سينما الواقعية المرة القصيرة
حسن بلاسم |
من بورخيس: "من الهراء المضني والفقير ان تؤلف كتب ضخمة وان تمط فكرة في خمسمائة صفحة بينما يستغرق عرضها الكامل شفاهة عدة دقائق. الافضل التظاهر بان هذه الكتب قد ألفت بالفعل والاكتفاء بعرض ملخص لها او تعليق عليها" نحن بعد اذن المعلم خورخي لويس بورخيس. سنستبدل كلمة (كتب) في اشارته هذه، الى كلمة (افلام). وليسامحنا المعلم والسماء. تايتل هي سينما الفيلم القصير هي عين على الانسان العراقي. عين في رأس مشجوج: بفأس عقود كل هذا الزمن الرعب. هي العين التي لن تذرف على جسد الحكاية. هي من سيرى الحكاية بعين دامية واخرى صافية مثل كأس شفاف. هي عين لا تطاق. المشهد المر هو ليس مرارة الفاجعة. لا الحزن والندب. لا ابتكار الصراخ. هو مشهد يجرح اصبع الواقع ويضحك. هي العين التي تنزع جلد الواقع وتلبسه جلد وواقع وسؤال. هي السينما التي لن تستساغ بسهولة. هي ليست غامضة. هي كما طفل مرعوب يحكي في حضن امه المجنونة. هي حصار من كل صوب. عين على تاريخ الاحاسيس. على الرفوف حيث تعفنت. هي عين جرذ تدخل مكتبة الاحاسيس وتقرض. الاحاسيس التي غمست بالذل والقمع والخداع. فوق جبين الاحساس البليغ هي بصقة وعلامة استفهام. الاحاسيس التي امست من فرط الهزيمة لا هي الاحاسيس. هي عين محرضة وقاسية وخليعة. هي تعري الجذور واللحظة وشمس الصباح الاتية. هي لاتقبل المماطلة والنفاق امام الايات ومحابس الخرافة الغليظة. هي اقتحام لكل مقدس. لها من الحجج ما لايطاق. هي تحدق: كل هذا الدم اللذي يقطر الى رحم المقدس دون ان يلد حتى ولو صرخة بحجم البنت التي تعلق ساقها على شجرة الرصيف وتدحرج رأسها النظيف بين ضلوع الاسفلت الاسود. المقدس اللذي لم يملأ جمجمة امرأة كردية تسممت وسحقت حتى ولو بقطرة عزاء. المقدس اللذي اصطف مع سيكن الجزار والتاريخ والزمن ليشرب من دم البيت. البيت اللذي تناسل فيه القمل في شعر العائلة. هي عين رصاصة في عين المقدس. هي حمام حار ومخيف من اجل قمل العائلة. العائلة المقدسة، اللغة المقدسة، التاريخ، الاسطورة المكعبات المقدسة. فوق تماثيل الواقع الخربة. هي عين غراب فوق رأس التمثال. هي نبش في رحم انسانيتنا المهانة والمستباحة. هي لن تصفق مطلقا. هي صفعة واقعية بمرارة الفاجعة. هي سينماـ ارهاب / ضد / واقع ـ ارهاب. زوايا هي من السماء / عين تلتقط الواقع على انه خرائط انسانية مرة. طاحونة ولحم ودخان. هي من خلف البطل / عين تفتح ظهره حتى تندلق الخرافة والبطولة. هي من امام / حيوان ينقض كي ينتزع زهرة او بصقة. لا فرق، ليس سوى ان يأكل من والوهم والحقيقة ما يشاء. البصقة حقيقة الزهرة وهم. هي جانبية / الجزء المحروق ومن الاخر / الوجه اللذي مازال ينبض. هي كبيرة / للنبش في نظرته وكبد المدينة هي متوسطة / لقياس قماشة القلق التي تلف خصره. هي كاملة / للافصاح عن النقص الحاد في خطوته. هي ساكنة / حتى يتصبب جبينه كل الملح والماء هي متحركة / مطاردة شرسة خلف ما يفر ويختبأ خلف مزابل الزمن. هي على اربعة ارجل. هي على ساق. هي قدم في الريح، واخرى في الطين. هي احتضار مر. سيناريو هو مخطوطة الواقع المكتوبة بحبر العين. العين التي لا تحرف ولا تدعي غير القيأ اللذي يصب ليل نهار من بين اسنان المجتمع. هو بناء شعري بمنطق الواقع. القصيدة لا تبدأ من السماء. بل من الاحذية التي ستمر بعد قليل فوق الدم اللذي جففه عمال البلدية من وجهوه الرصيف المحترقة. خمسة دقائق في السيناريو هي مساحة شاسعة للقبض على الانسان المأزق. خمسة اخرى لمضاعفة المأزق. خمسة من اجل ان يشاهدوا مصرعه. خمسة اخرى يلد من موته ويموت. خمسة بالاسود والابيض وشحوب ملامحه. خمسة لقتله من جديد عن عمد واصرار. خمسة لاحيائه وهو يقطر من موته كمصباح ينصهر في النار والحديد. خمسة يفر فيها صوب كل الجهات. يصددم بالحائط وحائط الله وحائط العائلة وحائط الوجود وحائط الحروب. خمسة مالذي سنفعله بانسانيته. خمسة وكأن العين في مأزق. خمسة لا للنهاية والحلول. بل لتضميد المأزق بملح مسموم.خمسة للشك والسؤال. خمسة زهرة مرة في معطف الانسان. تمثيل ان هو ناقم من كل بطولة هوليودية ومن كل ادعاء لوجوه الخير البالية. ان يستعد للبطولة المخزية. في سينما الرعب القصيرة الابطال هم كل القتلة وكل اكلة اللحوم البشر، الحشرات البشر،التماسيح البشر. الملائكة في الواقعية المرة والابطال اللذين يبتسمون في ناهية الافلام لا وجود لهم. هم هناك قتلى وتائهون ومحاصرون وهم اللذين دفنوا بقسوة في واقعهم. البطل في الواقعية المرة هو من يخطو باقنعة القبح الى هناك. بسكين يمزق الحياة. وهو من سيبتسم في المشهد الاخير. اما الملاك فهو القتيل ابدا. البطل هو اخي، جدك، السحلية، صاحب الكرش الاعظم، اللذي يشنق بنات الزقاق بمسبحة الدعاء. الممثل في السينما المرة تمرين مستمر، وهو محترف كي لا يطحنه الخوف من ايماءة الشيطان. الادوار الثانوية والوكومبارس هم ابطال ايضا. كم من الكومبارس في حياة كل واحد منا كان لهم النصيب الاوفر في تحطيم انفاسنا على قارعة الطريق. الكومبارس لا يكملون المشهد. على ضيق المساحة المتوفرة. هم لقطة لا يمكن من دونها ان يرتفع المشهد الى السينما المرة. الممثل بقناع الشاعر والملاك سيخيب كثيرا ظن الجمهور ربما سينطفأ دوره بعد مشاهد معدودة. او انه سيتواجد طوال الفيلم مثل عجوز معاق. ربما لن يتبقى من اسمه غير ظل شاحب. مثلما هم البشر الهزيمة والعذاب في بيوت وازقة مدن الواقعية المرة. كل الابطال سنجلب. الى الثقوب في كروشهم القذرة. جمهور هو موجود في الصالة واما الشاشة في البيت يكرز مساءه المريب مع العائلة حتى وان انهار سقف المدينة. لا يمكن لشيئ ان يسلب حقوقه في التنفس حتى لو نفخ الله في بوقه. السينما المرة تعشقه وتكرهه في ان واحد. هم مساكين. هم بسطاء لايفهمون الشاعر. والشاعر مسكين، هو الاخر بسيط، لا يفهم الجمهور. الجمهور اللذي خسر حياته في نبش اولاده من المقبرة، والطحين من مقبرة الحياة الجماعية. جمهور يستحق الاحترام. احترام قدراته على الاستيعاب. والطرق على رأسه بمطرقة خشنة كي يصحو ومن ثم لينام. نعم ينام. الجمهور يأس متواصل في رغبة الشاعر. السينما المرة تتفهم البركة الوجودية قبل ان تدعي بانها ستحاول. وتتفهم الواقع. لهذ هي ستعربد بفزع وسط اسرة الطمأنينة الموهومة انى كانت. ستجمع لهم لعب الواقع المرة كي يلهو بها كأطفال يتامى. ومرات كثيرة ستشتهي ان تعاقبهم كاطفال. كأن تحطم امامم اعينهم لعبة المقدس،تفك مساميرها كي يكتشفوا احشائها وسر الخدعة التافهة المكونة من بطارية مضحكة وسلك صدأ، هذا كل ما كان يسير اللعبة على مدى قرون. الرجل اللذي كانوا يعبدون ليس سوى ثلاثة مسامير وعجلات صغيرة مسننة وكومة صغيرة من القش العتيق. السينما المرة مدمنة على فتح بطون اللعب المقدسة. تقنيات العين المرة (في البلاد) لا يمكن لها ان تعمل على النفط او الغاز. هي لا تبالغ مثل غيمة تبدو، لكنها لن تمطر.السينما المرة تقترح: ليس العين التي تحتاج الى طبع وتحميض صورها في مختبرات شاهقة هي ما ستنتظر. سنبدأ مع كل عين يمكنها ان تحدق بدقة وهلع. كل كاميرا هي صالحة للنبش ولألتقاط صورة تذكارية للانسان المر برفقة الموت والحياة. السينما المرة تعتقد بأن الحجر الاساس لبناء استوديو الواقعية المرة يمكن له ان يدق الان بالممكن. وهذا الممكن ليس هو ما سيبدو خسارة او قصور. بل الممكن على سبيل المثال هي هذه(العين الرقمية) اللتي يمكن لها ان تحقق الكثير من قصائد الواقع المر. وهي ما يتقدم بخطوات واثقة الان في كل انحاء العالم. وهي عين الآتي اللتي ستحتل الكثير من سينمات العالم. لهذا سيكون الطريق هو ماتكتبه العين المرة مثل وشم لايندمل في ذراع الزمن. وشم من عين محمولة او عين على الرافعة او على سكة الموت. عين تقول من سجل الواقعية المرة. على ان لاتهمل تطوير ادائها واساليبها في المختبر المتواصل اللذي ستعيش روائحه المهلكة باصرار متعمد. في البلاد في المنفى في المهجر سينما الواقعية المرة القصيرة. هي عين على الانسان العراقي. عين في رأس مشجوج: بفأس عقود كل هذا الزمن الرعب.
المشهد الاول سعادة في الفيلم القصير هل يوجد فيلم عراقي قصير !؟ حسنا ليس من المخجل الاعتراف بذلك. مثلما ليس من المخجل ان نعترف باننا لم نتمكن من انجاز مواطن الى الان. ولا حتى سينما يمكن الاتكاء عليها. هي تجارب متفرقة هنا وهناك. لا تمت كثيرا بصلة لطاقات وامكانيات هذا الوعاء السينمائي الخطير والمفزع. خطير حين هو عبور بثقة ودقة الى القصيدة. ومفزع لانه رئة الواقع بقميص الحلم. الحلم هو رئة واقعية. كما تعلمون او لاتعلمون. لكنه ليس كاحلام سينما السوريالية / ذلك التشظي اللذي هو اقرب لكوابيس متعمدة، بعيدا عن البناء الموسيقي للحلم. اما الحلم اللذي تحدث انغمار بيركمان كثيرا عنه وهو يسجل اعجابه بذلك الشاعر السينمائي الروسي اندريه تاركوفسكي. حين صرح بانها كانت معجزة تلك المرة التي اكتشف فيها افلام تاركوفسكي. وقال عنه هو الاعظم وهو اللذي اكتشف لغة طبيعية صافية تلائم السينما. حين الفيلم ليس وثيقة. هو حلم / يقول بيركمان. كان بيركمان يتحدث من دون شك عن الحلم كخطة موسيقية. لكن سينما الواقعية المرة / هي الوثيقة الشعرية المرة. حيث الحلم هو رئة واقعية بامتياز. وحيث الواقع خطة موسيقية ممزقة. السذج اللذي يقحمون انفسهم في ورطة الفيلم القصير يشعرون بالعجز امام ضيق المساحة الزمنية. فما يمكن بنائه في ثلاثين صفحة في سيناريو روائي لتجذير الشخصية والحدث وخلق الاجواء ومد جسور التواصل. يلزم الفيلم القصير في كثير من الاحيان تقديم كل ذلك في صفحة او ثلاث صفحات (دقيقة او ثلاث). حين يعتقدون بانهم زجوا في هذه الورطة. في حين انه مأزق سعادة لا يمكن لهم ادراك حقوله الفسيحة. يلجأون في الغالب الى الرموز ويتحدثون عن ان افلامهم، انها كانت بمثابة اشتغال حلم وفق مجازات ورموز. فانسان يموت هو زهرة تذوي او طير يهوي.وحب يبدأ هو شمس تشرق وحين ينتهي هذا الحب فالشمس تغرب. وهذا في حقيقة الامر هو انحطاط وابتعاد مفضوح. بل هو مباشرة بقناع اخر. وهذا لا علاقة له باحلام سينما السوريالية . لان المجموعة الاولى ارادت من الرمز الطريق الاقصر والمتواري بذريعة ان: تقول. بينما المجموعة السوريالية. اردات من الرمز ان يخلق حالة من التشويش ومن ثم ليتشكل القول مثلما يريد وبحرية مسموح بها الى الحد اللذي لا يطاق في كثير من الاحيان. في سينما الواقعية المرة القصيرة. الانسان هو نفس الجثة الاولى حين كانت في طور الانسان. لكنها في اطار الحلم الرئة. هي بناء واقعي شعري من دون حتى تطرف تاركوفسكي الخلاق في الشعر السينمائي. هي لعبة مسموح بها من خلال اكتشاف سعادة المرونة التي تتكأ عليها السينما في قتل وخلق الزمن. في تسلقه بطريقة عمودية. او باعتباره سلم افقي. هذه الحرية هي نقطة انطلاق السعادة التي نشير اليها في بناء ما نشتهي من واقع برئة حلمية. الساعة الثامنة صباحا في زقاق ما. حسنا، الكاميرا الان في الزقاق. تروح وتجيئ (تخيلوا كل شيئ من وجهة نظر الكاميراـ ذاتية) قلقة في اختيار الدخول الى البيت الاول او الثاني او الاخير في هذه الساعة المباركة من صباح البلاد. هاهي اذا تدخل البيت القديم الثاني واللذي يقابله بيت اوطأ منه بقليل. رجل بكرش وحزين هو يغفو الان ويشخر بارهاق. زوجته تعد الفطور، قريبا من الفراش اللذي يتمدد فوقه وهي تنادي عليه ان يفيق. هو متوغل في حلم قديم من ايام الطفولة. وفي الفترات المتقطعة التي يطل على زوجته بنصف اغماضة على اثر مناداتها. هو لا يفيق. بل يلتقط صورتها من دون قصد ويأخذها معه الى حلمه الطفولي. نشاهده الان ينظر الى امه من ثقب الباب يركبها رجل اصلع وبدين هو اباه. هل تحب ان يعرض المشهد بالاسود والابيض. اين الصورة التي التقطها لزوجته بنصف اغماضة. هاهي ملامح زوجته تصبح ملامح امه وهي تموء من بطولة قضيب الرجل. او هي من سيباغته من الخلف وهو ينحني على ثقب الباب للاطلاع على المشهد. طبعا حين يفزع ويلتفت يجدها هي نفسها زوجته بملابس البيت التي كانت تعد الفطور. لكن ماللذي تفعله في حلمه الطفولي وما هو دورها. كان قد نسي انه التقطها من نصف الاغماضة.(لكننا نشخص ذلك جيدا/ المشاهد). لهذا سيفيق الرجل مرعوبا. لكن زوجته، ليس الان في مكانها. بل الساعة التي يلتفت اليها الان هي الثامنة صباحا وثلاث دقائق. يفيق ويحاول ان يضع الحدود بين الحلم والواقع ببطا وهو يستعيد وعيه. لكن زوجته تكون قد اختفت. يغمض عينيه بعد ان يتاكد الى حد ما انه كان يحلم. ثم يعود ويغفو. حين نترك الرجل. وتدخل الكاميرا الان الى البيت المقابل والساعة على الطاولة تشير الى الساعة الثامنة وخمس دقائق. يسمع الولد اللذي يرتدي حقيبته المدرسية طرق خفيف على الباب. تكون زوجة الرجل الاول في الباب تسأل عن امه. طبعا المرأة التي تسأل هي الان موجودة ايضا في حلم زوجها الرجل في مضاجعة حامية. هل ترغب بالعودة قليلا الى مشهد الحلم قبل ان تطل ام الولد وتستقبلها. ام ان الكاميرا الان في الزقاق تدخل البيت الخامس حيث عجوز ملتحفة بالسواد تسبح وتدعو ربها، وحفيدتها الصغيرة تحبو وتتغوط قربها. الولد في الحلم يهرب عبر سلم وكانه شق مضيئ في نفق الى السماء حيث سطح البيت. اما الولد اللذي نادى امه لجارتهم التي تطلبها، هو يشبه تماما الرجل / الولد في الحلم. ببساطة الرجل يحلم بطفولته لكن ملامحه وهو صغير هي تفس ملامح ابن جارتهم. وهذه صورة ملتقطة وكانت غافية في لاوعي الرجل. الكاميرا الان تدخل البيت السادس. شاب وسيم يعانق زوجته الشابة ويغطان في نوم ناعم. هل ندخل الى احلامهما ام نوقظهما. لنتركهما بسلام. لكن الساعة فوقهما تشير الى الثامنة وسبع دقائق. في هذه الدقيقة السابعة يصل الولد في الحلم الى سطح البيت وهناك يشاهد مجموعة من الطيور تأكل في لحم طير ميت. ابن الجيران ينش على طيوره كي تطير في سطح البيت (الواقع). في الثامنة وثمان دقائق تكون المرأة قد عادت ودخلت بيتها لترى زوجها مازال يغط في نومه لكنه من دون شخير هذه المرة. العجوز تقرأ متلعثمة دعاء بصوت عالي، حفيدتها الصغيرة تعبث بالغائط. في بيت الشاب الوسيم وزوجته. الشاب يحدق برضى وسعادة في وجه زوجته الشابة وهو يتنفس ببطأ طهارته النائمة. الكاميرا تدخل الى كابوسها حيث نشاهد حبيبها الاول يغتصبها مع رجل اخر قبل ان تتزوج من هذا الشاب. الثامنة وتسع دقائق يضرب الولد في الحلم الطيور بعصى غليظة لكنها كمن يلتصق بلحم الطير. تراوغ ضربات الطفل وتعود لتأكل. العجوز تمسح مؤخرة حفيدتها بخرقة صغيرة وتعود الى الدعاء. الرجل لا يفيق وزوجته تهزه بقوة. في رأس الزقاق تتوقف سيارة يترجل منها رجل غريب. يتلفت. ثم يقطع الزقاق خائفا. وحين يمر من امام بيت الشابة التي تحلم بالرجال اللذين يغتصبونها. تدخل الكاميرا بسرعة من الباب وتتوقف على ملامحها وهي تغتصب في الحلم. يكون زوجها الشاب الان/ يدخن في النافذة ويتذكر في حلم يقظته القصير: قذيفة تسقط. نشاهد القذيفة تسقط في شارع ما وتحصد برعب البشر والاشياء. الكاميرا تعود الى المراة التي تصرخ الان باعلى صوتها فوق زوجها الحالم اللذي يبدو ان قلبه قد توقف. يسمع الرجل الغريب الصرخة. يخطو بسرعة.. الساعة الثامنة وعشرة دقائق قرب رأس العجوز. السيارة في رأس الزقاق. الرجل الغريب يتوارى السيارة مرة اخرى. السيارة تنفجر بقوة. ........................................................... .......................... الساعة الثامنة صباحا في زقاق. هذا ليس حديث عن ثيمة مقترحة لسينما الواقعية المرة القصيرة كمثال. هذه اشارة الى نعمة اللغة السينمائية وهباتها الغير محدودة. فهذه العشر دقائق المفترضة التي كنا نشاهدها في ساعات البيوت يمكن تقديمها بخمس دقائق فحسب. او عشرة مثلما كانت او انها اكثر حين تتوغل في الكتابة وتحفر في هذا الزقاق من خلال تحريك الزمن بشتى الجهات واعادة بنائه كيفما تشاء لكن وفق شروط البناء الواقعي للسينما المرة، هذا الواقع اللذي تخشى من ثقله كوثيقة سيكف عن ذلك، بفعل سحر اللغة السينمائية وهي تصاغ على سلم موسيقي مدروس. كقطعة موسيقية منسوجة من رئة الواقع / الحلم. بدل ان يتحول الزقاق الى ايقونات غامضة ومعقدة او مفضوحة وساذجة. وبدل التشويش اللذي سيؤدي بهذا الزقاق الى ان يكف على كونه زقاق ولا البشر بشر ولا الموت زمن. اقول، بدل ان يبدو كابوسا على سطح كوكب المريخ. المخيلة التي يحتاجها الفليم القصير هي ليست شطحات متشنجة. ولا هو فيلم منجز لنخبة فلاسفة. وقد لا يفهم هؤلاء السادة انفسهم الفيلم حين يكون لعبة فارغة لا بناء فيها ولا مغزى ولا سؤال. الفيلم القصير سعادة لا حدود لها في الاخذ بيد قصيدة الواقع الى فضاءات ارحب وامتن والاخذ بيد قصيدة الادب وجعلها تسير على قدمين فوق ارض الواقع وهي تعانق وتركل وتتقيأ وتقبل كل ما في طريقها بدل ان تبقى هكذا معلقة في السماء بحجة التحليق من فرط الجمال. هذا التحليق اللذي يدعون ماهو الى طريق للهذيان او السذاجة او العجز. هو هروب دائم ومنظم ومحاولة لتجميل الهزيمة امام الفسحة اللامحدوة لمفردات اللغة السينمائية والتي ستبدو للبعض كقميص ضيق لانهم ببساطة بكروش متهدلة ساذجة. سينما الواقعية المرة القصيرة. تنبش قبرا ثم الى ردمه ثم تحاول في اثبات وجوده ثم الى عدمه، حتى يتضح على هيئة كومة من العظام الشائكة والمفزعة. هي محاولة شريرة لاعادة انتاج السؤال. الى ازالة غطاء الواقع المتين والصدأ بكل وسيلة ممكنة. وابتكار غطاء سينمائي شفاف. لا للفرجة. للهلع. كسلم محلوم به الى الطمأنينة.
تجربة 1 نص سينمائي(شعري) من الواقعية المرة القصيرة. اشتري فيلا وانقذ بيتك !! انا أعرف ان بناء البيوت الزجاجية هي السعادة المائية التي لا توصف. وهي الخطوة الاولى لأستنساخ احاسيس طرازية من الممكن الاحتفاظ بها عن طريق الممارسة والرضوخ. لقبول حيوان الموت الصغير، وتربيته بجدية، على انه دجاجة أليفة. ومادام الخير اكثر قسوة وكآبة من الواقع فأين هي شرعية البيوت التي نسكن. المرحاض: ولدت سنبلة. واستمرت ملامحها بالتشتت الى ان وقعت الكارثة. وافاقت في عامها الثامن عشر، وقد تحول وجهها الى حفلة تنفس. ويقولون ان الجني الذي تزوج منها في المرحاض كان قد اتى من الهند وهو ينط من فوق ملايين سطوح المنازل والمعابد والبنايات. وحتى ان صياد شيعي من مدينة مشهد المقدسة، كان على وشك ان يصطاده لولا ان الهندي كان قد تعلم على يد ملاك بوذي منشق. ربطوها في اثنى عشر شباك مقدس. وتوسلوا بالهندي ان يخرج من ركبتيها. بعد ان استعانوا بخبير لغات له هيبة وعلم الباذنجانة. اعمدة النور مكهربة. واشعال مصباح قد يكلفك حياتك في هذه البلاد المقدسة. وفي أحسن الاحوال لن تدفع سوى ضريبة تهمة عتيقة، حين سيكتشفون بالنيابة عنك، ان أمك عاهرة، وان أباك كان قوادا. هل علي ان أهذي طويلا ياولدي، بذريعة ان هذه التهمة على حقيقتها منشطة ولذيذة وفي عام الفيل سنولد ياولدي. يا أعور. يا دجال. المطبخ: جرية بنت بنية. رفسها قبل قليل السيد الوالد(ع) في معدتها وهي تحاول ان تحرر يده من سكين المطبخ أقسم ان يذبح أبنتها الوحيدة، ان لم تكف المسودنة عن الصراخ والتعري في الشوارع. والهندي أبن النعال مصر على لحس مخ البنية. وأنت ايضا مسكينة يا جرية منذ ان وصلت الى الزقاق الرابع في حي الأهوار وأنت تعيشين ذليلة بين أعدائك الشيعة. حتى أنهم لقبوك بأسم السمكة المحرمة، للأهانة والسخرية. بنت الهايشة.. سنية.. نعلى على عمر.. وين رحتي جرية !! والهندي يمارس بوذيته بشبق موجع في رحم ابنتك الوحيدة. بيت الله.. حوض السمكة ! نتسلل في الليل مع الفيلة، ونبنيها من جديد. من الزجاج الخالص والشفاف. وستصير الكعبة، الحجر الأبيض. الأساس لبناء مثل هذه المدن الزجاجية. وحين تعودون من العمل الى بيوتكم الزجاجية. تروني وأنا أنيك حبيبي، فتبتسمون. أفيق في الصباح، أشاهد جارتنا السمينة، تخري. فأبتسم. وهكذا كأرانب برية سعيدة. يا الله.. سيصير بيتي كله بمثابة نافذة. وبيت الله، وبيوتكم. وكأننا عناق مؤلم ومثير للسخرية، كما هي الحقيقة بل أجمل. وسيكون هنالك وقت طويل للضحك. وحقل مناسب من الحرية. ولعل الأخلاق تسقط أخيرا وتفيض البلاد بالأجوبة. انا عن نفسي سأشتري الفيل. أسفل السلم: تعرت. جلدها المدبوغ بالأصابع والسياط، كان يحمل الف جرح وجرح يا عراة ! وتخلع قلائدها. واحدة تلوى الأخرى. ثوبها.. طلسم البركة من رقبتها القماشة الناعمة من بين فخذيها. حسنا تفعلين زهرتي أخلعيها، صرختك. هذه القلادة المرة. وطوفي بها بين مسامات الهواء الحر. مثلما تشتهين. ابعد من أيادينا. أبعد من هذه البلاد المشروخة بالشعوذة والظلام. تحرق الزهرة نفسها أسفل السلم. بينما يلملم الهندي حقائبه من جسدها المشتعل. ويطير بها، قلادة. تسميم أحساس جيفة، ألذ وأنبل من تسميم فأرة. وكتاب منحط عن تاريخ الأحاسيس في هذه البلاد، اصبح ضرورة ملحة. سطح البيت: سنة تافهة وموجعة مرت. ويطيح (ع) في السوق مشلولا ويموت !!. وماذا تخبزين أنت يا جرية! وتنورك هذا شعلة محرومين. فختية تحط قرب سلة خبزك. وتحط أخرى. يؤذن بأسم الرب. فتركب احداهما الأخرى. فخاتي يا جرية!! وعلى من تنخين وتقرفصين هكذا قرب سخام التنور وانت تشركين أسم الله بالنحيب. وجسدك المهشم بالنار. الحمام: طاسة زهرة الفضية، ساكنة وحارة. غرفة: حجر على حجر على مرض. هذه البلاد المكعبة محكومة بالغائط والنسيان. الحديقة:
لو كنت ربك، لأهديتك المفاتيح والعذوبة، لتقفلين البلاد بصرخة ونستريح.
المشهد الثالث اللقطة الواقعية المرة كادر يتبع ـ المشهد الثالث والرابع والخامس ... هي محاولة في ايجاد بوصلة لسينما متخيلة. ستبقى شائكة ومبتورة الى ان تتحول هذه السطور الى/ افلام قصيرة منجزة على ارض الواقع الذي نحلم بالتعاطي معه من خلال السينما القصيرة من زاوية اخرى. ولا نقف هنا بالضد من السينما الراوئية. بل هي رغبة بالانطلاق من امكانيات الفيلم القصير الجمالية والتقنية على صعيد الامكانيات المتاحة في هذه الظروف. في محاولة اخرى لوضع حجر اساس يمكن الوقوف منه الى سينما عراقية بانواعها المتاحة. على امل ما. موقع "إيلاف" في 11 يونيو 2005 |