جان رينو لـ«الحياة»: اذا فقد الرجل إنسانيته أدمن الرذيلة! موناكو - نبيل مسعد |
ينتمي جان رينو إلى فئة نادرة جداً من النجوم السينمائيين الفرنسيين تتبناها هوليوود وتمنحها مكانة مميزة في أفلامها، فقد لمع رينو في أفلام مثل «غودزيلا» و»رونان» و»مهمة مستحيلة» مع توم كروز و»رولربول» إضافة الى الكثير من الأعمال الفرنسية الناجحة مثل «الزائرون» و»ليون» و»نيكيتا» و»فرق في التوقيت»، خصوصاً «الأزرق الكبير» للمخرج لوك بيسون وهو الفيلم الذي أطلقه في العام 1988. وفي فيلم «فندق رواندا» النازل حديثاً إلى صالات السينما العالمية يتقمص رينو شخصية رئيس مجموعة فندقية عالمية، ويمتنع ربما للمرة الأولى أو الثانية عن إبراز عضلاته فوق الشاشة. ويتميز رينو بتكوين جسماني رياضي ضخم ووجه تتأرجح تعبيراته بين الشر والكوميديا بسهولة فائقة، ما فتح أمامه أبواب السينما واسعة. وإذا كان السينمائي المعروف لوك بيسون منحه أولاً دور غطاس معروف «الأزرق الكبير» ثم دور قاتل شرس «نيكيتا» وأخيراً قاتل أجير «ليون» طيب القلب، فمن ناحية ثانية لمع رينو في أنجح عمل فكاهي أنتجته السينما الفرنسية خلال السنوات العشر الأخيرة وهو «الزائرون» ثم الفيلم المكمل له «الزائرون الرقم 2، دهاليز الزمن» قبل أن يوزع وقته بين أوروبا والولايات المتحدة، علماً أن جدول أعماله لا يتضمن ثغرة واحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة وأنه يتقاضى حوالى 12 مليون دولار عن الفيلم الواحد حاله حال زملائه في هوليوود. ولد رينو في الدار البيضاء في المغرب من أصل أندلسي، واسمه الحقيقي دون خوان مورينو إيريريه إيه ريمينيس وجاء إلى باريس في العشرين من عمره بهدف تعلم الدراما في مدرسة متخصصة واحتراف التمثيل، إلا أن كل المعاهد الرسمية رفضته واعتبرته لا يصلح لهذه المهنة، وإثر ذلك توجه إلى المدارس الخاصة وتسجل في معهد أندرياس فوتسيناس المعروف باتباعه طريقة مدرسة «أكتورز استوديو» الأميركية الشهيرة التي تخرج فيها مارلون براندو وداستين هوفمان وغيرهما من عمالقة هوليوود، لكنه واجه مشكلة الكلفة الباهظة للاشتراك في هذه المدرسة، فاضطر إلى العمل الليلي في وظائف مختلفة مثل سائق تاكسي أو حارس شخصيات مهمة تسهر في نواد ليلية باريسية، وساعده تكوينه الجسماني في الحصول على هذا النوع من الوظائف، كما عمل في أيام العطلات مرشداً سياحياً لمجموعات يابانية كانت تزور العاصمة الفرنسية وراح يتعلم أصول اللغة اليابانية. وعقب تخرج رينو في معهد الدراما بدأ يعمل في المسرح في أدوار صغيرة حيث التقى النجم ميشال بيكولي الذي توقع له مستقبلاً باهراً في السينما في شكل خاص. ويعترف رينو دائماً وعلى رغم مرور الأعوام بأن بيكولي هو الممثل الوحيد الذي تصرف بحنان وشفقة معه في أيام الشدة، بينما كان آلان ديلون مثلاً يتجاهله تماماً، وكم من مرة حاول إيف مونتان إقناعه بسخرية شديدة باعتزال المهنة الفنية والعودة إلى قيادة سيارات التاكسي أو بالسفر إلى المغرب حيث ولد واحتراف التمثيل هناك حيث لا تتطلب السينما العربية في رأيه التمتع بموهبة فذة. ويتذكر رينو الفنانة الراحلة رومي شنيدر التي شجعته في أكثر من مناسبة ونصحته بعدم الانتباه الى كلام الغير، وأن يفعل ما يمليه عليه عقله وقلبه. «الحياة» التقت رينو في مونتي كارلو وحاورته: · اعتدت تقمص شخصية البطل القوي ذي الجسم الضخم والعضلات البارزة سواء في أفلام المغامرات أو الكوميديا، وها أنت في أحد أفلامك الجديدة «فندق رواندا» تغير مظهرك ولا تعتمد إطلاقاً على هذه المواصفات، فماذا حدث؟ - أنا قرأت هذا السيناريو ووقعت في غرامه فجأة إلى درجة أنني لم أطلب أي تفسيرات إضافية من المخرجة قبل أن أعطي موافقتي، مثلما أعتاد فعله حتى مع الأميركيين. وعثرت هنا على فرصة فريدة من نوعها لتمثيل دور رجل عادي لا علاقة بين عضلاته، وإن كانت موجودة طبعاً وتشكل إحدى خواص جسده الرياضي، وأسلوبه في الحياة اليومية مع الناس، فهو إنسان قوي النفوذ وطيب القلب يبذل قصارى جهده لإنقاذ فئة من الروانديين يتهددهم خطر الإبادة لولا التدخل الأجنبي في الموضوع. والفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية دارت في رواندا في العام 1994 والشخصية التي أمثلها موجودة في الحقيقة ولا تزال على قيد الحياة. · كيف تفسر نجاحك الكبير منذ بضع سنوات وحتى اليوم؟ - التفسير سهل جداً وهو مجرد ملاءمتي في وقت محدد جداً لما كانت تحتاج إليه السينما، وأنا لا أفهم مدى غرور فئة من النجوم الذين يخلطون بين الحظ والموهبة وينسون أن غيرهم اختفوا بسرعة لمعانهم نفسها وإننا كلنا معرضون لهذا الشيء. · وماذا عن الإعجاب الشديد الذي تلاقيه من جمهورك النسائي؟ - سؤال صعب جداً وحساس جداً، فأنا سقطت في فخ الضعف من هذه الناحية في بداية نجوميتي وهدمت زواجي الأول بسبب غبائي المطلق، وهذا شيء لم أكن أعترف به حتى وقت قريب جداً. وأنا الآن متزوج مرة ثانية وأعرف فرح الأبوة وقد عقلت مع مرور الأيام وأدركت حقيقة مخاطر مهنتي، إنما على حساب حياتي الخاصة وأعتبر نفسي دفعت الثمن غالياً. كلفة الصور · وكيف انتقلت من المسرح إلى السينما؟ - لم تدم حياتي المسرحية طويلاً في الحقيقة، إذ سرعان ما عثرت على أدوار صغيرة في السينما وفي أفلام خفيفة وسطحية لكنني فضلتها على العمل فوق الخشبة وفي يوم ما تعرفت إلى لوك بيسون الذي كان يساعد في إخراج أحد هذه الأفلام وراح يطلب مني صورة بهدف مساعدتي في العثور على أدوار أخرى مع مخرجين هم من اصدقائه المقربين، ووافقت ولكنني ألححت على لوك بيسون كي يرد إلي هذه الصورة في ما بعد، لأن تنفيذها كلفني غالياً. وأتذكر أن بيسون ضحك ولم يحرمني من الصورة بل احتفظ بشكلي واسمي في ذاكرته واتصل بي فور تحوله شخصياً من مساعد مخرج إلى سينمائي يخرج أفلامه بنفسه وعرض علي العمل معه. ودعني أروي لك حكاية طريفة جداً. فأنا كنت أعمل في ذلك الوقت تحت اسم جوناثان بران، لأنني لم أستطع العمل في فرنسا باسمي الأندلسي الحقيقي المستحيل اللفظ ولم أعثر على شيء أجمل من ذلك الاسم إلى أن نصحني بيسون بالتغيير الفوري وساعدني في التفتيش عن اسم لائق فكان ميلادي الجديد تحت اسم جان رينو (يضحك). حكاية ربطة العنق · كثيراً ما كتب فعلاً عن حكاياتك الطريفة مع بيسون التي سببها حسن معرفتكما الواحد للآخر، فهل تروي لنا حكاية ثانية؟ - عندما كان بيسون يحضر فيلم “نيكيتا” فكر في منحي دور رجل الاستخبارات الذي هو الدور الرجالي الأول في الفيلم، إلا أن هذه الشخصيـة ترتـدي ربطـة عـنـق طوال الوقت وأنا شخصياً وكما يمكن أن تلاحظه بنفسك اليوم، لا أتحمل ارتداء ربطة العنق أبداً لأنها توحي لي بحبل المشنقة. ورفضت الدور بتاتاً على رغم المساعي التي بذلها بيسون لإقناعي بالقبول، وفي النهاية أديت دور القاتل الذي هو أصغر حجماً في السيناريو، لكنه لا يرتدي ربطة عنق. كروز ودي نيرو · كيف تتعامل مع السينما الهوليوودية؟ - إن هوليوود تغازلني منذ أن تعرفت علي عبر أفلام “نيكيتا” و”ليون” و”الزائرون” وتعرض علي أدوار الشر في أفلام من نوع المغامرات، وأسمح لنفسي بالرفض اذا كانت هذه الأدوار أقل حجماً مما تعرضه علي السينما في فرنسا. فأنا أحلم بالمشاركة في افلام أميركية شرط حصولي على أدوار أولى فقط، كما في “رونان” و”رولربول” و”غودزيلا”، وإذا كنت وافقت على دور متوسط الحجم في “مهمة مستحيلة” فيعود الأمر فقط إلى إعجابي الشديد جداً بمخرج الفيلم بريان دي بالما. أما عن علاقتي بالأشخاص الذين أعمل معهم في الأفلام فتختلف بحسب الحال، ومع توم كروز مثلاً (شريكه في “مهمة مستحيلة”) كانت العلاقة رسمية تتلخص في تعريف كل منا زوجته إلى الآخر وفي الكلام حول أمور الطقس والأطفال والسياسة في شكل عام بينما نشأت بيني وبين روبرت دي نيرو (في فيلم “رونان”) علاقة وطيدة وجيدة لا تزال قائمة وأعتقد بأنها ستدوم مع الأعوام. · هل قرأت “امبراطورية الذئاب” قبل أن يعرض عليك العمل في النسخة السينمائية من الرواية؟ - أنا في الحقيقة لم أكن قرأت الكتاب وتسرعت في اقتنائه فور أن تلقيت عرض القيام ببطولة الفيلم، وبما انني تسلمت السيناريو من شركة الإنتاج، رحت أقرأه أولاً ثم الرواية من بعده مباشرة حتى أجري المقارنة بين النسختين وأعطي رأيي في عملية التحويل القائمة من الرواية إلى النص السينمائي. · وهل كانت الفوارق كبيرة بين الرواية والسيناريو؟ - طبعاً، فالرواية لو تم تصويرها مثلما هي وبكل التفاصيل الموجودة في قلب صفحاتها لدام الشريط عشر ساعات متواصلة، وأنا في الواقع دهشت أمام البراعة التي تم بواسطتها حذف فقرات بل أجزاء كاملة من الكتاب لمصلحة الحبكة السينمائية، فهذه عملية صعبة جداً وإذا فشلت وجدنا أنفسنا أمام فيلم رديء لا يفهم منه المتفرج أي شيء ويشعر بوجود نقص في الأحداث وفي كثافة الشخصيات. · أنت نجم مرموق ومليونير وتبدو في غاية البساطة واللطف؟ - أشكرك على المجاملة وأرد عليها بكوني تعلمت الحفاظ على هويتي وعلى إنسانيتي مهما حدث لي، فالرجل إذا فقد إنسانيته باع روحه وسقط في جحيم السطحيات وأدمن الرذيلة إلى أن تأتيه قائمة الحساب وهي في مثل هذه الحال تكون مرتفعة في شكل أفضّل عدم التفكير فيه أو حتى تخيله. الحياة اللبنانية في 28 أبريل 2005 |