السينمائي العربي لهذا العام حوار / فيجايا شيريان ترجمة / مريم الساعدي |
بالرغم من توجه الإمارات، خاصة دبي، نحو إرساء قاعدة للإنتاج السينمائي التجاري، إلا أن السينمائيون من الشباب المواطن يتحسرون على افتقارهم للدعم المادي والمعنوي. الاعتماد على الكاميرا لكسب العيش في دولة كالإمارات هو خيار شجاع، حيث لا تاريخ سينمائي ولا دعم يذكر للسينمائيين. ولكنها مهنة اختار بعض الشباب امتهانها والمضي قدما فيها بالرغم من نقص الموارد المالية، والمعدات المناسبة، والدعم المعنوي. المثير للانتباه هو حبهم للفن وكفاحهم المشترك والذي أسهم في ربطهم ببعض البعض. فهم لا يتشاركون المعدات نفسها فحسب، وإنما يساهمون وبدون أي مقابل مادي في إنتاج أعمال بعضهم ليخرج العمل بأفضل صورة ممكنه. "المهم أن نقدم فيلما جيدا." هذا ما يؤكده الشاب الإماراتي عبدالله حسن أحمد، 27 عاما، والذي يشعر بأن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق السينمائيين المواطنين من الجيل الحالي لإنتاج أفلام جيدة. يقول عبدالله: "لا زالت السينما في مرحلتها الأولية في الإمارات، لذا فهي مسؤوليتنا أن نصنع أفلاما تحدث تأثيرا في المجتمع حتى يشعر بضرورة دعم هذه الحركة السينمائية." عبدالله حسن أحمد جاء من خلفية مسرحية ولكن، ومنذ أربع سنوات، تحول هواه إلى السينما. يقول: "أردت أن أفكر بصريا في الإحساس الذي تمنحه السينما." ومنذ ذلك الحين، لم يكن هناك خط رجعة لعبدالله، فهو اليوم مخرج سينمائي متفرغ. بالرغم من أنه يقوم بالإخراج في المقام الأول، إلا أن عبدلله كثيرا ما عمل كمصور وممثل في أفلامه وأفلام زملائه من السينمائيين. وبعد ثلاث سنوات وأربعة عشر فيلما ابتدأت جهود عبدالله تؤتي ثمارها. ففي السابع من مارس عام 2005، استلم الاعتراف الرسمي الأول بأعماله في مسابقة أفلام الإمارات في أبوظبي، حيث حاز على جائزتين – واحدة لأفضل فيلم تسجيلي "سمو الفعل" والأخرى لأفضل فيلم روائي "الفستان". وبعد يوم واحد أيضا، حاز على جائزة أفضل سينمائي لسنة 2005 من قبل شركة ديجيتال استوديو لموهبته ومهارته الاستثنائية في الإخراج السينمائي. إن ما يخوّل عبدالله ليكون واحدا من حملة الجوائز هي رؤيته المتميزة وقدرته على إبراز هذه الرؤية من خلال أفلامه. فسمو الفعل، على سبيل المثال، هو محاولته الأولى في الأفلام التسجيلية وكانت حول موضوع مألوف – دبي. ولكن ما يجعل هذه الـ 25 دقيقة التسجيلية متميزة عن باقي الأفلام التي تعاملت مع نفس الموضوع هي أن الكاميرا في "سمو الفعل" لم تركز على خور أو أفق دبي، بل تستقر على الوجوه التي تقطن هذه المدينة. يبدأ الفيلم من الشوارع الخلفية لدبي بناسها وأسواقها ثم يستمر في الحركة حتى يصل للمناطق الأكثر إبهارا التي تشكل هوية المدينة اليوم. يقول عبدالله: "أردت أن أصور الناس في الأسواق لأن دبي بنيت على أكتاف هؤلاء الناس. من خلال ذلك، أردت أن أصنع فيلما يعكس، وبأمانة، صورتنا، بيئتنا، ثقافتنا وتاريخنا." عندما باشر عبدالله العمل في هذا الفيلم التسجيلي، كان التحدي الأكبر الذي واجهه هو الميزانية. ولكن هذه العقبة سرعان ما تم تجاوزها حين تصدت مجموعة مجوهرات "داماس" مع مجموعة فراديس الفنية لتمويل هذا المشروع. متسلحا بـ 4000 دولار، وكاميرا سوني PD 170 اشتراها قبل عام، وبمعدات إضاءة استعارها من صديق، انطلق عبدالله مع فريقه الصغير المكون من كاتب سيناريو، مدير إنتاج، وسائق، إلى شوارع دبي في يوم جمعة ليبدأ التصوير. يقول عبدالله: "دبي مليئة بأنواع مختلفة من البشر. وكمخرج، أحسست أنه علي أن أظهر هذا الاختلاف بصورة موضوعيه. ربما حقيقة كوني لست من سكان دبي ساعدني في تبني نظرة موضوعية أكثر للمدينة. ساعدني ذلك في إزالة الطبقات البراقة الخارجية والغوص أكثر بالداخل لرؤية أين يكمن قلب هذه المدينة." بالنسبة لعبدالله وفريقه كان هذا الفيلم الوثائقي تجربة للإبصار بشكل أوضح. يقول موضحا: "أولا، يتطلب هذا العمل الكثير من البحث. ثانيا، أنت لا تعمل هنا على سيناريو مباشر كما هو الحال في الأفلام الروائية. هنا، لا يوجد ممثلين ولا يوجد سيناريو محدد. لا يمكنك التنبؤ بكل التفاصيل التي ستواجهك. هو عمل أقرب للبحث عن طريق الكاميرا، أنت تبحث عن شيء ما وتستمر في البحث حتى تجده". تعليقا على سمو الفعل، يؤكد زميله المخرج نواف الجناحي، إن الفيلم موضوعي ويحاول إظهار دبي كما هي حقيقة. يقول: "هذا الفيلم يرينا دبي الحقيقية. فهو يصورها من الخارج ومن الداخل، ويركز على كل الأشخاص، وكل الأمكنة." في أحد مشاهد الفيلم، نرى أحد عمال البناء يستريح مساء بالقرب من العبرة مع كوب شاي وقطعة كعك. عندما سألناه عن رأيه في دبي، قال إنه لا يحبها. يعلق عبدالله: "الفيلم كان صادقا كفاية ليظهر ذلك، هو لم يقصد القول أنه يكره دبي. ربما كان فقط يعبر عن معاناته في تلك اللحظة، وربما لو طرح عليه نفس السؤال في وقت لاحق لأجاب أن دبي رائعة. لقد كانت تلك اللحظة فقط، والفيلم أظهر ذلك. وهذا هو دور الفيلم التسجيلي- التقاط اللحظة." ولكنه حرص على التأكيد أنه كان واحد من المخرجين القلائل الذين حالفهم الحظ في الحصول على ميزانية لإنتاج فيلم، وممولين لا يتدخلون في سير العمل، ثم الفوز بالجوائز، والأهم من ذلك كله مجموعة من الأصدقاء الموهوبين يسهمون في أعمال الكاميرا، تأليف الموسيقا، عمل الإنتاج، وغيرها من المهارات المطلوبة كلما استدعت الحاجة. تلك التشكيلة ربما كانت أحد الأسباب خلف فوز فيلم الفستان بجائزة أفضل فيلم روائي في مسابقة أفلام من الإمارات لهذا العام. الفستان، فيلم مدته 27 دقيقة، يسلط الضوء على ثلاث أجيال من النساء العربيات يعشن في بيت واحد يكسبن عيشهن من خياطة الملابس. يظهر الفيلم كيف تعيش هذه النسوة بتوجهاتهن وأحلامهن المختلفة تحت سقف واحد. صديق عبدالله، يوسف إبراهيم كتب سيناريو الفيلم، نواف الجناحي ساعد في الإخراج، وتبادل عبدلله أيضا حمل الكاميرا مع زملائه خالد المحمود ووليد الشحي. وقام إبراهيم الأميري بوضع الموسيقا فيما عمل عمر إبراهيم على الصوت، وعمر هو سينمائي آخر فاز بجائزة الموهبة المتميزة في مسابقة أفلام من الإمارات هذا العام. لا أحد من هؤلاء السينمائيين حصل على أي أجر عن عملهم هذا. ويعلق نواف الجناحي، 28 عاما، بقوله: "نحن نعمل بلا مقابل لأجل بعضنا البعض، ونحن نعمل معا." الجناحي نفسه عمل في إخراج الأفلام في السنوات الأربع الأخيرة، وقد حصل على تدريبا أكاديميا في هذا المجال في إحدى الجامعات الأمريكية. يقول نواف: "حين يخرج عبدالله فيلما فأنا أساعده، وحين أخرج أنا فيلما فهو يساعدني. لا ندفع لبعضنا لأننا لا نمتلك الميزانية لذلك ولكننا جميعا نريد أن ننتج أفلاما جيدة. لدينا جميعا مواهب مختلفة لذا نصب جهودنا كلها في مصب واحد. حتى فيما يخص المعدات، ليس كلنا يمتلك كاميرات، معدات إضاءة وما شابه. واحد يمتلك كاميرا، وآخر لديه معدات الإضاءة، فيما تكون عدة المونتاج مع شخص آخر. هذه إحدى المشكلات التي نواجهها. لا نمتلك التجهيزات الكافية. نعتمد تماما على بعضنا في تبادل الخبرات والمعدات." إلا أن الجناحي يعمل في تلفزيون أبوظبي بوظيفة مخرج مساعد، ويعمل على أفلامه في وقت الفراغ. وعن ذلك يقول: "راتبي لا يكفي لإنتاج فيلم، لكني على الأقل لدي عمل يدفع لي راتب". ومثل الجناحي، يعمل خالد المحمود أيضا في تلفزيون أبوظبي كمنتج مساعد، لكن حبه الأول هو السينما وهو يسخر كل وقت فراغه لهذا الحب. في الحقيقة، هؤلاء الشباب لم يثنهم شيء من مباشرة أعمالهم حتى في أشد شهور السنة حرارة، حين تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية. يعلق على ذلك عبدالله قائلا: "صورنا سمو الفعل في شهر يوليو 2004، هو أشد شهور السنة حرارة. لدرجة أن الكاميرا كانت تنطفئ تلقائيا بسبب الرطوبة العالية جدا." حبهم للفن ورغبتهم في إعطاء أفضل ما عندهم لأفلامهم دفعهم لاستكشاف المواهب خارج الإمارات أحيانا. يقول عبدلله: "هناك مؤلفي موسيقى موهوبين جدا في الإمارات مثل إبراهيم الأميري وفهد الجسمي. لكننا لا نمانع الذهاب إلى دول الخليج الأخرى لو وجدنا مواهب جيده، فمن أجل فيلمي، "آمين"، على سبيل المثال، ذهب الجناحي إلى السعودية للعمل مع علاء المكتوم، وهو مؤلف موسيقي شاب. وقد قام بعمل رائع." يتضح من أفلام عبدالله أنه يميل إلى طرح مواضيع مرتبطة بالمجتمع بحركات كاميرا بسيطة لإنتاج مشاهد مثيره بصريا. وعن ذلك يقول: "أفلامي مباشرة نوعا ما، وتم مونتاجها على الإصدار الرابع من برنامج فيجاس. نحن لا ننتج أفلاما موسيقية، لكن ذلك لا يعني أنني لن ألجأ إلى إستخدام المؤثرات الخاصة إذا استدعت الحاجة. لكن الصورة هي من يجب أن تنقل فكرة السيناريو." في مقارنة مغايرة لأسلوب عبدالله، نرى عمر إبراهيم، مخرج شاب آخر فاز بجائزة الموهبة المتميزة في مسابقة أفلام من الإمارات هذا العام. فيلم عمر إبراهيم "يوم عادي" هو قصة كاتب يعيش صراع كتابة الأسطر الأولى من قصته. استخدم فيلم العشر دقائق هذا الكثير من المؤثرات الخاصة للتعبير عن قلق الكاتب، ويعلق عمر عن ذلك قائلا: "يقولون إن مشكلة الكاتب الكبرى هي في تخطي عقبة الأسطر الأولى. بعد ذلك، تتدفق الأفكار. ولأن هذه فكرة مجردة، لم أشأ عرضها بطريقة تقليدية، لذلك استخدمت المؤثرات الخاصة." عمر إبراهيم ممثل سابق وفني صوت، أخرج فيلمه الأول عام 2003، وتحمل بنفسه نفقات فيلم "يوم عادي". لم يعاني صعوبة في العثور على ممثل، مصور وكاتب نص، لكن كان عليه تجاوز صعوبات أخرى. يقول: "هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها فيلما، منذ 2001 كنت أقوم بعمل الصوت للأفلام، لكنني دوما شعرت إنني أمتلك موهبة الإخراج، مع هذا الفيلم، كنت متخوفا من كيفية الإخراج والتصوير المناسب." استخدم عمر كاميرا باناسونيك DVC Pro لتصوير فيلم "يوم عادي". ويوضح: "هي ليست كاميرتي. خالد الرياحي، صديق ومصور، هو من قام بتصوير الفيلم؛ هو أيضا من قام بعمل مونتاج الفيلم وإضافة المؤثرات الخاصة. المشكلة أننا لم نمتلك سوى كاميرا واحدة. لو توفرت كاميرات أكثر لتمكنّا من التقاط حركات الممثل من زوايا مختلفة بنفس الوقت." اتفق منظمو مسابقة أفلام من الإمارات مع السينمائيين الشباب في استنكار غياب الدعم من الحكومة، وأجهزة الإعلام المختلفة. لقد استثمرت الحكومة في مشاريع إعلامية مختلفة لدعم محطات البث الإذاعي والتلفزيوني، ولكن لا ميزانية تم تخصيصها لدعم السينمائيين الإماراتيين أو توفير المعدات الضرورية لإنتاج أعمالهم. حتى محطات البث المحلية لم تبد أي اهتمام لعرض هذه الأفلام. يقول خالد المحمود: "بعض المحطات تحاول استغلالنا بطلبها الحصول على حق عرض أفلامنا مجانا. المحزن في الأمر، انه لو كان فيلما من بلد آخر لدفعوا الكثير ليحصلوا على حق عرضه." يعبر مسعود أمر الله آل علي، مخرج مسابقة أفلام من الإمارات، عن نفس هذه المشاعر: "إنهم على حق. لم يكن للسينما أي أنصار في الإمارات ولكن المشكلة أعمق من ذلك بعض الشيء، فالحقيقة أن الصورة لم تكن يوما هي نمط التعبير الأهم في المجتمع العربي، بل النص. الأمر سيستغرق وقت لتغيير هذه المواقف ولجعل الناس يبدون تقديرا أكبر للسينما، وهي أداة بصرية." ويضيف أمرالله: "من جانب آخر فبلدنا عمره 30 عاما فقط، كل شيء لازال في مرحلة التشكل. الفرق الوحيد أن معظم أشكال الفنون الأخرى وجدت من يرعاها. فمثلا تحظى جماعة المسرح في الإمارات برعاية شيخ، وقد تم تأسيس إتحاد الكتّاب لاحتضان الشعراء والروائيين." ما يقترحه أمر الله هو تغيير على المستوى الرسمي والإعلامي: "يجب على محطات البث أن ترعى الأحداث الثقافية في قنواتها لدعم المجتمع المحلي. ثانيا يوجد لدينا العديد من السينمائيين الذين يحتاجون للتدريب لإضفاء الجمالية القصوى على أفلامهم. حاليا، الكثير منهم لا يجيدون ترجمة أفكارهم لأفلام لأنهم لا يمتلكون الدراية الكافية بأساليب وتقنيات السينما. يجب أن تتواجد الكثير من ورش العمل المتخصصة لوضع هؤلاء الشباب على خط الإنتاج السينمائي الصحيح." وعلى أية حال، فإن نقص الدعم والمساندة لم توهن عزيمة هؤلاء السينمائيين الشباب. في الحقيقة، هم مصممون على المضي قدما نحو إنتاج الأفلام. يقول الجناحي: "نحن نهتم بالسينما، ونتمنى أن تتخذ الحكومة، وشركات الإنتاج، والمحطات التلفزيونية، خطوات إيجابية نحو دعم هذا التوجه. ولكننا لا نستطيع التوقف انتظارا لهذا الدعم، فلو لم نتحرك بأنفسنا منذ أربع سنوات، لما وصلنا لهذه المرحلة الآن. إن تحتم علينا أن نستمر في تمويل أفلامنا بأنفسنا، فليكن، ولكننا لن نتوقف. سنستمر في إنتاج الأفلام." ديجيتال أستوديو في 4 أبريل 2005 |
حوار مع المخرج الإماراتي الشاب عبدالله حسن أحمد "لا أحب الإبهار المجاني وأركّز على الممثل والقضية" حوار / عمر شبانة عبدالله حسن أحمد الفنان الشاب الذي بدأ في المسرح منتصف التسعينات، وانتقل ليضع بصمات جديدة على دفتر السينما الإماراتية، بات اليوم واحداً ممن يصنعون تاريخ هذه السينما بأفلام تسجيلية وروائية قصيرة، طامحاً إلى أفلام طويلة تروي ظمأه لتقديم ما لديه وظمأ المتلقي أفلام جديدة وجادة تذهب في أعماق المجتمع والإنسان. حصل عبدالله في مسابقة أفلام من الإمارات عن فيلمه "الفستان" على جائزة أفضل فيلم روائي قصير، كما سبق وفاز بجائزة "استوديو ديجيتال" كأفضل سينمائي شاب. أنشأ مع شقيقه الشاعر والسيناريست محمد حسن أحمد فريق عمل سينمائياً باسم "فراديس"، وهو يدعو المؤسسات الرسمية والأهلية في الإمارات إلى تقديم كل ما من شأنه دعم صناعة سينمائية متطورة في الإمارات. حول أعماله وعدد من القضايا السينمائية الإماراتية كان الحوار معه. · نبدأ بفيلم "الفستان" الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي ضمن مسابقة "أفلام من الإمارات". ماذا عن هذا الفيلم، مضمونه، التقنيات، وما الرسالة التي يحملها في خطابه الأخير؟ الفيلم أولاً روائي قصير، مدته 28 دقيقة، عن نص ليوسف إبراهيم، ويتناول قضية اجتماعية تتمثل في "العنوسة"، وذلك من خلال شخصية امرأة عانس تعمل خياطة لملابس العرائس. فيما هي ليس لديها زوج، من هذه المفارقة نتناول حياة أسرة بسيطة. وهناك حوارات بسيطة ولغة ومعالجة لا تعقيدات فيها. وهناك في الفيلم محاولة لطرح حل لقضية العنوسة تمثلت في التركيز على شخصية سائق يتقرب من الخياطة ليتزوجها، وهو متزوج قبلها من أكثر من امرأة، لكن هذا الحل مؤقت كما قلت، وثمة مفارقة أخرى تتمثل في كون هذه العانس تحمل شهادة جامعية لكنها لم تستغلها للعمل في مجال تخصصها. · وماذا عن فريق العمل الذي اشترك معك في هذا الفيلم من ممثلين وفنيين؟ الممثلون هم: سعيد عبيد، أشجان، نورا البادي، حياة وحمد سلطان وسواهم. وكان الفريق منسجماً في أدائه. أما الفريق الفني فكله ممن لهم تجاربهم السينمائية، وهم من الإمارات المختلفة وبعضهم عمل معي في أفلام أخرى. · أية أفلام؟ لدي فيلمان هما "المريحانة" (الأرجوحة) و"آمين" وقبلهما فيلم تسجيلي بعنوان "سمو الفعل" حول ماضي دبي وحاضرها. · حدثنا عن التقنيات المستخدمة في فيلم "الفستان"؟ تقنياتنا الإخراجية بسيطة جداً لأنني أركز على الممثل وعلى القضية المطروحة أكثر من التركيز على التقنيات أو على الإبهار. لا يهمني الإبهار بقدر ما يهمني الموضوع والمقولات. ويهمني أكثر الوصول إلى المشاهد/المتلقي، لأنني أعتبر الإبهار بالتقنيات يحجب الممثل وقد يغيّب القضية المطروحة. كما أن إمكانياتنا المادية قليلة، وأنا أتمنى أن نصل إلى مرحلة نستخدم فيها تقنيات متقدمة، لكنني سأستخدمها بقدر من التوازن بينها وبين عناصر الفيلم الأخرى. وأؤكد أن لكل موضوع تقنيات. فالتقنيات المستخدمة في أفلامي تتناسب في بساطتها مع بساطة الفكرة والمعالجة. · أريد أن أسألك هنا، هل جئت إلى السينما عبر دراسة أكاديمية أم عبر الموهبة؟ لا، أنا عملت في المسرح من عام 1994 حتى 2000 ثم بدءاً من عام 2001 بدأت العمل في السينما أنا وفرقة "فراديس". · هل شاركتم بهذا الفيلم في أية مسابقات أخرى؟ سيشارك الفيلم في تظاهرة سينمائية للأفلام القصيرة في مدينة روتردام الهولندية. وقد تم اختياره بعد فوزه بالجائزة التي تحدثت عنها. · وهل عرضتم الفيلم محلياً، خارج المسابقة المذكورة؟ وكيف وجدتم تفاعل الجمهور معه؟ نعم عرضناه ضمن جولة لنا على مجموعة من كليات التقنيات، في عدد من الإمارات، في الشارقة ورأس الخيمة وغيرهما. وقد شاهده في هذه الجولات ما يقارب الألف من الطالبات، وكان جميلاً أن نرى تفاعل المشاهدات معه بشكل جيد، إذ كانت ردود الفعل عليه مشجعة، ومن بين المشاهدات كانت واحدة انفعلت حد البكاء. رغم أنها أجنبية ولا تعرف اللهجة التي يتحدث بها الفيلم، وكان هذا التفاعل جائزة أخرى للفيلم تعادل الجائزة التي حصل عليها في المهرجان. وسنستمر في جولتنا لعرضه في الإمارات كافة، ولشرائح مختلفة. · هذا الكلام عن تفاعل المرأة الأجنبية يعني أن الفيلم يحمل رسالة إنسانية محلية فقط؟ في العمل جانب إنساني كبير. صحيح أننا نتناول حالة محلية من مجتمعنا، لكن المعالجة تذهب إلى الجوانب الإنسانية في هذه الحالة وليس على المشكلة المحلية فقط. · لنتوقف عند النص الذي كتبه يوسف إبراهيم، كيف تعاملت معه إخراجيا؟ طبعا يوسف إبراهيم كاتب متميز معروف بنصوصه وسيناريوهاته التي نالت عدداً من الجوائز. وقد تحاورنا حول تعديلات ضرورية ضمن ما يشبه ورشة للوصول بالنص إلى صيغته القابلة للتنفيذ إخراجياً وتقنياً وفنياً. وأعتقد أن قوة النص لعبت دوراً في أن يكون الفيلم متميزاً ويحصد تلك الجائزة. · مجموعة فراديس التي ذكرتها، هل يمكن أن تحدثنا عنها من حيث التأسيس والتوجهات والانجازات والمشاريع المستقبلية؟ فراديس هي مجموعة سينمائية أسسناها أنا وأخي الكاتب محمد حسن أحمد الذي بادر هو أولاً، ومعنا أخي الآخر أحمد حسن أحمد الذي يعمل في مجال المؤثرات الفنية، وقد بدأت المجموعة عملها في عام 2000 بالفيلم التسجيلي "سمو الفعل" الذي كتبه محمد حسن أحمد، وكان الإنتاج من خلال تمويل قدمته "داماس" التي مولت أيضا "المريحانة". · وما دور شقيقك أحمد في الفريق؟ ومن هم أعضاء الفريق الآخرون؟ هو كاتب سيناريو أساساً، لكن يمكن أن يقوم بأدوار أخرى إذا تطلب الأمر. ومعنا في الفراديس نواف الجناحي، قاسم حمود، عمر إبراهيم، وليد شحي، ومجموعة من العاملات في المجال الإداري. لكن أنا أعتبر كل سينمائي في الإمارات هو من فريقنا. · هل نتوقف عند البداية المتمثلة في الفيلم التسجيلي "سمو الفعل"؟ هذا الفيلم مدته 25 دقيقة، ويعالج موضوع "الفعل" بوصفه وسيلة "السمو" والارتقاء، من خلال تناول مدينة دبي بدءاً من الأحياء القديمة وأسواقها وبيوتها وصولاً إلى الأبراج والمشاريع الضخمة، ويتضمن تعليقاً على هذين العالمين وكيف تم الانتقال والتطور. وليس في الفيلم مديح أو إعجاب، بل مقارنة بين صورتين، ومع ذلك فهناك من لم يعجبهم الفيلم لأنهم اعتبروه نقداً للمدينة. وأنا أقول إن هذه دبي كما أراها وأعرفها. نحن نقلنا الواقع كما هو. وقد نال الفيلم جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مسابقة الأفلام الوثائقية الإماراتية. · أي نوع من الكاميرات تستخدم في عملك؟ أستخدم الديجيتال (سوني)، وأعتبر أجمل ما في السينما أنها تتيح استخدام كاميرا واحدة. · أريد أن أسألك عن طبيعة علاقتك بالمكان (البحر، الرمل، النخل)؟ ما حجم حضوره ودوره في أفلامك؟ هل يأخذ دور البطل مثلا؟ في البداية أشير إلى أنني ابن رأس الخيمة الغنية بالأماكن اللافتة والمهمة للعمل السينمائي. ففي "المريحانة" البطل هو المكان فعلاً. حيث تم التركيز على اختيار المكان والبيت القديم بما يناسب فكرتنا. وفي "آمين" صورنا في "جزيرة الحمرا" المعروفة ببيوتها القديمة، ولم يتطلب الأمر منا سوى القليل من الترميم والديكورات. فالمكان هنا ليس بحاجة إلى تعديلات فنية. والمكان بالنسبة لعملنا ليس الطبيعة فحسب، بل كل مكان نتعامل معه ويمنحنا واقعية ما. فمثلاً في الفيلم التسجيلي أنا أخذت المكان كما هو، لكن في الفيلم الروائي لابد من إضافات وتعديلات وتناول من زاوية محددة. · علمت أنكم تعملون على فيلم جديد، ما هو؟ هناك في الحقيقة مشاريع عدة نحاول العمل عليها في آن، والعمل الذي ينضج أولاً سيكون هو فيلمنا المقبل. والآن هناك عملان، واحد مع الكاتب يوسف إبراهيم والآخر مع شقيقي محمد. وهناك عمل متقدم أكثر مع أحمد سالمين كاتب نص فيلم "طوي عشبة"، وهذا أول تعاون معه، وقد بدأ كتابة النص فعلاً. والعمل قصة عجوز تسترجع ذكرياتها وحياتها في الصحراء من خلال حياتها في المدينة نتناولها بكل ما تعني من أصالة وتقاليد وغير ذلك من الرموز الإنسانية والاجتماعية. · كم من الوقت يستغرق منك الفيلم عادة؟ أتحدث عن "الفستان"، أتذكر أننا بدأنا به في أبريل/ نيسان 2004، منذ التفكير بالقصة وإنضاجها واختيار الكوادر والأمكنة، وانتهينا منه بعد ما يقارب 4 شهور. · ضمن حركة صناعة السينما في الإمارات، كيف ترى هذه الحركة؟ هناك في الإمارات مجموعة كبيرة من الكوادر القادرة على صناعة سينما، لكن الجميع يعمل في حقل الأفلام القصيرة. وتلعب المهرجانات دوراً في تطوير هذه التجارب، خصوصاً مهرجان أفلام من الإمارات بقيادة مسعود أمر الله، وهناك مهرجان دبي، وهناك أفلام كثيرة أثبتت حضورها في الخارج، وفي كل عام هناك جديد يقدم. وهناك مخرجون وكتاب متميزون. لكن المشكلة في الإنتاج. وأعتقد انه لابد من أفلام روائية طويلة خصوصاً بعد تجربة هاني الشيباني الذي نتمنى له النجاح، حيث شاركت معه ممثلاً وشارك معه الكثير من السينمائيين الإماراتيين، وقد عرض في ختام مهرجان أفلام من الإمارات. · ولكن لماذا يتأخر ظهور الفيلم الطويل؟ المسألة متعلقة بعدم وجود إمكانات إنتاجه. فالشيباني كان هو نفسه المنتج. ومن يريد أن ينتج فيلماً طويلاً عليه أن يصرف عليه من جيبه. ليس هناك منتج أو مؤسسات تدعم إنتاج أفلام طويلة. حتى الأفلام القصيرة لا تجد المنتج إلا بصعوبة، مع أنها غير مكلفة. ومؤخراً بدأت بعض المؤسسات تقدم الدعم حين تجد تجربة جيدة. وأظن أن لدى مجلس دبي الثقافي توجهاً لدعم السينما كما نسمع. ونتمنى من المؤسسات الرسمية والأهلية توجيه الاهتمام والدعم الكافيين لتطوير الصناعة السينمائية في الإمارات، لأن العناصر اللازمة لهذه الصناعة متوفرة من حيث الكوادر والعقول ولا ينقص سوى المال. وكل ما أنتج من أفلام كان بجهود فردية، رغم دور المجمع الثقافي الذي يقدم الدعم بأشكال مختلفة. · هل يمكن للسينما الإماراتية الانتشار جماهيرياً وليس فقط على مستوى النخب والمهرجانات، وكيف؟ هذا يتطلب جدية في تعاطي المؤسسات الثقافية مع السينما. والأمر الأول يتعلق بإنشاء معهد للفنون خاص بالسينما، كما يتعلق بوجود منتج يتبنى الإنتاج الجيد وليس الأفلام التجارية. سواء وزارة الإعلام أو القطاع الخاص، لابد من دعم غير مشروط، فالفنان لا يستطيع أن يقبل بالدعم المادي مقابل التخلي عن حريته، لكن الحرية المسؤولة والرقابة الشخصية اللتين تتواءمان مع ظروف المجتمع. الخليج الإماراتية في 11 أبريل 2005 |