشتى الأساليب أو بطريقة محرومة تماما من الأسلوب كما الورق الذي يطبع عليه العمل الغرافيكي أو القماشة التي تلون فيها اللوحة ، شأن المرمر الذي ينحت منه الفنان عمله. وكما قال جون بالديساري J. Baldessari في المؤتمر المذكور : ينبغي ان يكون هذا الفن شأن كل وسيطة محايداً .إن الفيديو هو إحدى الأدوات التالية حسب في مشغل الفنان. إنه أداة تالية ،شأن القلم ،للتعبير عن أفكارنا ورؤانا و رغائبنا [33 ]. و بصورة مشابهة كان نام جون بيك قد عبّر في عام 1965 عن الفيديو مؤكدا بأن مصباح الكينوسكوب كحامل للفن قد حل محل القماشة: ( وكما أن الكولاج حل محل التصوير الزيتي فقد حل المصباح الصورتي محل القماشة. و في يوم ما سيبدأ الفنانون العمل بالجهاز الألكتروني مثلما يستخدمون اليوم الفرشاة و الكمان أو موادا من سقط المتاع ). و فنان آخر هو نان هوفيرN. Hoover كان القائل : عندما اعمل بمساعدة الفيديو أكون كما لو أنني أستخدم ُ الأصباغ .

إلا أن موقف آلان كابرو كان إنتقاديا للفيديو. و من المنطقي أن يتخذ هذا الفنان وهو الأب الروحي الكلاسي للهيبننغ ، مثل هذا الموقف. فبالنسبة له يكون فن الفيديو ( نبيذا قديما في قنينة جديدة Video Art – Old Wine New bottle ) وكان هذا القول عنوان مقاله في مجلة ( Artforum ) في عددها من حزيران 1974 [ 34 ]. فقد إعتبر الفيديو بديلا لشيء آخر كما وجد فيه محاكاة فاشلة لأفلام الرسوم الملونة ،من طراز أفلام أوسكار فيشنغير O. Fischinger من الثلاثينات.

إن مثل هذه الآراء السلبية هي صحيحة في كل مكان يخدم الفيديو فيه أغراضا بصرية صرفة و مفهومية او مضمونية. إلا أن إنجاز الفيديو ، وكما يقول أنصاره ، هو التركيب installation بدون إستخدام الشريط ، ومن نوع Closed Circuit والذي يفتح في الواقع أمام الفنانين إمكانيات جديدة تماما. والمقصود هو تلك المحيطات environments الوسائطية medial والأسلوب الجديد في تنظيم المكان مع جرّ المتفرج الى الفعل action الأمر الذي لاشك في انه خطوة حاسمة الى الأمام صوب إمكانيات َخلقية جديدة.

فيما يتعلق ب( Closed Circuit ) تستخدم هناك كاميرا واحدة و كشاف واحد أيضا أو مونيتور واحد في نظام يحدده الفنان ويوّفر الفرصة أمام المشاهد للإسهام فيه أيضا و بذلك يكون أحد أجزائه الأساسية . وللمرة الأولى في تطور الفن لا يوجد المشاهد في مكان ما خارج الفعالية الفنية بل صار حاملا لأفكار فنية معينة ومسهما مباشرا في الفعل و بأسلوب لالبس فيه وأكثر وضوحا من الإسهام في الهيبننغ أو ال( enviroment ). و المثال الجيد لتركيب ال ( Closed Cricuit ) كان ( العمل ) الذي قدّمه بيل فيولي B. Violi في ( دوكومنتا 6 ) في كاسيل Kassel بعنوان (هو يبكي من أجلك He weeps for you ) . فكاميرا الفيديو سجلت ماءاً يجري بإنتظام من الصنبور. و قد ربطت الكاميرا مباشرة ً بكشّاف يلقيصورة قطرة ماء متساقطة ، على شاشة كبيرة . وتصبح القطرة أكبر فأكبر حتى تملأ الشاشة. وبعدها تختفي و نسمع صدى وقوعها على طبل وضع تحت الصنبور . في الوقت نفسه حصل إستغلال القطرة كبؤرة في بؤرة كاميرا الفيديو . و المشاهد الذي أختير له مكان مناسب تنعكس صورته في القطرة . وكلما يقترب تتضخم صورته فيها و تصبح أشد وضوحا.

كما حصل غستغلال الفيديو لخلق أو بالأحرى تنظيم دواخل معينة أو ( هيئات نحتية ). بهذه الصورة تنشا شتى ال( منحوتات الفيديو ) التي ينشأ شكلها بالعلاقة مع مضمون اشرطة الفيديو. و يمكن أن نقدم كمثال ٍ ( ( سلالم ) شيغيكو كوبوتا S. Kubota التي حملت عنوان (Duchampiana – Nude Descending a Staircase ) من عام 1976 . وفي كل درجة من النحت الذي هو بهيئة سلالم تمَّ نصب مونيتور. و في أربعة مونيتورات ظهرت الصورة نفسها من شريط واحد ( بالطبع كانت فتاة عارية تنزل السلالم) أعد بالصورة المناسبة من خلال التغييرات و القطع و الحيل الألكترونية التي حققت بفضل الجهاز المرّكب. و بمساعدة الوسائط التي يسمح بها الفيديو أصبحت مفسَّرة بصورة ساخرة لوحة مارسيل ديشام M . Duchamp . و الحركة الفعلية في هذه الأطوار قد أعدت بتقنية الكولاج و بدلا من ذلك جيء بحركة الصورة – النحت .

وفي الأخير يمكن أن يعامل الفيديو بصورة مستقلة تماما في هيئة مخصصة لتقديم كاسيتات جاهزة مع أشرطة مؤلفة. و في هذه الحالة يكون ممكنا تصنيف بضع مجموعات من الكاسيتات. مثلا يمكن أن تخص شتى الصيغ الألكترونية المستحصلة بفضل مهارات ألكترونية معينة ومع إستخدام المرّكبات. وهنا تظهر الصفة الأكثر أصالة لفن الفيديو إذا تعلق الأمر بالكاسيتات. ويمكن أن تكون هناك كاسيتات تخص شتى الملاحظات الشخصية أو التسجيلات المنفذة بتقنية الفيديو ، مثل مختلف الأفعال التي تصور شتى الحركات ووضعات الجسم أو التشويهات أو تبدلات الوجه ( جوان جوناس J. Honas ) . كما قد يكون الغرض تنفيذ برامج مخصصة للتلفزيون . وفي الأخير ينبغي مراعاة إمكانية إستغلال أشرطة الفيديو للأغراض الوثائقية سواء الفنية منها وغير الفنية ( مثلا : performances و body works وما شابه ذلك ).

لقد جاءت السبعينات بتطور فائق ل( video – art ) الذي أصبح في كامل الخلق المعاصر ظاهرة واعدة بشكل غير مألوف. وكلا الحقلين ، الفيديو و الفلم التجريبي ، مازال يثير لدى التشكيليين بالغ الإهتمام ومن خلال إستقلاليته يفتح كلاهما أمام الفنانين أفاقا جديدة تماما. والفلم الذي يفهم ك( نظام مستقل للإشارات غير مُحال الى أيّ واقع غير واقعه) [ 35 ] إنما يقود الى خلق واقع جديد تماما ، واقع فلمي صرف يسمح بتنفيذ حر لأفكار فنية جديدة و يحرر في الفن المساعي التي قد تكون ، أحيانا مصدمة و مفاجئة. إن الفلم والفيديو يوسعان ثوابت الفن و يوفران ، في الأخير ، فرصة تحقيق برنامج تكامل الفنون على نطاق واسع.

إحالات المؤلف :

1 – J.Claus : Kunst heute , Reinbek bel , Hamburg , 1965

2 - المصدر السابق.

3 - Avantgardistischer , Film , 1951 – 1971 : Theorie. G. Schlemmer, Munchen, 1973

4 - 1952,H. Richter : Film as an Original Art. „ College Art Journal „ , New York

5 -J. Mekas Press Release , „ Film Culture „ ( New York ) nr. 29 , 1963

6 - المصدر السابق.

7 - المصدر رقم 4 .

8 - إعلان ألماني عن فلم أندي ورهول ( Flesh ).

9 - Lexikon Film , Munchen , 1973

10 - المصدر رقم 1.

11 - P. Adams Sitney , Interview with George Landow , „ Flim Culture „ ( New York ) , nr. 47 , 1969

12 - G.L. Gote , Interview with Robert Breer , „ film Culture „ , nr.27 , 1962 -1963

13 - المصدر السابق.

14 - المصدر رقم 1.

15 - المصدر السابق.

16 - B. Hein , Film uber Film , „ Documenta 6” , Kassel,part 2. catalog of the exhibition

17 - J. Mekas ,Amerkungen nach einem Wiedersehen mit den Filmen Andy Warhol : Andy Warhol und seine film / E.Patalas , Munchen 1984

18 - Andy Warhol, catalog : 50 Jahre Kunsthalle , Bern. Bern , 1968

19 - Interview. „Arts Magazine „ , volume 41. , 1967

20 - المصدر رقم 8 .

21 - B. Hein , Underground – Film . Bildende Kunstler machen Filme Avant Garde – Filmer machen Kunst. „ Magazin Kunst „ nr.41 , 1971

22 - المصدر رقم 1 .

23 - المصدر رقم 16.

24 - إعلان ألماني من Undependent Film Center في ميونيخ.

25 - J.Yalkut , Understanding Intermedia. : Art Magazine „ vol. 41 , may 1967

26 - P.Weibel : selbst – portrat einer theorie in selbst- zitaten, „ magazin Kunst „ راجع أيضا المصدر رقم 3 .

27 - D. Curtis , Experimental Cinema . Afifty years evolution. London , 1971

28 - المصدر رقم 25 .

29 - المصدر رقم21 .

30 - المصدر السابق.

31 - Documenta 5 . Befragung der Realitat Bildwelten heute , Hassel,1973/ catalog

32 - Elf Stationen der Video – Kunst . Documenta 6. Kassel , 1977/ catalog

33 - W. Herzogenrath Fernsehen und Video . Das Poppelgesicht eines neuen kunstlerischen Mediums

34 - المصدر السابق.

35 - المصدر رقم 16.

_______________________

* يعتبر البروفسور بيوتر كراكوفسكي ( 1925 – 1997 ) من أبرز الباحثين والمؤلفين البولنديين في حقل الفنون التشكيلية . وكان أستاذا في جامعة ياغيلون التي تعد أقدم جامعة أوربية. ولبيوتروفسكي الكثير من الكتب المكرسة لتأريخ الفنون التشكيلية وقضايا الفن الحديث خاصة. والنص المترجم هو فصل من كتابه (حول الفن الجديد والأكثر جدّة) الصادر في عام 1984 .

موقع "القصة العراقية" في 28 يوليو 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى