كتب- ماكس أناس وأنيت بوش ترجمة يوسف حجازي-قنطرة |
يعد عثمان سيمبين من أشهر المخرجين السينمائيين في افريقيا، فرغم أنه تجاوز الثمانين إلا انه لم يتردد في الإعلان عن موقفه الأخلاقي والجمالي، في فيلمه الجديد، في قضية تعد من المآسي الإنسانية في أفريقيا ألا وهي قضية ختان النساء. من أكبر التصورات الخاطئة في أوروبا، أن كل الأمور تسير دائما على ما يرام في القرى الأفريقية. حيث رسمت أفلام غرب أفريقيا السينمائية في التسعينات صورة الأمن والنظام في القرى، كما أرادتها إدارات التحرير التلفزيونية الأوربية وشجعت عليها، فتحملت بدورها جزءً من مسؤولية صياغة وترويج هذه الكليشيه. رغم ان هناك نزاع ما يعكر صفوَ السرد دائماً، لكن لابد له أن يسوّى في سياق أحداث الفيلم. فيلم وبيان احتجاج بيد أن صانع الأفلام السنغالي عثمان سيمبين enebmeS enamsuO لم يصور يوماً هذا النوع من الأفلام. فمعظم أحداث أفلامه تدور في مدينة داكار. لكنه على غير عادته اختار لتصوير فيلم »مولِد edalooM«، بيانه الإحتجاجي على ختان البنات، قرية في جنوب بوركينا فاسو يفصلها أكثر من ٠٠٠٢ كلم عن داكار. الإفتتاحية رائعة. عبر تتابع لقطات مشهدية معقدة متواصلة يعرض سيمبين مسارات الحياة والعلاقات في القرية ويلفت نظر الجمهور إلى تصدعات وكسور تقبع خلف الواجهة. وسرعان ما يتكشف كل شيء في باحة. أربعة فتيات مذعورات يأتين راكضات ويحتمين بإحدى النساء. إنه وقت الختان! النساء المتواجدات في الساحة يردن ايقاف دوامة التخريب ويصنعن سحراً لمواجهة الخاتنات: مولَد، يمنعهن من دخول الساحة إلى حين زوال لعنة الختان. تتركز النظرة المتأملة في حياة القرية اليومية بطابعها التكراري نحو خيط أحمر، نحو متراس رمزي يحيل الساحةَ حصناً منيعاً. سيمبين يُخرِجُ السؤال المتكرر دوماً: مَنْ يتعامل مع هذه الـ )لا( الواضحة، كيف يتعامل معها وما هو الحل المطروح؟ أربعون عاما سينما ناهز عمرعثمان سيمبين ٢٨ عاماً، »مولَد« هو فيلمه الروائي الثاني عشر خلال أربعين عاماً، إضافة لمجموعة من الأفلام الوثائقية. كتب عدداً كبيراً من القصص وقام بنفسه بإخرج بعضها سينمائياً. شهرته في القارة الأفريقية فريدة من نوعها، ومكانته فائقة. فلا نجد شخصية في أوروبا تحظى على شهرة نظيرة لشهرته. لومه المبدئي والصريح لصانع الأفلام hcuoR naeJ جان روش: »تنظر إلينا كالحشرات« أضاء التحوّل في اتجاه الرؤية في منتصف الستينات. فأتت الصيغة التأسيسية للسينما الأفريقية لتنادي بالأخذ بزمام الأمور: من التقنية إلى القصة، ومن التاريخ إلى الحياة اليومية، إلى حل المعضلات، كلها تُصوَّر وتُعرَض على الشاشات المحلية. تكريم بطلات الحياة اليومية ينتمي سيمبين إلى أوائل كُتّاب القصة وصانعي الأفلام في أفريقيا، حيث اتخذ دائماً موقفاً عالي النبرة ضد أوروبا، وضد إرثها الإستعماري وخطاياها التاريخية. دأب في أفلامه على كتابة تاريخ غرب أفريقيا ولم يتحاشى في خضم عمله أي نزاع يعترضه، ولا حتى مع حكومته. غالباً ما كانت النساء في أفلامه صاحبات المبادرة والمحافظات على المجريات السوية للأمور، ويؤكد سيمبين في مقابلاته منذ سنوات بلا كلل بأن أفريقيا لن يكتب لها الإستمرار بالحياة إلا بفضل عمل النساء. وبعد فيلم »فات كين )1002(eniK taaF« يشكل »مولَد« الجزء الثاني من ثلاثية تكريم حياة النساء، »بطلات الحياة اليومية« كما يسميهن. التقاليد والدين نساء القرية لا يلقين سوى القليل من التضامن. تتشكل جبهة معادية لهن بسرعة، ويأمرهن الشيوخ بالإنصياع للتقاليد. حجتهم المفضلة هي »النجاسة« ومقال ناموسهم أن الختان تقليدٌ في نهاية الأمر. إلا أن عدم إنصياع النساء يوسع دوائر النزاع. إن ارتباط الختان والأوجاع والزواج ببعضهم البعض يعني أيضاً بأن المتعة والجنس وفرض الانضباط متداخلين ببعضهم البعض إلى حد بعيد. ما يعني إذاً أنَّ تنازُل الشيوخ قد يؤدي إلى تفكك عُرى النظام التقليدي. لذا يعلن الإمام أن الختان تقليداً إسلامياً ويستخدم أساليباً صارمة للحفاظ عليه بحسب وجهة نظر الشخصية. الرجال المسنون يجدون العدو ماثلاً في وسائل الإعلام الحديثة. يعرض سيمبين مشهد اتخاذ قرار بحرق كل أجهزة الراديو، لا في لحظة هذيان قصيرة، بل كجهد مستمر لكن غير مجد فى نهاية الأمر. وتزداد الراديوهات أكثر وأ كثر على كومة الحطب، معظمها كان ويبقى مُداراً، ومن كومة الصفيح تنفذ شيئاً فشيئاً أصوات وأزيز وموسيقى. مشهد غريب وسريالي. ليس من السهل أبداً خنق الأصوات المتعددة، فيما النساء يقررن المضي بأمرهن إلى الحد الأقصى. حقائق لا دردشات عقيمة لا علاقة لـ »مولَد« بـ »سينما القضية« أحادية البعد. فكما في بعض أفلامه السابقة يهتم سيمبين بصيرورات التفاوض الشاقة. لا يرد ختان البنات كأمر بشع يُدْرَك في نهاية الفيلم بل كحقيقة تتجلى في البداية. لكن الخلاص منه يبقى أمراً شاقاً للغاية. سيمبين يعرب عن مواقف ورؤى، لا تمت بصلة إلى صوّر الدردشات العقيمة تحت ظلال أشجار الباوباب. شخصية هامشية تمثّل الوقفة اللامعة في نهاية المطاف. تاجر تميّز بمزاحه الفظ واستعراضه لجشعه بالمال، هو الوحيد الذي يغامر بحياته في اللحظة الحاسمة ويكشف النقاب عن المعايير المزدوجة للمفوض الديني. نهايةً يتعلق أمل سيمبين بأمر من خارج القرية، بلاقط إرسال. الأيام البحرينية في 26 أبريل 2005 |