جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

«بوحة» العودة إلي العصور الحجرية للسينما المصرية

محمد سعد يفضل شاكيرا وجيم كاري علي نجيب الريحاني

د. وليد سيف

 

في حملة الدعاية المصاحبة لفيلم «غزل البنات» وصف الموسيقار محمد عبدالوهاب عبقرية الريحاني التمثيلية قائلا: «لا أكاد أتخيل شيئا غير عين الكاميرا يمكن أن تسجل في أمانة هذه القدرة التعبيرية، وأقولها وأنا لا أري شيئا غير الشاشة يمكن أن تعرض ذلك في إتقان فتقرب وتبرز لك أدق حركة من حركاته وألمع لمحة من لمحاته وأرق نبرة من نبراته.

أستطيع أن ألمح علامات الاستهجان والاستياء علي وجوه القراء وهم يستنكرون هذه المقدمة ولا يجدون أي وجه شبه أو مقارنة بين محمد سعد وسيمفونيته المبتذلة الرابعة «بوحة» وبين الريحاني العظيم وتاريخه الفني المجيد. ولكن ربما يرجع هذا إلي أن الكثيرين لا يعرفون مقدار ما تعرض له الريحاني من هجوم وازدراء من الصحافة الفنية والأوساط الثقافية لأدائه المبتذل لشخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص، علي المسرح التي صنعت شهرته ونجاحه الجماهيري.

أما عن بداية الريحاني في السينما بفيلم «صاحب السعادة كشكش بك» فهو نفسه يذكر في مذكراته أن العمل بدأ ليس فقط دون سيناريو معد ولكن دون حتي فكرة أو إطار معين للأحداث.

كان الريحاني يبدأ بالتفكير في المشهد وهو يقوم بوضع الماكياج ثم يطرح فكرته ثم يبدأ في التنفيذ كان من غير المقبول أن يحدث هذا في زمن السينما الصامتة وبالتحديد في عام 1929ولكن مع الأسف هذا ما يمكنك أن تتوقع حدوثه إلي حد كبير في كواليس أفلام محمد سعد اليوم وبعد أن مرت السينما المصرية بتاريخ عظيم وبروائع فنية ليس لها آخر وإن كان أولها تاريخيا طبقا لاستفتاء أفضل مائة فيلم مصري هو «سلامة في خير» من إنتاج 1936 بطولة الريحاني.

حكاية الخلاط والكوكتيل والزرار

يصر محمد سعد في «بوحة» علي مواصلة مسيرته مع شكل الإسكتش ودراما الشخصية أو اللاشخصية إذا شئنا الدقة. لقد توصل سعد إلي تركيبة حركة وصوت وأسلوب أداء وإلقاء تأكد من أنها مثيرة للضحك وهي في الغالب تطوير لأحد الشخصيات التي سبق له تقديمها في مسرح الهواة أو الجامعة. وإذا كان صاحبها هو ابن لتاجر «مواشي» يعمل في الجزارة فلابد أن المجال سيكون أوسع للكوميديا المبتذلة أكثر من العجلاتي «اللمبي» أو السمكري «عوكل».

ولا داعي للانشغال كثيرا بالفكرة فيمكن التنقل من فكرة لأخري، فلنبدأ مثلا براعي بقر منتصف الليل حيث ينتقل بوحة من عالم القرية واضطهاد أولاد أبو إسماعيل له ولأصحابه إلي القاهرة بحثا عن محروس الضبع الذي يدين لوالده الراحل بمبلغ نصف مليون جنيه وعليك أن تنسي حكاية أولاد أبو إسماعيل تماما فلن يرد لهم ذكر مرة أخري تقريبا إلا في مشهد النهاية من خلال اللافتة التي سيعلقها بوحة علي مزرعته الجديدة «ممنوع دخول أولاد أبو إسماعيل» ولن تلتقي بالضبع إلا في مشهد النهاية ولن تجد أي هدف لأي شيء في الفيلم إلا لصنع الإفيه.

يستنفذ بوحة مواقفه الكوميدية في مدينة القاهرة والتي سبق لنا أن شاهدناها مرارا وتكرارا في أفلام عادل إمام ومقاولات سعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم من مواجهة الزحام والبحث عن تاكسي إلي الكاباريه والمعركة المفتعلة إلي التخشيبة والتعرف علي المجرم فالنتينو ولكن إحقاقا للحق لابد أن نعترف أن أداء محمد سعد يضفي عليها مذاقا خاصا وطزاجة غير معهودة.

ننتقل بعد ذلك إلي فيلم «الفتوة» والوقوف إلي جوار المعلمة حلويات ـ لبلبة ـ وابنتها كتة ـ مي عز الدين ـ في مواجهة كبير المدبح المعلم فرج ـ حسن حسني ـ فيبدأ بوحة في صنع المؤامرات ضده ثم التظاهر بالولاء له ليساعده في الوصول إلي الضبع، ولكن الكوميديا تستنفذ أيضا فيبدأ موضوع جديد ملفق عن تجنيد ضابط الشرطة لبوحة للإيقاع بالمعلم فرج فيكتشف بوحة وياللهول أن «فرج له واحد كبير في قلب المحافظة سانده وتقريبا مشاركين بعض في التجارة».

ويتسلم بوحة اللحوم الفاسدة لحساب فرج بعلم الضابط ويتم القبض علي بوحة ويستنجد بالضابط فيكتشف أنه تعرض لمؤامرة وأصيب في حادث سيارة وفقد الذاكرة. وبالطبع لن تعود له الذاكرة إلا قبل أن يطق القاضي بالحكم فيبرئ ساحة بوحة، وعلي طريقة العصور الحجرية للمسرح يستأذن بوحة القاضي في كلمة ليلقي بموعظة غريبة ليس لها أي علاقة بأحداث الفيلم حيث يتحدث عن زملائه ـ الذين لا نعرفهم وربما كان لهم وجود في بعض مراحل السيناريو قبل التعديلات الأخيرة ـ المودعين في السجون. ثم عن رحلته في القاهرة والمتاهات التي وجد نفسه فيها ـ والتي لا تدين أي أحد ـ ثم جملة فصيحة عن «كل البني آدمين اللي بيتضربوا في خلاط واحد ويتعملوا كوكتيل» وكان من باب أولي أن يدرك أن فيلمه هو الذي يجمع كل أفكار الأفلام ويضربهم في خلاط واحد لصنع هذا الكوكتيل الغريب.. والغريب أن الجماهير كانت تصفق في الصالة مع نهاية المونولوج حتي كادت أن تدمي أيديها.

معضلة صدق الممثل وزيف الشخصية

ولكن هل كل بضاعة بوحة أو محمد سعد هي التلفيق والتهريج والابتذال.. إنه لمن الظلم الشديد لهذا الممثل العبقري صاحب الموهبة الفذة والإمكانات التعبيرية الخارقة التي لا تتوقف فقط عند حدود لياقته البدنية الأسطورية ـ ما شاء الله ـ وقدرته علي تحدي شاكيرا في الرقص ولا تحكمه الخرافي في عضلاته وقدراته علي تكوير البطن والمؤخرة والقفا والظهر والأنف وعضلات الوجه والفكين والقدمين وكل ما لا يستطيع أن يحققه جيم كاري ذاته إلا بمعاونة تكنولوجيا الخدع الأمريكية، وإنما تمتد إمكاناته أيضا إلي هذا الصدق العالي الذي يصل إلي حد المعايشة وهذه الجدية الشديدة في الأداء التي تنبع منها الكوميديا، بل وأيضا بعض لمسات الشجن المحسوب بدقة حتي لا يعكر صفو الجمهور الذي جاء ليضحك، ويمكنك أن تلحظ هذا في أدائه المعبر عن شعوره بأن كرامته قد أهدرت ـ رغم زيف الموقف ـ عندما ترفضه المعلمة حلويات زوجا لابنتها فتعبيراته تكون أبلغ كثيرا من كلماته التقليدية جدا (مش بوحة الصباح اللي يبقي مرمطون..) ثم فجأة وفي مرارة (كدا يا ست حلويات).. وهو يؤدي أيضا مشهدا مبتكرا لـ«روميو» تحت بلكون الحبيبة وهو يغني في لوعة وأسي تحت تأثير السكر. يملك سعد القدرة علي أن يجعلك تخشي رد الفعل الجنوني للشخصية حين يقرر الانتقام لأصدقائه كما يستطيع أن يضفي تأثيرا خاصا علي تعبيرات التخابث والتردد والخجل والحب ويضفي عليها المذاق الخاص بالشخصية الهمجية العفوية القريبة الصلة برجال العصور الحجرية.. وهو يستطيع أن يفاجئك بلمساته الكوميدية من خلال فكرة رد الفعل غير المتوقع والبعيد تماما عن أي احتمال مثل حالة العطس التي تصيبه حين يعلم بخبر وفاة والده.. وهو يقدم شخصيته بعد دراسة جيدة لنماذجها وبيئتها وسلوكياتها وملابسها وتلتقط عيناه العديد من التفاصيل الواقعية الذكية اللماحة مثل صبي الجزار راكب التريسكل في حر الصيف بشكل الملابس والفانلة والصدر العاري. والجزار الهاوي في العيد وهو يقوم بالدعاية لنفسه مناديا (العيد فرحة.. ماء).

والتركيز علي دور سعد في مختلف عناصر الفيلم لا ينفي استعانته بمواهب حقيقية مهما بلغ مدي تحجيم دورها أو تهميشه ولكن يكون دور هذه العناصر هو إضفاء بعض الجوانب الشكلية والدرامية حتي نصدق أن ما نراه علي الشاشة فيلما وليس شريطا معبأ بالنكت.. فمن الواضح أن المؤلف نادر صلاح الدين بذل جهدا كبيرا في تحقيق درجة من التتابع المنطقي في عمل يضع البطل هدفه الأساسي من خلاله أن يقدم ألبوما كاملا لشخصية بوحة صبي الجزار، فنراه كيف يتعارك وكيف يحب وكيف يغازل وكيف يغني وكيف يسكر وكيف يقدم عرضا للأزياء وكيف تشتعل النار في قدميه. ولابد أن نلاحظ أيضا اللمسات الجمالية في الحوار المعتمد علي سوء التفاهم دائما، وإن كان يغلب عليه الكوميديا اللفظية كثيرا والتي يؤديها سعد ببراعة علي الرغم من أن محمد رضا استهلك الكثير منها في السبعينيات.. وأن نلاحظ رسم المشاهد دراميا بشكل تصاعدي واعتمادها علي عناصر المفاجأة والإخفاء والظهور مثل معركة بوحة مع الثور الهائج ومشهد ذبح الخروف ومشاهد استقباله للمسروقات في شقة فالنتينو ولكن علي الجانب الآخر نجد مشاهد أخري فقدت هذا البناء المتصاعد ومنطقية الرسم مثل المعركة المفتعلة في الكباريه أو مشهد النهاية الملفق وظهور الضابط فجأة لإنهاء الفيلم. ولكن أصعب مشكلة واجهت المؤلف ولم يجد لها حلا هو تطوير العلاقة بين بوحة وكوتة فالانشغال بألبوم بوحة لم يترك أية مساحة لأية علاقة. أما الفنانة لبلبة فكانت تجد نفسها في بعض المشاهد متعاطفة مع بوحة وفي مشاهد أخري ضده دون أي مبرر أو منطق. وكذلك لم يجد المؤلف المساحة الكافية ليضفي قدرا من الاهتمام بمسألة الجزار الفاسد وعلاقته بالمسئول الكبير فغلب عليها التسطيح إلي حد التجريد فهذا شرير و(خلاص) يرتبط بمسئول كبير و(خلاص) وبيعملوا حاجات غلط و(خلاص).

إطار سينمائي لأعمال المهرجين والحواة والمحبظاتية

رامي إمام مخرج يستطيع أيضا أن يثبت تواجده بشكل أو بآخر فهو يفتتح فيلمه بلقطات تهكمية (بيرليسك) من روائع أفلام المعارك والعنف لآثار معركة في القرية والضحايا يتساقطون وهو يوظف الديكور كوميديا عندما تسقط البلكونة مع حركة بوحة العنيفة للثأر لزملائه ثم المؤثرات البصرية والإضاءة حين نري الغبار يتصاعد من أمام بيت أولاد أبو إسماعيل ثم الاختزال والمونتاج، حين نقطع علي بوحة منقطع الأنفاس مخضبا بالدماء علي باب بيته وهو يشكر المولي عز وجل علي عودته سالما وتوظيف حدود الكادر وعنصري الإخفاء والظهور في مشهد وداع بوحة الذي نفاجأ في نهايته أنه يركب سطح القطار وتوظيف مشاهد الفوتو مونتاج وتحقيقها بإجادة، وكذلك توظيف الموسيقي مع المؤثر مع الصمت مع الصورة في إيقاع مشهد مواجهة الثور الهائج وتأثيره الذي يتصاعد مع ظهور رأس العجل فنتصور أن الثور قد فتك بـ«بوحة» ثم نكتشف أنها مجرد رأس مقطوعة في يد بوحة.

وعلي نفس المنوال يمكن أن يجد كل فناني الفيلم مساحات قليلة للتواجد مثل المصور نزار شاكر، علي الرغم من أنه ليس في أفضل حالاته ربما بسبب المشاهد المفاجئة أو الإضافية التي كانت ترد إليه من حين إلي آخر لرفع جرعة الكوميديا بصرف النظر عن إهدار أية وحدة بصرية ومهندس الديكور صلاح الشاذلي الذي أبدع بشكل خاص في شقة فالنتينو كنموذج لحياة الفقر والتشرد والصعلكة والخواء من أية لمسة جمال أو حتي نظافة.. ويلزم التنويه تحديدا إلي عنصر الماكياج الذي أضفي تأثيرا كوميديا عاليا في الضمادات وأربطة الوجه والجسد والإصابات والانتفاخات لـ«بوحة» و«حلويات» و«كوتة».

علي مستوي التمثيل لم يترك سعد مساحة لأي أحد بما في ذلك الغول حسن حسني ولا لبلبلة بكل نضجها وبراعتها، وإن كانت مي عز الدين قد استطاعت أن تظفر لنفسها ببعض التواجد بفضل حضورها الدائم رغم غياب الدور فهي ممثلة متوقدة بالحماس والعزيمة.. وعلي الرغم من ذلك لن يضيف هذا الدور إلي رصيدها الفني إلا أنها أدت أول شخصية حبيبة جزار في السينما تلبي دعوته علي الغداء وعندما يدعوها للمزيد تقول له (لا يا خويا خلاص.. أنا حارجع).. فيرد عليها (انتي حاتحسسيني إن إحنا قاعدين في كنيف).

من سيربح العشرين مليونا

عن لقائه التاريخي بمدير استوديو مصر أحمد سالم يقول الريحاني: «صارحني الأستاذ بحقيقة كنت أجهلها فالناس بدأوا يلوكون اسمي في مواطن الفشل في السينما، ولكن العوامل التي أفسدت علي سبيلي لن يكون لها وجود في استوديو مصر».. ولكن إذا حدثت معجزة اليوم وظهرت مؤسسة إنتاجية لها نفس الدوافع الوطنية والفنية لاستوديو مصر هل سيقبل محمد سعد ويقتنع بأن ما يحققه في السينما ليس فنا وإنما هو أقرب لأعمال المهرجين وحواة الشوارع والمحبظاتية المنقرضين.. وإذا قبل محمد سعد فهل سيجد الجمهور الذي يقبل علي هذه الأفلام.. إن سعد يدرك جيدا كيف يمكن أن تربح أفلامه العشرين مليونا.. وربما يفضل أن يكون شاكيرا أو جيم كاري عن أن يكون الريحاني.. وهو من فرط ثقته في نجاحه يتوجه بالحديث إلي جمهوره مباشرة في نهاية الفيلم (كل سنة وانتوا طيبين وسنة سعيدة).. وقد تقبل جمهوره عيديته السنوية شاكرا.. ونظل نتساءل من الآن وماذا بعد «بوحة» وهل هناك شخصيات أسفل من تلك مازالت في جعبة الحاوي سعد.. أم أن الفنان الموهوب بداخله سيسعي للظهور والكشف عن ذاته مهما كانت التضحيات؟

جريدة القاهرة في 26 يوليو 2005

محمد سعد يلعب في المضمون

النسخة الرابعة من اللمبي

محمد ممدوح  

هناك قصة قديمة تقول: كان هناك جملين يقوم صاحبهما بتأجيرهما لحمل الأثقال المختلفة، أجر صاحبهما واحدا منهما لتاجر ملح ليحمل له أجولة الملح، وفي أحد الأيام بينما كان الجمل يشرب من النهر ابتلت أجولة الملح فذاب الملح وخف الوزن والحمل، فأدمن الجمل هذا الأمر وعاد ليخبر الجمل الثاني عن هذا الاكتشاف المذهل، فطن الجمل الثاني للفكرة وقرر أن ينفذها عندما يخرج للعمل ولكن ما لم يفطن له أن ما كان يحمله فوق ظهره هو اسفنجا وبمجرد أن نزل به الماء ابتل وثقل وتضاعف وزنه عددا من المرات وكسر ظهره.

هذا ملخص حال نجوم الكوميديا الجدد فيما يخص تصوراتهم عن مهنتهم وعن نفسهم والوحش الجبار «الجمهور» وطاقة القدر أقصد شباك التذاكر.

لاشك أن هؤلاء النجوم الذين يسيطرون علي نوافذ العرض السينمائي ينتمون لجيل لا يملك قضايا كبري، فقد ماتت هذه القضايا وقبل ذلك الجيل فيها العزاء منقطع الصلة بماضيه وكأنه يفصله عن هذا الماضي مئات وآلاف السنوات، بل يبدو الماضي من خلال منظار ما يحدث الآن حلما جميلا احتمالات عدم حدوثه تبدو ربما أكثر بكثير من كونه حقيقة حدثت، تلاشت أزمة الماضي وبدت أزمنة المستقبل مشكوك فيها، ذلك أن مجموع الظروف والتغيرات التي حاقت ببدن الوطن تجعل المستقبل غامضا طلسما مغلقا علي التفسير والتنبؤ ومحبطا لأكثر النفوس تفاؤلا، فبات هذا الجيل يعيش حاضرا ابديا مستمرا مع هذا الحاضر يكون التشبه بالماضي حنينا طوبويا يدفع اصحابه للالتحاق بالمجانين وتكون معه الرغبة في صنع عمل فني خالد باق أصيل أو أصلي حلما خبويا متعاليا عن ظروف اللحظة الآنية، حلما يتشبث بالمستقبل الذي يفقد الثقة فيه هذا الجيل.

فأصبح النجاح الآتي والذي انحصر في النجاح التجاري هو الدليل الوحيد والأوحد علي صحة ما يفعله هذا الجيل وصدق رأيه وسداد موقفه ورجاحة عقله!
فأخذت أعمالهم تدور في فلك المؤقت والتلاشي والتكرار الاستهلاكي وهذا ما طابق- في لحظة تاريخية معينة ـ بين من هم وراء وعلي الشاشة وبين من هم أمامها يشاهدونها تطابقت آرائهم ونظرتهم للعالم.

استند من هم وراء الشاشة وعليها إلي آراء من هم أمامها من خلال جيوب المشاهدين التي تخرج منها ثمن التذاكر وأفواهم التي تخرج الابتسامات «مثلهم مثل أي سلعة استهلاكية تخاطب جيب وفم المستهلك» آزر هذا الجمهور هؤلاء النجوم ولا يزال مثبتا في بعض الأوقات رغبته في التغيير وأن يري ما يهمه، ولكن دون أن تكون هذه الرغبة أصيلة أو حقيقية بداخله أو حتي دائمة بل بدت نوعا من الوجاهة واثبات برائته من تهمة السطحية التي نالت من جيل الشباب من المشاهدين فجاءت الأفلام المختلفة التي انجحها هذا الجمهور مثل فيلم «سهر الليالي» أفلاما جادة ولكنها مخففة بكثير من عصائر السوق وحريفة ببهارات العناصر النمطية الجاهزة لأفلام الكوميدينات الجدد.

بوحة النسخة الرابعة من اللمبي

إن محمد سعد يذكرني بمحمد فؤاد في عالم الغناد إن الجمهور يحبه دون شروط يفضلونه دائما حتي لو لم يقدم ما يجب لأنهم يرونهما منهم اقرباء لهم ملامحهم المصرية البسيطة ومظهرهم غير المبالغ فيه والذي علي العكس من الأناقة الباهظة المبالغ فيها عند الآخرين تجعل كثير جدا من المصريين يفضلونهم حتي ولو لم يكونوا الأفضل ، بل إن محمد سعد قد شاركت اللقاءات التليفزيونية التي أعود لأوكد علي أهميتها الآن في العصر الذي نعيش هذه اللقاءات قد ساهمت في بناء رصيد الحب عند الجمهور لما يميز سعد من عفوية وصدق وتواضع هذا الحب الذي جعل طفلة لا تطيق الانتظار اثناء وقوفنا أمام شباك التذاكر طالبة من أن تشاهد الفيلم بسرعة «عايزة بوحة عايزة بوحة».

هذا العقد الموقع علي بياض الذي وقعه المشاهدين لسعد منذ فيلم «اللمبي» لوائل احسان لم يحفز سعد علي الإجادة أو التغيير والخروج من عباءة الشخصية التي فيها الكثير من الغباء والسذاجة والوقاحة «الكراكتير» والتي لها طريقتها الخاصة في الكلام والنطق بل استمر سعد في تقديم نفس الشخصية أو في أحسن الحالات تنويعات عليها اللهم ف بعض مشاهد فيلم اللي بالي بالك لوائل احسان والذي اعتبره افضل أفلامه ابتداء من العنوان الذي يعتبره نقاد الأدب عتبة النص أصبح هناك وعد بداية من العنوان بكراكتر بشخصية خاصة من شخصيات سعد في كل فيلم «اللمبي ، اللي بالي بالك» التي تشير لللمبي «عوكل وأخيرا بوحة».

استمرت نفس نوعية الشخصيات بكثير من صقات اللمبي والقليل من الخصوصية لكل شخصية جيدة وبالطبع نفس الطريقة الغريبة في النطق.

في فيلم سعد الجديد «بوحة» إخراج رامي إمام والذي يحكي عن الشاب بوحة «محمد سعد» الساذج إلي حد الغباء الذي يسافر من الريف إلي القاهرة ليبحث عن «الضبع» أحد الجزارين الذي يدين له بنصف مليون جنيه وفي المذبح يتعرف علي كوتة «مي عز الدين» وأمها حلويات «لبلبة» ويتعاون مع الضابط ماهر مجدي كامل للقبض علي أحد التجار الفاسدين «حسن حسني». والفيلم تدور أغلب أحداثه في عالم المذبح والجزارين وهي منطقة جديدة علي السينما المصرية أن تتناولها إذا أبعدت عن التنميط والسطحية التي تم التعامل من خلالها مع هذا العالم من قبل في الأفلام المصرية، إلا أن أحداث الفيلم مرت دون أن نري أي خصوصية لهذا العالم الغني.

إن رامي إمام استطاع أن يغير أو أن يعطي شكلا جيدا للنجوم الذين عمل معهم بعيدا عن الاقتباس الذي وجد أغلب النقاد وأشاركهم الرأي أن أعماله تتميز به بداء من الفنان الكبير عادل إمام في «أمير الظلام» وانتهاءا بهاني رمزي في فيلم «غبي منه فيه» إلا أن رامي إمام لم يكسب سعد هذه الميزة بل اكتسب من سعد نمطيته ولم يغير فيه أي شيء بل إن اللغة البصرية الواعدة في أمير الظلام قد توارت خلف صورة فقيرة نفعية في الفيلم الأخير.

قام سعد مثله مثل هنيدي باستثمار عناصره الجاهزة والتي اختبرت نجاحها بدءا من نمط الشخصية وطريقة أدائها إلي المشاهد المعتادة مثل مشهد الاستعراض الذي يكون باسم البطل لا يكون له أي مكان داخل السياق بل يوضع هكذا في أي موضع وعلي طريقة عو كلووه في فيلم «عوكل» ومن قبله أنا اللمبي في فيلم «اللمبي» يأتي بوحة بوحة في فيلم «بوحة».

وكذلك المشهد الذي يجمعه بالحبيبة في أحد الأماكن للتعبير عن مشاعره «اللمبي، اللي بالي بالك، عوكل، بوحة» دائما ما يكون الشاب الساذج الذي يجد صعوبة في اظهار مشاعره والتعبير عن نفسه لا في مشاهد الغناء الحزين الذي يقوم بأدائه وهو سكير ويحمل زجاجة المشروب الكحولي.

سعد البطل الذي دائما ما يتورط من أجل الحبيبة في صراعات فوق طاقته مثل مشهد المعركة في اللي بالي بالك وأيضا المعركة في عوكل وأخيرا المعركة في بوحة.

البطل الذي يقاوم عوزه وحاجته للمال من أجل قضية أعلي وتأتي في نهاية الفيلم الجائزة في حل غير منطقي ونقود سهلة تهبط عليه من السماء بمنطق المخرج عاوز كده، نقود النقطة في اللمبي وشخصية لطفي المنفلوطي الجديدة التي أصبحها في اللي بالي بالك والثروة التي هبطت عليه من سمكرة السيارات القديمة في تركيا في فيلم عوكل وأخيرا في فيلم «بوحة» شيك النصف مليون جنيه الذي اتي له به الجزار الضبع في المحكمة كجائزة له بعد أن قدم سعد هو الآخر علي طريقة الفن الهادف ـ الذي يقول حاجة ـ كما يقولون تربط بين هذه المشاهد المستنسخة والمستعارة بحبكة متهاوية تبدو كصوت مقدم ورابط الاسكتشات الفكاهية.

وأخيراً يبقي السؤال الذي ينطرح بقوة هنا هل آن الوقت للنقاد أن يتخلوا عن رفض هذه الأفلام ومحاولة المساعدة علي أن يحسنها صناعها ويجيدوها لمحاولة احراز تقدم حقيقي في نوعية الفيلم الكوميدي الذي طالما تميزت به السينما المصرية عبر تارخيها؟ أم يستمر النقاد الذين صرح أغلبية النجوم الجدد بالعداء والاستغناء عن آرائهم المتعالية والتي لا تعبر عن حقيقة الجمهور وواقع الشباك يستمر هؤلاء النقاد كحائط صد أخير وصوت عقل وحيد يرفض هيمنة وسيطرة نوع واحد علي السينما المصرية التي طالما حفلت بالتعدد ضد السيطرة لنوع خاصة ولو كان مثل هذا النوع من الأفلام المسيطرة وبهذه الخصائص؟ ذلك أن النقاد بلا شك هم ضمير حي وعقل يقظ لا يهدأ للفن خاصة وللوطن عامة.

جريدة القاهرة في 26 يوليو 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى