جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

حتى هوليوود - عاصمة السينما, والأكثر استخدامًا للتقنيات الحديثة - تسأل نفسها:

هل هي متأخرة عن اللحاق بالابتكارات والتحديات التقنية?

محمد رضا

 

في السنوات العشر الأخيرة أخذ نوع آخر من الاستخدامات يغزو الحياة الصناعية للسينما. عوض السيليلويد الذي نعرفه باسم (فيلم), هناك الكاميرات التي لا تستخدم فيلمًا بل أسطوانات مدمجة. تصوّر بها ثم تدخلها الكمبيوتر وهو يفعل الباقي لينتج الفيلم. هذا التطوّر ليس سوى جزء من الصورة الكبيرة, فالخطط رُسمت - وبعضها نُفذ في حدود - لاستخدام هذه التقنيات, لبث الأفلام بثًا من مركز واحد (الاستوديو المنتج), إلى شاشات السينما في الصالات كما في البيوت عن طريق القمر الصناعي. طبعًا فإن انقطاعًا في الاتصال سيوقف عرض الفيلم, لكن التطوّر لا يتوقف عند المحاذير ويرفع يديه مستسلمًا بل يتجاوزها آملاً في التطرّق إلى هذه النقطة أو تلك لاحقًا, وعادة ما يفعل ويذلل العقبات.

الحقيقة أنه مع نهاية العام 2005 فإن صالة من بين كل عشر صالات أمريكية ستعرض أفلامًا بالديجيتال, مبثوثة من مكان يبعد عنها مئات الآلاف من الكيلومترات.

الصالة التي تقع في مانهاتن تستطيع أن تستقبل الفيلم من استوديوهات وورنر أو كولومبيا مباشرة من دون الحاجة إلى طبع نسخ (وهو أمر مكلف جدًا), أو شحنها (وهو أيضًا أمر مكلف). إلى ذلك, هناك شركة (باسم (إميرجينج بيكتشرز)) تحضّر نفسها لعملية تجارية لها منافعها: ستشتري حقوق بث الأفلام المعروضة في مهرجانات السينما الأمريكية عبر القمر الصناعي إلى البيوت. بذلك تستطيع أن تشترك في حضور مهرجان شيكاغو وأنت في سانتا باربرا في كاليفورنيا أو مهرجان بالم سبرينجز في كاليفورنيا وأنت في بلدة صغيرة من أعمال ولاية أوكلاهوما, إذا ما دفعت السعر المناسب.

كل ما سبق يتجه بالحديث عن الديجيتال والسينما إلى ثلاثة اتجاهات أو جوانب. هناك جانب تصوير الفيلم, وهناك جانب عرض الفيلم, وهناك جانب المؤثرات التقنية المستخدمة اليوم, أكثر من أي وقت مضى, خلال مرحلة ما بعد التصوير. كل واحد من هذه الجوانب قائم بذاته,  وكل يحمل الكثير من الطروحات التي من السذاجة الوقوف منها, تأييدًا أو معارضة, بالاستناد فقط إلى (النوستالجيا) للأمس. هناك وقائع جديدة على المرء الإلمام بها من قبل الحكم عليها.

خان ضد جودار: مواجهة غير محسوسة

في نهاية مشهد من فيلم جان - لوك جودار الأخير (موسيقانا), وهو فيلم يبحث كعادة أفلام جودار, في السياسة والفن والثقافة والتراث الحضاري لأوربا والعالم بأسلوب لا هو تسجيلي ولا هو تمثيلي, بل جوداري, يسأله طالب: (هل صحيح أن الديجيتال سينقذ السينما?). الكاميرا على جودار وهو يتطلع بعيدًا ولا يحير جوابًا مظهرًا قدرًا من التذمر. ما لا يقوله شفويًا يقوله صمتًا وقوله يعجب بعضنا المتمسكين بكل ما تعنيه السينما من عناصر وتقنيات ومنها اعتمادها على الفيلم الخام كوسيلة تصوير لا غنى عنها.

ما يقوله جودار صمتًا هو أن لا شيء يحل محل الكاميرا. إنها الآلة الموسيقية التي لا تعزف جيدًا إلا إذا أمسك بها عازف فنان, في مقابل تلك الآلات التي تباع حاليًا وفيها برنامج كمبيوتر وأزرار تضغط أحدها فتحصل على تسجيل موسيقي مثير لليأس.

لكن هناك جانبًا آخر لا يمكن إغفاله, حين أدرك المخرج المصري محمد خان, أن حصار المنتجين المصريين الحاليين له ولمعظم المخرجين الذين لا يكترثون لتحقيق سينما ترضيهم سيمنعه من مواصلة العمل, عمد إلى تحقيق فيلمه الجديد (كليفتي) بكاميرا ديجيتال. يقول: (ذلك أعفاني من طرق الأبواب بحثًا عن التمويل, فالكلفة هي ربع ما كان سيتكلفه الفيلم لو أنه صوّر بكاميرا سينمائية تقليدية).

وعن تجربته أسرّ لهذا الناقد: (تجربتي مع (كليفتي) هي أسعد تجاربي في الإخراج بعد تسعة عشرفيلمًا, فقد أتاح لي نظام التصوير بالديجيتال حرية أكبر في الحركة, خاصة في الشوارع. فكاميرا الديجيتال صغيرة لا تلفت الأنظار وتساهم في نقل صورة حية وطبيعية لقلب المدينة, حيث تدور معظم أحداث الفيلم. إلى جانب فريق عمل لا يتعدى عشرة أفراد. واعتمادي على ممثلين جُدد سمح لي - لأول مرة - أن أدير جلسات عمل للتحضير والبروفات شهرين قبل بدء التصوير. هذه الرفاهية لم أتمتع بها من قبل بتاتًا).

تجربة مايكل مان

بالرغم من ذلك كله فإنه من الصعب القول اليوم إن الديجيتال هو الحل المطلق لكل أزمات السينما. إنه لا يصب في صميم التحديات التعبيرية للصورة وفي أسس المسائل الفنية (وليس التقنية) المتعلقة بها. إنه قد يذيب المشاكل لكنه لا يحلّها. وفي استعارة مثل المشهد الذي جمعه بالفارس العربي صاحب المهارة في استخدام السيف. طلقة واحدة تقضي على الفارس وتعفي إنديانا جونز من إجادة المهارة ذاتها. وإذا ما أردنا مثالاً أفضل فلدينا مشاهد الموت في نهاية (ظل المحارب) لأكيرا كوراساوا, حيث يقوم الرصاص أيضًا بمجابهة الساموراي والقضاء عليهم في المشهد القريب من الختام, (وهذا الوداع لتقاليد الساموراي والإجهاز عليها باختراع البارود نجده في أفلام أخرى للمخرج الياباني خصوصًا في (الساموراي السبعة).

في مطلع العام 2004 صوّر المخرج مايكل مان فيلمه البوليسي الداكن (شريك) كحكاية تقع أحداثها طوال ليلة واحدة في مدينة لوس أنجيليس. إنها قصة داكنة حول قاتل داكن وسائق سيّارة مضطر للعمل ليلاً, آملاً يومًا في امتلاك شركة كتلك التي يعمل لها. كلاهما مطلوب منه الامتزاج بشخصية المدينة ذاتها خصوصًا شخصية القاتل فهي مثله, في نهاية الأمر, تقضي على الأرواح وتحوّل الأحلام إلى كوابيس.

بعد اجتماعات طويلة مع مديري التصوير (ديول بيبي وبول كاميرون) ومصمم الإنتاج (ديفيد واسكو - وهو الفنان الذي عليه التدخل لمنح الفيلم الملامح والعناصر الفنية والدرامية المطلوبة حسب رغبة المخرج) قرر المخرج مان استخدام الديجيتال عوض استخدام الفيلم. وكل شيء سار حسب المطلوب, فالفيلم فعلاً مصوّر على درجة تقنية عالية بالكاميرا الرقمية. هذا إلى أن حان وقت تصوير فصل الأحداث (نحو خمس عشرة دقيقة على الشاشة) الذي تدور مشاهده ليلاً داخل مرقص مزدحم. هنا كان لابد للمخرج من أن يعود لاستخدام الفيلم التقليدي, وذلك بسبب توليفة من الأسباب الفنية والتقنية في مقدمتها أن المخرج لم يستطع الثقة بنجاح الديجيتال في تصوير يعتمد كليًا على توزيع الإضاءة الخافتة وعلى استخدام هذا العنصر لتتويج الفصل بأسره بمشهد المعركة النارية التي تقع داخل المرقص.

بين طروادتين:

المؤثرات الخاصة لازمة صناعية لأفلام كثيرة ومن أنواع مختلفة, قد تُستخدم في حدود لقطة من فيلم عاطفي أو كوميدي أو على نحو غالب يشمل الفيلم بأسره, لكنها بالتأكيد أساس في أفلام الأكشن والرعب والخيال العلمي والفانتازيا وهي غالبية كبيرة من الأفلام المنتجة حاليًا.

ومن حيث المبدأ لا يهم إذا كانت المؤثرات من تركيبة المخرج جورج ميلييه الذي فتنته الأفلام الفانتازية وحقق أول رحلة إلى الفضاء عبر (رحلة إلى القمر) (1907), أو إذا كانت من بنات أفكار مراحل لاحقة كانت تلك المؤثرات تتم فيها بالرسم وبالدمى المتحركة, أو بالخدع البصرية تصويرًا ومونتاجًا, أو إذا ما كانت تتم على الكمبيوتر جرافيكس كما حالها اليوم, ففي شتى الحالات هي عناصر متممة للفيلم بقدر حاجته إليها. فالدور المنوط بها لايزال واحدًا, وهو إنجاح قدر من التأثير المركّب المحمّل في بطن الخيال للسينمائي.

لكن ما يثير الحوار في هذا الصدد هو التبعات المترتبة على التوغل عميقًا في عملية التصوير بالديجيتال (كما يفعل اليوم جورج لواس في سلسلته (ستار وورز)) أو في العملية الموازية الخاصة بالمؤثرات المتوفرة تكنولوجيًا كما أشرت. ففي النهاية, هناك مستويات من النتائج, واحد بصري مذهل, بقدر إتقان العمليات بأسرها, والآخر حسّي يعيشه كل من عاصر بعض العقود الأخيرة من الأفلام ويستطيع الفصل بين الجهد البشري والجهد التقني.

فحين كانت أفلام الأمس عليها أن تستعين بألوف الكومبارس لتأدية مشاهد المعارك التاريخية الكبيرة أو في مشاهد الملاحم الدينية المختلفة, فإن جزءًا من المتعة الوافدة إلينا يعود إلى الإدراك بأن كل شيء على الشاشة هو حقيقي باستثناء القتل والإصابات التي يتفنن الممثلون وفنانو الماكياج ومخرجو المعارك في توفيرها. كان الوافد إلينا ثابتًا, ويقينا هو أن كل هؤلاء المحاربين بشر حقيقيون يتعاملون بإدراك فذ مع كاميرا تحلق فوقهم, أو تمشي بينهم ومع مخرجين مساعدين متخصصين بإداراتهم يوجهونهم إلى حيث أفضل تأثير ميداني ممكن.

فوارق

بكلمات أخرى, فإن الفارق بين فيلم (طروادة), كما أخرجه وولفجانج بيترسون في العام 2004, وفيلم (هيلين طروادة), كما أخرجه روبرت وايز سنة 1956, والفارق بين (جلادياتور), كما حققه ريدلي سكوت قبل أربع سنوات, وفيلم (سقوط الإمبراطورية الرومانية), كما أنجزه أنطوني مان سنة 1964, هو تحديدًا هذه الناحية المتصلة بعمق صنع الفيلم.

لا أتحدث عن أي من نسختي أسطورة حصار ثم حصان طروادة. ولا عن أي نسخة من قصة العبيد وساحات القتال الرومانية أفضل, بل حول صعيد العمل التنفيذي, حيث إدراك المشاهد, بأن هذه المشاهد المزدحمة بالممثلين الحقيقيين, وبالحركة الحقيقية والمخاطر القريبة هي من صلب الأسباب الأهم لإعجابهم بالأفلام, إلى درجة القبول بتصديق الزيف من دون حرج أو رفض, وليس إدراكهم بأن وراء كل لقطة تبدو حقيقية بعدًا رقميًا وتكنولوجيًا لا يستطيع الإلمام به, وبالتالي التجاوب حسيّا وذهنيًا معه.

المشاهد المثيرة التي حواها (هيلين طروادة), و(سقوط الإمبراطورية الرومانية) وسواهما من الأفلام الماضية, حمل إليه شغفًا أصيلاً يختلف عن الشغف الصوري الجاف الناتج عن إدراك المشاهد أن ثلاثة أرباع هذا الخضم من الممثلين ليسوا بشرًا, بل رسوم إلكترو - كومبيوت - جرافيكية. ولو أنه لن يدرك, إلا لمامًا من هو الممثل المخلوق طبيعيًا, ومن هو المصنوع على الكمبيوتر.

وحتى هذا, بات صعبًا التفرقة فيه, بعد موت الممثل أوليفر ريد خلال تصوير (جلادياتور), وقبيل انتهاء المشاهد التي كان عليه الظهور فيها, قام الكمبيوتر بتكملة دوره ودمج تلك المشاهد الناقصة بتلك الحقيقية من دون فرق يُذكر.

لكن مثال موت أوليفر ريد في منتصف صنع الفيلم هو كل ما تحتاج إليه هوليوود من ذريعة, لتؤكد أهمية التقنية الجديدة, فلو مات الممثل المساند بيتر كوشينج خلال تصوير نسخة 1955 من فيلم (الإسكندر الكبير) (أخرجه بخمس كلفة الفيلم الجديد روبرت روزن), خلال العمل لتوقف التصوير, وتم إلغاء مشاهد الممثل الراحل, ثم أعيد تصوير كل تلك المشاهد مع ممثل جديد ما سيرفع الكلفة ويؤخر الفيلم أسابيع عن موعده المحدد.

الرقمي ولغة الأرقام

هوليوود تقول إن اعتماد المؤثرات الديجيتال المختلفة أرخص من الاعتماد على الكوادر البشرية في مثل هذه الأفلام. لكن هذا لا يبدو لهذا الناقد صحيحًا, وهو يرى أن كلفة صنع المؤثرات باتت تقضم نحو 35 إلى 40 بالمئة من كلفة صنع الأفلام التي بدورها باتت الآن تزيد على 80 مليون دولار كحد أدنى. (طروادة) كلّف - حسب التصريحات الرسمية - 175 مليون دولار, لكن مصادر مستقلة تضع الرقم فوق الـ225 مليونًا. (ألكسندر), للمخرج أوليفر ستون الذي يحكي غزوات القائد المقدوني وحياته الخاصة تكلف, حسب أرقام وفّرتها الشركة الصانعة (وورنر) كلف الفيلم 160 مليون دولار, وحسب مصادر أخرى وصلت الكلفة عمليًا إلى 200 مليون دولار. أما (جلادياتور), فوصلت كلفته إلى 150 مليون دولار, حسب مصادر شركته الموزعة.

والحال هكذا, يمكن التساؤل إذن عن أين يكمن التوفير? ولِمَ الاعتقاد أن التحديث التقني يستطيع صنع أفلام أفضل من تلك التي كانت تتم سابقًا?

لكن ارتفاع كلفة صنع الأفلام على الرغم من وجود الديجيتال بأن يكون الحل المثالي لتقليص تلك الكلفة واضحًا, ومستمرًا باطراد ملحوظ منذ عشرين سنة. بعض الأرقام الأخرى ستساعدنا على معرفة الحقيقة.

يبلغ عمر الأدوات الرقمية, المسماة والمعروفة بـ(ديجيتال تكنولوجز) في السينما عشرين سنة تقريبًا حين كان المجال الوحيد لاستخدام هذه التقنية منوطًا بالتوليف الصوتي والبصري. عندما تم صرف طاولة المونتاج التقليدية (والصور الرومانسية والنوستالجية للمونتير, وهو يرفع الفيلم بين أصبعيه متفحصًا) ويستبدل بها طاولة أخرى كلها أزرار وأرقام وأحرف. كان ذلك بداية لازدياد التوسّع في استنباط الأسلوب الرقمي ليشمل التصوير والعرض أيضًا. في الولايات المتحدة كان عدد الدور المزوّدة بجهاز عرض ديجيتال سنة 1999 يبلغ 12. في العام 2000 وصل إلى 31, ثم في العام التالي تجاوز الـ45, وفي العام 2002, وصل إلى 124 صالة. أرقام العام 2004 غير متوافرة, لكن عدد الصالات التي تعتمد تقنية الديجيتال كليًا أو جزئيًا وصل إلى نحو مائة وخمسين صالة, فيلم جورج لوكاس (هجوم المستنسخين) (وهو الجزء الخامس من (ستار وورز) وصوّر ديجيتال بكامله) عرض في 61 صالة ديجيتال.

هذه الأيام اختفى الفيلم الخام تمامًا من غرف المزج والمونتاج الصوتي والصوري, ما يحدث هو أن نسخة من الفيلم تتحوّل إلى ديجيتال فيديو لكي يتم العمل عليها في مراحل ما بعد التصوير. فقط ستيفن سبيلبرج أعلن أنه يرفض توليف فيلمه على الديجيتال, وسيظل أمينًا إلى طاولة المونتاج الأولى, هو يستطيع أن يفرض ذلك, معظم الآخرين لا يقدرون.

وما ينطبق على (المونيتور) في هذا الصدد ينطبق على الكاميرا الديجيتال. سهولتها تتيح للمخرج اعتماد مفردات عمل مختلفة ناتجة عن حقيقة أن كاميرا الديجيتال هي استمرار لكاميرا الفيديو  التي انتشرت في الثمانينيات, واستخدمت من قبل غير المحترفين لتصوير حفلات الأعراس ورحلات الآثار, لكنها لم تلد عملاً فنيًا حقيقيًا منها.

كل ذلك يصب في عمق السبب الذي من أجله على الكاميرا أن تبقى حيّة, كما أنها السبب الذي من أجله يمكن القول بثقة إن الكاميرا ذات الفيلم على تنوّع مقاساته وخاماته وحساسياته, لا يمكن أن يُستبدل به نظام أكثر آلية وأقل روحانية. مدير التصوير إذ يُصوّر بالكاميرا السينمائية عليه أن يخضع الضوء واللون والعناصر التي تتألف منها اللقطة أمام الكاميرا, كما في حركتها لإنتاج الصورة المعنية. هذه العملية هي عملية إبداع (كالرسم تمامًا) ينتج عنها الصورة السينمائية. وهذه العملية الإبداعية لا تُمارس خارج هذا الإطار بنجاح إلا إذا كان المخرج خبيرًا, ولديه ما يكفي من التجارب لخلق الحالة الفنية المطلوبة. أحد الأمثلة في هذا الصدد فيلم (سفينة روسية) لألكسندر زوخوروف, وهو فيلم تم تصويره ديجيتال بالكامل, وتطلب عملاً شاقًا من تحريك نحو 3000 ممثل في آن واحد. ليست المسألة أن أمرًا كهذا لم تكن الكاميرا التقليدية تستطيع إنجازه, لكن الكلفة - مرة أخرى - كانت ستختلف كثيرًا في هذه الحال.

وإبداع مدير التصوير بالكاميرا السينمائية لا يتوقف عند فعل التصوير, بل يمتد لعملية بالغة الأهمية, ولا تحظى باهتمام النقاد الكافي, هي عملية الطبع والتحميض لناحية فحص وتصحيح, وإضافة اللمسات التي تضبط الصورة الملتقطة. في هذه الناحية يمكن إثراء التناقض بين الألوان إذا كان ذلك مطلوبًا, ويمكن جعل الأحمر أكثر احمرارًا إذا ما كانت هناك ضرورة, أو الأسود أكثر دكانة أو أقل دكانة حسب المطلوب. أحيانًا يريد المخرج أن يفصل بين لقطة وأخرى بـ(فلاش). هذا يتم أيضًا في المعمل.

مواجهة محسومة

في كتابه (ماهية السينما) (الجزء الأول - 1959) كتب الناقد الفرنسي الراحل أندريه بازان عن التصوير ما يلي:

(لأول مرة, ما بين تأصيل المادة, وإعادة إنتاجها, هناك تدخل من عنصر غير حي وآلي, (في العملية السينمائية) صورة عن العالم تتألف أوتوماتيكيًا من دون تدخل فعلي من الإنسان).

ما يقصده الزميل الراحل هو أن الكاميرا تتدخل من ذاتها لتأليف الصورة ما بين عمليتي الكتابة والتنفيذ الكلي. بذلك تكون المحطة الأولى التي ينفصل فيها عنصر ما عن الإنسان في صنعة الفيلم. المعنى الإجمالي صحيح, لكن التفصيلي ليس كذلك, ولسبب وجيه: الكاميرا ليست عنصرًا (أوتوماتيكيًا من دون تدخل فعلي من الإنسان), ذلك أن مدير التصوير ومدير الإضاءة والمصوّر نفسه ومصمم المناظر ومهندس الديكور والمخرج - إلى حد معيّن - يتدخلون في صنع الصورة التي ستلتقطها الكاميرا. لكن اللحظة التي تعمل فيها الكاميرا من بين إعدادها وإعداد الموضوع الماثل أمامها, هي اللحظة الأوتوماتيكية المقصودة. غير أن هذا القول في مجمله يؤكد أن الصياغة القائمة ما بين فنون الكتابة والإخراج والمونتاج, يتم كله عبر - وبسبب وفضل - الصورة: هذه تبقى المحك, فيما يصلح أو لا يصلح اعتماده من تقنيات.

الصفر والعشرة

في العام الذي نظر فيه جان-لوك جودار بعيدًا عن الطالب, متجاهلاً الجواب المباشر على سؤاله, عرض عبّاس كياروستامي فيلمًا بعنوان (عشرة على عشرة), شرح فيه عشر قواعد, يؤمن بها, وتتمحور حول كل ما له علاقة بالتجربة الإخراجية من تنفيذ وكتابة, وتمثيل وتوليف وتصوير وقواعد عامة, وكل ذلك من وجهة نظره الخاصة. أي أن القواعد التي يطرحها هي تلك التي نتجت عن اتباعه السينما كما عرفها وفضّلها.

وما يلفت النظر حكم المخرج الإيراني على كل السينما الأخرى التي لا تتبع منهجه بشيء من العدم, حتى من دون ذكرها. يكفي إنه يرى منهجه هو المنهج الصحيح, ولا يصرف وقتًا في الفيلم لاستثناء مناهج أخرى. الفيلم عن طريقته هو في الإخراج, وعن رؤيته إلى كل العناصر المتصلة بصنع الفيلم, ومن بينها الديجيتال الذي يدافع عنه, ذاكرًا منافع اقتصادية واستقلالية كتلك التي يوافقه عليها المخرج العربي محمد خان وعدد كبير من النقاد العرب وغير العرب.

لكن ذكر ما يصلح منهجًا لمخرج شيء, واتخاذه حقيقة واحدة شيء آخر يتبناه كياروستامي بكثير من الثقة العمياء, وأكثر من ذلك من الدعاية الشخصية.

ما يقوله كياروستامي هو أن التصوير بالديجيتال حقق له ما لا يمكن للتصوير السينمائي تحقيقه, وهو لا يقصد النواحي المادية من توفير ورخص كلفة إلخ...بل يقصد الحديث عن العناصر الفنية تحديدًا, وتلك الإنتاجية على نحو أعم. والكلمة التي تُقال هنا, ردًا على ادّعاء بحجم ادّعاء كياروستامي, من أن التصوير بالديجيتال حقق له ما (لا يمكن للتصوير السينمائي تحقيقه), هي أن هذا الادعاء في أفضل أحواله جاهل, وفي أسوئها هو كاذب ومخادع.

الواقع هو أنه لا يوجد شيء لا تستطيع الكاميرا السينمائية نقله وبالطريقة التي يرغبها المخرج. لو كان ادعاء كياروستامي صحيحًا, وما يقوله سليمًا, لكان حريًا بنا إدانة كل ما حققته السينما من أعمال رائعة في تاريخها, بما فيها أفلام أكيرا كيراسوا وأندريه تاركوفسكي وفديريكو فيلليني, وكل مبدع آخر حول العالم من بونويل إلى ييمو.

لكن مع شيء من التحديد, الذي لم يكترث كياروستامي له كثيرًا, نستطيع أن نرى أن القواعد التي يطرحها مباشرة إلى الكاميرا في أسلوبه التسجيلي, لا يمكن أن تكون صحيحة. خذ ما يقوله بالنسبة إلى تعامل الكاميرا السينمائية والكاميرا الرقمية مع الممثلين:

(...لقد لاحظت من خلال عملي مع الممثلين إنه إذا ما اقتربت منهم بكاميرا سينمائية أرادوا التمثيل. أما حينما تتقدم منهم كاميرا ديجيتال, فإنهم متجاوبون معها, كما لو أنها ليست موجودة).

ما يستخرجه كياروستامي هنا هو أمر مهم, فهو يتحدّث عن ممثلين غير محترفين يعول عليهم تقديم حكاياته حتى يُصيغ فيلمًا من نوع (عشرة), حيث سائقة تاكسي تقل معها نساء يتحدثن عن أوضاعهن. المخرج يجد عند هؤلاء الممثلين غير المحترفين ما يبحث عنه من طزاجة, وما يلائمه من أفكار تتعلق بالمنحى الخاص الذي أراده لسينماه. بما أنه منحى خاص, فإن تجربته ليست لازمة, وينبغي ألا تعني أنها مطروحة, لكي تكون مرجعًا أو حكمًا, كما سارع لتبنّيها بعض المتحمّسين من النقّاد العرب.

العربي الكويتية في 1 أبريل 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى