المخرج سيدني بولاك عاني الأمرين لكي يصور في الأمم المتحدة:
هوليوود- محمد رضا |
منذ العام1962 مثل سيدني بولاك وأنتج وأخرج52 فيلما سينمائيا. لقد بدأ ممثلا في فيلم صغير مجهول اليوم بعنوان صيد حربي لكنه انتقل إلي الإخراج بعد ثلاثة أعوام حينما تصدي لدراما رشحت لأوسكارين هي التهديد الخفيف. هذا كان فيلما من بطولة سيدني بواتييه وآن بانكروفت مع الراحل تيلي سافالاس. حين سألته قبل بداية المقابلة إيجازا لتجربته الأولي تلك قال: كان الفيلم الصالح لأن يكون التمهيد المناسب لدخولي المهنة كمخرج. ربما حققت أفضل منه لكنه وضعني علي الطريق الصحيح وأشعر تجاهه بالحب لأنني عرفت فيه حسناتي ونقاط ضعفي. فيلمه التالي هذه الملكية مدانة كان أول لقاء له مع الممثل روبرت ردفورد. بعده عملا معا في سبعة أفلام أخري... إنهم يقتلون الجياد, ألا يفعلون؟ وجيريمايا جونسون وكيف كنا وثلاثة أيام من الكوندور والفارس الكهربائي وخارج أفريقيا ثم هافانا(1990). سألت روبرت ردفورد في مهرجان سندانس قبل عام عن تجربته مع بولاك فأوجزها علي النحو التالي: كانت لديه أفكار ليبرالية تتماشي مع الآخر, لذلك أعمالنا المشتركة وقعت في الحيز الزمني الصحيح واستقبلت جيدا. بولاك لم يكن أجرأ المخرجين حين يأتي الأمر إلي مسألة تمرير رسالات سياسية في أفلامه. نعم إنهم يقتلون الجياد... يجعلك تكره عالما قائما علي المادة (الرأسمالية) وكيف كنا فيه مواجهة مدروسة بين محافظ وشيوعية, وثلاثة أيام من الكوندور ضربة ضد السي آي أيه, ويكفي الفارس الكهربائي إنه ينتصر للحياة القديمة علي الحديثة. لكن بولاك كثيرا ما ينأي في نهاية أفلامه إلي نوع من التنازلات أو التسويات التي ترضي كل جانب. لكنه في كل المرات المذكورة وفي غيرها كان من المهم جدا أن ينبري سينمائي أميركي لنكش بعض المتاعب في خاصرة مجتمع ثري بطروحاته وأوجهه وإثارة قدر من المواقف التي ترضي البعض وتؤلب عليه البعض الآخر. وتبعا لتجربته الواسعة التي شهدت أيضا تحقيق أفلام متفاوتة الأهمية مثل هافانا والمؤسسة وصابرينا, فإن عودته إلي الإخراج دائما ما تثير الإهتمام بين أوساط عدة في هوليوود وفي الخارج. خصوصا أن آخر فيلم أخرجه, قلوب طائشة(1999) لم يستقبل جيدا لا نقديا ولا جماهيريا. وهو الآن يعود بفيلم المترجمة يتولي بطولته كل من شون بن ونيكول كيدمان. هو أول فيلم سمحت الأمم المتحدة بتصويره داخلها وأول فيلم يجمع شون بن بنيكول كيدمان وكليهما بسيدني بولاك. موضوع الفيلم آني من حيث موضوعه( يدور حول خطة إغتيال رئيس من جنوب أفريقيا داخل الأمم المتحدة) كما من حيث موقعه( حيث العالم يعايش حالة رعب جماعية لا تطاق). وإذ تتوالي ردات الفعل بين النقاد الأميركيين عليه فإن الجامع في مواقف معظمهم هو أن بولاك يعود به إلي السينمائي الذي عرفناه يوما. أمم متحدة علي الكمبيوتر · المترجمة هو أول فيلم يتم تصويره داخل الأمم المتحدة. كيف حصلت علي هذا التأييد والموافقة؟ حين بدأت العمل علي هذا الفيلم لم أكن أعلم إن أحدا لم يصور في مبني الأمم المتحدة من قبل. وافترضت أن هذا أمر ممكن فور الحصول علي الترخيص المناسب. ولم يكن هذا افتراضي وحدي بل افتراض العاملين جميعا. المنتجون والكاتب أرادوا أن يأخذوني في جولة داخل الأمم المتحدة للتعرف علي موقع العمل. ولأنهم كانوا حصلوا علي تصريحات زيارة اعتقدوا أنه من السهل أيضا الحصول علي تصريحات تصوير. واعتقدت ذلك بدوري. لذلك فوجئت حينما تقدمنا بطلب التصوير داخل المبني بالرفض. · ما الذي تم ذكره من أسباب؟ السبب الذي ورد في الرد علي طلبنا هو أن الأمم المتحدة لم يحدث أن سمحت مطلقا بالتصوير داخل مبناها. وأنها لن تغير موقفها وتقدم علي هذه البادرة أو الاستثناء. · لابد أن هذا الجواب هدد المشروع بأسره... لم ندر ما الذي سنفعله. كان ردا غير متوقع ومخيبا للآمال. لقد ذهبت إلي تورنتو واجتمعت طويلا مع خبير مؤثرات كمبيوتر الذي بدأ يشرح لي كيف إنه يستطيع صنع أمم متحدة علي الكومبيوتر بحيث لن يكون علينا بعد التصوير إلا دمج الفيلم بالديكورات التي يبتدعها المتخصصون وأنه يستطيع أن يوفر المحيط الواقعي.. يبني صالة استقبال هنا وغرفة اجتماعات هناك وسلم من الناحية الأخري... لم تكن لدي خبرة في هذا المجال. لم أعمل علي أفلام تتطلب مثل هذا الحل التقني. لكني شعوري كان إما أن الفيلم الذي سأقوم به هو فيلم واقعي أو فيلم متخيل وأنا لم أعتد أن أصنع فيلما متخيلا. شطبت الفكرة. · هل دفعك هذا للكتابة مجددا للأمم المتحدة؟ لقد شعرت باليأس بعض الشيء لكن هذا اليأس دفعني لأن أحاول الاتصال مباشرة بكوفي عنان لأشرح له الفيلم وأهميته ولماذا علينا أن نصور في داخل الأمم المتحدة لكي أطلب منه تذليل العقبات. · هل كان سهلا الاجتماع به؟ لن تجد اسمه في دفتر الهاتف, ولا تستطيع الاتصال بالسكرتيرة إذا ما كنت تريد لقاءه لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا. ربما أشهر. ولا يمكن الحديث معه في هذا الشأن علي الهاتف لأن الهاتف قد لا ينجح في تقريب المسافات علي الإطلاق. لقد وصلت إليه عن طريق أصدقاء كل منهم يعرف الآخر الذي هو أقرب إلي كوفي عنان من سابقه حتي تم تدبير موعد لنصف ساعة. لم أكن أريد أن ألعب دور بائع جوال أمام كوفي عنان ولا أن أتحدث عن فيلم رائع. بل كنت أريد أن أكون شخصا ملما ومدركا وحقيقيا فيما يعرضه. كوفي عنان اتصل بقسم الأمن في المبني وبحث الموضوع مع مسؤوليه. وكنا بدأنا بناء ديكورات في تورنتو تحسبا عندما جاءتنا الموافقة. قسوة · وذلك كان نهاية المشاكل. نهاية جزء من المشاكل. الآن بتنا نواجه مشاكل لا تقل أهمية. سنصور في أماكن ليست ملكنا. أماكن يتم استخدامها كل يوم. كيف نستطيع أن نصور فيها ونبقي في ذات الوقت بعيدا عن طريقهم. كان ذلك أمرا صعبا لكننا بدأنا التصوير في منتصف الشهر الأول من العام الماضي حينما كان العراق القضية الأولي حول العالم والأمم المتحدة محور الصراع من حوله. لم نكن بقادرين علي أن نوقف سياراتنا قريبا من باب الدخول ولا شاحنات المعدات. مستحيل. وتبعا لسخونة الأجواء وللحركة الدائمة في أروقة الأمم المتحدة كان ممنوعا علينا التصوير خلال أيام الأسبوع. كنا نصل إلي الأمم المتحدة مساء يوم الجمعة لكي نحضر للتصوير في صباح اليوم التالي, وكنا نحمل الشاحنات المعدات ذاتها ونغادر المكان ليل يوم الأحد. · لابد أن التصوير بحد ذاته كان صعبا أيضا... شبه مستحيل في هذه الظروف. نعم. تصور أنك تمشي علي سجاد أثري. تمر من أمام ألواح وتماثيل ورسومات باهظة القيمة. تستخدم مكاتب وجدران وأرضية وعليك أن تثبت مصابيح إضافية وتلصق الأسلاك بالأرض وأن تتحرك بحذر... كل ذلك من دون أن تغير شيئا واحدا في المكان الذي تصور فيه أو تترك أثرا مثل عقب سيجارة. كان ذلك قاسيا لكن ما حصلنا عليه من فائدة يتجاوز هذه القسوة. لقد تعلمنا الكثير جدا من وجودنا هناك. أصبحنا أكثر إلماما وإدراكا لماهية هذا المكان ولتاريخه ولحقول عمله وطبيعة هذا العمل. كل منا, مني شخصيا ومن نيكول كيدمان إلي أصغر العاملين خرج بمعرفة كانت غائبة عنه. · ما تأثير ذلك عينيا؟ كيف سيتعرف المشاهد علي الفارق بين التصوير في الأمم المتحدة من التصوير في الاستديو؟ إذا كنت في غرفة مثلا تصور نيكول كيدمان وشون بن فإن المشهد هو ثنائي بطبيعته. لكن حقيقة أن الغرفة حقيقية وليست تمثيلا. أو إعادة تركيب يجعلها طرفا ثالثا مهما في هذا الشأن. المشهد بذلك يصبح ثلاثيا وينطق بواقعية لا يمكن الحصول عليها بذات المعايشة حين تصور ذات المشهد في ستديو حيث الغرفة لها جدار واحد أو جدارين حول الممثلين. ديكور تهدمه غدا وتبني غيره. كان الفيلم تجربة رائعة. يضيقون الخناق · لقد مرت سنوات طويلة منذ أن وقفت وراء الكاميرا مخرجا. كنت منتجا منفذا لعشرات الأفلام لكنك ابتعدت عن مهنتك الأساسية بعد قلوب طائشة هل كنت سعيدا بهذا الابتعاد؟ أنا مخرج غريب الأطوار من حيث إنني أحب الإخراج لكني لا أحب مراحله وخطواته. أحب الإخراج حينما أنجز الفيلم. حينها أكون سعيدا بالفعل, أما خلال التصوير... لا أستطيع أن أقول إنني إنسان سعيد حينما يكون علي إدارة250 شخصا كل يوم. أحيانا أكثر من هذا العدد. ولست سعيدا عندما يكون علي متابعة العمل من يوم ليوم ثم الدخول به إلي التوليف والتعامل.... كل هذا لا يجلب السعادة. ما يجلب السعادة هو حين أنتهي من كل هذا. إلي هذا, انشغلت بإنتاج أفلام أخري... أعتقد أنني التقيت بك في أعقاب انتهاء تصوير جبل بارد... كانت لدي بضعة أفكار أخري, وهذا دائما ما يستهلك وقتا طويلا... أقصد عندما تتعامل مع مشاريع وأفكار ولا تدري كيف ستؤول وما الذي سيتحقق منها أو لا. · خبرت العمل طويلا. مثلت وأنتجت وأخرجت وعرفت شهرة ومكانة في هوليوود وحول العالم... هذا يدفعني لسؤالك هل توافق أو لا توافق الرأي القائل إن السينما بالأمس كانت أفضل؟ أنا من جيل الأمس... ودعني أقل لك, أيامها كانوا أيضا يتحدثون عن أمس أفضل. الناس دائما تكرر هذا القول, السبعينيات أفضل من الثمانينات. الثمانينيات أفضل من التسعينيات... التسعينيات أفضل من اليوم, أري أن الأمور تختلف اليوم عن الماضي. هوليوود اليوم لديها ثوابت مختلفة. توكيدات مختلفة. هناك أفلام جيدة في كل زمن وفي كل مناسبة لكن هوليوود اليوم مملوكة من قبل مؤسسات ضخمة تقبع خارجها. تتعامل معها علي أساس أن علي كل فيلم أن يمشي ذات الدرب الذي مشاه الفيلم السابق مادام الفيلم السابق حقق نجاحا. بالتالي يضيقون الخناق علي التنوع. إذا ما نظرت إلي الأمس تجد أن كل الأفلام التي بقيت حية هي أفلام خرجت عن التقليد, وأعتقد أن هذا النوع من الأفلام هو الذي سيبقي حيا اليوم أيضا إذا ما سنحت له فرصة الإنتاج* الأهرام العربي في 4 يونيو 2005 |