القاهرة ـ رويترز من سعد القرش |
ينطلق الناقد السينمائي المصري أحمد رأفت بهجت في دراسته لبدايات السينما في بلاده من زاوية الدور الذي لعبه فنانون وفنيون يهود مصريون وأجانب ليقرأ ملامح الرأسمالية اليهودية في مصر ودورها في خدمة الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتي قيام اسرائيل . وقال في كتابه اليهود والسينما في مصر ان دور العرض السينمائي خاصة في أماكن تجمع اليهود بالقاهرة كان لها نشاط بارز في الترويج للفكر الصهيوني . وأشار الي أن السينما المصرية نشأت في ظل ظروف عامة يهيمن عليها الاستعمار البريطاني والرأسمالية الاوروبية والصهيونية المتنامية وهو ما انعكس علي طبيعة الافلام الاجنبية المعروضة وقدوم شخصيات أجنبية الي مصر مثل وداد عرفي الذي جاء من تركيا للتوسط من أجل انتاج فيلم عن النبي محمد عليه السلام ثم تحول ليصبح ممثلا ومخرجا ومؤلفا لافلام صادف معظمها الفشل . كما ضرب مثلا اخر بالاخوين بدر وابراهيم لاما اللذين قدما من أمريكا الجنوبية ليحققا شهرتهما في السينما المصرية... لم يكن مصادفة أن هؤلاء وغيرهم كانوا جميعا من اليهود . وقال ان أفلام توجو مزراحي التي وصفها بالهزلية تخفي في عمومها رغم بساطتها نواحي سياسية مؤكدة تحركها وتميل بها الي الاهداف الصهيونية المباشرة . وقام مزراحي 1091 ـ 6891 بالتمثيل في بعض أفلامه الاولي باسم أحمد المشرقي وأخرج أفلاما لبعض نجوم السينما بمصر ومنهم يوسف وهبي وليلي مراد وعلي الكسار وأم كلثوم. وقضي سنواته الاخيرة في ايطاليا الي أن مات هناك. وشدد بهجت في الكتاب الذي صدر بالقاهرة ويقع في 613 صفحة من القطع الكبير علي أنه درس دور اليهود في السينما المصرية وليس الديانة اليهودية... ثمة شخصيات يهودية عندما نجحت في أن تفلت من قبضة الصهيونية وأن تلتحم بالشعب المصري كان التجاوب معها عظيما وممتدا . وأضاف أن الرأسمالية اليهودية في مصر توارثتها أجيال من العائلات وكانت محكمة البناء حيث نشأت روابط عائلية بين عمداء تلك العائلات مثل منشة وهو من أصول فرنسية وحمل الحماية النمساوية وموصيري وهو من أصل اسباني ونال في ظل نظام الامتيازات الرعوية الايطالية ويوسف قطاوي وتعود أصوله الي هولندا وحصل علي الحماية النمساوية اضافة الي عائلات اعتبرها أقل أهمية منها رولو وشيكوريل وساسون وجرين وكورييل وعدس ونجمان وتوريل. وكان الذين يتمتعون بنظام الحماية في تلك الفترة لا يخضعون للمساءلة أمام القضاء المصري باعتبارهم أجانب وكانت كلمة حماية كافية للدلالة علي أن لحاملها امتيازا خاصا. وأشار بهجت الي وجود ضغوط أجنبية كانت تهدف الي حماية أصحاب دور العرض من اليهود والاجانب فعندما قررت الحكومة المصرية زيادة ضريبة الملاهي علي دور العرض السينمائي والمسرحي عام 2391 حدثت أزمات دبلوماسية فالمفوضية الامريكية في مصر أبلغت وزارة الخارجية المصرية احتجاجا كتابيا أعقبته برجاء أن تعيد النظر في قيمة الضريبة علي ثمن التذاكر. ونشرت مجلة الكواكب تحت عنوان احتجاجات دولية أن فرنسا واليونان قد احتذتا حذو أمريكا في الاحتجاج . وقال ان دور العرض السينمائي خاصة في أماكن تجمع اليهود بالقاهرة كان لها نشاط بارز في الترويج للفكر الصهيوني... أصبحت وظيفتها لا تختلف عن وظيفة المدارس الاسرائيلية والمكتبة اليهودية في القاهرة وقبل ذلك المعابد اليهودية التي شيد أربعة منها في منطقتي الظاهر والسكاكيني . ونقل عن صحيفة الاهرام القاهرية رصدها عام 2191 لما اعتبره تقدما للصهيونية في مصر حيث قال أحد اليهود دعيت الي حضور اجتماع صهيوني بسينماتوغراف بالاس في حي الظاهر فذهبت فصادفت ما يفوق ما كنت أتوقعه حتي أني بعد أن كنت مرتابا في نجا مساعينا صرت متأكدا بل ضامنا تحقيق امالنا . وأضاف أنه الي جانب المؤتمرات الصهيونية في سينماتوغراف بالاس كانت بعض دور السينما تهتم بعرض أفلام شركتي باتيه وجومون الفرنسيتين وكان انتاجهما متفاعلا مع المخططات الصهيونية المعلنة وغير المعلنة مشيرا الي أن بداية عام 1191 شهدت عرض أفلام ذات التوجه الصهيوني المباشر منها استير منقذة اسرائيل و خروج بني اسرائيل و يهوديت التي قطعت رأس اليغانا و داود وجوليات و ابنة يفتاح . وقال بهجت ان التخطيط الصهيوني في تعامله مع هذه المناطق السكانية كان واعيا لذلك لم يكن غريبا أن يظهر في منطقة الظاهر في ذروة الصراع العربي-الاسرائيلي عام 8491 العديد من الصهاينة الذين صنعوا كل القنابل التي انفجرت في أحياء أخري لا يسكنها اليهود وأرشدوا من خلال أنوار البطاريات طائرات اسرائيل الي قلب القاهرة . وأضاف أنه عقب وعد بلفور الشهير عام 7191 حتي نهاية العشرينيات عرضت في مصر أفلام منها المستوطنات اليهودية في فلسطين و سفر الخروج و اليهودي التائه و قمر اسرائيل و حياة العبرانيين و عبور البحر الاحمر و غرق جيوش فرعون بعد عبور العبرانيين و بن هور و بعيدا عن الجيتو و بئر يعقوب . وأصدر وزير الخارجية البريطاني ارثر بلفور 8481 - 0391 في الثاني من نوفمبر كانون الثاني 7191 وعده الذي لايزال مقترنا باسمه وهو عبارة عن رسالة قصيرة الي اللورد روتشلد أحد زعماء الحركة الصهيونية انذاك يقول نصها.. ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الي تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية علي أن يكون مفهوما بشكل واض أنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الان في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الاخري. وسأكون ممتنا اذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح . وذكر بهجت أن المشاهد المصري كان يتحفظ علي الافلام ذات التوجهات التي وصفها بالصهيونية ولكن الغفلة الجماهيرية استمرت حتي قيام اسرائيل. وسجل ما اعتبره أول رد فعل جماهيري تجاه عرض مثل هذه الافلام اذ نشرت مجلة الصباح يوم 21 يوليو تموز 8491 تقريرا عن غضب الجماهير بسبب فيلم كاليفورنيا الذي أنتجته عام 6491 شركة بارامونت الامريكية وفيه اشارة الي أرض الميعاد. وقالت المجلة ان شعب الاسكندرية يثور ضد أرض الميعاد والصهيونيين.. ثورة من النوع العنيف. انه الجمهور خارج من سينما بلازا ويطالب بايقاف الفيلم والا تحطمت هذه السينما . ولكن الفيلم الذي تم رفعه واستبدل به الفيلم المصري سي عمر مر بسلام حين عرض في القاهرة دون أن يفطن أحد الي أنه دعاية صهيونية... كان من الطبيعي قبل 8491 أن يعرض هذا الفيلم عشرات المرات دون أن ينتبه اليه أحد أو الي عشرات الافلام الاخري الاكثر خطورة ومباشرة في دعايتها . ونقل بهجت قول الناقد المصري الراحل علي شلش ان مصر دون أن تدري أو تريد تحولت فجأة من 7191 - 8491 الي مركز من أخطر مراكز الصهيونية ان لم يكن أخطرها بعد المركز الذي صنعته في فلسطين. ولولا جهود الصهيونية علي أيدي زعمائها وأعوانها في مصر لما استطاعت الصهيونية العالمية تأمين ظهر المستوطنين اليهود في فلسطين وضمان حركة هجرة اليهود اليها وتخفيف حدة التوتر العربي داخل فلسطين وخارجها وأخيرا اعلان قيام دولة اسرائيل . وللكاتب مؤلفات منها الشخصية العربية في السينما العالمية و الصهيونية وسينما الارهاب و هوليوود والشعوب. القدس العربي في 10 يونيو 2005 |