ريما المسمار |
يكاد يخلو الموسم الحالي من افلام مميزة سوى ما أطلق منها قبل وقت ومازال عرضه مستمراً. نذكر في هذا السياق الشريط الايطالي Don't Move وفيلم وودي آلن Melinda and Melinds ولمحبي النوع: Star Wars: Revenge of the Syth وKingdom of Heaven وThe Interpreter... احتل الأخير على شباك التذاكر المرتبة الاولى خلال الاسبوعين الفائتين بمجموع مشاهدين يفوق الاثني عشر الفاً. وهو للتذكير، يدور حول مترجمة في الامم المتحدة، تستمع صدفة الى خطة اغتيال رئيس، فتتعاون مع عميل استخبارات للكشف عن التفاصيل. غني عن القول ان المحرك الجماهيري الاساسي للفيلم هي نجمته نيكول كيدمن التي لم تغب طويلاً عن الشاشات المحلية (عُرض لها قبل فترة وجيزة فيلم Birth) لتطل مجدداً بدور مختلف. يشاركها البطولة الممثل شون بن والاخراج لسيدني بولاك. الفيلم اقصى عن المرتبة الاولى الفيلم الحربي Kingdom of Heaven بعد تربعها عليها لنحو شهر مع نجمه اورلاندو بلوم في واحد من فصول الحروب الصليبية. من العوامل الاخرى المؤثرة في الاقبال الجماهيري، الى كونه من النوع المحبب لدى شريحة واسعة، تناوله شخصية القائد العربي صلاح الدين الايوبي التي يجسدها الممثل السوري غسان مسعود وما رافق الفيلم من كلام حول اظهار الاسلام في ضوء ايجابي للمرة الاولى ربما. تجاوز عدد مشاهدي الفيلم الاربعة والاربعين الفاً في خلال خمسة اسابيع. في المراتب الاخرى، نعثر على "حرب النجوم: انتقام السيث" في المرتبة الرابعة بنحو اثني عشر الف مشاهد خلال ثلاثة اسابيع مع الاشارة الى ان افلام السلسلة الثلاثة الاخيرة لم تحظَ بجماهيرية على الصعيد المحلي. في المرتبة الخامسة يأتي فيلم الرعب Amityville Horror في اسبوعه الاول بما يثير الدهشة إذ ان افلام النوع غالباً ما تحتل مراتب متقدمة على شباك التذاكر. من العروض الجديدة في الصالات المحلية Hostage مع بروس ويليس الذي يطل على شاشاتنا للمرة الاولى منذ tears of the Sun قبل عامين. أمتع الافلام هي التي تترك هامشاً للمتفرج كي يتجول في حناياها وثغرات ليعمل على ملئها بصرف النظر عن نجاحه او فشله في ذلك. والعنوان تفصيل لا يٌستثنى من تلك العلاقة بين الفيلم والمتفرج. فغالباً ما تكشف عناوين الافلام الكثير عن مضامينها. بعضها يُحمَّل ابعاداً رمزية او مجردة كأن يُطلق على فيلم حربي مثلاً عنوان "دموع الشمس" Tears of the Sun. بينما يختصر بعضها الآخر الحبكة. "مهمة مستحيلة" Mission Impossible عنوان يُرتجى منه ان يكشف طبيعة الحكاية في فيلم مشوق كأن يقول للمشاهد ان البطل سيتعين عليه القيام بمهمة مستحيلة مما يعني ان اسلحته ومغامراته من اجل اتمامها سوف تستفحل. ليس اكتشافاً القول ان نوع الفيلم يستلهم في معظم الأحيان طبيعة العنوان. فإذا استعدنا الافلام الرومنسية والكوميدية وجدنا ان عناوينها تتحرك في هوامش اوسع من الخيال والرموز والدلالات (قطة فوق صفيح ساخن A Cat on a Hot Tin Roof كمثال). واما اذا نظرنا الى افلام الحركة والتشويق والحروب، فإنها في الغالب تنضوي تحت عناوين مكثفة مختصرة وملموسة (Behind Enemy Lines، Enemy at the Gates...) مع بعض الاستثناءات. بين فيلمين من النوع عينه، الرعب، قد نقع على اختلاف شاسع في التسمية كالتي بين "صرخة" Scream و"أعرف ماذا فعلتم الصيف الفائت" I Know What you did Last Summer. الأول يثير قشعريرة والثاني تحول نوعاً من لازمة يكررها هواة النوع لاثارة الخوف بين بعضهم بعضاً. "رهينة" Hostage هو عنوان الفيلم التشويقي الجديد في الصالات اللبنانية وهو ينتمي الى الفئة التي تقول الكثير عن الأحداث، بخلاف ميل مخرجه الفرنسي فلورينت سيري الى الافلام الرومنسية البادي في تحيته واحداً من مخرجيها، ايرنيست لوبيتش، عبر فيلمه "الجنة يمكن ان تنتظر" Heaven Can Wait الذي يتكرر ذكره في الفيلم. اذاً، نحن امام فيلم يُقرأ من عنوانه، أخرجه فرنسي يحب افلام ايرنيست لوبيتش. فكيف يخرج هذا المزيج؟ قبل الحديث عن الفيلم، ثمة ما هو لافت ربما بالمصادفة. فإلى Hostage، عرضت الصالات المحلية فيلماً تشويقياً آخر لمخرج فرنسي هو Assault on Precinct 13 بتوقيع جان فرونسوا ريشيه. بعيداً من المقارنة بين الفيلمين، يحضر السؤال عن اسباب "اقتحام" مخرجين فرنسيين لنوع سينمائي تجلّه هوليوود، الثريللر. في حين تستلزم الاجابة الوافية بحثاً أعمق، يمكن الاكتفاء في هذا السياق بالاشارة الى علاقة المخرجين الفرنسيين لاسيما من جيل الشباب بالفيلم الاميركي الاسود (American Noir) وبمعلمه الفريد هيتشكوك. فلهذا السينمائي مكانة خاصة بين المخرجين الفرنسيين ربما تكون الدافع الى توجه مخرجين مثل سيري وريشيه والكسندر آجا (High Tension) الى اكتساب تقنيات وميكانيكيات الفيلم الاميركي التشويقي بكل فوارقه الشاسعة عن هيتشكوك وامثاله. ولكن ذاك هو المتوفر. وتعزيزاً لذلك الرأي، لعله من المفيد ذكر ان فلورينت سيري بدأ حياته المهنية تلميذاً لايريك رومر، أحد هواة هيتشكوك الاوفياء. من هذه الخلفية، يمكن النظر الى Hostage في ضوء مختلف، يوفره مناخ الفيلم نفسه. فنحن هنا امام واحد من الافلام الكثيرة التي تبدأ واعدة والتي تقبض على شيءٍ خاص ولكنها تتوه في نهاية المطاف وسط كليشيهات النوع ونقاط ضعف السيناريو على الرغم من ان الأخير مقتبس من رواية لروبرت كرايز. وتلك نقطة لصالح العمل إذ انه يوفر على نفسه استنباط حكاية، تأتي في معظم الأحيان لتخدم النواحي التشويقية. ولكن برغم ذلك، لم تتمكن الحكاية من المضي في خطها المشوق من دون ان تخلف ثغرات واسئلة بديهية. يُفتتح الشريط بمشهد طويل بالاسود والابيض لعملية خطف يقوم بها مهووس في لوس انجيليس تحت عيني شرطتها و"تالي" (بروس ويليس) المتخصص في مفاوضة الخاطفين. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فتُقتل الرهينتان، الام وطفلها، ليُصاب "تالي" بصدمة وعقدة ذنب فاقداً الثقة بقدراته ومكتفياً بوظيفة رئيس شرطة في بلدة هادئة ينفي نفسه اليها بعيد الحادثة. اول ما يتبادر الى الذهن ازاء دموع "تالي" الغزيرة فوق الجثتين هو انه يتوّجه الفشل للمرة الاولى في مهامه والا فما معنى ذلك الانهيار الذي يصيبه. ولكن هل يُعقل انه طوال سنوات عمله الطويلة لم يواجه ولا مرة فشل مهمته؟ في مطلق الاحوال، يعود الفيلم الى بداية جديدة مع "تالي" حليق الرأس والذقن (بعد مظهره الاولي بشعر طويل وذقن كثيفة) الذي فقد حماسه للمهنة بما يؤثر على علاقته بزوجته وابنته اللتين لا تطيقان تلك البلدة النائية وان كانت نسبة الجريمة فيها متدنية. الحدث التالي متوقع حادثة ستعيد "تالي" الى مهامه السابقة ومكرر والذكرى الاخيرة غير بعيدة. فقبل اشهر قليلة شاهدنا دنزل واشنطن في وضع مشابه في فيلمه Man On Fire عندما يستعيد مهامه بعد اختطاف طفلة. لابأس فلنرَ الى اين سيصل كل ذلك. فثمة بناء لمناخ تصاعدي، يبدأ مع ظهور شاحنة عتيقة، في داخلها ثلاثة مراهقين. مرة ثانية، يتكرر الكليشيه، هذه المرة بالصورة. فالكاميرا التي تطوف على وجوه الشبان الثلاثة، تتوقف عند نظرة "مارس" (بن فوستر) التي تبث في ثانية كل الشر الكامن فيه. نظرة تختصر شراً مطلقاً، يُبرر لاحقاً بالتحليل النفسي المعتاد من الطفولة المحرومة و..و... وإذ يقرر الشبان ملاحقة سيارة فاخرة في داخلها رجل وابنته المراهقة وطفله بهدف السرقة وربما الانتقام من الفتاة التي شتمت احدهما، يُخيَّل للمتفرج ان الطريق التي سلكوها في اتجاه البيت اقرب الى طرقات لعبة كومبيوتر ويتعزز ذلك الاحساس عند الوصول الى البيت الاقرب الى قلعة حصينة في منطقة مقفرة تحيطها الجبال. ولا عجب ان يطغى خيال العاب الفيديو والكومبيوتر لاسيما في مشاهد مطاردات لاحقة، إذ ان المخرج سيري عمل في مجال اخراجها في السابق. كما في اماكن كثيرة اخرى، يبدو الجسر المؤدي الى الضفة واهناً. فإذا كان الهدف النهائي ادخال الشبان الثلاثة تلك القلعة الحصينة فإن عملية الدخول الحقيقية تبدو ضرباً من الخيال. ها هم في الداخل، يحتجزون العائلة لسرقة السيارة الفاخرة الى ان يقوم "مارس" بعمل اخرق بقتل الشرطية التي تأتي استجابة لانذار يطلقه الطفل. هنا يأتي دور رجلنا "تالي". الا انه مازال غير مستعد للخوض مجدداً في المسؤولية المترتبة على مفاوضة الخاطفين، فيسلم العملية الى شرطة المقاطعة. لعل هذا التحول هو محاولة الخروج على المألوف في هذا النوع من الافلام. إذ ان ما سيعيد "تالي" الى عمله السابق لن تكون مجرد عملية احتجاز رهائن عادية، بل شيء يمسه في الصميم. هكذا يتحول الفيلم عملية اختطاف داخل عملية اختطاف ويجد "تالي" نفسه مسؤولاً عن موقفين ليصبح هو نفسه الرهينة. اذا كان الفيلم يعول على تلك الحبكة غير المتوقعة ليخرج من عباءة افلام الخطف والرهائن، فإن المشكلة تكمن في تصميم ذلك الجزء. بمعنى آخر، يفتقد ذلك الشق الصدقية. كل ما نعرفه ان زوجة "تالي" وابنته اختُطفتا ريثما يأتي للخاطفين باسطوانة ممغنطة من بيت الرجل المحتجز تحتوي على معلومات ثمينة. ولكن الخاطفين يبقون مجهولين بما يفقد الفيلم توازنه بين حكاية خاطفين تقليدية وحكاية غير تقليدية انما غامضة وغير مؤثرة. ناهيك بالتفاصيل العالقة غير المنطقية التي تطاول السرد (الصبي الصغير المخطوف يتحرك في المنزل بدون ان يدير الخاطفون بالاً الى اختفائه). ذاك على المستوى الحكائي. اما على المستوى الفني، فللمخرج بعض الصنائع البيض. وحدة الزمان والمكان هي من العناصر المهمة في افلام التشويق وهنا يستغلها المخرج بشكل جيد عبر حصر الاحداث في ليلة واحدة وابقائها في مساحة محدودة لا تجاوز سور المنزل الا بأمتار قليلة. كاميرا سيري حميمية، تلتصق بالشخصيات وبالاحداث وتبقي المتفرج على مسافة قريبة منها متسببة بذلك الاحساس الضاغط برهاب الاماكن الضيقة. يذكر المناخ قليلاً بفيلم دايفيد فينشر "غرفة الرعب" Panic Room حيث كل تلك الكاميرات المراقبة في انحاء المنزل والغرف السرية وأجهزة الانذار والحماية... في نهاية المطاف يتجرد الفيلم من شوائب كثيرة مبقياً على: حبكة مزدوجة لم تحقق التأثير المرجو، اسلوب فني لا يخلو من خصوصية مع اسماء مثل لاري فولتون كمخرج فني (Sixth Sense)، منطق احداث ضعيف في احيانٍ كثيرة وكليشيهات عدة ليس اقلها المريض النفسي المستمتع بالقتل الذي يموت في المشهد الاخير... اما بروس ويليس فيمنح شخصية "تالي" بعداً انسانياً متكئاً كعادته على الصمت كلغة تعبير والدافع الداخلي الذي يوحي اليه بأنه على حق مهما تمرد على القانون.. انها تيمة "الابطال" ولا شك ان يخالفوا (ليُعرفوا؟) ويتمردوا من اجل هدف نبيل تقودهم حاسة خاصة. المستقبل اللبنانية في 10 يونيو 2005 |