دراسة تحليلية تغطي جميع أنشطة السينما المصرية في القرن الماضي «اليهود والسينما في مصر» الأمير أباظة |
* السينما المصرية في الأربعينيات كانت تهدف إلي الترفيه والامتاع فقط * الرأسمالية اليهودية امتلكت دور العرض ونافستها في ذلك الرأسمالية اليونانية والشامية خمسة وعشرون عاما فصلت بين الملف الذي أعده الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت بالمشاركة مع سامي السلاموني وعلي أبو شادي عام 1979 تحت عنوان: «السينمائي اليهودي ودليل المتفرج إلي السينما الأمريكية» وهذا الكتاب الذي انتهي من تأليفه في منتصف عام 2004 بعنوان «الهيود والسينما في مصر». وما بين التاريخين أصدر عدة كتب تحمل عناوين مثل: الشخصية العربية في السينما العالمية»، و«هوليوود والشعوب» و«الصهيونية وسينما الإرهاب» وجميعها يسعي إلي تجسيد دور السينما العالمية في خدمة القضايا الصهيونية فيما يشبه الاجتياح لجميع الأشكال والأنواع الفيلمية. ولكن إذا كان انفعال الباحث بقاضايا أمته هو الدافع الأساسي وراء ما ينجزه من بحوث ودراسات.. يصبح من الطبيعي أن يتساءل البعض عن السبب في تأخر ظهور بحث عن اليهود والسينما في مصر ليأتي مع نهاية ربع قرن من الزمن استهلك معظمه في بحث العلاقة بين الصهيونية والسينما العالمية بينما ظلت السينما المصرية بعيدة عن الاهتمام رغم أن الواقع يؤكد أن اليهود لعبوا دورا ملموسا في مسيرتها حتي ما بعد عام 1948. هناك عدة مفاهيم شائعة حول أن الفيلم المصري قبل 1948 كان في معظم الأحيان هدفا في ذاته وأنه لا يعدو أن يكون بضاعة هدفها الترفيه والمتعة لجميع الطبقات والأجناس.. وأن السينمائيين الأجانب والمتمصرين ظهروا في مصر في ظاهرة كوزموبوليتانية تسعي إلي التعامل مع جميع طوائف المجتمع وأقلياته وأن الرأسمالية اليهودية انصرفت لامتلاك دور العرض السينمائي وبنيتها الأساسية مثلها في ذلك مثل الرأسمالية اليونانية والشامية وما يجمع بينهم جميعا الرغبة في المنافسة من أجل الربح. ثم تأتي الآراء التي نشرت حول دور السينمائيين اليهود أمام الكاميرا وخلفها لترسخ مفاهيم أخري تكاد تصل بنا إلي حد الإحساس بأننا كمصريين كنا في تعاملنا مع اليهود إما عنصريين أو ناكرين للجميل! هذا ما نستخلصه من الدفاع المستميت عن الممثلة ليليان كوهن أو «كاميليا» عندما يتهمها البعض بأنها كانت عشيقة للملك فاروق وجاسوسة للوكالة اليهودية وما نستشعره من مقال كتبه مخرج سينمائي مصري من تلاميذ المخرج اليهودي توجو مزراحي هو حلمي رفلة وفيه يقول: «إن توجو مزراحي لم ينل حظه من التعريف والتقدير اللذين يستحقهما»، وأن «الذاكرة لا تستطيع أن تحصي كل ما قدمه للفيلم المصري وصناعة السينما عندنا فبصماته فيها واضحة ومضيئة لأنه أعطاها شبابه ومقدرته الفائقة وفنه الرفيع وما يمتلك من مال»! ويبدو أن هذه الكلمات كانت إشارة البدء لسلسلة من المقالات والفعاليات العازفة علي نفس النغمة والمستمدة معلوماتها مما جاء في هذا المقال. إذن كان المناخ المرتبط بدور اليهود في السينما المصرية لا يسمح بأي رد فعل يسعي لمعرفة الحقيقة المجردة دون انحياز أو حتي بتعديل الصورة الراهنة الماثلة سواء حول الأفلام أو الأفراد أو تحليل القيم والاتجاهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتبين مدي انعكاساتها علي صناعة الفيلم في مصر. تحول موضوعي التحول الذي جعل المؤلف والناقد أحمد رأفت بهجت يقرر الإقدام علي التعامل مع هذا الموضوع جاء نتيجة التلاقي مع عدة مجهودات ثقافية كانت حافزا حقيقيا لبدء دراسة دور اليهود في السينما المصرية. وفي مقدمتها كتاب «تاريخ السينما في مصر» من بداية 1896 إلي آخر 1930 للناقد والباحث أحمد الحضري عن مطبوعات نادي القاهرة للسينما 1989. كتاب «كتابات السيد حسن جمعة» (ثلاثة أجزاء) (1929 ـ 1936) جمع وتحقيق فريدة مرعي ـ المركز القومي للسينما 97 ـ 1999. «بانوراما السينما الكوميدية في مصر» في «قصر السينما» التابع لهيئة قصور الثقافة وفيها عرضت من خلال شرائط الفيديو مجموعة كبيرة من الأفلام الكوميدية المصرية منذ الثلاثينيات. وقد رصد المؤلف بالنقد والتحليل في الباب الرابع من هذا الكتاب كل ما هو متاح من أفلام تعاملت مع الشخصية اليهودية من خلال أربعة فصول تغطي السينما المصرية الروائية من بداية ظهورها وحتي ما قبل تاريخ صدور هذا الكتاب. ولاشك أنه كان من بين العوامل التي ساهمت في تركيز المؤلف علي أفلام دون أخري أن المتاح كما ذكر كان هو الفيصل.. وعلي سبيل المثال بينما كانت أفلام «الاخوان لاما» شحيحة. كانت أفلام «ابتكمان الصغير» لا وجود لها في حين كان معظم إنتاج «توجو مزراحي» منذ منتصف الثلاثينيات متاحا علي شرائط فيديو يتم تسويقها من خلال شركة توزيع واحدة.
وفي هذا الإطار يؤكد المؤلف أحمد رأفت بهجت علي النقاط التالية: مشاكل بحثية يعكس التعامل مع موضوع «اليهود والسينما في مصر» بداية لمواجهة العديد من المشاكل البحثية في ظل الافتقار إلي المعلومات، وتضارب وتناقض المتاح منها. والمهم من كل ذلك حالة التمويه والضبابية التي فرضت منذ بداية الثلاثينيات علي بعض الأنشطة اليهودية واستمرت حتي منتصف الأربعينيات وبشكل عام يمكننا القول إن عدم توافر المعلومات اللازمة قد لا يساعد علي أن نرصد مجمل تلك الأنشطة. لذلك بذل المؤلف جهدا كبيرا، واستعان بعدد لا بأس به من الخبراء، كل في مجاله لامداده بما لديهم من معلومات أو من يمكن الاتصال بهم من المصادر الحية، التي شهدت بنفسها فترات سابقة من تاريخ صناعة السينما في مصر ويجب الإشارة إلي أن في مصر الكثير من المعلومات. كما يرصد ظاهرة احتضان اليهود لبعض المصريين من هواة ومحترفي الفنون ممن جاءوا من خلفيات وثقافات متباينة ومن أوائل هؤلاء «السيد حسن جمعة» رائد الصحافة الفنية في مصر فقد فتح ذراعيه وعقله للأخوين لاما، وتحول من صحفي يتابع تصوير فيلمهما الأول «قبلة في الصحراء» 1927 في صحراء فكتوريا بالإسكندرية إلي مساعد فني في فيلمهما «فاجعة فوق الهرم» الذي شارك في إنتاجه مع الأخوين لاما المليونير اليهودي ايلي درعي.. وهنا نتساءل هل كان السيد حسن جمعة يدرك إلي أن يتجه؟ وهل كان يملك القدرة علي التوافق مع الأخوين لاما وعدم التصادم مع أفكارهما في ظل حملات صحفية قاسية واجهتها أفلامهما وشككت في نواياهما تجاه المصريين؟ ويستطيع القارئ أن يلاحظ وهو يطالع هذا الكتاب أن ثمة مزاوجة وامتدت لبعض ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم رغم ما يبدو من متغيرات علي جميع الأصعدة. هناك عودة لاحتكار دور العرض.. ومن يريد شراء أصول الأفلام المصرية بأبخس الأسعار وإلي ما لا نهاية، ومن يتعيش علي الاقتباس من الأفلام الأجنبية.. ومن يحاول إحياء السينما التجارية في أدني صورها.. إلخ. فهل ثمة علاقة بين الأمس واليوم؟ أم أنها مجرد مصادفة؟!! وأخيرا فإن هذا الكتاب البكر في موضوعه يمثل بداية ستفتح الطريق لموضوع لم يستنفد الدراسة أو الاهتمام. جريدة القاهرة في 7 يونيو 2005 |