عن جوائز المهرجان القومي للسينما:
د.وليد سيف |
كانت الفرصة سانحة أمام لجنة تحكيم الأفلام الروائية بالمهرجان القومي لتحقيق نتيجة تنتصر للسينما الجيدة وتقدم لجمهورها وهواتها وشباب مبدعيها التقييم الحقيقي والموضوعي للأفلام التي أنتجت خلال عام مضي. وإذا كانت جوائز مهرجان جمعية الفيلم قد شابها بعض المبالغات في التقدير لفيلم «إسكندرية نيويورك» علي حساب فيلم «بحب السيما» فإن الفنان الكبير يوسف شاهين قد جنب المهرجان القومي أي حرج حين طلب انسحاب فيلمه من المنافسة وخاصة في فرع الإخراج لإتاحة الفرصة للأجيال الأحدث من السينمائيين كما أعلن د.فوزي فهمي رئيس لجنة التحكيم قبل إعلان الجوائز. ولاشك أن نتائج هذا المهرجان قد تداركت بالفعل أخطاء مهرجان جمعية الفيلم تجاه فيلم «بحب السيما» تحديدا. وحصل الفيلم الأهم بالفعل علي نصيب الأسد من الجوائز المستحقة بالفعل كما حصل أيضا علي جائزتين وأعني جائزة الإخراج والجائزة الأولي في الإنتاج. ولكن علي الجانب الآخر ظلمت أعمال أخري وحرمت من جوائز كانت تستحقها. وأعني بشكل خاص فيلمي «تيتو» و«حالة حب». وإذا كان فيلم «تيتو» قد حصل علي أكثر من جائزة. وتميز بشكل عام في مجال التقنيات وفي مستواه الإنتاجي وشكله المبهر علي الشاشة كفيلم حركة عالي التكلفة وجيد التنفيذ ربما إلي غير مسبوق. لكل هذا كان من البديهي والمنطقي أن يحصل علي إحدي جوائز الإنتاج. وقد توقع له من حضروا الحفل أن يحصل علي الجائزة الثانية بعد «بحب السيما». ولكنهم ابتلعوا الصدمة حين حصل فيلم «أحلي الأوقات» علي هذه الجائزة واعتقد الجميع دون أدني شك أن الجائزة الثالثة والأخيرة ستكون من نصيب «تيتو» ولكن المذيعة أعلنت عن ذهاب الجائزة إلي فيلم «الباحثات عن الحرية» فارتفعت صيحات الاستنكار والاستهجان في الصالة. وفقد بعض الحضور أعصابهم. وتساءل البعض منا كيف يحصل فيلم علي جائزة الإنتاج وهو لم يحصل علي جائزة في أي فرع من الفروع. ولكننا عدنا لنتذكر أنه حصل علي جائزة الموسيقي التصويرية لراجح داود. وكما لو كانت اللجنة قد منحته هذه الجائزة لتبرر حصوله علي جائزة الإنتاج. وإذا كان راجح داود هو أحد أهم فنانينا في مجاله. إلا أنه من المعروف أن الموسيقي التصويرية لم تصنع لنستمع لها كعمل منفصل وإنما كعنصر معبر ضمن عناصر أخري كثيرة في العمل الفني يأتي علي رأسها اللغة السينمائية والتعبير البصري والحركي وأزعم أن هذه العناصر كانت في حالة من البلادة والتراجع بصورة غير مسبوقة لإيناس الدغيدي. ولا يمكن لأي مشاهد في العالم مهما بلغت ضآلة ثقافته السينمائية أن يتصور أن مخرجة «الباحثات عن الحرية» هي نفسها التي قدمت مثل فيلم «القاتلة» منذ أكثر من عشر سنوات بكل ما به من حركة متدفقة وإيقاع متوازن وتعبير سينمائي بليغ. إن أبسط ما يمكن أن يقدمه مهرجان للسينما هو أن يشير للفنان إذا كان يتقدم بفنه أو يتراجع. ومن حق المخرجة إيناس الدغيدي أن تعلم أن فيلمها رغم جرأة موضوعه وجودة معالجته فهو من أضعف ما قدمته وهي المسئولة وحدها عن ذلك بما أصابها من كسل واستسهال وثقة زائدة.. ولكن يبدو أن مهرجاناتنا مصممة علي خداع إيناس وإيهامها بأنها تتقدم أو علي الأقل لم تتراجع. وهذا ما حدث أيضا بكل أسف مع نفس الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخيرة بحصوله علي جائزة أحسن فيلم عربي التي صاحبها أيضا نفس صيحات الاستهجان والاستنكار. وإذا كان البعض يري أن المخرجة الجريئة جديرة بالجائزة لأنها قدمت فيلمها دون الاعتماد علي نجوم. إلا أنها في الحقيقة بدلا من أن تستعين بوجوه جديدة موهوبة وما أكثرها استعانت في هذا الفيلم بمجموعة من الوجوه البليدة التي تفتقر لأي موهبة. وإذا كانت قد تصورت أنها قدمت للسينما هند صبري في تجربة سابقة وأن بإمكانها أن تقدم في كل فيلم وجوها جديدة واعدة فعليها أن تتذكر أن هند صبري كشفت عن موهبتها من خلال السينما التونسية ومنذ صباها من خلال فيلم «صمت القصور». إن المسألة ليست تقديم وجوه جديدة من عدمه ولكن المطلوب هو تقديم مواهب حقيقية وصقلها وتقديمها بالصورة المناسبة. أما فيلم «حالة حب» فعلي الرغم من تميزه علي مستوي الشكل والمضمون فإنه لم يحظ بأية جائزة وهي مسألة تبدو غريبة جدا. فأي نوع من الفن والفنانين هو الأحق والأجدر بالتقدير والتشجيع. واللافت للنظر أن هذا الفيلم يطرح ربما لأول مرة في تاريخ السينما المصرية موضوع الهجرة بشكل موضوعي وعقلاني. ويطرح مسألة النظرة إلي المجتمع الأوروبي بأسلوب ناضج وبعيد عن أية نظرة أو نعرة متعالية، وكذلك أيضا دون أي شعور بالدونية أو الانبهار بالآخر. ربما يكون لنا بعض التحفظات حول بعض التفاصيل الخاصة بمنطقية موقف ما أو حدث ما. ربما نري أن هناك انتقالات حادة أو سريعة أكثر مما ينبغي. ولكن هذا لا ينفي أسلوبية مخرج في أولي تجاربه الروائية ولا قدرته الفائقة علي التعبير البصري وخلق المود العام واقتناص اللقطات المعبرة في عدد من مشاهد السينما الخالصة التي ستبقي في ذاكرتنا السينمائية يمثل مشهد تعرف الأخ علي شقيقه أثناء الرقص أو المشاهد الرائعة التي أداها محمد مرشد في دور الأب المهاجر العجوز بعد اتصال ابنيه به من الوطن. لقد انتصر المهرجان القومي للرديء علي حساب الجيد مع سبق الإصرار والترصد وبفعل فاعل لا يدرك فداحة جرمه في تضليل الذوق العام والإساءة إلي فن السينما ولا إلي أجيال مقبلة من السينمائيين تتطلع إلي قدوة ونماذج حقيقية في ظل أحلك ظروف تعيشها السينما المصرية. جريدة القاهرة في 10 مايو 2005 |